حين كانت جماهير الشعوب العربية تتظاهر في الساحات والميادين والشوارع مطالبة بإسقاط النظام، كنا نحسن الظن بنوايا تلك الجماهير، ونذهب إلى أنها إنما تريد إسقاط الفوضى، وتحقيق النظام الذي عجزت حكوماتها وقياداتها عن إقامته، كان لا بد من تأويل هتاف تلك الجماهير لكي نتقبل أن ربيعا عربيا بدأت تتفتح أزهاره في الأرض العربية بعد قرون من الجدب، وأن مفهوما للحرية بدأ يتبلور بعد عصور من القمع والاستبداد، ومن الاستسلام لذلك القمع والاستبداد.


لم يكن من الممكن تقبل أن تهتف الشعوب العربية بإسقاط النظام إلا إذا ما أولنا ذلك بأنها إنما تريد النظام القائم في بلدانها والذي كانت لا تراه إلا نظاما فاسدا يتستر على الفساد والمحسوبية، وإهدار المال العام، والتربح من وراء المناصب التي تحتلها قياداته، ويعاني في ظله المواطن من الفقر والبؤس، ومصادرة الحرية واستلاب الحقوق.

خرجت الشعوب العربية في البدء مطالبة بإسقاط الفوضى، وحين اكتشفت أن النظام هو من يحمي الفوضى طالبت بإسقاط النظام، خرجت تطالب بالإصلاحيات وحين وجدت أن النظام نفسه غير قابل للإصلاح طالبت بإسقاط النظام.

كنا نتأول ذلك كله لكي نحلم بأنظمة عربية بديلة تكون هي «النظام» الذي لا تطالب الشعوب بإسقاطه، بل تخرج لكي تحميه، وتناضل من أجل بقائه، غير أن ذلك الحلم أوشك أن يتحول إلى كابوس حين لم يسفر فجر الثورات العربية إلا عن فوضى تجعل من كل تأويل أولنا به الدعوة إلى سقوط النظام مجرد ثرثرة؛ ذلك أن ما قامت به تلك الثورات العربية لم يكن سوى أن بدلت الأنظمة الفاسدة بفوضى أشد فسادا، فانتهى الربيع العربي إلى خريف تساقط معه مفهوم الدولة، وانتكست دول عربية إلى عصر ما قبل الدولة، وتأرجحت أوضاعها بين عصابات خطفت الثورة، وعصابات تحاصر وزارات الثورة، وعصابات تقود الثوار على نحو يوشك أن يجعلنا نتشكك فيما إذا كانت الشعوب العربية التي تهيأت للثورة، وإسقاط النظام قادرة على أن تتهيأ لإقامة الدولة، وتأسيس النظام البديل.



Suraihi@gmail.com