مواقف مشرقة من حياة الشيخ محمد الخضر حسين – رحمه الله –
انتقاء الشيخ/ عبدالله المزروع

1 – ولي الأستاذ الشيخ المنصب الكبير ( وهو مشيخة الأزهر ) وفي ذهنه برنامج إصلاحي كبير للنهضة الإسلامية التي يتطلع إليها العالم الإسلامي ، لكنَّ رجال الحكم لم يتركوا الشيخ يَعمل في هدوء ، ووضعوا العراقيل في طريقه ، وشعر الشيخ بضغوطٍ تَحول بينه وبين ما يريد ، أو تطلب منه تنفيذ ما لا يُرضيه ، فتقدم باستقالته قائلاً كلمته الشهيرة : ( يكفيني كوب لبن وكسرة خبز ، وعلى الدنيا بعدها العفاء ) . ( 13 / 6311 ) .

2 – وحينما تولَّى ( مشيخة الأزهر ) لم يُغيِّر شيئًا من عاداته ، كان على استعداد كامل ودائم لأن يَعيشَ على كسرة خبزٍ وكوبٍ من اللبن ، ولأنه لم يكن له في شهوات المنصب من حَظٍّ ، فإنه كان – دائمًا – يحتفظ باستقالته في جيبه .
ولقد كان يقول : ( إنَّ الأزهر أمانةٌ في عُنقي ، أُسَلِّمُهَا حين أُسَلِّمُهَا موفورةً كاملة ، وإذا لم يتأتَّ أنْ يحصل للأزهر مزيدٌ من الازدهار على يَدَيَّ ، فلا أقلَّ من ألا يحصل له نقص ) ( 13 / 6258 ) .

3 – بعد أن تم اختيار الإمام الشيخ محمد الخضر شيخًا للأزهر عام 1952 م ، زاره الرئيس السابق محمد نجيب في الأزهر للتهنئة .
وبعد انقضاء فترة على هذه الزيارة ، ذهب السيد حسين الشافعي إلى فضيلة الإمام ، وأخبره بأن الرئيس محمد نجيب يطلبه لأمرٍ ما ، فغضب الإمام ، وأخرج ورقةً من درج مكتبه ، وكتب عليها استقالته ، ثم قال للسيد حسين الشافعي : ( قل لسيادة الرئيس : إنَّ شيخ الأزهر لا يَنتقلُ إلى الحاكم ) وعبثًا حاول السيد حسين الشافعي أَنْ يَثني الإمام عن الاستقالة ( 13 / 6351 ) .

4 – تقول بعض الوثائق : إنه لمَّا ولي الخطة ، كتب استقالته بخط يده ، وأمضاها ، وترك تاريخها فارغًا ، وسلمها لكاتبه الخاص وهو يقول : ( هذه أمانةٌ بين يديك ، أكمل تاريخها يوم أَنْ تراني قد تركتُ الحق ، وسرت في طريق الباطل ، ولا تراجعني ! ) ( 13 / 6585 ) .

5 – ويقول التاريخ وهو يشهد له : إنَّ الرئيس جمال عبد الناصر كان يهابُهُ ، ويُقدِّرُهُ ، ولمَّا أصدر عبد الناصر يومًا قانونًا يَتنافى مع الشريعة الإسلامية ، لم يطلب الشيخ موعدًا لزيارة عبد الناصر لمراجعته ، وإنما كلمه هاتفيًا ، وهو يصيح ويغضب لله ، ولشرع الله . فما كان من عبد الناصر إلا أَنْ اعتذر له ، ووعده بإلغاء القانون تَوًّا ، وقد فعل . ( 13 / 6585 ) .