عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز قال: "قال لي رجاء بن حَيْوَةَ: ما رأيتُ أحداً أكمل عقلاً من أبيك: سهرتُ معه ذات ليلةٍ، فَعَشَيَ(1) السراج، فقال لي: يا رجاء، إِنَّ السِّرَاج قد عَشَيَ، قال: ووصيفٌ(2) نائمٌ إلى جانبنا، فقلت له: فأنبه الوصيف؟ قال: قد نام، دعه يرقد، قال: فقلتُ: له أقوم أنا فأصلحه، قال: ليس من مروءة الرجل استخدام ضيفه، قال: فقام فوضع رداءه، وأتى السِّرَاج ففتحه، وأخذ بَطَّة(3) زيتٍ معلقة ففتحها، وصب في السِّرَاج منها، ثم رجع وقال لي: قمتُ وأنا عمر بن عبد العزيز، ورجعتُ وأنا عمر بن عبد العزيز".
تخريج القصة:
رواها البيهقي في "شعب الإيمان" (12/ 149)، (برقم: 9194)، وأبو نُعَيْم في "حلية الأولياء"(5/ 332)، والفَسَوِِي في "المعرفة والتاريخ" (1/ 576، 577)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (45/ 225، 226)، والغَضَائِرِي في "جزئه" (ص: 169)، (برقم: 16)، بسندٍ صحيحٍ.
أهم فوائد هذه القصة:
1- سهر الخليفة عمر بن عبد العزيز مع الرعية من العلماء وطلبة العلم والعامة وبذل نفسه لهم تواضعاً وكرماً وحسن سياسة وتدبير.
2- تواضعه في مباشرته بنفسه لأبسط الاعمال: كإصلاحه للسراج؛ وذلك بفتل خيط السراج، وصب الزيت فيه وإيقاده.
3- إذا كان هذا الإمام بهذا المستوى في مثل هذه الأمور فما بالك بالأمور التي أكبر منها وأعظم وأجل؟.
4- حسن تعامله مع ضيفه، وعدم امتهانه وتكليفه.
5- وضعه لقاعدة عظيمة في إكرام الضيف ألا وهي: "ليس من مروءة الرجل استخدام ضيفه".
6- حسن تعامله حتى مع خادمه، إذ لم يرد إيقاظه من نومه.
7- تأكيده على أن ممارسة الحاكم والإمام لمثل هذه الأعمال لا ينزل من قدره ومنزلته، وذلك حينما قال: "قمتُ وأنا عمر بن عبد العزيز، ورجعتُ وأنا عمر بن عبد العزيز".
8- جمع أمراء السلف بين السياسة والعلم والأدب وحسن الخلق وطيب المعشر.
9- في القصة بيان بساطة هذا المكان الذي ضم أمير المؤمنين مع أحد العلماء.
10- ذكر الرعية لحسنات إمامهم ومآثره ومواقفه الطيبة الكريمة.

-----------------------
الهوامش:
(1 ) عَشِيَ السِّرَاج: أي ضعف ضوءه.
(2 ) الوصيف: جمع وصفاء، هو الخادم والخادمة، أي: غلاماً كان أو جارية، وقد يطلق على الجارية وصيفة.
(3 ) البَطَّة: هي إناء كالقارورة على شكل البطة يوضع فيه الدهن.