هناك أدلة كثيرة في نصوص الكتاب والسنة تدل على الميزان الذي يُوزن فيه العباد وأعمالهم وصحائف أعمالهم.
قال تعالى: (وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ) الأنبياء: 47.
وقال تعالى: (وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ) الأعراف: 8 – 9.
وقال تعالى: (فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ (103) تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيها كالِحُونَ) المؤمنون: 102 – 104.
وقال تعالى: (فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ نارٌ حامِيَةٌ) القارعة: 6 – 11.
وقال تعالى: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِين َ أَعْمالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً) الكهف: 103 – 105.
وعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما،قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يُصَاحُ بِرَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ، فَيُنْشَرُ لَهُ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ سِجِلًّا، كُلُّ سِجِلٍّ مَدَّ الْبَصَرِ، ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: هَلْ تُنْكِرُ مِنْ هَذَا شَيْئًا؟ فَيَقُولُ: لَا، يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: أَظَلَمَتْكَ كَتَبَتِي الْحَافِظُونَ؟ فَيَقُولُ: لَا، ثُمَّ يَقُولُ: أَلَكَ عُذْرٌ، أَلَكَ حَسَنَةٌ؟ فَيُهَابُ الرَّجُلُ، فَيَقُولُ: لَا، فَيَقُولُ: بَلَى، إِنَّ لَكَ عِنْدَنَا حَسَنَاتٍ، وَإِنَّهُ لَا ظُلْمَ عَلَيْكَ الْيَوْمَ، فَتُخْرَجُ لَهُ بِطَاقَةٌ فِيهَا: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، قَالَ: فَيَقُولُ: يَا رَبِّ مَا هَذِهِ الْبِطَاقَةُ، مَعَ هَذِهِ السِّجِلَّاتِ؟ فَيَقُولُ: إِنَّكَ لَا تُظْلَمُ، فَتُوضَعُ السِّجِلَّاتُ فِي كِفَّةٍ، وَالْبِطَاقَةُ فِي كِفَّةٍ، فَطَاشَتِ السِّجِلَّاتُ، وَثَقُلَتِ الْبِطَاقَةُ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى: " الْبِطَاقَةُ: الرُّقْعَةُ، وَأَهْلُ مِصْرَ يَقُولُونَ لِلرُّقْعَةِ: بِطَاقَةً([1]).
وعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، أَنَّهُ كَانَ يَجْتَنِي سِوَاكًا مِنَ الْأَرَاكِ، وَكَانَ دَقِيقَ السَّاقَيْنِ، فَجَعَلَتِ الرِّيحُ تَكْفَؤُهُ، فَضَحِكَ الْقَوْمُ مِنْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مِمَّ تَضْحَكُونَ؟» قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، مِنْ دِقَّةِ سَاقَيْهِ، فَقَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَهُمَا أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ أُحُدٍ»([2]).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّهُ لَيَأْتِي الرَّجُلُ العَظِيمُ السَّمِينُ يَوْمَ القِيَامَةِ، لاَ يَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ، وَقَالَ: اقْرَءُوا: ( فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً)([3]).
وعَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ، وَسُبْحَانَ اللهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآَنِ - أَوْ تَمْلَأُ - مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَالصَّلَاةُ نُورٌ، وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ، وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ، كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا»([4]).
وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا شَيْءٌ أَثْقَلُ فِي مِيزَانِ المُؤْمِنِ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ، وَإِنَّ اللَّهَ لَيُبْغِضُ الفَاحِشَ البَذِيءَ»([5]).
وعَنْ أَبِي سَلَّامٍ، عَنْ مَوْلًى لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: بَخٍ بَخٍ، لَخَمْسٌ مَا أَثْقَلَهُنَّ فِي الْمِيزَانِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ وَسُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالْوَلَدُ الصَّالِحُ يُتَوَفَّى فَيَحْتَسِبُهُ، وَالِدَاهُ([6]).
وعَنْ أَنَسٍ قَالَ: سَأَلْتُ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنْ يَشْفَعَ لِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، قَالَ: قَالَ: «أَنَا فَاعِلٌ» قَالَ: فَأَيْنَ أَطْلُبُكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَا نَبِيَّ اللَّهِ؟ قَالَ: «اطْلُبْنِي أَوَّلَ مَا تَطْلُبُنِي عَلَى الصِّرَاطِ» قَالَ: قُلْتُ: فَإِذَا لَمْ أَلْقَكَ عَلَى الصِّرَاطِ؟ قَالَ: «فَأَنَا عِنْدَ الْمِيزَانِ» قَالَ: قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ أَلْقَكَ عِنْدَ الْمِيزَانِ؟ قَالَ: «فَأَنَا عِنْدَ الْحَوْضِ، لَا أُخْطِئُ هَذِهِ الثَّلَاثَ مَوَاطِنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»([7]).
فدلت هذه النصوص على ثبوت الميزان، ودلت على أن الأعمال تُوزن، والعامل والصحف أيضا.
قال ابن كثير رحمه الله: ((وَقَدْ يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الْآثَارِ بِأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كُلُّهُ صَحِيحًا، فَتَارَةً تُوزَنُ الْأَعْمَالُ، وَتَارَةً تُوزَنُ مَحَالُّهَا، وَتَارَةً يُوزَنُ فَاعِلُهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ))([8]).
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الزَّجَّاجُ: أَجْمَعَ أَهْلُ السُّنَّةِ عَلَى الْإِيمَانِ بِالْمِيزَانِ، وَأَنَّ أَعْمَالَ الْعِبَادِ تُوزَنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَنَّ الْمِيزَانَ لَهُ لِسَانٌ وَكِفَّتَانِ وَيَمِيلُ بِالْأَعْمَالِ، وَأَنْكَرَتِ الْمُعْتَزِلَةُ الْمِيزَانَ وَقَالُوا: هُوَ عِبَارَةٌ عَنِ الْعَدْلِ، فَخَالَفُوا الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ أَنَّهُ يَضَعُ الْمَوَازِينَ لِوَزْنِ الْأَعْمَالِ لِيَرَى الْعِبَادُ أَعْمَالَهُمْ مُمَثَّلَةً لِيَكُونُوا على أنفسهم شَاهِدين، وَقَالَ بن فَوْرَكٍ: أَنْكَرَتِ الْمُعْتَزِلَةُ الْمِيزَانَ بِنَاءً مِنْهُمْ عَلَى أَنَّ الْأَعْرَاضَ يَسْتَحِيلُ وَزْنُهَا إِذْ لَا تَقُومُ بِأَنْفُسِهَا))([9]).


[1])) صحيح: أخرجه ابن ماجه (4300)، وأحمد (6994)، وصححه الألباني في ((صحيح الجامع))، (8095).

[2])) صحيح: أخرجه أحمد (3991)، وصححه الألباني ((الصحيحة))، (2750).

[3])) متفق عليه: أخرجه لبخاري (4729)، ومسلم (2785).

[4])) صحيح: أخرجه مسلم (223).

[5])) صحيح: أخرجه الترمذي (2002)، وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وأحمد (27532)، وصححه الألباني في ((صحيح الجامع))، (1977).

[6])) صحيح: أخرجه أحمد (15662)، وصححه الألباني في ((صحيح الجامع))، (2817).

[7])) صحيح: أخرجه الترمذي (2433)، وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ، وأحمد (12825)، وصححه الألباني ((ظلال الجنة))، (772).

[8])) ((تفسير ابن كثير)) 3/390.

[9])) ((فتح الباري)) 13/539.