دلَّ على صفة النزول – وهي صفة فعلية - حديثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ([1]).
وصفة النزول كغيرها من صفات الله جل وعلا نعلم معناها ولا نعلم كيفيتها؛ فلا يُسأل: كيف ينزل؟
قال شيخ الإسلام رحمه الله: ((فَإِنْ قَالَ لَنَا: كَيْفَ النُّزُولُ مِنْهُ جَلَّ وَعَزَّ؟ قُلْنَا لَا نَحْكُمُ عَلَى النُّزُولِ مِنْهُ بِشَيْءِ؛ وَلَكِنَّا نُبَيِّنُ كَيْفَ النُّزُولُ مِنَّا وَمَا تَحْتَمِلُهُ اللُّغَةُ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا أَرَادَ))([2]).
وقال ابن عبد البر رحمه الله: ((يَنْزِلُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فَقَدْ أَكْثَرَ النَّاسُ التَّنَازُعَ فِيهِ وَالَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَئِمَّةِ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ يَنْزِلُ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُصَدِّقُونَ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَلَا يُكَيِّفُونَ وَالْقَوْلُ فِي كَيْفِيَّةِ النُّزُولِ كَالْقَوْلِ فِي كَيْفِيَّةِ الِاسْتِوَاءِ وَالْمَجِيءِ وَالْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ وَاحِدَةٌ))([3]).
وقد أول بعض الفرق صفة النزول؛ فقالوا: تنزل رحمته، وينزل ثوابه، وينزل أمره.
قال الإمام أبو سعيد سعيد بن عثمان الدارمي رحمه الله: ((فَيُقَالُ لِهَذَا الْمُعَارِضِ: وَهَذَا أَيْضًا مِنْ حُجَجِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَمَنْ لَيْسَ عِنْدَهُ بَيَانٌ، وَلَا لِمَذْهَبِهِ بُرْهَانٌ؛ لِأَنَّ أَمْرَ اللَّهِ وَرَحْمَتَهُ يَنْزِلُ فِي كُلِّ سَاعَةٍ وَوَقْتٍ وَأَوَانٍ، فَمَا بَالُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحُدُّ لِنُزُولِهِ اللَّيْلَ دُونَ النَّهَارِ؟
وَيُوَقِّتُ مِنَ اللَّيْلِ شَطْرَهُ أَوِ الْأَسْحَارَ؟ أَفَبِأَمْرِهِ وَرَحْمَتِهِ يَدْعُو الْعِبَادَ إِلَى الِاسْتِغْفَارِ ؟ أَوْ يُقَدِّرُ الْأَمْرَ وَالرَّحْمَةَ أَنْ يَتَكَلَّمَا دُونَهُ فَيَقُولَا: "هَلْ مِنْ دَاعٍ فَأُجِيبَ؟ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فأعفر لَهُ؟ هَلْ مِنْ سَائِلٍ فَأُعْطِيَ؟ " فَإِنْ قَرَّرْتَ مَذْهَبَكَ لَزِمَكَ أَنْ تَدعِي أَن الرَّحْمَة وَالْأَمْرَ اللَّذَيْنِ يَدْعُوَانِ إِلَى الْإِجَابَةِ وَالِاسْتِغْفَا رِ بِكَلَامِهِمَا دُونَ اللَّهِ. هَذَا مُحَالٌ عِنْدَ السُّفَهَاءِ، فَكَيْفَ عَنْدَ الْفُقَهَاءِ؟ وَقَدْ عَلِمْتُمْ ذَلِكَ وَلَكِنْ تُكَابِرُونَ.
وَمَا بَالُ رَحْمَتِهِ وَأَمْرِهِ يَنْزِلَانِ مِنْ عِنْدِهِ شَطْرَ اللَّيْلِ، ثُمَّ لَا يَمْكُثَانِ إِلَّا إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ ثُمَّ يُرْفَعَانِ؛ لِأَنَّ رِفَاعَةَ يَرْوِيهِ يَقُولُ فِي حَدِيثِهِ: "حَتَّى يَنْفَجِرَ الْفَجْرُ".
وَقَدْ عَلِمْتُمْ -إِنْ شَاءَ اللَّهُ- أَنَّ هَذَا التَّأْوِيلَ أَبْطَلُ بَاطِلٍ، لَا يَقْبَلُهُ إِلَّا كُلُّ جَاهِلٍ))([4]).


[1])) متفق عليه: أخرجه البخاري (7494)، ومسلم (758).

[2])) ((مجموع الفتاوى)) 5/406

[3])) ((التمهيد)) 7/143

[4])) ((الرد على بشر المريسي))، (215).