باب: ذم الجدال والخصومات في الدين
من كتاب (الشريعة) للامام ابو بكر محمد بن الحسين الآجري رحمه الله

حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي قال : حدثنا زهير بن محمد المروزي قال : أخبرنا يعلى بن عبيد قال : حدثنا الحجاج بن دينار ، عن أبي غالب ، عن أبي أمامة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل ثم قرأ هذه الاية : ما ضربوه لك إلا جدلاً بل هم قوم خصمون .[حسن]

حدثنا أبو حفص عمر بن أيوب السقطي ، قال : حدثنا محفوظ بن أبي توبة قال : حدثنا محمد بن بشر العبدي قال : حدثنا حجاج بن دينار ، عن أبي غالب ، عن أبي أمامة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه ، إلا أوتوا الجدل ، ثم تلا هذه الآية : ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون . [حسن]

قال محمد بن الحسين : لما سمع هذا أهل العلم من التابعين ومن بعدهم من أئمة المسلمين لم يتماروا في الدين ، ولم يجادلوا ، وحذروا المسلمين المراء والجدال ، وأمروهم بالأخذ بالسنن ، وبما كان عليه الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين ، وهذا طريق أهل الحق ممن وفقه الله عز وجل ، وسنذكر عنهم ما دل على ما قلنا إن شاء الله تعالى .

حدثنا الفريابي قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا يحيى بن آدم قال : حدثنا حماد بن زيد عن محمد بن واسع ، عن مسلم بن يسار أنه كان يقول : إياكم والمراء ، فإنها ساعة جهل العالم ، وبها يبتغي الشيطان زلته .[صحيح]

وحدثنا أبو بكر بن عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي قال : حدثنا زهير بن محمد المروزي قال : حدثنا شريح بن النعمان قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن محمد بن واسع ، عن مسلم بن يسار أنه كان يقول : إياكم والمراء ، فإنه ساعة جهل العالم ، وبها يبتغي الشيطان زلته . [صحيح]
وحدثنا الفريابي قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن أيوب قال : كان أبو قلابة يقول : لا تجالسوا أهل الأهواء ، ولا تجادلوهم ؟ فإني لا آمن أن يغمسوكم في الضلالة ، أو يلبسوا عليكم في الدين بعض ما لبس عليهم . [صحيح]

حدثنا عمر بن أيوب السقطي قال : حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال : حدثنا هشيم بن بشير ، عن العوام بن حوشب ، عن معاوية بن قرة قال : الخصومات في الدين تحبط الأعمال . [صحيح]
وحدثنا الفريابي قال : حدثنا قتيبة بن سعيد قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن يحيى بن سعيد قال : إن عمر بن عبد العزيز قال : من جعل دينه غرضاً للخصومات أكثر التنقل . [صحيح]
وحدثنا أيضاً الفريابي قال : حدثني إبراهيم بن المنذر الحزامي قال : حدثنا معن بن عيسى قال : انصرف مالك بن أنس رضي الله عنه يوماً من المسجد ، وهو متكىء على يدي ، فلحقه رجل يقال له : أبو الحورية ، كان يتهم بالإرجاء ، فقال : يا عبد الله ، اسمع مني شيئاً ، أكلمك به ، وأحاجك ، وأخبرك برأي ، قال : فإن غلبتني ؟ قال : إن غلبتك اتبعني ، قال : فإن جاء رجل آخر ، فكلمنا فغلبنا ؟ قال : نتبعه ، فقال مالك رحمه الله تعالى : ياعبد الله : بعث الله عز وجل محمداً صلى الله عليه وسلم بدين واحد ، وأراك تنتقل من دين إلى دين ، قال عمر بن عبد العزيز : من جعل دينه غرضاً للخصومات أكثر التنقل . [صحيح]

وحدثنا أبو بكر عبد الله بن عبد الحميد الواسطي قال : أخبرنا محمد بن المثنى قال : حدثنا محمد بن مسعدة قال : كان عمران القصير يقول : إياكم والمنازعة والخصومة ، وإياكم وهؤلاء الذين يقولون : أرأيت أرأبت . [صحيح]

وحدثنا الفريابي قال : حدثنا أبو الخطاب زياد بن يحيى قال : حدثني سعيد بن عامر قال : حدثنا سلام بن أبي مطيع قال : إن رجلاً من أصحاب الأهواء قال لأيوب السختياني : يا أبا بكر ؟ أسألك عن كلمة ، فولى أيوب ، وجعل يشير بإصبعه : ولا نصف كلمة . [صحيح]

وحدثنا الفريابي قال : حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا سعيد بن عامر قال : سمعت جدي إسماعيل بن خارجة يحدث قال : دخل رجلان على محمد بن سيرين من أهل الأهواء ، فقالا : يا أبا بكر ، نحدثك بحديث ؟ قال : لا ، قال : فنقرأ عليك آية من كتاب الله عز وجل ؟ قال : لا ، لتقومن عني أو لأقومنه . [صحيح]

قال زهير : سمعت أحمد بن حنبل يقول : سمعت مروان بن شجاع يقول : سمعت عبد الكريم الجزري يقول : ما خاصم ورع قط في الدين . [حسن]

وحدثنا ابن عبد الحميد قال : حدثنا زهير قال : حدثنا أبو خالد قال : حدثنا سفيان بن عمرو- يعني ابن قيس - قال : قلت للحكم : ما اضطر الناس إلى الأهواء ؟ قال : الخصومات . [صحيح]

حدثنا عمر بن أيوب السقطي قال : حدثنا محفوظ بن أبي توبة قال : حدثنا محمد بن بشر العبدي ، عن زياد بن كليب قال : قال أبو عمرة لإبراهيم : يا أبا عمران ، أي هذه الأهواء أعجب إليك ؟ فإني أحب أن آخذ برأيك وأقتدي بك . قال : ما جعل الله في شيء منها مثقال ذرة من خير ، وما هي إلا زينة الشيطان ، وما الأمر إلا الأمر الأول . [صحيح]

وحدثنا عمر بن أيوب قال : حدثنا محفوظ قال : حدثنا إبراهيم بن خالد الصنعاني قال : حدثنا رباح بن زيد ، عن معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه قال : إن رجلاً قال لابن العباس رضي الله عنهما : الحمد لله الذي جعل هدانا على هواكم . وقال ابن عباس رضي الله عنهما : الهوى كله ضلالة . [صحيح]

حدثنا الفريابي قال : حدثنا العباس بن الوليد بن يزيد قال : أخبرني أبي قال : سمعت الأوزاعي يقول : عليك بآثار من سلف ، وإن رفضك الناس ، وإياك وآراء الرجال ، وإن زخرفوا لك بالقول . [صحيح]

أخبرنا أبو زكريا بن يحيى بن محمد الجبائي قال : حدثنا محمد بن عبيد بن حساب ، قال : حدثنا حماد بن زيد قال : حدثنا محمد بن واسع قال : رأيت صفوان بن محرز ، وأشار بيده إلى ناحية من المسجد ، وشببة قريب منه ، يتجادلون ، فرأيته ينفض ثوبه ، وقام ، وقال : إنما أنتم حرب . [صحيح]

حدثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد قال : حدثنا الحسبن بن الحسن المروزي قال : حدثنا عبد الله بن المبارك قال : حدثنا أبو الحكم ، قال : حدثنا موسى بن أبي كردم ، وقال غيره ابن أبي درم ، عن وهب بن منبه قال : بلغ ابن عباس رضي الله عنهما عن مجلس كان في ناحية بني سهم ، يجلس فيه ناس من قريش فيختلون فيه ، ترتفع أصواتهم ، فقال ابن عباس رضي الله عنهما : انطلقوا بنا إليهم ، فانطلقنا حتى وقفنا . فقال لي ابن عباس : أخبرهم عن كلام الفتى الذي كلم به أيوب عليه الصلاة والسلام ، وهو في حال بلائه ، قال وهب : فقلت : قال الفتى : يا أيوب : أما كان في عظمة الله عز وجل ، وذكر الموت ، ما يكل لسانك ، ويقطع قلبك ، ويكسر حجتك ؟ يا أيوب : أما علمت أن لله عباداً أسكتتهم خشية الله عز وجل ، من غير عي ولا بكم وإنهم لهم النبلاء الفصحاء الطلقاء الألباء العالمون بالله وآياته ، ولكنهم إذا ذكروا عظمة الله عز وجل تقطعت قلوبهم ، وكلت ألسنتهم ، وطاشت عقولهم وأحلامهم ، فرقاً من الله عز وجل وهيبة له ، فإذا استفاقوا من ذلك استبقوا إلى الله عز وجل بالأعمال الزاكية ، لا يستكثرون لله الكثير، ولا يرضون له بالقليل ، يعدون أنفسهم مع الظالمين الخاطئين ، وإنهم لبررة ، أبرار، أخيار، ومع المضيعين المفرطين ، وإنهم لأكياس أقوياء ، ناحلون دائبون ، يراهم الجاهل فيقول : مرضى وليسوا بمرضى ، وقد خولطوا ، وقد خالط القوم أمر عظيم .[حسن إلى وهب بن منبه وهو من الاسرائيليات].

وحدثنا ابن عبد الحميد قال : حدثنا زهير بن محمد قال : حدثنا أبو حذيفة الصنعاني قال : حدثني عبد الصمد بن معقل أنه سمع وهباً يقول : دع المراء والجدال عن أمرك ، فإنك لا تعجز أحد رجلين : رجل هو أعلم منك ، فكيف تماري وتجادل من هو أعلم منك ؟ ولا يطيعك ، فاقطع ذلك عليك . [حسن].
قال محمد بن الحسين : من كان له علم وعقل ، فيرى جميع ما تقدم ذكري له من أول الكتاب إلى هذا الموضع ، علم أنه محتاج إلى العمل به ، فإن أراد الله عز وجل به خيراً لزم سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم ، ومن تبعهم بإحسان من أئمة المسلمين رحمة الله عليهم في كل عصر ، وتعلم العلم لنفسه ، لينتفي عنه الجهل ، وكان مراده أن يتعلمه لله عز وجل ، ولم يكن مراده ، أن يتعلمه للمراء والجدال والخصومات ، ولا لدنيا .
ومن كان هذا مراده سلم إن شاء الله تعالى من الأهواء والبدع والضلالة ، واتبع ما كان عليه من تقدم من أئمة المسلمين الذين لا يستوحش من ذكرهم ، وسأل الله تعالى أن يوفقه لذلك .
فإن قال قائل : وإن كان رجل قد علمه الله عز وجل علماً ، فجاءه رجل يسأله عن مسألة في الدين ، ينازعه ويخاصمه ، ترى له أن يناظره حتى تثبت عليه الحجة ، ويرد على قوله ؟
قيل له : هذا الذي نهينا عنه ، وهو الذي حذرناه من تقدم من أئمة المسلمين .
فإن قال قائل : فماذا نصنع ؟ .
قيل له : إن كان الذي يسألك مسألته ، مسألة مسترشد إلى طريق الحق لا مناظرة ، فأرشده بأرشد ما يكون من البيان بالعلم من الكتاب والسنة ، وقول الصحابة ، وقول أئمة المسلمين . وإن كان يريد مناظرتك ومجادلتك ، فهذا الذي كره لك العلماء ، فلا تناظره ، واحذره على دينك ، كما قال من تقدم من أنمة المسلمين إن كنت لهم متبعاً .
فإن قال : ندعهم يتكلمون بالباطل ، ونسكت عنهم ؟
قيل له : سكوتك عنهم وهجرتك لما تكلموا به أشد عليهم من مناظرتك لهم ، كذا قال من تقدم من السلف الصالح من علماء المسلمين .

وأخبرنا الفريابي قال : حدثنا أبو تقي هشام بن عبد الملك الحمصي قال : حدثنا محمد بن حرب ، عن أبي سلمة سليمان بن سليم ، عن أبي حصين ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لاتجالس أهل الأهواء ، فإن مجالستهم ممرضة للقلوب .[صحيح]

وحدثنا الفريابي قال : حدثنا محمد بن داود قال : حدثنا مسلم بن إبراهيم قال : حدثني مهدي بن ميمون الأزدي قال : سمعت محمداً يعني ابن سيرين ، وما رآه رجل في شيء ، فقال له محمد : إني قد أعلم ما تريد ، وأعلم بالمماراة منك ، ولكني لا أماريك . [صحيح]

قال محمد بن الحسين : ألم تسمع رحمك الله إلى ما تقدم ذكرنا له من قول أبي قلابة : لا تجالسوا أهل الأهواء ولا تجادلوهم ، فإني لا آمن أن يغمسوكم في الضلالة ، أو يلبسوا عليكم في الدين بعض ما لبس عليهم .
ألم تسمع إلى قول الحسن - وقد سأله رجل عن مسألة - فقال : ألا تناظر في الدين ؟
فقال له الحسن : أما أنا فقد أبصرت ديني ، فإن كنت أنت أضللت دينك فالتمسه .
ألم تسمع إلى قول عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه : من جعل دينه غرضاً للخصومات أكثر التنقل ؟
قال محمد بن الحسين : فمن اقتدى بهؤلاء الأئمة سلم له دينه إن شاء الله تعالى .
فإن قال قائل : فإن اضطر في الأمر وقتاً من الأوقات إلى مناظرتهم ، وإثبات الحجة عليهم ألا يناظرهم ؟
قيل : الاضطرار إنما يكون مع إمام له مذهب سوء ، فيمتحن الناس ، ويدعوهم إلى مذهبه ، كفعل من مضى في وقت أحمد بن حنبل رحمه الله : ثلاثة خلفاء امتحنوا الناس ، ودعوهم إلى مذهبهم السوء ، فلم يجد العلماء بداً من الذب عن الدين ، وأرادوا بذلك معرفة العامة الحق من الباطل ، فناظروهم ضرورة لا اختياراً ، فأثبت الله عز وجل الحق مع أحمد بن حنبل ، ومن كان على طريقته ، وأذل الله العظيم المعتزلة وفضحهم ، وعرفت العامة أن الحق ما كان عليه أحمد بن حنبل ومن تابعه إلى يوم القيامة .
وأرجو أن يعيذ الله الكريم أهل العلم من أهل السنة والجماعة من محنة تكون أبداً .

بلغني عن المهتدي رحمه الله تعالى أنه قال : ما قطع بي - يعني الواثق - إلا شيخ جيء به من المصيصة ، فمكث في السجن مدة ، ثم إن أبي ذكره يوماً فقال : علي بالشيخ ، فأتي به مقيداً ، فلما وقف بين يديه سلم عليه ، فلم يرد عليه السلام ، فقال له الشيخ : يا أمير المؤمنين ، ما استعملت معي أدب الله عز وجل ، ولا أدب رسوله صلى الله عليه وسلم ، قال الله عز وجل : وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها وأمر النبي صلى الله عليه وسلم برد السلام ، فقال له : وعليك السلام ، ثم قال لابن أبي دؤاد : سله . فقال يا أمير المؤمنين : أنا محبوس مقيد ، أصلي في الحبس بتيمم ، منعت الماء ، فمر بقيودي تحل ، ومر لي بماء أتطهر وأصلي ، ثم سلني . فأمر ، فحل قيده وأمر له بماء فتوضأ وصلى لله ، ثم قال لابن أبي دؤاد : سله ، فقال الشيخ : المسألة لي ، فأمره أن يجيبني ، فتوضأ فقال : سل ، فأقبل الشيخ على ابن أبي دؤاد يسأله ، فقال : خبرني عن هذا الأمر الذي تدعو الناس إليه ، أشيء دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : لا . قال : فشيء دعا إليه أبو بكر الصديق رضي الله عنه بعده ؟ قال : لا ، قال : فشيء دعا إليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعدهما ؟ قال : لا ، قال : فشيء دعا إليه عثمان بن عفان رضي الله عنه بعدهم ؟ قال : لا ، قال : فشيء دعا إليه علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه بعدهم ؟ قال : لا . قال الشيخ : فشيء لم يدعو إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي رضي الله تعالى عنهم ، تدعو أنت إليه الناس ؟ ليس يخلو أن تقول : علموه ، أو جهلوه . فإن قلت : علموه وسكتوا عنه ، وسعنا وإياك من السكوت ما وسع القوم ، فإن قلت : جهلوه وعلمته أنت ، فيا لكع بن لكع ، يجهل النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون رضي الله
عنهم شيئاً وتعلمه أنت وأصحابك ؟ قال المهتدي : فرأيت أبي وثب قانماً ودخل الحيرى، وجعل ثوبه في فيه ، فضحك ، ثم جعل يقول : صدق ، ليس يخلو من أن نقول : علموه أو جهلوه ، فإن قلت : علموه وسكتوا عنه وسعنا من السكوت ما وسع القوم ، وإن قلنا جهلوه وعلمته أنت فيا لكع بن لكع يجهل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله تعالى عنهم شيئاً تعلمه أنت وأصحابك ؟ ثم قال : يا أحمد ، فقلت : لبيك ، فقال : لست أعنيك ، إنما أعني ابن أبي دؤاد . فوثب إليه فقال : أعط هذا الشيخ نفقته وأخرجه عن بلدنا .

قال محمد بن الحسين : وبعد هذا نأمر بحفظ السنن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسنن أصحابه رضي الله عنهم ، والتابعين لهم بإحسان ، وقول أئمة المسلمين مثل مالك بن أنس و الأوزاعي و سفيان الثوري و ابن المبارك وأمثالهم ، و الشافعي ، و أحمد بن حنبل و القاسم بن سلام ، ومن كان على طريقة هؤلاء من العلماء رضي الله عنهم ، وننبذ من سواهم ، ولا نناظر ، ولا نجادل ولا نخاصم ، وإذا لقي صاحب بدعة في طريق أخذ في غيره ، وإن حضر مجلساً هو فيه قام عنه ، هكذا أدبنا من مضى من سلفنا .

وحدثنا الفريابي قال : حدثنا أبو الأصبغ عبد العزيز بن يحيى الحراني قال : حدثنا أبو إسحاق الفزاري ، عن الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير قال : إذا لقيت صاحب بدعة في طريق فخذ في غيره . [صحيح]

وحدثنا الفريابي قال : حدثنا قبيصة بن سعيد قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن أبي قلابة أنه كان يقول : إن أهل الأهواء أهل الضلالة ، ولا أرى مصيرهم إلا إلى النار . [صحيح]
قال محمد بن الحسين : فإن قال قائل : هذا الذي ذكرته وبينته قد عرفناه ، فإذا لم تكن مناظرتنا في شيء من الأهواء التي يذكرها أهل الحق ، ونهينا عن الجدال والمراء والخصومة فيها ، فإن كانت عن الفقه في الأحكام مثل الطهارة والصلاة والزكاة والصيام والحج والنكاح والطلاق ، وما أشبهه ذلك من الأحكام ، فهل مباح لنا أن نتناظر فيه ونتجادل ، أم هو محظور علينا ، عرفنا ما يلزم فيه ؟ كيف السلامة منه ؟
قيل له : هذا الذي ذكرته ما أقل من سلم من المناظرة فيه ، حتى لا يلحقه فيه فتنة ولا مأثم ، ويظفر به الشيطان .
فإن قال : كيف ؟
يل له : هذا ، قد كثر في الناس جداً في أهل العلم والفقه في كل بلد يناظر الرجل لرجل يريد مغالبته ، ويعلو صوته ، والاستظهار عليه بالاحتجاج ، فيحمر لذلك وجهه ، وتنتفخ أوداجه ، ويعلو صوته ، وكل واحد منهما يحب أن يخطىء صاحبه ، وهذا الرأي من كل واحد منهما خطأ عظيم ، لا تحمد عواقبه ولا تحمده العلماء من العلماء ، لأن مرادك أن يخطىء مناظرك خطأ منك ، ومعصية عظيمة ، ومراده : أن تخطىء خطأ منه ، ومعصية ، فمتى يسلم الجميع له ؟
فإن قال قائل : فإنما نتناظر لتخرج لنا الفائدة ؟ .
قيل له : هذا كلام ظاهر، وفي المناظرة غيره .
وقيل له : إن أردت وجه السلامة في المناظرة لطلب الفائدة ، كما ذكرت ، فإذا كنت أنت حجازياً ، والذي يناظرك عراقياً ، وبينكما مسألة ، تقول أنت ، ويقول هو، بل هو حرام ، فإن كنتما تريدان السلامة ، وطلب الفائدة ، فقل له : رحمك الله ، هذه المسألة ، قد اختلف فيها من تقدم من الشيوخ ، فتعال حتى نتناظر فيها مناصحة ، لا مغالبة ، فإن يكن الحق فيها معك اتبعتك ، وتركت قولي ، وإن يكن الحق معي اتبعتني وتركت قولك ، لا أريد أن تخطىء ولا أغالبك ، ولا تريد أن أخطىء ولا تغالبني .
فإن جرى الأمر على هذا فهو حسن جميل ، وما أعز هذا في الناس .
فإذا قال كل واحد منهما : لا نطيق هذا ، وصدقا عن أنفسهما .
قيل لكل واحد منهما : قد عرفت قولك وقول أصحابك واحتجاجهم ، وأنت فلا ترجع عن قولك ، وترى أن خصمك كذلك ، فما بكما إلى المجادلة والمراء والخصومة حاجة إذاً . كل واحد منكما ليس يريد الرجوع عن مذهبه ، وإنما مراد كل واحد منكما أن يخطىء صاحبه ، فأنتما آثمان بهذا المراء ، وأعاذ الله تعالى العلماء الفضلاء عن هذا المراد .
فإذا لم تجر المناظرة على المناصحة فالسكوت أسلم ، قد عرفت ما عندك وما عنده وعرف ما عنده وما عندك . والسلام .
ثم لا يؤمن أن يقول لك في مناظرته : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتقول له : هذا حديث ضعيف ، أو تقول : لم يقله النبي صلى الله عليه وسلم ، لترد قوله ، وهذا عظيم ، وكذلك يقول لك أيضاً، فكل واحد منكما يرد حجة صاحبه بالمجازفة والمغالبة .
وهذا موجود في كثير ممن رأيناه يناظر ويجادل ، حتى ربما خرق بعضهم على بعض ، هذا الذي خافه النبي صلى الله عليه وسلم على أمته ، وكرهه العلماء ممن تقدم .


تنبيه: نقلت هذه الباب من موقع الشاملة وأما الحكم على الاسانيد فقط نقلته من تحقيق الشيخ عصام موسى هادي للكتاب باختصار وقد قمت بحذف جميع المرويات الضعيفة.