الرب في اللغة: يُطلق على الحفظ، والرعاية، وعلى الخالق المربي، ويطلق على المالك، والسيد، والمدبر، والقيم، والمنعم. هذه كلها معانٍ تندرج تحتها لفظ الرب. لكن أصلها الذي ينطوي أو يجتمع معها هو المربي، الرّب بمعنى التربية، وهذه المالك، والسيد، والمدبر، والمنعم، والقيم هذه كلها تدور معنى التربية،
والرب له معنيان: معنى لغوي، ومعنى شرعي، ولا أقول: اصطلاحي.
معنى لغوي بمعنى الحفظ، والرعاية، والخالق، والمدبر، والقيم، والمنعم، ونحو ذلك. لأنه مأخوذ من التربية.
وله معنى الشرعي، المعنى الشرعي له جهتان:
- أن يستعمل لفظ الرب وحده هكذا عند الإطلاق. {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا}. أطلق ربنا. حينئذ يفسر الرب هنا بمعنى المعبود، هو ليس معناه لغة معبود، لكن نقول نحن الآن نفسر كلام الشرع فنفسره بما اقتضاه كلام الشارع. فحينئذٍ إذا استعمل عند الإطلاق نفسر الرب بمعنى المعبود.
- وإذا استُعمل مع الله، نفسر الرب بمعنى الخالق، المالك، المدبر، والله بمعنى المعبود، فإذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا.
وهذا تعريف الرب عند الإطلاق فإنه يدخل فيه معنى الإلوهية، كما أن كلمة ولفظة الله عن الإطلاق معناه الخالق المعبود، (الله) في الأصل نقول: مشتق من الإلوهية والإلوهية بمعنى العبودية، (الله) أصله الإله، فِعَال بمعنى مفعول، فمعناه المعبود، ليس فيه تعرض لكونه خالقًا، لأن الخالق هذا من مفردات الرب وليس من مفردات لفظ المعبود من جهة اللغة، فإذا قيل: (الله)، نفسره بالخالق المعبود نجمع بين الربوبية والإلوهية.
أما عند الاقتران فتضمن قاعدة: إذا اجتمعا تفرقا وإذا افترقا اجتمعا. هذا قول وهذا هو الظاهر والله أعلم، أن مراده من ربك؟ أي من خالقك ورازقك ومعبودك.
من كلام الشيخ الحازمي
وقال الشيخ صالح آل شيخ:
قال رحمه الله تعالى (فإذا قيل لك ما الأصول الثلاثة التي يجب على الإنسان معرفتها؟ فقل معرفة العبد ربه ودينه ونبيه محمدا صلى الله عليه وسلم)، (معرفة العبد ربه) يعني معرفة العبد معبوده؛
لأن الربوبية في هذا المقام يُراد بها العبودية، لما؟ لأن الابتلاء للأنبياء والمرسلين لم يقع في معاني الربوبية، ألم ترَ أن الله جل وعلا قال؟ ﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنْ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ﴾ هذه مقتضيات الربوبية ﴿فَسَيَقُولُ نَ اللَّهُ﴾. المشركون في كل زمان لم يكونوا ينازعون في تَوَحُّدِ الله جل وعلا في ربوبيته، ولهذا فسر العلماء سؤال القبر من ربك؟ بمن معبودك؟ لما؟ لأن الابتلاء لم يقع في الربوبية،
وقد سئل الشيخ الإمام رحمه الله تعالى عن الفرق بين الربوبية والألوهية في بعض النصوص -في أحد الأسئلة التي وجهت إليه- فكان من جوابه أن قال: هذه مسألة عظيمة، وذلك أن الربوبية إذا أطلقت، أو إذا أفردت فإنه يدخل فيها الألوهية؛ لأن الربوبية تستلزم الألوهية، وتوحيد الربوبية يستلزم توحيد الإلهية، والألوهية تتضمن الربوبية. لأن الموحد لله جل وعلا في ألوهيته هو ضمنا مقر بأن الله جل وعلا هو واحد في ربوبيته، ومن أيقن أن الله جل وعلا واحد في ربوبيته استلزم ذلك أن يكون مقرا بأن الله جل وعلا واحد في استحقاق العبادة، ولهذا تجد في القرآن أكثر الآيات فيها إلزام المشركين بما أقروا به ألا وهو توحيد الربوبية على ما أنكروه ألا وهو توحيد الإلهية، من مثل قول الله جل وعلا في سورة الزمر﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ هذا توحيد الربوبية قال بعدها ﴿قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِي اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِي اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُو نَ﴾، قال (قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ) والفاء هنا رتبت ما بعدها على ما قبلها؛ وما قبلها هو توحيد الربوبية وما بعدها هو توحيد الإلهية، ولهذا في القرآن يكثر أن يحتج على المشركين بإقرارهم بتوحيد الربوبية على ما أنكروه ألا وهو توحيد الإلهية،
لهذا قال جل وعلا ﴿وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾, المعنى بـ(أَرْبَابًا) أي معبودين وكذلك قوله تعالى﴿اتَّخَذُو أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾، يعني معبودين لأن عدي ابن حاتم لما قال للنبي عليه الصلاة والسلام: إنا لم نعبدهم. ففهم معنى الربوبية في الآية معنى العبادة، وهذا هو الذي يفهمه من يعرف اللسان العربي، قال النبي عليه الصلاة والسلام -كما هو معروف-: «ألم يحلوا لكم الحرام فأحللتموه، ألم يحرموا عليكم الحلال فحرمتموه» قال: بلى. فقال: «فتلك عبادتهم».
إذن الربوبية تطلق ويراد منها العبودية في بعض المواضع، تارة بالاستلزام، وتارة بالقصد. وبعض علمائنا قال إن لفظ الألوهية والربوبية يمكن أن يُدخل في الألفاظ التي يقال إنها إذا اجتمعت تفرقت وإذا تفرقت اجتمعت، وهذا وجيه.