بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، وصلى اللهُ وسلّم على رسول الله. أما بعد:

فهذه مشاركات للأخوين: سليمان أبو ستة، وأسامة أمين ربيع -وفّقهما الله- في شبكة الفصيح؛ أعجبني الاقتراح إلى حدّ كبير، وبدا لي أنه ذو فائدة وله أهمية، فنقلتُ المشاركات وجعلتُها كلها في هذا الموضوع، وإن لم أقتنع بكل تفاصيلها، لكن هو الرأي، والقضية واسعة..

---------------------

[ كتَب سليمان أبو ستة:]

تمتاز الكِتابة العَرَبيّة بأقصى دَرَجة من الدِقّة في ضَبط الألفاظ مما لا يمكِن أن نجِد له مَثيلا في مُعظَم لُغات العالَم المَكتوبة . ويرجِع السَبَب في ذلك إلى تَوَفُّر رَمز كِتابيّ لكلّ صَوت من أصوات الكَلام سَواء منها الصَوامِت والحَرَكات . ومع أنّ العَرَب لم يكونوا يعبأون في بِداية عَصر التَدوين بإثبات رُموز للحَرَكات القَصيرة، لاعتِمادهم على السَليقة اللغَويّة التي تهديهم إلى الوَجه الصَحيح من وُجوه ضَبط الكَلام، إلا أنّهم اضطُرّوا إلى إضافة هذه الحَرَكات بعدما فَسَدت سَلائقهم نَتيجة لاتِساع نِطاق الدَولة الإسلاميّة واشتِمالها على أُمَم لم يكن لِسانها في الأصل العَرَبيّة ، وكان أن وُضِعت رُموز لهذه الحَرَكات ابتَدأت بنَقط أبي الأسود الدؤَليّ للمُصحَف، نَقط إعراب، ثم اكتَمَلت بعلامات التَشكيل الثَمانية التي ابتَكرها الخَليل بن أحمد .
ونحن في لُغَتنا اليَوميّة، وفيما يُسَمّى بلُغة الصَحافة، لا نحتاج إلى عَلامات التَشكيل إلا في القَليل النادر. وعلى نَحو من ذلك كان العَرَب في الجاهِليّة وأوّل الإسلام في غِنى أيضا عن هذه العَلامات وعن عَدَد آخَر من الأحرُف التي ترمِز لأصوات العِلّة الطَويلة؛ بل وحتّى عن نُقَط الإعجام التي تتَمَيّر بها بَعض الحُروف من بَعض، كالباء عن الياء عن التاء عن الثاء ونَحو ذلك من الحُروف المُتَشابهة؛ مما كان يجعل الكتابة في ذلك الزَمان أقرَب شَيء إلى الإختِزال .
ولكنّنا اليَوم لسنا كالأوائل سَليقة ، كما وأن الأُلفة بأنواع أخرى من الكِتابة ليست كالأُلفة بالكِتابة الصَحَفيّة ، ولذلك فنحن في حاجة إلى قَدر من عَلامات التَشكيل التي تزيل غُموض المَعنى في مِثل هذه الأنواع من الكِتابة العِلميّة والأدَبيّة، وفي الوَقت نَفسه لا تثقل النَصّ المَكتوب والمُزَركَش بعَدَد من هذه العَلامات .
ولتَحقيق هذا الهَدَف اقتَرَح بَعضهم فِكرة التَشكيل الجُزئيّ للكَلِمة بحيث يأمَن القارئ اللَبس في نُطقها ومن ثمّ في فَهم مَعناها، ولكنّ هذا التَشكيل الجُزئيّ لم يكن مَبنيّا على قَواعِد عامّة مَعروفة، وبَدَلا من ذلك فقد ظَلّ مَتروكا للكاتِب وَحده لكي يقَرّر بنَفسه نَوعيّة وقُدُرات الجُمهور الذي يقرأ له على فَهم مَضمون كَلامه .
وقد بَدا لي أنّ في الإمكان تَحقيق الغاية القُصوى من أمن اللَبس في نُطق الكَلِمة وفَهم مَعناها من خِلال تَشكيل جُزئيّ يعمَل عَمَل التَشكيل الكامِل وخاصّة إذا ما تَمّ الاعتِماد على فَهم خَصائِص الأصوات اللُغَويّة ومَعرِفة عَلاقتها مع بَعضها البَعض ، ومن ثمّ استِثمار هذه المَعرِفة وذلك الفَهم في تَحقيق مَبدأ الاقتِصاد في استِخدام عَلامات التَشكيل والاقتِصار منها على ما من شأنه أن يعطي وُجوها مُتَباينة من القِراءة لو تُرِك الحَرف خَلوا منه .
وعَلامات التَشكيل التي سنعمَل على تَقليل استِخدامها إلى حَدّه الأدني هي الفَتحة والكَسرة والضَمّة والسُكون والشَدّة والمَدّة وعَلامة الصِلة والهَمزة. وهنا يجِب التَنبيه إلى أنّ الشَدّة والهَمزة لا يمكن الاستِغناء عنهما في النِظام الكِتابيّ؛ لأنّهما تدُلان على حُروف بأعيانها، وليستا عَلامات تَلحَق بحُروف دون حُروف . فالفِعل الثُلاثيّ ( كَسَر) يصبِح رُباعيّا إذا وُضِعت الشَدّة على السين هكذا : ( كَسّر ) بينما يبقى ثُلاثيا سَواء كانت الكاف مُشَكَّلة بالفَتح أو بالسُكون . غَير أنّنا يجِب أن نتَنَبَّه إلى أنّ تلك الشَدّة التي يثبِتونها على الحَرف التالي للام التَعريف حين يكون من الحُروف الشَمسيّة يُعتَبَر من قَبيل الخَطأ لأنّ فيه زِيادة حَرف غير لازِم ، ويُغني عنها أن نلتَفِت إلى مُراعاة ظاهِرة الإدغام . وأما بالنِسبة للهَمزة، وهي رأس العَين التي تدُلّ على الحَرف الذي لم يكن له في بَعض المَواضِع من الكَلِمة رَمز مُعَيّن يخُصّه وَحده، فإنّ بَقاءها ضَروري للتَفرِقة بَينها وبَين ألِف المَدّ أو ألِف الوَصل .
ويمكن أن نضيف إلى هذين الرَمزَين رَمز المَدّة ، وهو ما يدُلّ على حَرف بعينه هو ألِف المَدّ الذي يرِد بعد الهَمزة حين يكون مَوقِعها أصلا في أوّل الكَلِمة ، وهو، مثَله مَثَل الشَدّة، وُضِع بَديلا من تَكرار كِتابة الحَرف الذي يأنَفه نِظام الكِتابة في العَرَبيّة . هذا ، وقد صار للمَدّة مع الألِف قبلها رَمز مَنفَصِل على لَوحة المَفاتيح مما يجعَلُنا نخرِجه من طائفة عَلامات التَشكيل.
وأمّا السُكون فما من عَلامة من عَلامات التَشكيل أجدَر بأن تُحذَف أو تُقصى عن هذا النِظام منه . ذلك أن الحَرف إذا ظَهَرت عليه عَلامة من عَلامات الحَرَكة كالفَتحة والضَمّة والكَسرة صار مُتَحَرِّكا ، فإن خَلا من أيّ من هذه العَلامات خَلا من الحَرَكة بكُلّ أشكالها وعاد ساكِنا ، ولذلك لم يعُد بحاجة إلى رَمز السُكون .
ثم إنّ إثبات عَلامة السُكون التي كانت توضَع على أحرُف المَدّ التي تُدعى في المَفهوم الصَوتيّ الحَديث بالحَرَكات الطَويلة هو من باب التَناقُض الذي يعتَرِف بطَبيعة الحَركة في هذه الأصوات وفي الوقت ذاته يُصِرّ على دَمغها بعَلامة السُكون .
وأمّا عَلامة الصِلة التي توضَع على الألِف المَتبوعة بلام التعريف وفي أوّل الكَلِمات التي تبدأ بصامِتَين نَحو استَعلَم واستِعلام وانطَلق وانطِلاقة وغَيرها ، فلا موجِب لإثباتها . وكذلك هي لا تلتَبِس بألِف المَدّ التي لا تقَع في أوّل الكَلِمة، ولا بالألِف الفارِقة التي تظهَر بعد بَعض الأفعال، وكلّ هذه الألِفات تخلو من أية عَلامة . ولا شَكّ أنّ من طَوَّروا لَوحة المَفاتيح قد انتَبَهوا إلى هذه الخَصيصة في ألِف الوَصل حيث لم يُعيروا العَلامة التي وَضَعها الخَليل أيّ اهتِمام، وبالتالي فلم يجعَلوا لها مَكانا على هذه اللوحة .
بقيت الحَرَكات الثَلاث وهي الفَتحة والكَسرة والضَمّة ، والظاهِر أنّ من غير اللازِم إثبات أيّ من هذه الحَرَكات قبل حُروف المَدّ التي تجانسها ، فإذا كانت مَتبوعة بحُروف مُغايِرة لَزَم إثباتها ليؤمَن اللَبس.
ثمّ إنّ هناك نَوعا واحِدا من الحَرَكة يسبِق التاء المَربوطة هو الفَتحة ، فالفَتحة هنا لا لُزوم لإثباتها أيضا . وكذلك لا لُزوم لتلك الحَرَكات التي يمكِن أن تدُلّ عليها أحكام رَسم الهَمزة .
يأتي بعد ذلك إثبات الحَرَكات الإعرابيّة على أواخِر الكَلِمات وهل يجدُر إثباتها أم يُترَك أمر تَقديرها للقارئ الذي يجِب أن يكون شَدا شَيئا من النَحو يجعَله يمَيِّز ما حَقّه الرَفع في مَوضِع الرَفع وما حَقّه الخَفض في مَوضِع الخَفض وقِس على ذلك مما يمكن تَحقيقه بالقَدر الأساسيّ المَطلوب مَعرِفته من النَحو .
وأخيرا ، فإنّ ثَمّة كَلِمات يمكِن لنا أن نَتَحاشي تَشكيلها وذلك لأنّها أصبَحَت شائعة شُيوعا كَبيرا وانغَرَست طَريقة نُطقها في أعماق النَفس منذ الصِغر نَحو هذا ، وهذه ، وأولئك ، وهؤلاء .. وباختِصار كلّ الكَلِمات التي تُعد في تَقسيم الكَلام من فئة الحَرف . كما يُمكن أن نضيف إليها السَوابق prefixes كالواو والفاء والسين واللام وغيرها .
ولا بُدّ أن القارئ الآن قد لاحَظ أنّ النَص ّ كُلّه قد شُكِّل تَشكيلا كامِلا عَبر هذه الطَريقة المُقتَرَحة من التَشكيل الجُزئيّ القائم على القَواعِد العامّة التي بَيّنّاها وليس على مُجَرّد التَقدير الشَخصيّ .

- لا شك أن بعض أفكار هذه المداخلة ليست جديدة على القارئ المتتبع لقضية الاقتصاد في التشكيل، وإن كان من الملاحظ أيضا أن البعض الآخر منها لم يتطرق إليه الباحثون بحال من الأحوال. وبالتالي، فإنه يمكن لي أن أزعم أن ما جئت به من جديد في هذا الصدد يصلح لأن يعد لبنة تضاف إلى ما سبق ذكره في سبيل أن يكتمل بناء هذا البحث الهام من بحوث الكتابة العربية. أضف إلى ذلك مزية أخرى لهذه الطريقة الجديدة من التشكيل هي أني طبقتها في نشري لكتابين تراثيين في مجلة محكمة ولا أظن أن أحدا وجد في قراءتهما عنتا أو قصورا في الضبط الصحيح لأي من الكلمات فيهما.
إن الفكرة الأساسية التي بني عليها هذا البحث هي أن كل ما يمكن وضع قاعدة له يعد معلوما للقارئ، ولا يحتاج من الكاتب إلى ضبطه بأي من حركات التشكيل، نحو حروف المد فإنها لا تتطلب إثبات الحركة المجانسة لها على الحرف الذي يسبقها، وكذلك الحرف الذي يسبق تاء التأنيث فهو مفتوح أبدا.. وإلى غير ذلك مما أشرنا إليه في هذه المداخلة وأشار غيرنا إليه مما اطلعنا عليه.
وبناء على هذه الفكرة أيضا فلم أقم بتشكيل أواخر الكلمات لأنها تتبع منظومة معقدة جدا من القواعد تكفل ببيانها وبسطها علم مستقل بها يسمى النحو. ولأني، كالكثيرين غيري، عير ضليع بالنحو، فقد فكرت أن أقدم لهؤلاء الذين يشاركونني ضحالة المعرفة بمعظم مسائله، بعض القواعد التي أعتقد أنهم لو عرفوها لاستطاعوا ضبط ما أهملناه من تشكيل للكلمة بنسبة أحسب أنها كبيرة بلا جدال.
وأول هذه القواعد، إن التزمنا بتقسيم الكلام إلى اسم وقعل وحرف، أن الحروف كلها مبنية وبالتالي لا تحتاج من القارئ الفطن إلى تشكيل، فحاله هنا يصير كحال من رفض من القدماء فكرة التشكيل التي طورها الخليل بن أحمد، وإن لم يبلغ مبلغ هؤلاء من إنقان للنحو إتقانا يبيح لهم أن يستغنوا عن التشكيل استغناء كاملا.
وأما الاسم فإنه يقبل تشكيل آخره بالحركات الثلاث، الفتحة والضمة والكسرة. فإذا عرفنا أن الكسرة أمرها هين لأنها تختص ببابين معلومين في النحو هما الجر والإضافة، فإن الفتحة، خلافا لذلك، تحتاج إلى قدر من المعرفة أوسع وخاصة في أبواب المفاعيل وما يتعلق بالنصب عموما كاسم إن وأخواتها وخبر كان وأخواتها وغير ذلك مما يتيسر تعلمه لطالبه متى شاء . فأما الذي يجد القارئ أنه لا يلزمه النصب أو الجر من الأسماء فسبيله إلى الرفع مطلقا.
وكذلك الأمر في الفعل المضارع، ومعه المستقبل، ( الماضي مبني دوما على الفتح)، فإنه لا يقبل إلا حركتين من ثلاث هما الفتحة والضمة بالإضافة إلى الحركة الصفر، وتعني الجزم أو التسكين، وهذه لم نثبت لها رمزا، بل نعجب من الخليل كيف وضع لها رمزا وهي التي تدل على سلب للحركة. فتعريتها من رمز الحركة يشير وحده إلى حالة الجزم أو السكون في الكلمة.
وهنا أتوقف عن هذا الاستطراد في حديث أشعر بأنه يخوض في مجال غير مجالي ، كيف وفي هذا القسم من المنتدى علماء لا يستهان بهم . وهم وإن كنت لا أعرفهم جميعا ، ودعك من أن بعضهم يتخفى وراء أسماء حركية، فإن أبرز هؤلاء العلماء الأفذاذ حقا أستاذنا الدكتور أبو أوس إبراهيم الشمسان، ولعله يتفضل بتصحيح ما أخطأنا فيه أو يكمل ما قصرنا في بيانه، فهو بلاشك أحد سدنة هذا العلم المخلصين.

- ممن كتب في هذا الموضوع الدكتور خليل محمود عساكر وبحثه المعنون "الكتابة العربية بين نموها الرأسي ونمو أفقي مقترح" منشور بمجلة جامعة أم القرى (معهد اللغة العربية) العدد الأول 1402 هـ/ 1982م .
وللدكتور مصطفى حركات كذلك كتاب بعنوان "الكتابة والقراءة وقضايا الخط العربي" وهو من إصدارات المكتبة العصرية بلبنان عام 1998م، وقد أفدت منه كثيرا .

---------------------

[كتَب أسامة أمين ربيع:]

قواعد التشكيل الذكي في الكتابة العربية

ضمن موضوع "النقطة والفاصلة" الذي تناولته من قبل في هذا الموقع سعياً لتقعيد قواعد الكتابة باستعمال برامجيات معالجة النصوص، هذه محاولة لوضع أسلوب مبسَّط لكيفية شكل الكتابة العربية بصورة مختصرة وكافية لرفع اللبس والغموض (أشكِل ما أشكَل)...

ومرحباً باقتراحات الزملاء...

1 ـ الحرف المتبوع بحرف مدٍّ لا يُشكَل، لدلالة حرف المدِّ على الحركة للتجانس بينهما.

2 ـ الحرف الأول من الكلمة لا يُضبط إن كانت حركته الفتح ؛ لأنه في هذه الحالة لا يكون ساكناً، والفتحة أخفُّ الحركات وأكثرها دوراناً، فعدم الضبط في هذا الموضع إشارة إلى الفتحة، إلاَّ إذا وليَه حرف لين، للتفريق بين المدِّ واللين. وكذلك بعد حرف ساكن في الكلمة، أي في بداية كلِّ مقطع من الكلمة ؛ وقد اعتمد ذلك (مجدُ الدين الفيروزاباديّ) في معجمه (القاموس المحيط).

3 ـ الحرف قبل تاء التأنيث لا يُضبط ؛ لأنَّ حركته في هذا الموضع الفتحة دائماً.

4 ـ في الكلمة التي تنتهي بهمزة متطرفة لا يُضبط الحرف قبل الهمزة ؛ فالحرف الذي كُتبت عليه الهمزة دليل على حركة الحرف الذي قبلها.

4 ـ إشارة همزة القطع تحت الألف مكسورة، وفوق الألف مفتوحة أو مضمومة، فتُضبط مضمومة فقط، وموضعها في غير هذه الحالة دالٌّ على حركتها.

5 ـ ما عدا ذلك يأتي الحرف الساكن خالياً من الحركة. فإشارة السكون آخر ما وضع من الحركات، حيث اعتمد (الخليل بن أحمد) حرف الخاء المهملة إشارة إلى ذلك، من كلمة خفيف، ولا تزال كذلك في الضبط القرآنيِّ. ثمَّ اعتُمدت الدائرة التي تشير إلى الصفر في الأرقام المغربيَّة التي انتقلت إلى أوربا وعُرفت بالأرقام العربيَّة. أمَّا في الضبط القرآنيُّ فقد اعتُمدت الدائرة لتوضع فوق الحرف الذي يُكتب ولا يُقرأ.

6 ـ حركة همزة الوصل تُعرف عادة بقواعد مشهورة، وتسقط لفظاً في درج الكلام ؛ فكان إهمال إشارة الهمزة فيها دليل على أنها همزة وصل.

7 ـ حركة الإعراب لابدَّ منها، مع إثبات الحركة العارضة ؛ لأنَّ الضبط الإعرابيِّ يُبنى على القراءة درجاً.

مثال تطبيقي :

يقولون جاهِد يا جميلُ بغزوةٍ وأيُّ جِهادٍ غَيرهُنَّ أُريدُ

يقولون : (الياء) مفتوحة وجاءت في بداية الكلمة، فعدم الضبط يشير إلى الفتحة، ولو كانت مكسورة أو مضمومة لضبطت. (القاف) مضمومة يدل على ذلك حرف المدِّ الذي يلي (الواو) وهو ساكن بالضرورة. (حرف اللام) مضموم لدلالة الواو المديَّة عليه. (النون) هي علامة إعراب، فهي مفتوحة بالضرورة جاءت بعد حرف ساكن.

جاهِد : حركة (الجيم) الفتحة إذ جاءت قبل الألف ؛ فحرف المدّ دليل على حركتها، وهي في بداية الكلمة. (الهاء) مكسورة فحركت بالكسر. (الدال) مبنيَّة على السكون، وإهمال الحركة في هذا الموضع وأمثاله دليل على السكون.

يا : (الياء) مفتوحة حتماً، بعدها حرف مدّ.

جميلُ : (حرف الجيم) مفتوح إذ جاء في بداية الكلمة، ولو كان مضموماً أو مكسوراً لضبط. (حرف الميم) مكسور، دلَّ على ذلك حرف المدّ بعده. أمَّا (الميم) فقد حُرِّكت حركة الإعراب. ولو كانت هذه الكلمة بصيغة التصغير لضبط بالحركات (جُمَيْلُ).

بِغزوةٍ : (الباء) كلمة إذ هي حرف جر، وهي مكسورة، فضبطت بالكسر. (الغين) أول كلمة (غزوة) عدم ضبطها إشارة إلى أنها مفتوحة. (الزاي) ساكنة جاءت نهاية مقطع، فعدم الشكل إشارة إلى السكون في هذا الموضع. (الواو) مفتوحة حتماً ؛ لأنَّ بعدها (تاء تأنيث)، والمقصود (بتاء التأنيث) تاء التأنيث الصرفية التي تلحق الأسماء، مثل : (مدرسة، عاملة، فاطمة، معاوية، طلحة، قومية، اشتراكيّة،… وما إلى ذلك مما يدلّ على تأنيث حقيقيّ أو تأنيث لفظي أو ما يشير إلى المصادر الصناعية… أمَّا (تاء التأنيث النحويَّة) فهي تلحق الأفعال الماضية المبنيَّة على الفتح عادة.

وأيُّ : (الواو) كلمة مؤلفة من حرف واحد مفتوح فعدم الضبط هنا دليل على الفتحة. (أيُّ) الهمزة مفتوحة، دلَّ على ذلك وجود إشارة الهمزة فوق الألف. (الياء) مشدَّدة مضمومة فضبطت بالشدَّة والضمة.

جِهادٍ : (الجيم) مكسورة، فوضعت إشارة الكسرة ؛ ولو كانت مفتوحة لما ضبطت لأنها في بداية الكلمة. (الهاء) مفتوحة دلَّ على ذلك حرف المدّ (الألف). (الدال) حُرِّكت بتنوين الجرِّ حركة إعراب.

غَيرهُنَّ : (الغين) حُرِّكت بالفتح مع أنها في بداية الكلمة ؛ لأنَّ بعدها ياء ليِّنة، وليس مدِّية. و(الياء) ساكنة بالضرورة ولو كانت متحركة لضبطت بالحركة. (الراء) مفتوحة جاءت بعد ساكن فعدم ضبطها إشارة إلى أنها مفتوحة. و(الهاء) ضبطت بالضمّ. (النون) مشدَّدة مفتوحة ؛ فوضعت إشارة الشدَّة دون حركة دلالة على أنّها مفتوحة.

أُريدُ : الهمزة حُرِّكت بالضمَّة، ولو كانت مفتوحة لأُهملت حركتها لأنها في بداية الكلمة. (الراء) مكسورة دلَّ على ذلك حرف المدِّ. (الدال) حُرِّكت بالضمة حركة إعراب.

---------------------

[عقّب سليمان أبو ستة:]

دعاني الأخ الدكتور أسامة، برسالة خاصة على بريدي الإلكتروني، إلى التعقيب على هذه المشاركة (لم أنتبه إليها إلا مؤخرا). وقد بدا لي أنه لم يطلع بعد على مشاركة لي في الموضوع ذاته على الرابط :
http://www.alfaseeh.com/vb/showthread.php?t=42295
إن أفكارنا في المشاركتين متفقة إلى حد كبير ، ولو أنه زاد على ذلك ضرورة تشكيل حركة الإعراب في حين أني تركتها لذكاء القارئ الذي يفترض فيه أن يملك حدا أدنى من المعرفة بالنحو. هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى فقد تركت ضبط ما تدخل فيه الهمزة لأن أحكامها باتت معروفة. وأما قوله " الحرف قبل تاء التأنيث لا يُضبط ؛ لأنَّ حركته في هذا الموضع الفتحة دائماً " فهذا صحيح حين يكون المقصود التاء المربوطة، وأما تاء التأنيث المفتوحة فيلزم تشكيل ما قبلها حتى لا يقع اللبس بين : جلست وجلست، والأولى تعني جلست هي، والثانية جلست أنت.
إن المعيار الصحيح في تحديد أيّ الحركات تُضبط وأيها تترك لذكاء القارئ لا يتحدد إلا بالممارسة الحثيثة على تبني فكرة الاقتصاد في التشكيل وتبني قواعد التشكيل الذكي.
تحياتي للكاتب المبدع الدكتور أسامة وأتمنى أن يعتمد الكتاب قواعده في أعمالهم كما اعتمدتها في تحقيق كتابين تراثيين يفترض فيهما أن يضبطا ضبطا كاملا، ومع ذلك كان للاقتصاد في التشكيل دوره الذي وفر كثيرا من العناء على الكاتب في تشكيل كل حرف من حروفه وأراح نظر القارئ ووفر له ما يوفره التشكيل الكامل .

---------------------

[ردّ أسامة:]

شكراً أستاذنا العزيز على تكرمك بالرد على رسالتي.

نعم اطلعت على ما كتبته ووجدت أنه يتوجه إلى من كانت حصيلته اللغوية والمعرفية جيدة. وقد أردت بالاستناد إلى عمل أستاذي في اللغة العربية ياسر صاري (في اللاذقية) التوجه إلى القارئ العادي ابتداء من مستوى الثانوية العامة.

بالنسبة إلى إثبات الحركة مع الشدَّة فهذا أمر نابع من رغبة أكيدة في عدم الوقوع في لبس وخاصة أنه عند وضع الشدَّة ما من مانع بصري من وضع الحركة فوقها أو تحتها.

قسَّمت الموضوع إلى أبواب بسيطة وسأضيف إليها الأمثلة المباشرة إن شاء الله بحيث يكون التطبيق واضحاً في القواعد.

سأضيف طبعاًً ملحوظاتك إلى القواعد بحيث تصدر وثيقة كاملة للكاتبين والمحررين والمترجمين كجزء من مشروع "النقطة والفاصلة".

ولك بالغ الشكر. ...

- بعض الأسئلة المفيدة التي ظهرت أثناء العمل :

السؤال الأول:

هل يجب إثبات الشدَّة بعد اللام الشَّمسيَّة ؟ (كما في كلمة الشَّمسيَّة)

وفي حال كون الحرف الذي يليها مشدَّداً أيضاً، هل يجب إثبات الشدَّة على حرفين متتالين (مثال : الصَّرَّار)

السؤال الثاني:

كيف يجب وضع الشدَّة عندما يكون لدينا فتحتان على الحرف أيضاً (مثال : منطقيَّاً)

---------------------

[أجابَ سليمان:]

لعلي أنا المعنيّ بالجواب عن هذين السؤالين، وعلى ذلك آسف لعدم انتباهي لوجودهما منذ ما يزيد على الشهر بلا جواب من أحد.
1- الشدة ، في تقديري، لا يجب إثباتها بعد اللام الشمسية؛ بل تعامل اللام الشمسية والحرف الذي يليها كما يعامل أي حرفين بينهما إدغام. فإذا تلاهما حرف مشدد وجب وضع الشدة عليه (لأن الشدة هنا بديل من حرف غير مثبت في الكتابة)، وأما في حالة اللام الشمسية فهي والحرف الذي يليها لا يحتاجان إلى زيادة حرف نشير إليه برمز الشدة.
2- مَنطِقيّاً : لا يوضع على الشدة هنا رمز الفتحة ؛ لأن ذلك مفهوم من وجود ألف مد بعدها.

---------------------

المصدر:
1- http://www.alfaseeh.com/vb/showthread.php?t=42295
2- http://www.alfaseeh.com/vb/showthread.php?t=46309