تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 8 من 8

الموضوع: من أي هذه القلوب قلبك ؟

  1. #1

    افتراضي من أي هذه القلوب قلبك ؟


    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على آله وصحبه والتابعين ومن اقتفى اثرهم الى يوم الدين.
    وبعد:فإنه لما كان القلب اشرف الأعضاء في بني آدم وملكها كان بصلحه صلاح سائر الجسد كما جاء في الحديث الصحيح ومن هذه المنزلة التي تبوئها هذا العضو كانت العناية به اشد من العناية بغيره وذلك لأنه محل ذكره ومحبته ومعرفته جل جلاله.
    وممن كان له السبق في معرفة أنواع القلوب وعللها وأسقامها العلامة ابن القيم _رحمه الله تعالى_ فجزاه الله خيرَ ما جزى عالما عن أمته. وهذه بعض النقول من كتبه:

    حيث قال_ رحمه الله_: وقال تعالى في آياته المشهودة:{وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ،إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} (ق:37).

    والناس ثلاثة:رجل قلبه ميت فذلك الذي لا قلب له فهذا ليست هذه الآية ذكرى في حقه.

    الثاني: رجل له قلب حي مستعد لكنه غير مستمع للآيات المتلوة التي يخبر بها الله عن الآيات المشهودة:إما لعدم ورودها أو لوصولها إليه ولكن قلبه مشغول عنها بغيرها فهو غائب القلب ليس حاضرا فهذا أيضا لا تحصل له الذكرى مع استعداده ووجود قلبه.

    والثالث:رجل حي القلب مستعد تليت عليه الآيات فأصغى بسمعه وألقى السمع وأحضر قلبه ولم يشغله بغير فهم ما يسمعه فهو شاهد القلب ملق السمع فهذا القسم هو الذي ينتفع بالآيات المتلوة والمشهودة.
    فالأول: بمنزلة الأعمى الذي لا يبصر.
    والثاني: بمنزلة البصير الطامح ببصره إلى غير جهة المنظور إليه فكلاهما لا يراه.
    والثالث: بمنزلة البصير الذي قد حدق إلى جهة المنظور وأتبعه بصره وقابله على توسط من البعد والقرب فهذا هو الذي يراه.
    فسبحان من جعل كلامه شفاء لما في الصدور( 1).

    فإذا أردت الانتفاع بالقرآن فاجمع قلبك عند تلاوته وسماعه، وأَلْقِ سمعك، واحضر حضور من يخاطبه به من تكلم به سبحانه منه وإليه، فإنه خطاب منه لك على لسان رسوله قال تعالى:« إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد» ق(37). وذلك أن تمام التأثير لما كان موقوفاً على مؤثر مقتض، ومحل قابل، وشرط لحصول الأثر، وانتفاء المانع الذي يمنع منه، تضمنت الآية بيان ذلك كله بأوجز لفظ وأبينه وأدله على المراد.

    فقوله تعالى:« إن في ذلك لذكرى» إشارة إلى ما تقدم من أول السورة إلى هاهنا، وهذا هو المؤثر، وقوله تعالى:« لمن كان له قلب» فهذا هو المحل القابل، والمراد به القلب الحي الذي يعقل عن الله، كما قال تعالى:« إن هو إلا ذكر وقرآن مبين لينذر من كان حيًّا» الآيتان: (69_70). من سورة يس. أي حي القلب .

    وقوله:« أو ألقى السمع» أي وجَّه سمعه وأصغى حاسة سمعه إلى ما يقال له، وهذا شرط التأثر بالكلام.
    وقوله تعالى:« وهو شهيد» أي شاهد القلب حاضر غير غائب .

    قال ابن قتيبة:"استمع كتاب الله، وهو شاهد القلب والفهم، ليس بغافل ولا ساه، وهو إشارة إلى المانع من حصول التأثير، وهو سهو القلب وغيبته عن تعقل ما يقال له، والنظر فيه وتأمله".

    فإذا حصل المؤثر وهو القرآن، والمحل القابل وهو القلب الحي، ووجد الشرط وهو الإصغاء، وانتفى المانع وهو اشتغال القلب وذهوله عن معنى الخطاب، وانصرافه عنه إلى شيء آخر، حصل الأثر وهو الانتفاع والتذكر( 2).

    _ما ضرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب والبعد عن الله .

    _خلقت النار لإذابة القلوب القاسية .

    _أبعد القلوب من الله القلب القاسي .

    _إذا قسا القلب قحطت العين .

    قسوة القلب من أربعة أشياء إذا جاوزت قدر الحاجة : الأكل والنوم والكلام والمخالطة. كما أن البدن إذا مرض لم ينفع فيه الطعام والشراب. فكذلك القلب إذا مرض بالشهوات لم تنجح فيه المواعظ .

    _من أراد صفاء قلبه فليؤثر الله على شهوته.

    _القلوب المتعلقة بالشهوات محجوبة عن الله بقدر تعلقها بها.

    _القلوب آنية الله في أرضه، فأحبها إليه أرقها وأصلبها وأصفاها( 3).

    _شغلوا قلوبهم بالدنيا، ولو شغلوها بالله والدار الآخرة لجالت في معاني كلامه وآياته المشهودة ورجعت إلى أصحابها بغرائب الحكم وظرف الفوائد.

    _إذا غذي القلب بالتذكر وسقي بالتفكر ونقي من الدغل، رأى العجائب وألهم الحكمة.

    ليس كل من تحلى بالمعرفة والحكمة وانتحلها كان من أهلها، بل أهل المعرفة والحكمة الذين أحيوا قلوبهم بقتل الهوى. وأما من قتل قلبه فأحيا الهوى، فالمعرفة والحكمة عارية على لسانه .

    _خراب القلب من الأمن والغفلة، وعمارته من الخشية والذكر.

    _إذا زهدت القلوب في موائد الدنيا قعدت على موائد الآخرة بين أهل تلك الدعوة، وإذا رضيت بموائد الدنيا فاتتها تلك الموائد .

    _ الشوق إلى الله ولقائه نسيم يهب على القلب يروح عنه وهج الدنيا.

    _من وطن قلبه عند ربه سكن واستراح، ومن أرسله في الناس اضطرب واشتد به القلق.

    لا تدخل محبة الله في قلب فيه حب الدنيا إلا كما يدخل الجمل في سم الإبرة .

    _ إذا أحب الله عبدا اصطنعه لنفسه واجتباه لمحبته واستخلصه لعبادته فشغل همته بخدمته.

    _والقلب يمرض كما يمرض البدن وشفاؤه في التوبة والحمية، ويصدأ كما تصدأ المرآة وجلاؤه بالذكر. ويعرى كما يعرى الجسم وزينته التقوى، ويجوع ويظمأ كما يجوع البدن، وشرابه المعرفة والمحبة والتوكل والإنابة والخدمة.

    إياك والغفلة عمن جعل لحياتك أجلا ولأيامك وأنفاسك أمداً، ومن كل ما سواه بد ولا بد لك منه(4 ).


    ______________
    (1 ) مدارج السالكين : (ج2_ص20).
    ( 2) انظر فوائد الفوائد : (ص104).
    ( 3) إشارة إلى قوله عليه الصلاة والسلام : " إن لله آنية من أهل الأرض ، و آنية ربكم قلوب عباده الصالحين ، و أحبها إليه ألينها و أرقها". انظر السلسلة الصحيحة للعلامة الألباني رقم : (1691).
    ( 4) انظر فوائد الفوائد : (225).

    للباطل صولة عند غفلة أهل الحق

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Mar 2012
    المشاركات
    138

    افتراضي رد: من أي هذه القلوب قلبك ؟

    بارك الله فيك

  3. #3

    افتراضي رد: من أي هذه القلوب قلبك ؟

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبوعثمان المصرى مشاهدة المشاركة
    بارك الله فيك
    وفيكم بارك الرحمن.

    للباطل صولة عند غفلة أهل الحق

  4. #4

    افتراضي رد: من أي هذه القلوب قلبك ؟

    اسأل الله عز وجل ان ينفع بها وبك المسمين

  5. #5
    محب الشيخ العلوان Guest

    افتراضي رد: من أي هذه القلوب قلبك ؟

    جزاك الله خير

  6. #6

    افتراضي رد: من أي هذه القلوب قلبك ؟

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد الزاملي المصري مشاهدة المشاركة
    اسأل الله عز وجل ان ينفع بها وبك المسمين
    اللهم آمين.
    جزاك الله خيرا.

    للباطل صولة عند غفلة أهل الحق

  7. #7

    افتراضي رد: من أي هذه القلوب قلبك ؟

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محب الشيخ العلوان مشاهدة المشاركة
    جزاك الله خير
    وجزاك مثله .

    للباطل صولة عند غفلة أهل الحق

  8. #8

    افتراضي رد: من أي هذه القلوب قلبك ؟

    حقيقة اللذة والسرور


    إذا عرفت هَذِه الْمُقدمَة فاللذة التَّامَّة والفرح وَالسُّرُور وَطيب الْعَيْش وَالنَّعِيم إِنَّمَا هُوَ فِي معرفَة الله وتوحيده والأنس بِهِ والشوق إِلَى لِقَائِه واجتماع الْقلب والهم عَلَيْهِ فَإِن أنكد الْعَيْش عَيْش من قلبه مشتت وهمه مفرق فَلَيْسَ لِقَلْبِهِ مُسْتَقر يسْتَقرّ عِنْده وَلَا حبيب يأوي إِلَيْهِ ويسكن إِلَيْهِ كَمَا أفْصح الْقَائِل عَن ذَلِك بقوله:


    وَمَا ذاق طعم الْعَيْش من لم يكن لَهُ ... حبيب إِلَيْهِ يطمئن ويسكن
    فالعيش الطّيب والحياة النافعة وقرة الْعين فِي السّكُون والطمأنينة إِلَى الحبيب الأول وَلَو تنقل الْقلب فِي المحبوبات كلهَا لم يسكن وَلم يطمئن إِلَى شَيْء مِنْهَا وَلم تقر بِهِ عينه حَتَّى يطمئن إِلَى إلهه وربه ووليه الَّذِي لَيْسَ لَهُ من دونه ولي وَلَا شَفِيع وَلَا غنى لَهُ عَنهُ طرفَة عين كَمَا قَالَ الْقَائِل:


    نقل فُؤَادك حَيْثُ شِئْت من الْهوى ... مَا الْحبّ إِلَّا للحبيب الأول
    كم منزل فِي الأَرْض يألفه الْفَتى ... وحنينه أبدا لأوّل منزل


    فاحرص أَن يكون همك وَاحِدًا وَأَن يكون هُوَ الله وَحده فَهَذَا غَايَة سَعَادَة العَبْد وَصَاحب هَذِه الْحَال فِي جنَّة مُعجلَة قبل جنَّة الْآخِرَة وَفِي نعيم عَاجل كَمَا قَالَ بعض الواجدين:" إِنَّه ليمر بِالْقَلْبِ أَوْقَات أَقُول إِن كَانَ أهل الْجنَّة فِي مثل هَذَا إِنَّهُم لفي عَيْش طيب".
    وَقَالَ آخر:"
    إِنَّه ليمر بِالْقَلْبِ أَوْقَات يرقص فِيهَا طَربا".
    وَقَالَ آخر:"مَسَاكِين أهل الدُّنْيَا خَرجُوا مِنْهَا وَمَا ذاقوا أطيب مَا فِيهَا قيل لَهُ وَمَا أطيب مَا فِيهَا قَالَ معرفَة الله ومحبته والأنس بِقُرْبِهِ والشوق إِلَى لِقَائِه".


    وَلَيْسَ فِي الدُّنْيَا نعيم يشبه نعيم أهل الْجنَّة إِلَّا هَذَا وَلِهَذَا قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:"حبب إِلَيّ من دنياكم النِّسَاء وَالطّيب وَجعلت قُرَّة عَيْني فِي الصَّلَاة".


    فَأخْبر أَنه حبب إِلَيْهِ من الدُّنْيَا شَيْئَانِ النِّسَاء وَالطّيب ثمَّ قَالَ وَجعلت قُرَّة عَيْني فِي الصَّلَاة وقرة الْعين فَوق الْمحبَّة فَإِنَّهُ لَيْسَ كل مَحْبُوب تقر بِهِ الْعين وَإِنَّمَا تقر الْعين بِأَعْلَى المحبوبات الَّذِي يحب لذاته وَلَيْسَ ذَلِك إِلَّا الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ وكل مَا سواهُ فَإِنَّمَا يحب تبعا لمحبته فيحب لأَجله وَلَا يحب مَعَه فَإِن الْحبّ مَعَه شرك وَالْحب لأَجله تَوْحِيد"(1 ).



    ___________
    ( 1) كتاب أرسله ابن القيم إلى بعض أخوانه : (ص55_58).

    للباطل صولة عند غفلة أهل الحق

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •