شذرات من السيرة النبوية المعطرة

بقلم- السيد
فالح الحجية


2

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله

كنت قد تحدثت في الحلقة السابقة عن نسبه صلى الله عليه وسلم واليوم نتحدث عن ولادته الى مبعثه .
فاقول وبالله التوفيق - توفى والده عبد الله بن عبد المطلب وزوجته امنة بنت وهب لازالت حاملا فيه لم تلد ه .

ولد النبي صلى الله عليه وسلم صباح يوم الاثنين التاسع من شهر ربيع الاول من عام الفيل أي في عام| 571 ميلادية وقيل في الثاني عشر منه وهو الاشهر وقالت قابلته وهي الشفاء بنت عمرو لما وضعته امه وخرج الى الحياة ( خرج نور منها لحظة خروجه أضاءت له الدنيا وحتى قصور الشام ) وكان موضع ولادته بشعب بني هاشم بالقرب من البيت الحرام واليوم حدد موقعه عند المكتبة العامة بجوار المسجد الحرام كما رأينا في زيارتنا للموقع حيث وجدنا لافتة مكتوب عليها ( هنا ولد النبي محمد صلى لله عليه وسلم ) .
وفي مولده المبارك نحتفل كل عام وهذه بعض ابيات من احدى قصائدي في ذكرى مولده صلى الله عليه وسلم .

انا نذرنا رؤى الايمان عابقة
فالقلب معدنها الهادي له خشعا

لاخير غير الذي تروى مناقبه
من قاع بحر الهدى اصلا ومفترعا


لسنا نهاب الدهر والاحسان رائدنا
منذ الطفولة والايمان قد رضعا

عفو وعفو وهذا جل من حلم
من سيدي المصطفى للعالمين رعا

عشقا لكم سيدي لا شكوى ولا الم
ومن سواك بمن يهواه قد رجعا

نبي له في رحاب الله ارفعها

من سدرة خصها الرحمن منتجعا

كل المروآت من قرآنه انبثقت
ومن سناه تجلى النور فارتفعا

اكرم بفضلك فالايمان مؤتلق

سمحا ويزجي السنى ا لاتي وقد جمعا

اجلال فضلك باسم الله محتسبا
قد استنرت بنور الحق فالتمعا

وكنت نور الهدى شوقا على امل
وكم زينم بنار الكفر قد قبعا

اكرم فديت فؤادا انت ساكنه
في لبه حبكم مذ صيغ قد صنعا

يا سيدي يا رسول الله معذرة
ان تاه قلبي في حبكم فقد ولعا

اجلال فضلك باسم الله محتسبا
قد استنرت بنور الحق فالتمعا

اكرم فقلبي قد هاجت هواجسه
قد آسر النفس مزهوا بما دفعا

ارسل الى جده ببشارة ولادته صلى الله عليه وسلم فحضر مسرورا فأخذه باحضانه ثم ذهب به الى الكعبة وادخله فيها فشكر الله وسماه محمدا ليكون محمودا في السماء ومحمودا في الارض.

ارضعته بعد امه مولاة ابي لهب عمه ( ام ثويبة ) بلبن ابنها مسروح فهو اخوه من الرضاعة وقيل انها ارضعت قبله عمه الحمزة بن عبد المطلب وارضعت بعد ه ابا سلمة بن عبد الاسد المخزومي .
فاعتقها ابو لهب استبشارا بولادته صلى الله عليه وسلم .

من عادة العرب يرضعون اولادهم في البادية خوفا عليهم من الامراض وكثرتها في المدن و لتقويم ألسنتهم واشتداد سواعدهم . وقد جاءت النسوة من البوادي لرضاعة اولاد الذوات من مكة فعرض عليهن محمد الا انهن لم يأ خذنه لكونه يتيما . ثم أخذته حليمة السعدية بعد ان لم تجدا رضيعا لترضعه فارضعته مع اولادها من الحارث وهم كل من ( عبد الله وانيسة والشيماء ) لهذا فقد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم اخوة من الرضاعة وهم:
( عمه الحمزة بن عبد المطلب ومسروح وابو سلمة بن عبد الاسد المخزومي وعبد الله و انيسة و الشيماء اولاد الحارث الاسدي ).
و حليمة هي بنت ابي ذؤيب عبد الله بن الحارث زوجة الحارث بن عبد العزى السعدي .

ا لحارث زوج حليمة كان معيلا وحالته المالية ضعيفة جدا وكان جدب قد الم بالناس شديد وكان قد جاء مع زوجته ومعهما دابة من الحمير( اتان ؟) بطيئة لا تقوى على السير لهزالها وناقة لا تدر قطرة من لبن ومعهما ولدهما عبد الله صغيرا يبكي ويتضور جوعا . فلما أخذت حليمة محمدا صلى الله عليه وسلم للرضاعة ووضعته في حجرها در حليبها فأرضعته حتى أشبعته ثم أرضعت ابنها فناما بعد ان شبعا . وتقدم الحارث الى ناقتهما فحلبها فدرت لبنا كثيرا خالصا سائغا للشاربين فشربا منه حتى شبعا . ببركة هذا الرضيع المبارك صلى الله عليه وسلم . ولما عادا الى ديارهما - وكانا في آخر العير عند مجيئهما لهزال الدابة والناقة وضعفهما - فاصبحا في اول العير عند العودة ولم تستطع العير ان تحلق بهما لسرعة سير الدابة والناقة.

ولا زالا في نعيم وخير وفير حتى اكتملت مدة الرضاعة وهي سنتان فقد فطمته مرضعته بعد ان اشتد وقوي في هذه المدة وجاءت به الى امه وكانت قد رغبت في أعادته معها ديار بني سعد ورجت والدته امنة بنت وهب ان تعيده معها حتى يغلظ ويشتد ساعده وأنها تخاف عليه من وباء في مكة فرضيت والدته فرجعت حليمة به الى بيتها وبقي عندها سنتين اخرتين .

الا انه حدث حادث قلب كل الموازين فقد جاء عن انس بن مالك رضي الله عنه - ان جبريل عليه السلام اتى النبي محمدا صلى الله عليه وسلم وهو يلعب مع الصبيان فأخذه ثم صرعه وشق صدره فاستخرج قلبه واخرج منه علقة ثم غسله بماء زمزم في طست من ذهب ثم أعاده الى موضعه . فهرع الصبيا ن الى امه حليمة ( مرضعته ) فاخبروها ان ابنها محمدا قد قتل . فاتجهوا اليه مسرعين فاستقبلهم منتقع الوجه متغيرا واخبرهم بالخبر. فخاف عليه زوجها وأعاده الى امه آمنة بنت وهب .

ذهبت به والدته امنة بنت وهب الى اهلها اخواله في يثرب وبقيت في ضيافتهم شهرا ثم عادت الى مكة وقبل ان تصل مكة مرضت وهي في الطريق فتوفيت في منطقة يقال لها ( الابواء ) ودفنت هناك . هكذا اصبح يتيم الاب والام ثم عاد به جده عبد المطلب الى مكة صحبة خادمة امه ( ام ايمن ) .

عاش في كنف جده عبد المطلب فكان له الاب والجد وسهر على تربيته كثيرا وكان يتصور او يعتقد في نفسه ان ولده محمدا صلى الله عليه وسلم سيكون له شأن كبير في المستقبل لنباهته الا ان جده كان قد توفي وعمره ثمانية اعوام . فكفله عمه ابو طالب شقيق والده وكا ن قليل المال كثير العيال فبارك الله له في رزقه وعياله .

ولما اراد ابو طالب ان يتاجر الى الشام كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في الثانية عشرة من عمره وقيل اكثر بقليل رغب في الذهاب معه فاخذه الى الشام .حتى اذا وصلت القافلة الى ( بصرى ) وهي مدينة اثرية تقع على مشارف بلاد الشام خرج لهم الراهب ( بحيرا ) واخذ النبي صلى الله عليه وسلم في يده وقال ( هذا سيد العالمين هذا رسول الله هذا يبعثه الله رحمة للعالمين ) فتعجب من بالقافلة من قوله فقال لهم:
( انكم حين اشرفتم من العقبة لم يبق حجر ولا شجر الا خر ساجدا ولا يسجدان الا لنبي واني لأ عرفه بخاتم النبوة في اسفل غضروف كتفه مثل التفاحة وانا نجده مكتوبا في كتبنا )
وأ لتفت الى عمه ابو طالب ورجاه ان يرده ولا يقدم به الى الشام خوفا عليه من اليهود . فأرجعه عمه الى مكة .

ولما كان في العشرين من عمره شهد حرب الفجار التي دارت في سوق عكاظ ثم شهد حلف الفضول وهو حلف قام في دار عبد الله بن جدعان تعاقدت فيه قريش وتحالفت ( على ان لا يجدوا في مكة مظلوما الا ترد اليه مظلمته ).

عرف منذ صباه بالصدق والامانة والعفة والخلق القويم وبهذا احبه الناس وأسموه ( الصادق الامين ) وعلى هذه الخصال ارسلت اليه خديجة بنت خويلد رضي الله عنها وكانت افضل نساء مكة واكثرهن مالا وعرضت عليه ماله ليخرج للتجارة فيه الى الشام فوافق على ان يذهب معه غلامها ( ميسرة ) فذهب به الى الشام فربحا ربحا كثيرا . فلما رجع ورأت أمانته والبركة على يديه وحدثها غلامها ( ميسرة ) عن خلقه وفضائله طلبته زوجا لها فرضي بذلك فخطبها من عمها فزوجها له وتم زواجه بها بعد عودته من التجارة بشهرين وكان في الخامسة والعشرين من عمره.

اما هي فكانت اكبر منه سنا فقد قيل انها تكبره بثلاث سنوات وقيل بخمس عشرة سنة وكانت تزوجت قبله مرتين وقد سعدت بهذا الزواج سعادة فاضلة غبطها عليها الاخريات وقد انجبت له كل اولاده الا ابراهيم كان من مارية القبطية فقد انجبت له ولدا اسماه ( القاسم ) واربع بنات ( زينب ورقية وام كلثوم وفاطمة ) وقد توفي القاسم وابراهيم صغارا والاناث ادركن النبوة واسلمن وهاجرن الى المدينة ثم توفين في حياته ايضا ا لا فاطمة فقد توفيت بعد وفاته صلى الله عليه وسلم بستة أشهر .

في عام \ 606 م ميلادية تعرضت الكعبة الى سيل جارف فتصدعت جدرانها مما حدى بقريش ان تجدد بناءها وقد خصص لكل قبيلة جزءا يقوم ببنائه وشارك في البناء السادة والاشراف وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحمل الحجارة في بنائها مع عمه العباس واشترطو ا ان لا يدخل في بنائها مال حرام . فضاقت نفقة البناء ولم تكفي عن اتمامها على ما بناها ابراهيم الخليل وابنه اسماعيل عليهما السلام فاضطروا الى ترك قسم منها من جهة الشمال قدّر بستة اذرع أي ما يقارب ثلاثة امتار فقد بني جدار قصير عليه ليكون علامة ان هذا الجزء من الكعبة . ولا يزال لحد الان كذلك وهو المسمى بالحجر او الملتزم . وقد رزقنا الله تعالى بفضله واحسانه الصلاة فيه عشرات المرات والحمد لله .

ولما وصل البناء الى ارتفاع متر ونصف تقريبا وهو ارتفاع موضع الحجر الاسود فاختلف رؤساء واشراف قريش فيمن يكون له الفضل في وضع الحجر الاسود في مكانه وتوقف العمل واستمر الخلاف عدة ايام وكا د يتطور على اقتتال بين القبائل الا ان رجلا منهم ( ابو امية بن المهير ة المخزومي ) وكان اكبرهم سنا اقترح عليهم ان يحكّموا فيه اول رجل يدخل عليهم باب المسجد فرضي الجميع . فكان النبي صلى الله عليه وسلم اول الداخلين . ففرحوا وهتفوا ( هذا الصادق الامين رضيناه . هذا محمد ) فلما اخبروه الخبر اخذ رداءا ووضع الحجر الاسود فيه و امرهم ان يمسك كل واحد منهم بطرف الرداء ويرفعوه سوية فرفعوه فاخذه النبي صلى الله عليه وسلم بيده الشريفه ووضعه في مكانه .

هكذا حسم النزاع بفضله صلى الله عليه وسلم وسداد رأيه قد حفه الله تعالى بالحفظ والرعاية والصدق والشجاعة والحكمة والعفاف والغني والحلم والحياء والقناعة والتواضع وكل الخصال الحميدة صلوات الله وسلامه عليك ياحبيبي يارسول الله .

يتبع

فالح نصيف الحجية
الكيلاني
العراق- ديالى - بلدروز



****************************