( الدرس الثامن عشر)
خاتمة في بيان مصطلحات حديثية
أولا: بيان أقسام الحديث من جهة ما ينتهي إليه السند.
1-السند إن كان منتهاه هو النبي ﷺ فهذا يسمى مرفوعا مثل حديث إنما الأعمال بالنيات فنهاية السند هو قول للنبي ﷺ.
2- وإن كان منتهاه هو الصحابي كأن يروى عنه قول له أو فعل فهذا يسمى موقوفا.
مثال: قال الإمام ابن أبي شيبة في المصنف: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ عُمَرَ، فَأَثْنَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ فِي وَجْهِهِ حِينَ أَدْبَرَ، فَقَالَ: ( عَقَرْتَ الرَّجُلَ، عَقَرَكَ الله ).
3- وإن كان منتهاه هو التابعي أو من دونه فيسمى مقطوعا.
مثال: قال الإمام ابن أبي شيبة في المصنف: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ ثَوْرٍ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: ( لَا تَعَلَّمُوا رَطَانَةَ الْأَعَاجِمِ، وَلَا تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ كَنَائِسَهُمْ، فَإِنَّ السَّخَطَ يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ ).
ويسمى الموقوف والمقطوع بالأثر، فيقال وفي الأثر عن أبي هريرة أو عن ابن سيرين مثلا.
ثانيا: يقول المحدِّثونَ هذا حديث مُسْنَدٌ، فماذا يعنون به؟ الجواب: هو الحديث المرفوع للنبي صلى الله عليه وسلم بسند ظاهره الاتصال، فلا يعد الموقوف والمقطوع مسندا، ولا يعد المرفوع إذا كان الانقطاع فيه ظاهرا مسندا كأن كان مرسلا أو معلقا أو معضلا أو منقطعا، فإن كان منقطعا انقطاعا خفيا وهو المدلس والمرسل الخفي فيسمى مسندا.
ثم إن السند بين المصنف وبين النبي صلى الله عليه وسلم إما أن يكون عاليا وإما أن يكون نازلا.
فالسند العالي هو: الذي يقل عدد رجاله، والسند النازل هو: الذي يزيد عدد رجاله.
فمثلا إذا نظرنا إلى حديث في صحيح البخاري ووجدناه قد رواه وبينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم 3 رجال، ثم نظرنا فإذا الإمام مسلم رواه وبينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم 5 رجال فالأول سنده عال والثاني نازل.
وقد يكون العلو بالنسبة لإمام معين، فمثلا لو أن أحدا اليومَ يروي صحيح البخاري وبينه وبين الإمام البخاري 20 رجلا ويرويه شخص آخر بينه وبين الإمام البخاري 22 رجلا فالأول عال والثاني نازل.
ثالثا: الراوي ومن روى عنه قد يكونا أقرانا بأن اشتركا في لقاء نفس الشيوخ وتقاربا في السن، مثل رواية سليمان التميمي عن مِسعَر بن كِدام، فهما قرينان، ولكن لا نعلم أن مسعرا روى عن سليمان، فهذه تسمى رواية الأقران.
وقد يكون كل واحد منهما روى عن الآخر مثل الأوزاعي ومالك كل واحد منهما روى عن الآخر، فهذا يسمى بالمُدَبَّج.
والفرق بينهما مع أنه في المدبج أيضا يكون الراويان أقرانا هو أنه في الأول يروي أحدهما عن الآخر فقط، وفي المدبج يروي كل منهما عن الآخر.
وإن روى الراوي عمن هو دونه كأن روى الشيخ عن تلميذه فهذه تسمى رواية الأكابر عن الأصاغر مثل رواية البخاري عن تلميذه الترمذي، ومثل رواية الآباء عن الأبناء.
وإذا اجتمع تلميذان في الرواية عن شيخ وتباعد ما بين وفاتيهما فهذا يسمى بالسابق واللاحق مثل الزهري وأحمد بن إسماعيل السهمي اشتركا في الرواية عن مالك، وقد تباعد الزمن بين وفاة التلميذين فالزهري مات سنة 124 هـ، ومات أحمد بن إسماعيل السهمي سنة 259 هـ فبين وفاتيهما 135 سنة !.
وإذا اتفق الرواة في الحديث على صفة واحدة فهذا يسمى بالمسلسل مثل أن يحدث الصحابي التابعي وهو آخذ بيده ثم يحدث التابعي نفس هذا الحديث لتابع التابعين وهو آخذ بيده وهكذا، ومثل أن يتفقوا في صيغة الأداء للحديث كأن يكون السند من أوله إلى آخره يقول الرواة فيه جميعا حدثنا ، أو سمعنا أو أخبرنا فيتتابعون جميعا على نفس صيغة واحدة.
فالحديث المسلسل هو: الذي تتكرر فيه حالة معينة في جميع السند .
رابعا: صيغ الأداء هي العبارات التي يعبر بها الراوي عن طريقة أخذه هذا الحديث من شيخه، وهي تختلف باختلاف طريقة أخذ التلميذ الحديث عن شيخه وهي:
1- أن يحدث الشيخ تلميذه بالحديث أي يسمعه إياه سواء حدثه الشيخ من حفظه أو من كتاب والتلميذ يسمع.
فحينئذ يقول التلميذ: سمعت فلانا، أو حدثني فلان أي يختار إما صيغة التسميع أو التحديث.
2- أن يقرأ التلميذ على شيخه الحديث كأن يأخذ أحد تلاميذ البخاري كتابه المسمى بالجامع الصحيح ويقرأه على الإمام البخاري فحينئذ يقول التلميذ: أخبرني، أو قرأت عليه.
3- أن يقرأ أحد التلاميذ على الشيخ والبقية يستمعون في المجلس فحينئذ يقول المستمع منهم قُرئ على فلان وأنا أسمع.
4-أن يجيز الشيخ تلميذه بكتابه كأن يؤلف الشيخ كتابا فيه مروياته كسنن الترمذي ثم يقول للطالب الفلاني أجزتك برواية الكتاب عني، فيقول الطالب أنبأني، أو شافهني، وإن أجازه بالكتابة أي كان بعيدا عنه فكتب في ورقة أجزت فلانا برواية الكتاب عني فيقول الطالب كتبَ إلي فلان، وإن دفع إليه الكتاب ولم يجزه بالرواية فيقول الطالب ناولني أي ناولني الكتاب، والمناولة أضعف الصيغ إلا إن اقترنت بالإجازة أي يناوله كتاب مروياته ويجيزه بها فتكون قوية معتبرة.
خامسا: الرواة في السند أحيانا تتفق أسماؤهم وأسماء آبائهم فتجد رجلين أو أكثر تتشابه أسماؤهم وأسماء آبائهم مثل عبد الرحمن بن محمد يوجد أكثر من شخص بهذا الاسم فهذا النوع يسمى بالمتفق والمفترِق اتفقت أسماؤهم وافترقت ذواتهم.
وقد تتفق أسماؤهم في الكتابة والخط وتختلف في النطق مثل سَلِيم وسُلَيْم، الخط واحد ولكن النطق مختلف لاختلاف الحركات ، فهذا يسمى بالْـمُؤْتَلِفِ وَالْمـُخْتَلِف ِ، ائتلف الخط واختلف النطق.
وقد تتفق أسماؤهم وتختلف أسماء آبائهم في النطق دون الخط مثل محمد بن عَقِيل، ومحمد بن عُقَيْل، أو تتفق أسماء آبائهم وتختلف أسماؤهم في النطق دون الخط مثل شُرَيح بن النعمان وسُرَيج بن النعمان، وشريح وسريج متفقان في الخط، إذْ أنهم في السابق لم يكونوا ينقطون الكلمات أو يضبطونها في الشكل فاهتموا بضبط أسماء الرواة جيدا فهذا النوع يسمى بالمتشابِهِ.
( الأسئلة )
1-في ضوء ما تقدم ما الفرق بين المرفوع والموقوف والمقطوع ؟
2- ما هو المسند وما الفرق بين السند العالي والنازل ؟
3-ما هي صيغ الأداء ؟
( تدريب )
ميز بين المرفوع والموقوف والمقطوع فيما يلي من الروايات:
1-قال الإمام البخاري في صحيحه: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلَّا للهِ ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ).
2-قال الإمام مسلم في صحيحه: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، عَنْ أَبِي الْعُمَيْسِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْأَقْمَرِ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: ( مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللهَ غَدًا مُسْلِمًا، فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ، فَإِنَّ اللهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُنَنَ الْهُدَى، وَإِنَّهُنَّ مَنْ سُنَنَ الْهُدَى، وَلَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ كَمَا يُصَلِّي هَذَا الْمُتَخَلِّفُ فِي بَيْتِهِ، لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ، وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ، وَمَا مِنْ رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ، ثُمَّ يَعْمِدُ إِلَى مَسْجِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ، إِلَّا كَتَبَ اللهُ لَهُ بِكُلِّ خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا حَسَنَةً، وَيَرْفَعُهُ بِهَا دَرَجَةً، وَيَحُطُّ عَنْهُ بِهَا سَيِّئَةً، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ ).
(يهادى بين رجلين) أي يمسكه رجلان من جانبيه بعضديه يعتمد عليهم بسبب المرض.
3-قال الإمام ابن أبي شيبة في مصنفه: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: ( مَا مِنْ شَيْءٍ خَيْرٌ لِلْمُؤْمِنِ مِنْ لَحْدٍ قَدِ اسْتَرَاحَ مِنْ هُمُومِ الدُّنْيَا وَأَمِنَ مِنْ عَذَابِ اللهِ ).