سَماؤُكِ يا دُنيا خِداعُ سَرابِ == وَأَرضُكِ عُمرانٌ وَشيكُ خَرابِ

وَما أَنتِ إِلّا جيفَةٌ طالَ حَولَها == قِيامُ ضِباعٍ أَو قُعودُ ذِئابِ

وَكَم أَلجَأَ الجوعُ الأُسودَ فَأَقبَلَت == عَلَيكِ بِظُفرٍ لَم يَعِفَّ وَنابِ

قَعَدتِ مِنَ الأَظعانِ في مَقطَعَ السُرى == وَمَرّوا رِكاباً في غُبارِ رِكابِ

وَجُدتِ عَلَيهِم في الوَداعِ بِساخِرٍ== مِنَ اللَحظِ عَن مَيتِ الأَحِبَّةِ نابي

أَقاموا فَلَم يُؤنِسكِ حاضِرُ صُحبَةٍ == وَمالوا فَلَم تَستَوحِشي لِغِيابِ

تَسوقينَ لِلمَوتِ البَنينَ كَقائِدٍ == يَرى الجَيشَ خَلقاً هَيِّناً كَذُبابِ

رَأى الحَربَ سُلطاناً لَهُ وَسَلامَةً == وَإِن آذَنَت أَجنادَهُ بِتَبابِ

وَلَولا غُرورٌ في لُبانِكَ لَم يَجِد == بَنوكِ مَذاقَ الضُرِّ شَهدَ رُضابِ

وَلا كُنتِ لِلأَعمى مَشاهِدَ فِتنَةٍ == وَلِلمُقعَدِ العاني مَجالَ وَثابِ

وَلا ضَلَّ رَأيُ الناشِيءِ الغِرِّ في الصِبا == وَلا كَرَّ بَعدَ الفُرصَةِ المُتَصابي

وَلا حَسِبَ الحَفّارُ لِلمَوتِ بَعدَما == بَنى بِيَدَيهِ القَبرَ أَلفَ حِسابِ

يَقولونَ يَرثي كُلَّ خِلٍّ وَصاحِبٍ == أَجَل إِنَّما أَقضى حُقوقَ صِحابي

جَزَيتُهُمُ دَمعي فَلَمّا جَرى المَدى == جَعَلتُ عُيونَ الشِعرِ حُسنَ ثَوابي

كَفى بِذُرى الأَعوادِ مِنبَرَ واعِظٍ == وَبِالمُستَقِلّ يها لِسانَ صَوابِ

دَعَوتُكَ يا يَعقوبُ مِن مَنزِلِ البِلى == وَلَولا المَنايا ما تَرَكتَ جَوابي

أُذَكِّرُكَ الدُنيا وَكَيفَ وَلَم يَزَل == لَها أَثَرا شَهدٍ بِفيكَ وَصابِ

حَمَلنا إِلَيكَ الغارَ بِالأَمسِ ناضِراً == وَسُقنا كِتابَ الحَمدِ تِلوَ كِتابِ

وَما اِنفَكَّتِ الدُنيا وَإِن قَلَّ لُبثُها == لِسانَ ثَوابٍ أَو لِسانَ عِقابِ

أَلا في سَبيلِ العِلمِ خَمسونَ حِجَّةً == مَضَت بَينَ تَعليمٍ وَبَينَ طِلابِ

قَطَعتَ طَوالَي لَيلِها وَنَهارِها == بِآمالِ نَفسٍ في الكَمالِ رِغابِ

رَأى اللَهُ أَن تُلقى إِلَيكَ صَحيفَةٌ == فَنَزَّهتَها عَن هَوشَةٍ وَكِذابِ

وَلَم تَتَّخِذها آلَةَ الحِقدِ وَالهَوى == وَلا مُنتَدى لَغوٍ وَسوقَ سِبابِ

مَشَينا بِنورَي عِلمِها وَبَيانِها == فَلَم نَسرِ إِلّا في شُعاعِ شِهابِ

وَعِشنا بِها جيلَينِ قُمتَ عَلَيهِما == مُعَلِّمَ نَشءٍ أَو إِمامَ شَبابِ

رَسائِلُ مِن عَفوِ الكَلامِ كَأَنَّها == حَواشي عُيونٍ في الطُروسِ عِذابِ

هِيَ المَحضُ لا يَشقى بِهِ اِبنُ تَميمَةٍ == غِذاءً وَلا يَشقى بِهِ اِبنُ خِضابِ

سُهولٌ مِنَ الفُصحى وَقَفتَ بِها الهَوى == عَلى ما لَدَيها مِن رُبىً وَهِضابِ

وَما ضِعتَ بَينَ الشَرقِ وَالغَربِ مِشيَةً == كَما قيلَ في الأَمثالِ حَجلُ غُرابِ

فَلَم أَرَ أَنقى مِنكَ سُمعَةَ ناقِلٍ == إِذا وَسَمَ النَقلُ الرِجالَ بِعابِ

وَكَم أَخَذَ القَولَ السَرِيَّ مُعَرِّبٌ == فَما رَدَّهُ لِاِسمٍ وَلا لِنِصابِ

وَفَدتَ عَلى الفُصحى بِخَيراتِ غَيرِها == فَوَاللَهِ ما ضاقَت مَناكِبَ بابِ

وَقِدماً دَنَت يونانُ مِنها وَفارِسٌ == وَروما فَحَلّوا في فَسيحِ رِحابِ

تَبَتَّلتَ لِلعِلمِ الشَريفِ كَأَنَّهُ == حَقيقَةُ تَوحيدٍ وَأَنتَ صَحابي

وَجَشَّمتَ مَيدانَ السِياسَةِ فارِساً == وَكُلُّ جَوادٍ في السِياسَةِ كابي

وَكُنّا وَنَمرٌ في شِغابٍ فَلَم يَزَل == بِنا الدَهرُ حَتّى فَضَّ كُلَّ شِغابِ

رَأى الثَورَةَ الكُبرى فَسَلَّ يَراعَهُ == لِتَحطيمِ أَغلالٍ وَفَكِّ رِقابِ

وَما الشَرقُ إِلّا أُسرَةٌ أَو عَشيرَةٌ == تَلُمُّ بَنيها عِندَ كُلِّ مُصابِ

سَلامٌ عَلى شَيخِ الشُيوخِ وَرَحمَةٌ == تَحَدَّرُ مِن أَعطافِ كُلِّ سَحابِ

وَرَفّافُ رَيحانٍ يَروحُ وَيَغتَدي == عَلى طَيِّباتٍ في الخِلالِ رِطابِ

وَذِكرى وَإِن لَم نَنسَ عَهدَكَ ساعَةً == وَشَوقٌ وَإِن لَم نَفتَكِر بِإِيابِ

وَوَيحَ السَوافي هَل عَرَضنَ عَلى البِلى == جَبينَكَ أَم سَتَّرنَهُ بِحِجابِ

وَهَل صُنَّ ماءً كانَ فيهِ كَأَنَّهُ == حَياءُ بَتولٍ في الصَلاةِ كَعابِ

وَيا لِحَياةٍ لَم تَدَع غَيرَ سائِلٍ == أَكانَت حَياةً أَم خَلِيَّةَ دابِ

وَأَينَ يَدٌ كانَت وَكانَ بَنانُها == يَراعَةَ وَشيٍ أَو يَراعَةَ غابِ

وَلَهفي عَلى الأَخلاقِ في رُكنِ هَيكَلٍ == بِبَطنِ الثَرى رَثِّ المَعالِمِ خابي

نَعيشُ وَنَمضي في عَذابٍ كَلَذَّةٍ == مِنَ العَيشِ أَو في لَذَّةٍ كَعَذابِ

ذَهَبنا مِنَ الأَحلامِ في كُلِّ مَذهَبٍ == فَلَمّا اِنتَهَينا فُسِّرَت بِذَهابِ

وَكُلُّ أَخي عَيشٍ وَإِن طالَ عَيشُهُ == تُرابٌ لَعَمرُ المَوتِ وَاِبنُ تُرابِ