تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: حكم نقل الأعضاء من المحكوم عليه بالقتل

  1. Post حكم نقل الأعضاء من المحكوم عليه بالقتل

    حكم نقل الأعضاء من المحكوم عليه بالقتل
    *الدكتور عبود بن علي بن درع
    المقدمة
    الحمد لله الذي أكمل ديننا، وأتم علينا نعمته، ورضي لنا الإسلام ديناً، وصلاة الله وسلامه على سيدنا ونبينا محمد الذي هدانا إلى الحق المبين، والصراط المستقيم، وأبلغنا شريعة رب العالمين، بيضاء نقية، واضحة قوية، مبرأة من الزيف والنقص والعيب، هداية للضالين، ورحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
    فقد امتازت شريعتنا الإسلامية بوضعها الحلول الناجحة لكل معضلة تواجه بني الإنسان، فقد بين الله في كتابه وعلى لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - جميع ما أمر به، وجميع ما نهى عنه، وجميع ما أحله، وجميع ما حرمه، فما من نازلة ولا واقعة إلا وحكمها في كتاب الله، أو سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - فالواجب على أهل العلم استفراغ الوسع في فهم كتاب الله، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وقد بذل فقهاء الإسلام جزاهم الله خيراً جهوداً جبارة في هذا المجال، فخلفوا لنا ثروة فقهية امتازت بأصالة مبادئها وقدرتها على احتواء حاجات الناس في مختلف عصورهم وبيئاتهم، لما بنيت عليه قواعدها العامة من فكرة المصلحة والعدل.
    ومن أبرز سمات الفقه الإسلامي قدرته على مسايرة التطور، واستيعاب تقلبات الحياة وتشعباتها وتجددها، فهو – ولله الحمد- فقه محيط بأحكام الحوادث والنوازل على اختلافها.
    وفي حياة الناس اليوم مسائل كثيرة، ومعاملات عديدة تحتاج إلى بحث ودراسة، ومن هذه المسائل والنوازل مسألة نقل الأعضاء من المحكوم عليه بالقتل، وكان من أبرز الأسباب أهميته في حياة الناس، وتأتي هذه الأهمية من كونه يتناول أمراً يقع في حياة الناس ويحتاج لبيان الحكم الشرعي.
    لذا رأيت أن الحاجة قائمة لبحث هذا الموضوع واستقصاء ما قيل فيه مع أن آراء العلماء .
    ولما جمعت ما تيسر فيه رأيت أن يكون البحث مقسماً إلى مقدمة، ومبحثين وخاتمة.
    المبحث الأول
    استخدام ميتة الإنسان
    لما كانت الميتة تارة تكون ميتة حيوان يحل أكله أو لا يحل أكله، وتارة تكون ميتة إنسان، فإنه من المتفق عليه أنه إذا توافرت هذه الأنواع من الميتة جميعها فإنه يبدأ بالانتفاع بميتة الحيوان الذي يحل أكله، ويأتي بعد الحيوان الذي لا يحل أكله وأخيراً ميتة الإنسان[1].
    وسوف نبين حكم الانتفاع بميتة الإنسان في ضوء آراء الفقهاء في حالة الاضطرار.
    قالت الحنفية في الأشباه لابن نجيم[2] : « ولا يأكل المضطر طعام مضطر آخر ولا شيئاً من بدنه» .
    وقال ابن عابدين[3]: « الأكل للغذاء والشرب للعطش ولو من حرام أو ميتة أو مال غيره وإن ضمنه فرض يثاب عليه ولكن مقدار ما يدفع الهلاك عن نفسه، ومأجور عليه، وهو مقدار ما يتمكن به من الصلاة قائماً، ومن صومه...».
    ثم علق على قوله : « ولو من حرام » بقوله: « ولو خاف الهلاك عطشاً وعنده خمر له شربه قدر ما يدفع العطش إن علم أنه يدفعه بزازية ويقدم الخمر على البول تاترخانية ثم علق على قوله: « وإن ضمنه « بقوله: لأن الإباحة للاضطرار لا تنافي الضمان، وفي البزازية خاف الموت جوعاً، ومع رفيقه طعام أخذ بالقيمة منه قدر ما يسد جوعه، وكذا يأخذ قدر ما يدفع العطش فإن امتنع قاتله بلا سلاح، فإن خاف الرفيق والموت جوعاً أو عطشاً ترك له البعض، وإن قال له آخر: اقطع يدي وكلها، لا يحل، لأن جسم الإنسان لا يباح في الاضطرار لكرامته...».
    وقال الكاساني[4] : « ولو سقط سنه يكره أن يأخذ سن ميت فيشدها مكان الأولى بالإجماع، وكذا يكره أن يعيد تلك السن الساقطة مكانها عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله ، ولكن يأخذ سن شاة ذكية فيشدها مكانها.
    وقال أبو يوسف رحمه الله لا بأس بسنه، ويكره سن غيره، قال: ولا يشبه سنه سن ميت. استحسن ذلك، وبينهما عندي فصل، ولكن لم يحضرني ووجه الفصل من وجهين:
    أحدهما: أن سن نفسه جزء منفصل للحال عنه لكنه يحتمل أن يصير متصلاً في الثاني، بأن يلتئم فيلتئم بنفسه فيعود إلى حالته الأولى، وإعادة جزء منفصل إلى مكانه ليلتئم جائز، كما إذا قطع شيء من عضوه فأعاده إلى مكانه، فأما نفس غيره فلا يحتمل ذلك.
    الثاني: أن استعمال جزء منفصل عن غيره من بني آدم إهانة بذلك الغير، والآدمي بجميع أجزائه يكرم ولا إهانة في استعمال جزء نفسه في الإعادة إلى مكانه.
    وجه قولهما: إن السن من الآدمي جزء منه إذا انفصل استحق الدفن ككله، والإعادة صرف له عن جهة الاستحقاق فلا تجوز . وهذا لا يوجب الفصل بين سنه وسن غيره".
    وقالت المالكية[5]:
    « وأما الآدمي فلا يجوز تناوله ...» أي سواء كان حياً أو ميتاً، ولو مات المضطر، هذا هو المنصوص لأهل المذهب، وتقدم آخر الجنائز أن بعضهم صحح أكله للمضطر إذا كان ميتاً، ولا فرق بين المسلم والكافر فيما ذكر، والنص المعول عليه « عدم جواز أكله» أي أكل الآدمي الميت، ولو كان كافراً « المضطر» ولو مسلماً لم يجد غيره، إذ لا تنتهك حرمة آدمي لآخر... « وصحح أكله » أي صحح ابن عبد السلام القول بجواز أكله للمضطر، و« لم يجد غيره » بقوله: هذا محل الخلاف أما لو وجد غيره فلا يجوز أكله قولاً واحداً ».
    وقالت الشافعية[6]: « وله أي للمضطر أكل آدمي ميت» إذا لم يجد ميتة غيره..، لأن حرمة الحي أعظم من حرمة الميت، ويستثنى من ذلك ما إذا كان الميت نبياً فإنه لا يجوز الأكل منه جزماً – كما قاله إبراهيم المروزي وأقره، وما إذا كان الميت مسلماً والمضطر كافراً، فإنه لا يجوز الأكل منه لشرف الإسلام، بل لنا وجه أنه لا يجوز أكل الميت المسلم. ولو كان المضطر مسلماً».
    وقالت الحنابلة[7]: وإن وجده – أي مباح الدم كالحربي والمرتد – ميتاً أبيح أكله، لأن أكله مباح بعد قتله، فكذلك بعد موته معللاً ذلك بأنه لا حرمة، فهو بمنزلة السباع» ، وإن وجد معصوماً ميتاً لم يبح أكله في قول أصحابنا.
    وقال الشافعي وبعض الحنفية يباح، وهو أولى، لأن حرمة الحي أعظم، وقال أبوبكر بن داود: أباح الشافعي أكل لحوم الأنبياء.
    واحتج أصحابنا بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - « كسر عظم الميت ككسر عظم الحي» .
    واختار أبو الخطاب أن له أكله، وقال لا حجة في الحديث ههنا، لأن الأكل من اللحم لا من العظم، والمراد بالحديث التشبيه في أصل الحرمة لا في مقدارها بدليل اختلافهما في الضمان والقصاص، ووجوب صيانة الحي بما لا يجب به صيانة الميت» .
    فالراجح في مذهب الحنابلة هو جواز أكل المضطر من لحم الميت المعصوم، ويجوز بالاتفاق الأكل من غير المعصوم عندهم».
    وقال الإمام القرطبي عن تفسير قوله تعالى : فمن اضطر غير باغ ولا عاد[8] .. « ثم إذا وجد المضطر ميتة وخنزيراً ولحم ابن آدم أكل الميتة لأنها حلال في حال، والخنزير وابن آدم لا يحل بحال، والتحريم المخفف أولى أن يقتحم من التحريم المثقل، كما لو أكره أن يطأ أخته أو أجنبية، وطئ الأجنبية لأنها تحل له بحال، وهذا هو الضابط لهذه الأحكام.
    ولا يأكل ابن آدم ولو مات، قاله علماؤنا. وبه قال أحمد وداود.
    واحتج أحمد بقوله عليه السلام: « كسر عظم الميت ككسره حياً».
    وقال الشافعي: « يأكل لحم ابن آدم. ولا يجوز له أن يقتل ذمياً، لأنه محترم الدم، ولا مسلماً ولا أسيراً، لأنه مال الغير. فإن كان حربياً أو زانياً محصناً جاز قتله والأكل منه.
    وشنع داود على المزني بأن قال: « قد أبحت أكل لحوم الأنبياء» فغلب عليه ابن شريح بأن قال: « فأنت قد تعرضت لقتل الأنبياء إذ منعتهم من أكل الكافر».
    قال ابن العربي: « الصحيح عندي ألا يأكل الآدمي. إلا إذا تحقق أن ذلك ينجيه ويحييه».
    ومن هذه النصوص الفقهية يتضح لنا ما يأتي:
    أولاً: يجب التفرقة بين الانتفاع بأجزاء الآدمي الحي، وأجزاء الآدمي الميت. ونخص البحث في هذه الفقرة بأجزاء الآدمي الميت.
    ثانياً: أن الانتفاع بأجزاء الآدمي الميت في حالة الاضطرار قد اختلف الفقهاء في إباحته إلى مذهبين:
    المذهب الأول: يرى الحنفية والمالكية خلافاً لابن عبد السلام والظاهرية، عدم جواز الانتفاع بأجزاء الإنسان الميت، منعاً من انتهاك حرمة الآدمي.لقوله عليه الصلاة والسلام: « كسر عظم الميت ككسر عظم الحي» .
    المذهب الثاني: يرى جمهور الفقهاء بعض الحنفية، وبعض المالكية، والشافعية والحنابلة والزيدية جواز الانتفاع بأجزاء ميتة الآدمي، وقد عللوا ذلك بأن حرمة الآدمي الحي أعظم من حرمة الميت.
    وقد رد أبو الخطاب من علماء الحنابلة على الحديث المتقدم كسر عظم الميت... بأن المراد بالحديث التشبيه في أصل الحرمة، لا في مقدارها، بدليل اختلافهما في الضمان، والقصاص ، ووجوب صيانة الحي بما لا يجب به صيانة الميت».
    الترجيح:
    والذي أرجحه هو جواز الانتفاع بأجزاء الآدمي الميت عند الضرورة، سواء كان معصوماً أو غير معصوم، إحياء للنفس الآدمية ومدّاً لأسباب البقاء لها ... وبخاصة أن النفس الميتة إن لم ينتفع بها تحللت وصارت تراباً...، فانقاذ نفس حية بشيء من نفس ميتة حفاظ على النفس، وإحياء لها، هو هدف مشروع ، ومصلحة مقررة شرعاً ومعتدٍّ بها فضلاً عن أن رعاية مصلحة الحي في امتداد حياته، أولى من رعاية مصلحة الميت في عدم المساس بجسمه، إذ جسمه إلى تحلل وإلى فناء.
    ثالثاً: أنه على القول بإباحة الانتفاع بالآدمي الميت عند الاضطرار فإنه قد وضعت شروط لهذا الانتفاع وهي[9]:
    1- ألا توجد ميتة أخرى غير ميتة الآدمي، فإذا وجدت ميتة أخرى لا يحل الانتفاع بميتة الآدمي.
    2- أن يكون المضطر معصوم الدم، وذلك لأنه لو كان مستحق القتل شرعاً، كان دمه غير معصوم، وحياته إلى زوال بتنفيذ حكم الشرع فيه، ومن ثم فلا يجوز شرعاً العمل على مد أسباب حياته في الوقت الذي فيه يرى الشرع إنهاء حياته حقاً لله تعالى فكان ذلك معارضة للشرع، ومضادة لأحكامه، وهو ما لا يجوز ولا يحل ..
    3- أنه يجب أن يكون المنتفع مضطراً إلى هذا الانتفاع، المقصود بالاضطرار وبينا أنه إن لم يتناول المحرم هلك كله أو بعضه.
    ويلزم هنا أن نتعرض لبيان ما إذا كانت الحاجة تبيح للإنسان أن يتناول أو ينتفع بالمحرمات...، قياساً على حالة الضرورة.
    وللإجابة عن ذلك نقول: إن القرآن الكريم قد عبر عن ذلك بأوضح تعبير وبينه أوفى بيان، إذ إنه بعد ذكر المحرمات: قال: { فمن اضطر غير باغ ولا عاد} فالمستثنى من الوقوع في المحرم هو من وقع في حالة الاضطرار لا في أي حالة غيرها، حاجية أو تحسينية.
    ومن ثم فلا يجوز هذا الانتفاع إلا في حالة الضرورة، وإلا لضاعت الحكمة من تحريم هذه المحرمات باتساع دائرة الإباحة عند الحاجة مما يفقد التحريم حكمته والغاية منه.
    4- كذلك يجب أن يكون هناك إذن بالانتفاع بأجزاء الميت وهذا الإذن، يمكن أن يكون صادراً من الميت قبل موته، باعتبار أن له ولاية على نفسه، ويمكن أن يكون صادراً من ورثته بعد موته، وهذا ما سنبينه في المبحث القادم.
    المبحث الثاني
    حكم نقل الأعضاء من المحكوم عليه بالقتل
    المحكوم عليه بالقتل[10] هو: « من ارتكب جرماً، وأدين به طبقاً للقضاء الإسلامي وحكم عليه بالإعدام[11] كزنا المحصن. والردة عن الإسلام[12]، والمصر على ترك الصلاة عند جمهور الفقهاء[13]، وقاتل النفس عمداً بغير حق، ولم يسقط عنه القصاص بسبب من أسباب السقوط كعفو ولي الدم، وقاطع الطريق إذا كان جزاؤه القتل. فهذا الإنسان ترتفع العصمة عن حياته، وتصبح هذه الحياة مستحقة الإزالة[14] . فإذا كان الأمر هكذا. أيجوز انتزاع أعضاء المحكوم عليه بعد تنفيذ حكم الإعدام فيه[15]دون رضاه أو رضاء ورثته من بعده، أم لابد من رضاه وإذنه. أو إذن ورثته من بعد موته. من أجل الإفادة من أعضاء وأنسجته في عمليات زرع الأعضاء البشرية، وذلك بهدف حل جزء من مشكلة النقص الشديد في توفر الأعضاء والأنسجة لإنقاذ المرضى من الهلاك أو التلف[16].
    هناك ثلاث أقوال في هذه المسألة:
    القول الأول:عدم اعتبار رضا المحكوم عليه بالقتل، أو رضا ورثته في نقل الأعضاء منه، وذلك قياساً على ما قرره فريق من الفقهاء من جواز أكل المضطر لحم مهدور الدم بعد قتله دون رضاه أو رضاء ورثته. فالشافعية والحنابلة وبعضاً من الحنفية ذهبوا إلى القول بجواز ذلك عند الضرورة[17].
    قال العزّ بن عبد السلام في قواعده: « لو وجد المضطر من يحل قتله: كالحربي، والزاني المحصن، وقاطع الطريق الذي تحتم قتله، واللائط، والمصرّ على ترك الصلاة: جاز ذبحهم وأكلهم.
    إذ لا حرمة لحياتهم، لأنها مستحقة الإزالة. فكانت المفسدة في زوالها أقل من المفسدة في فوات حياة المعصوم، ولك أن تقول في هذا وما شابهه: جاز ذلك تحصيلاً لأعلى المصلحتين أو دفعاً لأعظم المفسدتين . وعلل ذلك في مكان آخر بقوله: « جاز ذلك في حالة الاضطرار حفظاً لحياة الإنسان المعصوم الواجبة الحفظ والإبقاء بإزالة حياة واجبة الإزالة والإفناء».
    وقال النووي : « يجوز للمضطر قتل الحربي والمرتد وأكلهما بلا خلاف. وأما الزاني المحصن والمحارب وتارك الصلاة. ففيهم وجهان: أصحهما.. يجوز. قال الإمام : لأننا إنما منعنا من قتل هؤلاء تفويضاً إلى السلطان. لئلا يفتات عليه ، وهذا العذر لا يوجب التحريم عند تحقق ضرورة المضطر، وأما إذا وجد المضطر من له عليه القصاص فله قتله قصاصاً وأكله، سواء حضره السلطان أم لا، لما ذكرناه»[18].
    فهذه النصوص الفقهية تقرر جواز قتل المحكوم عليه بالقتل، والأكل من لحمه بالنسبة للمضطر إلى ذلك. ولو بدون إذن السلطان. مع ما في ذلك من افتيات عليه، لأن إقامة الحدود أمر منوط بالسلطان لا يجوز للأفراد الاستبداد به، وعليه فإذا جاز ذلك فإن جواز نقل عضو منه ولو بدون رضاه لزرعه في جسد مريض معصوم الدم مشرف على الهلاك ينبغي القول بجوازه من باب أولى. حيث يتحمل الضرر الأخف لدرء الضرر الأشد. ولأن مصلحة إنسان معصوم الدم أرجح وأولى بالرعاية في ميزان المصالح الشرعية من إنسان مهدر الدم[19].
    قالوا : لا يدخل هذا في باب المثلة، لأن المثلة فيها معاني الحقد والانتقام والتشفي، وهذه المعاني منتفية هنا، وقد صدرت فتوى من الأزهر: بإباحة الاستقطاع من الجناة الذين يحكم عليهم بالإعدام قصاصاً[20]، فمصلحة الإنسانية والمرضى الراجحة هي التي تبيح نقل الأعضاء من المحكوم عليه وإهدار إذنه. لاسيما إذا كان قاتلاً، لأنه بذلك سيعوض المجتمع بإنسان سليم عن طريق أعضاء جسمه بدلاً عن الإنسان الذي قتله.
    وهناك رأي آخر[21] يذهب إلى إهدار رضا صاحب الشأن في قضية نقل عضو من جثة ميت عموماً عند الضرورة. سواء أكان هذا الميت من الجناة المحكوم عليه بالإعدام، أم لا، فهم يقولون بجواز ذلك سواء أذن الميت أو ورثته بذلك، أم لم يأذنوا. وقالوا: إن الضرورة في إنقاذ الحي تبيح المحظور، وقالوا : إن قواعد الدين مبنية على رعاية المصالح الراجحة، وتحمل الضرر الأخف لجلب مصلحة يكون تفويتها أشد من هذا الضرر، ومن الواضح أن مصلحة الآدمي الحي في إنقاذ حياته أرجح من مصلحة الورثة في مشاعرهم نحو فقيدهم، وهي مصلحة يسيرة بجانب مصلحة المريض. فيلزم بذلك التضحية بالمصلحة الدنيا من أجل المصلحة العليا التي هي حياة المريض المشرف على الهلاك.
    وقالوا أيضاً : بأن إهدار إذن ذوي الشأن يمكن قياسه على ما ذهب إليه فريق من الفقهاء من القول بجواز أكل لحم الآدمي الميت في حالة الضرورة كما ذكرنا آنفاً، وهذا لا يشترط فيه إذن من الميت حال حياته، ولا يشترط فيه إذن ورثته من بعده، فإذا جاز الأكل للمضطر – وفي الكل ما فيه من الاستهلاك والتشويه – فلأن يجوز أخذ عضو دون استهلاك أو تشويه له أولى بالجواز ، واحتجوا لذلك أيضاً : بالقياس على الأم الحامل إذا ماتت وفي بطنها جنين، فإنه يجوز لدى البعض من الفقهاء فتح بطن الأم لاستخراج الجنين، وبالقياس على من اغتصب جوهرة فابتلعها ومات، فإنه يجوز على قول البعض من الفقهاء فتح بطنه لاستخراجها[22]. وفي كلتا الحالتين يتم التصرف بالجثة دون الحصول على موافقة أحد من ورثة الأم أو المغتصب، وعليه: فللمريض المضطر حق في جثة الميت دون موافقة أحد لإنقاذ حياته، كحق الجنين في شق بطن أمه لإنقاذ حياته، وكحق صاحب المال في شق بطن المغتصب لإنقاذ ماله دون الرجوع إلى موافقة ذوي الشأن.
    والجواب على ذلك:
    بالنسبة لما أوردوه من قواعد تتعلق بالضرورة والمصلحة فإن هذه القواعد لها ضوابط لابد من مراعاتها ، وشروط لابد من توفرها، وإلا فإن القضية ستصبح فوضى لا حدود لها، لما ستهدر فيها من إرادة الإنسان وحريته وإذنه، وحق كل إنسان في أعضاء جسده وهو حق مشروع له، لا يبرر استلابها الحكم عليه بالموت، أما بالنسبة للقياس على أكل المضطر لحم الآدمي الميت. فنقول: إنه يشترط الإذن في النقل دون الأكل لوجود المقتضى لذلك في المقيس دون المقيس عليه، وبيان ذلك أن الإنسان يعاف طبعاً أكل لحم أخيه الإنسان: يدل لذلك أن القرآن الكريم جعله نموذجاً لأقصى ما يمكن أن ينفر منه الطبع السليم. فقال منفراً من الغيبة: أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه[23].
    إذن فهناك نفرة طبيعية من إقدام الإنسان على أكل لحم إنسان ميت، فإذا أقدم مع ذلك على هذا الفعل فإن هذا يعني أنه قد بلغ حالة الضرورة التي لا ضرورة بعدها، لذلك كان اشتراط الإذن في هذه الحالة لا لزوم له، أما النقل فهو مطلوب مرغوب فيه، ولا ينفر منه الطبع.
    لذلك فإن تقييد جوازه بالإذن له ما يقتضيه. ولأن هناك فرقاً شاسعاً بين ما يرغب فيه وبين ما ينفر الطبع منه.
    هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى فإن اضطرار الإنسان إلى الأكل من لحم الآدمي نادر جداً، ولا يعقل التسوية بين النادر وقوعه وبين الشائع وقوعه، ثم إن الانتفاع بأجزاء الإنسان لزرعها ليس فيه استهلاك للعضو أو امتهان له. لأن التداوي والعلاج بنقل العضو إنما هو نقل من آدمي إلى آدمي مكرم مثله. بطريقة فيها من التكريم والاحترام ما يحفظ للآدمي آدميته، ويفعل ذلك لإنقاذ نفس إنسانية مشرفة على الهلاك، ولكي يؤدي العضو نفس الوظيفة والغرض الذي خلقه الله من أجله، فهذا الفعل فيه من النبل والإيثار ما يعتبر مدعاة للتقدير والتبجيل والاحترام، وهذا بخلاف الأكل من لحم الآدمي، لأن فيه استهلاكاً للمأكول، وامتهاناً له، وفيه آلام وتعذيب وتشويه.
    فالضرورة وحدها لا تكفي للقول بمشروعية ما ذكر إلا إذا اقترنت بالحصول على إذن المنقول منه، وتجاهل رضا المحكوم عليه يعد مهانة تتنافي مع تكريم الله تعالى للإنسان. وحق العبد في أعضاء وأنسجة جسده ولو بعد موته أمر مشروع. وهذه المشروعية أعلى قدراً وأقوى اعتباراً من أي اعتبار آخر. حتى ولو كان إنقاذ مريض على شفا الموت، فيجب أن يكون النقل عن رضا المحكوم عليه رضاه حراً متبصراً لا يشوبه ما يقدح فيه من الإكراه ، والاضطرار لا يبطل حق غيره، ولا يبرر إسقاط إذنه في التنازل عن أعضاء جسده مادام أخذ إذنه في ذلك ممكناً. فإذا كان إذن المالك بالنسبة للمال لابد فيه عند التمكن في ذلك في حالة الضرورة. فهذا بالنسبة لما يتعلق ببدنه أولى.
    ويجب تحريم من ينتزع أعضاء المحكوم عليه من غير إذنه ورضاه . لأن انتزاع الأعضاء منه دون إذنه إنما يمس بالضرر شعور المحكوم عليه، إذا علم بذلك قبل موته بسبب إهدار حقه، ويمس شعور ورثته من بعده باعتبار أن للجثة قيمة معنوية عند الورثة[24].
    أما بالنسبة لفتح جوف المغتصب لاستخراج المال الذي اغتصبه منه، فإنه يوجد فرق بين هذه المسألة وبين نقل العضو من جسد المتوفي، ذلك أن حق المريض في الشفاء لم يتعلق بهذا الجسد بخصوصه، لذلك فإن النقل منه يحتاج إلى إذن صاحب الشأن، أما حق صاحب المال المغتصب فإنه قد تعلق بجسد المغتصب على وجه الخصوص، فلهذا الفرق انتفت الحاجة إلى الإذن في مسألة الغصب دون النقل.
    أما مسألة فتح بطن الأم المتوفاه لإخراج الجنين منها فهي مخالفة أيضاً لقضية نقل الأعضاء، وذلك لأنه لا توجد علاقة ملازمة بين المريض والمتوفى، أما الجنين فعلاقته بالأم علاقة ملازمة، علاقة الشيء بوعائه، واستخراج الجنين غير ممكن بدون هتك ذلك الوعاء المتلبس به، فهو مجرد عملية في محل واحد، فلا يتوقف على إذن أحد، بخلاف المفارق الذي هو[25] أخذ عضو من ميت إلى حي آخر، فيحتاج إلى إذنه ورضاه قبل موته، أو من ورثته بعد موته وأيضاً : فإن إذن الأم حاصل قطعاً بدلالة الحال، فإنه لا توجد أم في الدنيا تمتنع وهي على قيد الحياة من إخراج جنينها بواسطة ما يسمى بالعملية القيصرية إذا تعسرت ولادتها له عن طريق طبيعي، فإذا كانت لا تمتنع عن فتح بطنها أثناء حياتها لإنقاذ جنينها، فكيف يتصور امتناعها عن فعل ذلك بعد موتها؟ لذلك فإن المريض المضطر لو كان ابنا للمتوفى، أو شخصاً ممن يضحي المتوفى من أجله عادة، فإنه لا يبعد في مثل هذه الحالة القول بجواز النقل من غير إذن. لأن الإذن حاصل هنا بدلالة الحال.
    تابع ...
    أبو عاصم أحمد بن سعيد بلحة.
    حسابي على الفيس:https://www.facebook.com/profile.php?id=100011072146761
    حسابي علي تويتر:
    https://twitter.com/abuasem_said80

  2. افتراضي رد: حكم نقل الأعضاء من المحكوم عليه بالقتل

    القول الثاني: ذهب إلى عدم جواز نقل الأعضاء من المحكوم عليه بالقتل إلا بعد إذن بأن أوصى به كتابة قبل موته أو يشهد بذلك اثنان من ورثته على وصيته، أو إذا أذن ورثته بذلك عند عدم وجود الوصية، لأن استلاب أعضائه دون رضاه، أو رضا ورثته يتنافي مع كرامته، وإذا كانت حياته قد أهدرت ، فإن آدميته باقية، فلا يمكن إجبار المحكوم عليه على التنازل عن جزء من جسده[26]، ولا يجوز كذلك تعذيبه، والتمثيل به، واستخدامه في التجارب الطبية[27].
    وقالوا: إن سلب الحياة من المحكوم عليه بالموت لا يعني إهدار كرامته، لأن كرامته نابعة من جوهر آدميته وإنسانيته مادام لم يطرد من نطاق العبودية لله تعالى. فالإنسان مكرم في الحالات الآتية حتى وإن حكم عليه بالموت طبقاً للقضاء الإسلامي: فالزاني المحصن، وقاتل النفس عمداً، وقاطع الطريق إذا كان جزاؤه القتل، هؤلاء كلهم وأشباههم إذا حكم عليهم بالإعدام ونفذ فيهم، فإن ذلك لا يعني أن كرامتهم قد أهدرت، بل إن كرامتهم في ظل الشرع مصونة بدليل وجوب غسلهم وتكفينهم، والصلاة عليهم، وحرمة سبّهم، وحرمة التمثيل بجثثهم، بل إن عقوبتهم بحد ذاتها مطهرة لهم من الإثم، وهذا باب واسع وميدان مترامي الأطراف، وسأقتصر فيما يأتي على الإشارة إلى بعض النصوص، وبالقدر الذي يلقي الضوء على ما نريد إثباته.
    فقد صح، أن ماعز بن مالك أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال: يا رسول الله طهرني، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - « ويحك ارجع فاستغفر الله وتب إليه» فرجع . ثم عاد. فقال له عليه السلام مثل ذلك إلى ثلاث مرات، فلما جاءه في الرابعة، قال له عليه السلام: « فيم أطهرك» فقال: من الزنا. فلما تحقق الرسول عليه السلام من أن الرجل قد زنا، وأنه لم يتناول شيئاً يمكن أن يكون قد أثر على قواه العقلية، عاد فسأل عنه قومه، فقالوا ما نعلم به بأساً، إلا أنه أصاب شيئاً يرى أنه لا يخرجه منه إلا أن يقام فيه الحد. فأمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرجم، فكان الناس فيه فرقتين: قائل يقول: لقد هلك به، لقد أحاطت به خطيئته، وقائل يقول: ما توبة أفضل من توبة ماعز، أنه جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوضع يده في يده، ثم قال: اقتلني بالحجارة. فلبثوا بذلك يومين أو ثلاثة، ثم جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهم جلوس فسلم ثم جلس فقال: « استغفروا لماعز بن مالك» فقالوا: غفر الله لماعز بن مالك، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « لقد تاب توبة لو قسمت بين أمة لوسعتهم».
    ثم جاءت امرأة من غامد[28] فقالت: يا رسول الله: إني زنيت فطهرني، فردها الرسول عليه السلام كما رد ماعزاً ، وأمرها بالاستغفار، ولكنها أصرت على أن يطهرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وكانت حبلى ، فأمر الرسول عليه السلام وليها بالإحسان إليها، فلما وضعت وأرضعت ابنها حتى فطمته أتت الرسول عليه السلام فأمر أن يقام عليها الحد بعد أن دفع الصبي إلى رجل من المسلمين يقوم بتربيته ورعايته، وقد حصل أن انتفخ شيء من دمها على وجه رجل من الصحابة. فسبها، فنهاه الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، وقال: « والذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له». ثم أمر بها فصلي عليها ودفنت، فقال له عمر رضي الله عنه: تصلي عليها يا نبي الله وقد زنت ؟ فقال: « لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل وجدت أفضل من أن جاءت بنفسها في سبيل الله تعالى» هذه خلاصة روايات عدة كلها في الصحيح[29].
    ودلالتها على أن المحكوم عليه بالإعدام غير مهدور الكرامة في الإسلام لا تحتاج إلى تعليق أو بيان . فالرسول - صلى الله عليه وسلم - أمر بالإحسان إلى الغامدية وهي محكوم عليها بالإعدام، ونهى عن سبها، وصلى عليها، واستغفر لماعز، وأثنى عليه وعلى الغامدية خيراً، وما ذلك إلا لأنه قد استقر في أذهان السلف الصالح من هذه الأمة أن العقوبة مطهرة من الذنب، فإذا كانت مطهرة فكيف يصح بعد ذلك أن تجعل سبباً لهدر الكرامة؟ وقد ذكر النووي: أن الإجماع يكاد ينعقد على أن التوبة تسقط إثم المعاصي الكبائر . ثم تساءل بعد ذلك فقال: فإن قيل: فما بال ماعز والغامدية لم يقنعا بالتوبة وهي محصلة لغرضهما، وهو سقوط الإثم، بل أصرا على الإقرار واختارا الرجم؟ فالجواب: إن تحصيل البراءة بالحدود وسقوط الإثم متيقن على كل حال، لاسيما وإقامة الحد بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أما التوبة فيخاف ألا يكون نصوحاً، وأن يخل بشيء من شروطها فتبقى المعصية وإثمها دائماً عليه، فأرادوا حصول البراءة بطريق متيقن دون ما يتطرق إليه احتمال[30]. على أن النص قد ورد في اعتبار الحدود كفارة، فعن عبادة بن الصامت قال : كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مجلس فقال: « تبايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً، ولا تزنوا، ولا تسرقوا، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، فمن وفّى منكم فأجره على الله، ومن أصاب شيئاً من ذلك فعوقب فهو كفارة له[31]، ومن أصاب شيئاً من ذلك فستره الله عليه، فأمره إلى الله: إن شاء عفا عنه، وإن شاء عذبه» رواه مسلم[32].
    فإذا ثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن العقوبة مكفرة للذنب، فإنه لا يجوز الحكم على إنسان بأنه مهدور الكرامة لمجرد أنه قد عوقب. فيتخذ هذا ذريعة لاستباحة حرمته والعبث بجسمه. فذلك نمط في التفكير والسلوك يأباه خلق الإسلام ، ولا يرضى التعامل به حتى مع الحيوان الأعجم، فقد صحّ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: « إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح... الحديث» رواه مسلم[33].
    قال النووي: هذا عام في كل قتيل: من الذبائح، والقتل قصاصاً، وفي حدّ، ونحو ذلك، وهذا الحديث من الأحاديث الجامعة لقواعد الإسلام[34].
    وعن عبد الله بن مسعود أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: « إن من أعف الناس قتلة أهل الإيمان» رواه ابن ماجة[35]. أي : أن أهل الإيمان هم أبعد الناس عن فعل ما لا ينبغي إذا قتلوا من يستحق القتل، ولما جرح ابن ملجم علياً رضي الله عنه، قال للحسن: « إن برئت رأيت رأيي، وإن مت فلا تمثلوا به»[36].
    فهذا هو مسلك الإسلام واضح جلي في هذه القضية، الإحسان في قتل من استحق القتل، والإحسان هو البعد عن فعل ما لا ينبغي فعله، وعليه: فمن حكم عليه بالموت، فإن المأمور به شرعاً هو إزهاق روحه بالوسيلة المأذون بها شرعاً فقط، وما زاد على هذا فليس من الإحسان في شيء، لذلك فكل قطع في الجسم غير ما ذكر يعدّ من المثلة المنهي عنها ما لم يكن فيه إذن ممن له الحق، وهذا يعني أنه لابد فيه من إذن الشرع، وإذن ذي الشأن في أن تنتهك حرمته، إذ إن الحق في المسلم مشترك بين العبد وربه، لذلك فإنه في ما عدا إزهاق الروح بالوسائل المأذون بها شرعاً فإنه لا يجوز إحداث أي قطع في جسم المحكوم عليه بالإعدام، ما لم تكن هناك ضرورة تبيح المحظور، وما لم يأذن بذلك صاحب الشأن. فإن حصلت الضرورة، وأذن المحكوم عليه قبل تنفيذ الحكم، أو ورثته بعد التنفيذ جاز أن يقتطع منه ما تدعو الضرورة إلى اقتطاعه، وإلا فلا يجوز، اللهم إلا إذا كان الاقتطاع هو العقوبة أو جزء منها، كأن يكون القاتل قد مثل بالمقتول فسمل عينه، أو نحو ذلك فإنه يجوز عندئذ على رأي بعض العلماء أن يفعل به ما فعل بالمقتول، قال العز في قواعده: « والتمثيل بالجناة إذا مثلوا بالمجني عليه مفسدة في حقهم. لكنه مصلحة زاجرة عن التمثيل في الجناية»[37].
    وعليه فلو قلع الجاني عين المجني عليه، أو قطع كبده أو قلبه أو يده أو رجله أو نحو ذلك، فإنه يبدو في هذه الحالة جواز نقل عينه أو كبده أو أي عضو من جسمه يقابل العضو الذي مثل به في جسم المجني عليه، وذلك لأن قلع عين الجاني أصبح مستحقاً شرعاً بقلعه لعين المجني عليه، وقطع كبده أصبح مستحق شرعاً بقطعه لكبد المجني عليه. وقطع قلبه أصبح مستحقاً شرعاً بقطعه لقلب المجني عليه وهكذا. فإذا كان الاستقطاع مستحقاً شرعاً فإنه لم يبق بعد ذلك إلا أن يواري العضو المقطوع التراب. أو تزال به ضرورة المحتاج إليه، وإزالة ضرورة المحتاج أولى من مجرد مواراة العضو بالتراب.
    حكم نقل العفو في المحكوم بالقتل الذي ليس له ورثة:
    بقي أن نقول: ما الحكم إذا لم يكن للمحكوم عليه بالقتل ورثة؟ فهل يسقط إذنهم في هذه الحالة إذا لم يترك المحكوم عليه وصيته، أم يحرم المساس به مطلقاً لعدم وجود صاحب شأن يرجع إليه لأخذ الإذن منه؟ الذي يبدو لي: أن الشريعة لم تدع أحداً بدون ولي أو ورثة، فالذي ليس له وارث خاص لا يعدّ في نظر الشرع بدون وليّ أو ورثة، وإنما الأمة كلها تعد قرابته وورثته، ويمثلها في هذا السلطان، ومن هنا كان من المعروف فقهاً : « أن السلطان ولي من لا ولي له»، ومن هنا أيضاً كان بيت المال وارث من لا وارث له: لذلك فإن من لا وارث له أو قريب يؤخذ منه الإذن في التصرف بجثة الميت من تشريح أو نقل عضو عند الضرورة، فإن المرجع في هذه الحالة هو السلطان، لأن «السلطان ولي من لا ولي له» كما ورد في الحديث النبوي[38] ويخلف السلطان في الولاية على الناس القضاء[39].
    القول الثالث: اعتبار إذن المحكوم عليه بالقتل ، وعدم اعتبار إذن الورثة:
    قبل أن نتعرض لرأي المهدرين لرأي الورثة في هذه المسألة، يحسن بنا بيان رأي المعتدين برأي الورثة واعتباره في قضية نقل الأعضاء من الميت عموماً، فنقول : إن معظم الباحثين الذين أجازوا الوصية بالأعضاء رأوا اعتبار إذن الورثة في حالة عدم وجود وصية، وأن إذنهم يقوم مقام الوصية من الميت قياساً على حق الورثة في العفو عن مورثهم عند الجمهور[40] فإذا مات المقذوف قبس مطالبته بحقه في إقامة الحد على القاذف فإن الحق ينتقل إلى ورثته، فإن شاءوا أقاموا الدعوى وطلبوا إقامة الحد على القاذف، وإن شاءوا عفوا ، فكل ما كان حقاً للميت حال حياته فهو حق لورثته بعد وفاته، وما دام التبرع بالعضو والوصية به من حق صاحبه، فيكون حقاً لورثته بعد موته إن الأساس الشرعي في انتقال حق التصرف بالجثة إلى الورثة هو أن ما كان حقاً للعبد يورث بالموت عيناً كان أو معنوياً، والكرامة الإنسانية حق من حقوقه، واستقطاع أعضائه يعتبر في عرف كثير من الناس إخلالاً بكرامته وفيه إيذاء لمشاعر ورثته، لكن إن إذن الموصي أو الورثة بذلك فإنهم يكونون قد أسقطوا حقهم وإذا قلنا بأن الحق المتعلق بجثته[41] مشترك بين العبد وربه، فلابد من إذن العبد أو ورثته وإذن الشرع معاً، فأما إذن العبد فيكون بموافقته بالوصية، أو موافقة ورثته من بعده، لأن هذا الحق يورث، وأما إذن الشرع ، فيكون برجحان المصلحة في النقل من الجثة على المفسدة التي هي إلحاق الإيذاء بالورثة، لأن الجثة تمثل قيمة معنوية عندهم. وإذا ما أسقطوا حقهم، فلا يتصور آنذاك مفسدة، ولا يتصور إلحاق ضرر بالميت أيضاً لأن الجثة مآلها الاندثار والتحلل والتحول إلى تراب.
    أما إذا أوصى الشخص المحكوم عليه بالقتل بأعضائه. ولم يوافق الورثة. فنعتد برأي الموصي، ويهدر رأي الورثة، لأن الحق يكون لصاحبها الذي أجاز التصرف بها، وولايته على نفسه مقدمة على ولايتهم، وينبغي للورثة أن يحترموا وصية الميت وأن ينفذوها، والرجوع عن الوصية حق مقرر للموصي فقط ، وينقضي هذا الحق بمجرد الوفاة، وما دام الموصي قد قام بعمل نافع، وحقق مصلحة راجحة فيها خدمة للإنسانية، فرغبة الموصي مقدمة على مشاعر الأقارب وموافقتهم، وقد اعتبر كثير من الفقهاء عفو القتيل عن القاتل قبل موته، وقدموه على رأي الأولياء بطلب القصاص فأخذوا بعفوه وأسقطوا القصاص، واعتبروا عفوه ملزماً للورثة[42].
    ووصية المحكوم عليه بأعضائه أمر مشروع، والمرجو من فضل الله تعالى، أن تكون صدقة جارية بعد موت صاحبها ، له إن شاء الله أجر من ترك ولدا صالحاً أو مصحفاً أو نهراً أجراه، لأنه بذلك سينقذ مريضاً من الهلاك أو التلف، بل قد ينقذ مرضى كثيرين في آن واحد. ففي وصيته هذه تنفيس لكربة مسلم، وإعانة لذي حاجة ملهوف، فيكون داخلاً في عموم قوله عليه السلام: « من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة»[43]. ويدخل ضمن قوله عليه السلام : « على كل مسلم صدقة»، قالوا فإن لم يجد؟ قال: « يعمل بيده، فينفع نفسه ويتصدق» قالوا: فإن لم يستطع؟ قال: « يعين ذا الحاجة الملهوف»[44].
    وأما عدم اعتبار إذن الورثة فهو قول لبعض الباحثين ، فهم يرون أن اقتطاع عضو من المحكوم عليه يعد إساءة له وقع عليه بعد وفاته، فإن لم يكن قد أذن به حال حياته عن طريق الوصية لم يكن لأحد بعد وفاته أن يأذن به. والأصل الذي يمكن أن يقاس عليه هو قذف الميت أو شتمه[45] أو الطعن فيه بعد وفاته لا قبلها، فهذا لا يخضع لإذن الورثة، فإن وقع القاذف أو الشاتم أو الطاعن في ضرورة[46]، كأن هُدد بالقتل إن لم يقذف ميتاً. كان النظر في ذلك للضرورة ، ولا يلتفت إلى إذن أقارب المقذوف، فإذا تحقق حد الضرورة وشروطها كان للمضطر أن يقذف أو يشتم ولا يتوقف هذا على إذن الورثة، فهذا الأصل هو الذي يمكن أن تقاس عليه مسألة الأخذ من أعضاء المحكوم عليه بالقتل خاصة والميت عامة دون إذن من الورثة، فإن لم تكن هناك ضرورة ولم يكن الميت قد أوصى بعضو من أعضائه لم يكن لأحد أن يأذن بأخذ عضو منه[47]، والذي يبدو لي: أن هذا القياس بعيد. إذ إن اضطرار الإنسان إلى قذف الميت وشتمه أمر نادر، أما المعالجة بنقل عضو فقد أصبح أمراً شائعاً منتشراً بحيث مست الحاجة في كثير من الدول في العالم إلى تشريع قوانين تنظم هذا الشأن ، ولا يعقل التسوية بين النادر وبين ما يكثر وقوعه. فقياس قضية خطيرة كهذه والتي تحقق المصالح لآلاف من بني البشر على مسألة قلما تقع ، كالاضطرار إلى قذف إنسان ميت، قياس مع الفارق، فلا يُعتدّ به. لما سبق يبدو لي رجحان القول بالرجوع إلى إذن المحكوم عليه بالقتل لاستقطاع أعضاء من جسده، أو إلى إذن ورثته بعد موته، أو إلى إذن ولي الأمر، إذا لم يكن له ورثة، وعدم جواز إهدار رضاهم وإذنهم ومن المناسب بمكان أن ننقل قرار المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي وقرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي في هذا الخصوص :
    قرار المجمع الفقهي الإسلامي بمكة التابع لرابطة العالم الإسلامي بتاريخ 28/ 4/ 1405هـ وقرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي بجدة المنبثق عن منظمة مؤتمر العالم الإسلامي رقم 26 1/4 بشأن انتفاع الإنسان بأعضاء جسم إنسان آخر حيًا كان أو ميتًا، ونصه:
    من حيث التعريف والتقسيم:
    أولاً: يقصد هنا بالعضو أي جزء من الإنسان، من أنسجة وخلايا ودماء ونحوها، كقرنية العين. سواء أكان متصلاً به، أم منفصلاً عنه.
    ثانياً: الانتفاع الذي هو محل البحث، هو استفادة دعت ضرورة المستفيد لاستبقاء أصل الحياة، أو المحافظة على وظيفة أساسية من وظائف الجسم كالبصر ونحوه. على أن يكون المستفيد يتمتع بحياة محترمة شرعاً.
    ثالثاً: تنقسم صور الانتفاع هذه إلى الأقسام التالية:
    1) نقل العضو من حي.
    2) نقل العضو من ميت.
    3) النقل من الأجنة.
    الصورة الأولى: وهي نقل العضو من حي، تشمل الحالات التالية:
    أ*- نقل العضو من مكان من الجسد إلى مكان آخر من الجسد نفسه، كنقل الجلد والغضاريف والعظام والأوردة والدم ونحوها.
    ب*- نقل العضو من جسم إنسان حي إلى جسم إنسان آخر. وينقسم العضو في هذه الحالة إلى ما تتوقف عليه الحياة وما لا تتوقف عليه.
    أما ما تتوقف عليه الحياة، فقد يكون فرديًا، وقد يكون غير فردي، فالأول كالقلب والكبد، والثاني كالكلية والرئتين.
    وأما ما تتوقف عليه الحياة، فمنه ما يقوم بوظيفة أساسية في الجسم ومنه ما لا يقوم بها. ومنه ما يتجدد تلقائيًا كالدم، ومنه ما لا يتجدد، ومنه ما له تأثير على الأنساب والمورِّثات، والشخصية العامة، كالخصية والمبيض وخلايا الجهاز العصبي، ومنه ما لا تأثير له على شيء من ذلك.
    الصورة الثانية: وهي نقل العضو من ميت:
    ويلاحظ أن الموت يشمل حالتين:
    الحالة الأولى: موت الدماغ بتعطل جميع وظائفه تعطلاً نهائياً لا رجعة فيه طبيًا.
    الحالة الثانية: توقف القلب والتنفس توقفًا تامًا لا رجعة فيه طبيًا. وقد روعي في كلتا الحالتين قرار المجمع في دورته الثالثة:
    الصورة الثالثة: وهي النقل من الأجنة، وتتم الاستفادة منها في ثلاث حالات:
    * حالة الأجنة التي تسقط تلقائيًا.
    * حالة الأجنة التي تسقط لعامل طبي أو جنائي.
    * حالة اللقائح المستنبتة خارج الرحم.
    من حيث الأحكام الشرعية:
    أولاً: يجوز نقل العضو من جسم الإنسان إلى مكان آخر من جسمه، مع مراعاة التأكد من أن النفع المتوقع من هذه العملية أرجح من الضرر المترتب عليها، وبشرط أن يكون ذلك لإيجاد عضو مفقود أو لإعادة شكله أو وظيفته المعهودة له، أو لإصلاح عيب أو إزالة دمامة تسبب للشخص أذى نفسيًا أو عضويًا.
    ثانياً: يجوز نقل العضو من جسم إلى جسم إنسان آخر، إن كان هذا العضو يتجدد تلقائيًا، كالدم والجلد، ويراعى في ذلك كون الباذل كامل الأهلية، وتحقق الشرعية المعتبرة.
    ثالثاً: تجوز الاستفادة من جزء من العضو الذي استؤصل من الجسم لعلة مرضية لشخص آخر، كأخذ قرنية العين لإنسان ما عند استئصال العين لعلة مرضية.
    رابعاً: يحرم نقل عضو تتوقف عليه الحياة كالقلب من إنسان إلى إنسان آخر.
    خامساً: يحرم نقل عضو من إنسان حي يعطل زواله وظيفة أساسية في حياته وإن لم تتوقف سلامة أصل الحياة عليها، كنقل قرنية العينين كلتيهما، أما إن كان النقل يعطل جزءاً من وظيفة أساسية فهو محل بحث ونظر، كما يأتي في الفقرة الثامنة.
    سادساً: يجوز نقل عضو من ميت إلى حي تتوقف حياته على ذلك العضو، أو تتوقف سلامة وظيفة أساسية فيه على ذلك، بشرط أن يأذن الميت قبل موته أو ورثته بعد موته، أو بشرط موافقة وليِّ أمر المسلمين إن كان المتوفى مجهول الهوية أو لا ورثة له.
    سابعاً: وينبغي ملاحظة: أن الاتفاق على جواز نقل العضو في الحالات التي تم بيانها، مشروط بألا يتم ذلك بوساطة بيع العضو، إذ لا يجوز إخضاع الإنسان للبيع بحال ما.
    أما بذل المال من المستفيد، ابتغاء الحصول على العضو المطلوب عند الضرورة أو مكافأة وتكريمًا، فمحل اجتهاد ونظر.
    ثامناً: كل ما عدا الحالات والصور المذكورة، مما يدخل في أصل الموضوع، فهو محل بحث ونظر، ويجب طرحه للدراسة والبحث في دورة قادمة، على ضوء المعطيات الطبية والأحكام الشرعية.
    ت*- يؤكد المجلس أيضًا قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي بجدة رقم: 57 8/6 بشأن زراعة الأعضاء التناسلية، ونصه:
    أولاً: زرع الغدد التناسلية: بما أن الخصية والمبيض يستمران في حمل وإفراز الصفات الوراثية الشفرة الوراثية للمنقول منه حتى بعد زرعهما في متلقّ جديد، فإن زرعهما محرم شرعًا.
    ثانياً: زرع أعضاء الجهاز التناسلي: زرع بعض أعضاء الجهاز التناسلي التي لا تنقل الصفات الوراثية- ما عدا العورات المغلظة- جائز لضرورة مشروعة وفق الضوابط والمعايير الشرعية المبينة في القرار رقم: 26 1/4 لهذا المجمع، والله أعلم.
    ج- يؤكد المجلس أيضًا قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي بجدة رقم 54 5/6.
    بشأن زراعة خلايا المخ والجهاز العصبي ونصه:
    أولاً: إذا كان المصدر للحصول على الأنسجة هو الغدة الكظرية للمريض نفسه وفيه ميزة القبول المناعي؛ لأن الخلايا من الجسم نفسه، فلا بأس من ذلك شرعًا.
    ثانياً: إذا كان المصدر هو أخذها من جنين حيواني فلا مانع من هذه الطريقة إن أمكن نجاحها ولم يترتب على ذلك محاذير شرعية. وقد ذكر الأطباء أن هذه الطريقة نجحت بين فصائل مختلفة من الحيوان، ومن المأمول نجاحها باتخاذ الاحتياطات الطبية اللازمة لتفادي الرفض المناعي.
    ثالثاً: إذا كان المصدر للحصول على الأنسجة هو خلايا حية من مخ جنين باكر في الأسبوع العاشر أو الحادي عشر فيختلف الحكم على النحو التالي.
    أ: الطريقة الأولى: أخذها مباشرة من الجنين الإنساني في بطن أمه، بفتح الرحم جراحيًا، وتستتبع هذه الطريقة إماتة الجنين بمجرد أخذ الخلايا من مخه، ويحرم ذلك شرعًا إلا إذا كان بعد إجهاض طبيعي غير متعمد أو إجهاض مشروع لإنقاذ حياة الأم وتحقق موت الجنين، مع مراعاة الشروط التي سترد في موضوع الاستفادة من الأجنة في القرار رقم: 95 8/6 لهذه الدورة.
    ب: الطريقة الثانية: وهي طريقة قد يحملها المستقبل القريب في طياته باستزراع خلايا المخ في مزارع للإفادة منها، ولا بأس في ذلك شرعاً إذا كان المصدر للخلايا المستزرعة مشروعًا، وتم الحصول عليها على الوجه المشروع.
    رابعاً: المولود اللادماغي: طالما ولد حياً، لا يجوز التعرض له بأخذ شيء من أعضائه إلى أن يتحقق موته بموت جذع دماغه، ولا فرق بينه وبين غيره من الأسوياء في هذا الموضوع، فإذا مات فإن الأخذ من أعضائه تراعى فيه الأحكام والشروط المعتبرة في نقل أعضاء الموتى من الإذن المعتبر، وعدم وجود البديل وتحقق الضرورة وغيرها، ومما تضمنه القرار رقم: 261/4 من قرارات الدورة الرابعة لهذا المجمع ولا مانع شرعًا من إبقاء هذا المولود اللادماغي على أجهزة الإنعاش إلى ما بعد موت جذع المخ- والذي يمكن تشخيصه- للمحافظة على حيوية الأعضاء الصالحة للنقل، توطئة للاستفادة منها بنقلها إلى غيره بالشروط المشار إليها.
    - تحديد المنتفع بالأعضاء، ووسيلة ذلك:
    هذا وقد استكمل المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث بعد المناقشة المسائل الآتية التي تتعلّق بنقل الأعضاء، وهي:
    أ*- إذا حدد المتبرع أو ورثته شخصًا معينًا للانتفاع بالعضو المتبرع به أو فوّض جهة معينة بتحديد الشخص المنتفع به، فيجب الالتزام بذلك ما أمكن، فإن لم يمكن لسبب إرادي أو طبي فإنه يرجع في ذلك إلى ورثة المتبرع، فإن لم يتيسر فيرجع إلى الجهة المعنية بمصالح المسلمين في البلاد غير الإسلامية.
    ب*- إذا كتب الشخص وثيقة للتبرع بعضو من أعضائه بعد وفاته فتطبق على ذلك أحكام الوصية، ولا يجوز للورثة أو غيرهم تبديل الوصية.
    في حالة وجود قانون بأن من لم يصرح بعدم الرغبة في أن ينتفع بأعضائه بعد وفاته يعتبر موافقًا؛ فإن عدم التصريح بالرفض يعتبر موافقة ضمنية.
    [القرار 2/6].
    * الدكتور عبود بن علي بن درع أستاذ الفقه المساعد بجامعة الملك خالد في أبها.
    أبو عاصم أحمد بن سعيد بلحة.
    حسابي على الفيس:https://www.facebook.com/profile.php?id=100011072146761
    حسابي علي تويتر:
    https://twitter.com/abuasem_said80

  3. Lightbulb رد: حكم نقل الأعضاء من المحكوم عليه بالقتل

    [تابع3]
    الهوامش والمصادر
    [1] مجلة مجمع الفقه الإسلامي العدد 4 ج1 ص 258، ضمن بحث حكم انتفاع الإنسان بأعضاء جسم إنسان آخر حيا أو ميتاً للدكتور حسن الشاذلي.
    [2] ص 87 .
    [3] حاشية رد المحتار ج 5 ص 33.
    [4] بدائع الصنائع ج 1 ص 132.
    [5] الشرح الكبير للدسوقي ج 2 ص 103.
    [6] مغني المحتاج ج 4 ص 307.
    [7] المغني والشرح الكبير ج 11 ص 79 .
    [8] سورة البقرة: 173.
    [9] انظر : انتفاع الإنسان بأعضاء جسم إنسان آخر حياً أو ميتاً في الفقه الإسلامي د. حسن
    الشاذلي، مجلة مجمع الفقه الإسلامي العدد 4 ص 258 – 263,
    [10] انظر مجلة مجمع اللغة العربية بمصر : 9/130: من ألفاظ الكتاب المحدثين لأحمد حسن الزيات، نقلاً عن فقه النوازل، للشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد: 1/187 مؤسسة الرسالة.
    [11] انظر القانون الجنائي الإسلامي عبد القادر عودة، 1/381. ط 1، 1959م ، والزاني المحصن: من النادر جداً تحقق ثبوت التهمة عليه. وحتى المقر ، فإنه لو رجع خلي سبيله، والمرتد: غالباً ما يظهر التوبة ليخلص نفسه، وذلك عندما يلوح أمامه شعاع الموت وتارك الصلاة كذلك ، والخلاف السياسي لا يوجب أيضاً العقاب الجنائي ومنه الإعدام. فالقضاء الإسلامي قد ضيق مساحة القتل في قضايا الحدود والقصاص، إلا أن هذه المساحة تتسع أحياناً في التعزيرات حسب تغير الزمان والمكان والأحوال وذلك إذا زادت نسبة بعض الجرائم كتجارة المخدرات . آنذاك فللدولة إيقاع عقوبة القتل تعزيزاً وقتل تاجر المخدرات ، وذلك من باب السياسة الشرعية لدرء المفسدة عن المجتمع لذا فإن هذا المصدر عموماً يعتبر شحيحاً لتوفير أعضاء بشرية في عمليات زرع الأعضاء، أما في مجال القانون الوضعي فقد الغت معظم دول أوروبا واستراليا وكندا ونيوزيلندا، ومعظم دول أمريكا اللاتينية عقوبة الإعدام خلال القرن العشرين ومع ذلك مازالت بلاد أخرى في آسيا وأفريقيا تطبق هذه العقوبة انظر: الموسوعة العربية العالمية 16/326، وعقوبة الإعدام حل أم مشكلة، د. غسان رباح، ص 238، مؤسسة نوفل ، ط 1، 1987م.
    [12] وهناك من المعاصرين من يرى أن المرتد لا يقتل إلا إذا تبع الردة مفارقة الجماعة، والانضمام إلى أعداء المسلمين والاقتتال معهم ، أي الردة الفكرية التي يتبعها خروج مسلم على الدولة الإسلامية، والقتل يتعلق فقط بهذا النوع من الردة، وممن يمثل هذا الرأي الدكتور حسن الترابي، انظر جريدة المستقلة، العدد 101 في 15 نيسان 1996م ، مقال تحت عنوان ردود وتعقيبات على آراء الدكتور حسن الترابي في أحكام المرتد، وكذلك العدد 96 من الجريدة نفسها في 11 مارس 1996م.
    ويرى بعضهم: عدم قتل المرتد الذي لا يجاهر بردته ، ولا يدعو إليها غيره ويدع عقوبة إلى الآخرة إذا مات على كفره انظر ملامح المجتمع المسلم الذي ننشده . ص 35 مكتبة وهبة، الطبعة الأولى 1993م.
    [13] وهذه العقوبات الثلاث لا نظير لها في القوانين العقابية الوضعية.
    [14] قواعد الأحكام في مصالح الأنام، لعز الدين بن عبد السلام، 1/10 مكتبة الكليات الأزهرية، المجموع للنووي شرح المهذب للشيرازي . 9/14 طبعة زكريا علي يوسف ، المغني لابن قدامة على مختصر الخرقي 11/79 مكتبة القاهرة.
    [15] إذا كان المحكوم عليه بالقتل لن يستفاد من نقل أعضائه بعد تنفيذ الحكم، فلا مانع من نقل أعضاءه بعد تخديره ، دون أن يمسه أدنى ألم أو تعذيب ، ويتم بعد ذلك إكمال تنفيذ الحكم فيه بأي وسيلة ممكنة تنتهي حياته، باعتباره مهدور الدم، وحياته مستحق الإزالة شرعاً والذي يبدو أنه ينبغي وضع نظام بذلك لرفع الحرج عن الأطباء الذين يتولون عملية استقطاع الأعضاء وأن لا يتم ذلك أيضاً إلا بعد إذنه ورضاه.
    [16] يوجد في العالم نصف مليون مريض بالفشل الكلوي حسب إحصائية هيئة الصحة العالمية لعام 1987م انظر مجلة المصور القاهرية في 28 يوليو 1989 ص 35.
    [17] رد المحتار، لمحمد أمين ابن عابدين على الدرر المختار شرح تنوير الأبصار 5/96، طبعة مصطفى الحلبي، قواعد الأحكام: 1/103، قليوبي وعميرة، حاشيتان على شرح جلال الدين المحلي، وشرح جلال الدين المحلي على منهاج الطالبين للنووي 4/263، طبعة محمد علي صبيح وأولاده بمصر 1949م، المجموع للنووي 9/41، المغني لابن قدامة 11/79، المحلي لابن حزم، المكتب التجاري، بيروت، وطبعة الإمام، تصحيح محمد خليل هراس 5/426، مغني المحتاج للخطيب الشربيني 1/359 طبعة مصطفى البابي الحلبي.
    أما المالكية، والراجح عند الحنفية – فيما يراه ابن عابدين – فعلى حرمة ذلك ، حيث ورد التحريم شاملاً للأكل من الآدم، ولم يستثنوا غير المعصوم من هذا الحكم انظر الدر المختار 5/246، الأشباه والنظائر لابن نجيم : ص 87، دار الكتب العلمية ، بيروت ، 1980م، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: 2/229، دار الكتب المصرية ، الطبعة الأولى.
    [18] قواعد الأحكام : 1/95، 103، المجموع : 9/41.
    [19] انتفاع الإنسان بأعضاء إنسان آخر حيا وميتاً .
    [20] دار الإفتاء المصرية في الفتوى رقم 173/150 لسنة 1973م، الأحكام الشرعية للأعمال الطبية، د. أحمد شرف الدين، ص 155، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ، الكويت.
    [21] منهم الدكتور محمد سيد طنطاوي مفتي مصر سابقاً ، انظر : فتواه في جريدة الأهرام في 24/2/1989م، وقد قررت هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية جواز نقل عضو من الجثة إذا أمنت الفتنة في نزعه ممن أخذ منه وأجازوا النقل من الجثة سواء أوصى الميت أم لم يوص ،مجلة المصور القاهرية في 28/7/1989م ص 38 بعنوان : نعم للتبرع بالكلي، لا للبيع والمضاربة، ومن أصحاب هذا الرأي أيضاً الباحث شاكر شبير : حيث يرى أنه لا حاجة لرضى الميت أو أهله حتى في التشريح المرضى انظر : تشريح جسم الإنسان لأعراض التعليم الطبي، تقرير مقدم للمؤتمر الدولي عن المسئولية الطبية، بن غازي ، ليبيا عام 1978م، ص 15 ومنهم د. أحمد محمود سعد. زراعة الأعضاء بين الحظر والإباحة . ص 137. دار النهضة العربية – القاهرة 1986م.
    [22] رد المختار 1/602، الفتاوى الهندية 5/360، طبعة دار إحياء التراث العربي – بيروت ، الأشباه والنظائر لابن نجيم: ص 88 قواعد الأحكام 1/79.
    [23] الحجرات: 12.
    [24] انظر : مجلة الدراسات الإسلامية الصادرة من الجامعة الإسلامية في إسلام آباد العدد الثاني 1424هـ ، بحث مدى الاعتداد برضا المحكوم عليه بالإعدام في نقل الأعضاء منه، للباحث عارف علي عارف.
    [25] التشريح الجثماني والنقل والتعويض الإنساني. د. بكر عبد الله أبو زيد ، ص 14، منشورات مجمع الفقه الإسلامي.
    [26] يقول الدكتور محمد الراوي عضو مجمع البحوث الإسلامية: إن المحكوم عليه بالإعدام أهدر دمه، وبذلك برئت ذمته بتنفيذ الحكم عليه، والذي هو على قدر الظلم والجريمة التي ارتكبها ، وأن أي شيء آخر زيادة في العقوبة لا يرضى عنه الشرع، ولا يبرر ذلك أبدا قولهم أن هذا التبرع يكون بمثابة زكاة عن نفسه ، فهذه حجة باطلة.
    ويضيف الدكتور منصور السيد ساطور ، أستاذ القانون الجنائي في كلية الشريعة والقانون بالدقهلية. إن نقل أعضاء المحكوم عليه يعدّ مخالفة قانونية جسيمة، لأن القانون يحمي حق الإنسان في سلامة جسده، وبالتالي يحرم كل اعتداء على هذا الحق بأي شكل من الأشكال وكون الإنسان أهدر دمه فذلك لأنه فعل فعلا استوجب حرمانه من حق من حقوقه، وهو حق الحياة، ولكن لا يعني هذا أن يزيد الأمر على مجرد العقوبة المقننة بطرق شرعية.
    انظر : جريدة المسلمون ، العدد 646 في 20 يونية 1997م، ص 16، تحت عنوان: المحكومون بالإعدام هل يزكون بأعضائهم ، وفي مجال القانون الوضعي فقد أعلن وزير العدد الفرنسي أنه لا يمكن أن يسمح بالمساس بجثث المحكوم عليهم بالإعدام من أجل أية أغراض علمية إلا بعد موافقة الأقارب انظر المشاكل القانونية التي تثيرها زراعة الأعضاء البشرية، المصدر السابق، ص 222.
    [27] في العصور القديمة كانوا يستخدمون المحكوم عليه بالإعدام في أغراض التجارب انظر: العلم والمشتغلون بالبحث العلمي في المجتمع الحديث. د جون ديكنسون ، ص 215، عالم المعرفة، الكويت العدد 112..
    [28] غامد : بطن من قبيلة جهينة من الأزد، شرح مسلم: 11/201.
    [29] انظرها بالتفصيل في صحيح مسلم هامش النووي، الطبعة المصرية بالقاهرة، 11/193 – 205.
    [30] شرح النووي لصحيح مسلم : 11/199.
    [31] من المعلوم أن هذا لا يشمل الشرك، فالعقوبة عليه لا تكون كفارة له. انظر شرح مسلم للنووي 11/223.
    [32] مسلم هامش النووي : 11/223.
    [33] مسلم مع شرح النووي : 13/107.
    [34] المصدر السابق.
    [35] سنن ابن ماجة، طبعة مصطفى الحلبي. 2/894.
    [36] المغني : 8/104.
    [37] قواعد الأحكام : 1/117.
    [38] رواه الترمذي ، وقال: حديث حسن، انظر سنن الترمذي . رقم 1002، طبعة مصطفى الحلبي، سنن أبي داود، رقم 2083، مطابع المجد بالقاهرة، المسند للإمام أحمد: 1/250، دار صادر ، بيروت.
    [39] انظر حاشية القليوبي على شرح المنهاج : 3/225، السيل الجرار للشوكاني: 4/517، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية – مصر.
    [40] بداية المجتهد : 2/433، دار الكتب الحديثة بالقاهرة، الفروق للقرافي: 1/141، حاشية الدسوقي
    4/331.
    [41] وللميت حق الإكرام ، وهو غسله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه وعدم التمثيل به، واجتناب كل ما يخل بكرامته وهذه الحقوق وإن كانت حقوقاً خاصة بصاحبها، لكن فيها حقاً لله عز وجل ، حتى لا يصح إسقاطها بالإسقاط انظر قواعد الأحكام . للعز بن عبد السلام 1/167.
    [42] القوانين الفقهية لابن جزي ص 297، دار العلم للملايين، بيروت ، 1968م.
    [43] مسلم . هامش النووي 17/26 المطبعة المصرية بالقاهرة.
    [44] البخاري مع شرحه فتح الباري للحافظ ابن حجر العسقلاني 1/377، مكتبة الكليات الأزهرية ، مسلم. هامش النووي7/94.
    [45] ورثة الشخص من لهم الحق في ميراث تركته شرعاً، ولهم المطالبة بالقصاص في حالة الجناية عليه عمداً، وحق التصرف هذا يثبت للعصبات، لأن الولاية على النفس تثبت لهم، لأنهم هم الذين ينالون الأذى في عدم صيانة الشخص، وهم الذين يشاركون في الديات إذا جنى، والعصبة هم الأقارب الذكور الذين قرابتهم بواسطة الأنثى وحدها، وهم في أولوية استحقاق الولاية على حسب ترتيبهم في الميراث، فأولاهم الأبناء ثم الآباء، ثم الإخوة وأبناؤهم ثم الأعمام، انظر الولاية على النفس. الشيخ محمد أبو زهرة ، ص 92، معهد الدراسات العربية العالمية 1966م.
    [46] اتفق الفقهاء على أن قاذف الميت – في غير حالة الضرورة – لا تسقط عنه العقوبة وتنتقل إلى الورثة، ولهم الحق في رفع الدعوى على القاذف بناء على شكوى من يملك حق المخاصمة. واختلفوا فيمن يملك هذا الحق فبعضهم جعله في ولد المقذوف وهم الحنفية. انظر المبسوط للسرخسي 9/112. دار المعرفة – بيروت ط 2، 1987م، والهداية للمرغيناني 2/112، المكتبة الإسلامية.
    وبعضهم جعله حقا للأصول والفروع وهؤلاء هم المالكية، انظر بلغة السالك لأقرب المسالك للصاوي المالكي 2/427، دار الفكر – بيروت 1978م، ومواهب الجليل للحطاب 6/305، مكتبة النجاح ، طرابلس ، ليبيا، والمدونة للإمام مالك 4/393، دار صادر وطبعة دار الفكر – بيروت ، 1978م والشافعية لهم ثلاثة أقوال انظر المجموع للنووي 18/433.
    وعند الحنابلة يستوفيه الورثة بحكم الإرث عند القاضي انظر: المغني لابن قدامة 8/ طبعة المنار بمصر، الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي ، تحقيق حامد الفقي 4/22، ط 1. 1955م.
    وانظر سقوط العقوبات في الفقه الإسلامي. د . جبر محمود الفضيلات 2/213. دار عمار الطبعة الأولى 1987م، الأردن.
    [47] أبحاث فقهية . د . محمد نعيم ياسين ص 164 بتصرف ، دار النفائس.
    أبو عاصم أحمد بن سعيد بلحة.
    حسابي على الفيس:https://www.facebook.com/profile.php?id=100011072146761
    حسابي علي تويتر:
    https://twitter.com/abuasem_said80

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •