روى أبو نُعيم في «حلية الأولياء»(9/121)-من طريق يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى، قال: قَالَ لِي الشَّافِعِيُّ -ذَاتَ يَوْمٍ-:

«يَا يُونُسُ: إِذَا بُلِّغْتَ عَنْ صَدِيقٍ لَكَ مَا تَكْرَهُهُ ؛ فَإِيَّاكَ أَنْ تُبَادِرَ بِالْعَدَاوَةِ وَقَطْعِ الْوَلَايَةِ ، فَتَكُونَ مِمَّنْ أَزَالَ يَقِينَهُ بِشَكٍ، وَلَكِنِ : الْقَهُ، وَقُلْ لَهُ: بَلَغَنِي عَنْكَ كَذَا وَكَذَا -وَأَجْدَرُ أَنْ تُسَمِّيَ الْمُبَلِّغَ-.

فَإِنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ ، فَقُلْ لَهُ: أَنْتَ أَصْدَقُ وَأَبَرُّ.
وَلَا تَزِيدَنَّ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا.
وَإِنِ اعْتَرَفَ بِذَلِكَ ، فَرَأَيْتَ لَهُ فِي ذَلِكَ وَجْهًا -بِعُذْرٍ-: فَاقْبَلْ مِنْهُ.
وَإِنْ لَمْ يَرُدَّ ذَلِكَ ، فَقُلْ لَهُ: مَاذَا أَرَدْتَ بِمَا بَلَغَنِي عَنْكَ؟!
فَإِنْ ذَكَرَ مَا لَهُ وَجْهٌ -مِنَ الْعُذْرِ-: فَاقْبَلْهُ.
وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ لِذَلِكَ وَجْهًا –لِعُذْرٍ-، وَضَاقَ عَلَيْكَ الْمَسْلَكُ : فَحِينَئِذٍ أَثْبِتْهَا عَلَيْهِ سَيِّئَةً أَتَاهَا.
ثُمَّ أَنْتَ فِي ذَلِكَ بِالْخِيَارِ: إِنْ شِئْتَ: كَافَأْتَهُ بِمِثْلِهِ -مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ-، وَإِنْ شِئْتَ: عَفَوْتَ عَنْهُ- وَالْعَفْوُ أَبْلَغُ لِلتَّقْوَى، وَأَبْلَغُ فِي الْكَرْمِ-؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٍ مِثْلَهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلِحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}.
فَإِنْ نَازَعَتْكَ نَفْسُكَ بِالْمُكَافَأَة ِ : فَاذْكُرْ فِيمَا سَبَقَ لَهُ لَدَيْكَ، وَلَا تَبْخَسْ بَاقِي إِحْسَانِهِ السَّالِفَ بِهَذِهِ السَّيِّئَةِ ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ الظُّلْمُ بِعَيْنِهِ.
وَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ الصَّالِحُ يَقُولُ: رَحِمَ اللَّهُ مَنْ كَافَأَنِي عَلَى إِسَاءَتِي مِنْ غَيْرِ أَنْ يَزِيدَ وَلَا يَبْخَسَ حَقًّا لِي.
يَا يونُسُ: إِذَا كَانَ لَكَ صَدِيقٌ ؛ فَشُدَّ يَدَيْكَ بِهِ ، فَإِنَّ اتِّخَاذَ الصَّدِيقِ صَعْبٌ ، وَمُفَارَقَتُهُ سَهْلٌ.
وَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ الصَّالِحُ يُشَبِّهُ سُهُولَةَ مُفَارَقَةِ الصَّدِيقِ بِصَبِيٍّ يَطْرَحُ فِي الْبِئْرِ حَجَرًا عَظِيمًا ، فَيسْهُلُ طَرْحُهُ عَلَيْهِ، وَيَصْعُبُ إِخْرَاجُهُ عَلَى الرِّجَالِ البُزْل.
فَهَذِهِ وَصِيَّتِي لَكَ- وَالسَّلَامُ -».