تابع للحقيقة الأولى
قال الشيخ ابن تيمية: فإن الرجل لو أقرّ بما يستحقه الرب تعالى من الصفات ونزهه عن كل ما ينَزّه عنه وأقرّ بأنه وحده خالق كل شيء، لم يكن موحّداً حتى يشهد أن "لا إله إلا الله" وحده فيقرّ بأنَّ الله وحده هو الإله المستحقّ للعبادة ويلتزم بعبادة الله وحده لا شريك له.
والإله هو : المألوه المعبود الذي يستحقّ العبادة وليس هو "الإله" بمعنى القادر على الاختراع،
فإذا فسّر المفسر "الإله" بمعنى القادر على الاختراع واعتقد أن هذا المعنى هو أخصّ وصف "الإله" وجعل إثبات هذا هو الغاية في التوحيد. لم يعرفوا حقيقة التوحيد، الذي بعث الله به رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن مشركي العرب كانوا مقرِّين بأنَّ الله وحده خالق كل شيء وكانوا مع هذا مشركين.
قال الله تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ} [يوسف:106]
قالت طائفة من السلف تسألهم من خلق السماوات والأرض؟ فيقولون لله، وهم مع هذا يعبدون غيره.
قال الله تعالى: {قُلْ لِّمَنِ اْلأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ.سَي قُولُونَ للهِ قُلْ أَفَلاَ تَذَكَّرُون. قُلْ مَنْ رَّبُّ السماوات السَّبْعِ وَرَبُّ اْلعَرْشِ اْلعَظِيم سَيَقُولُونَ للهِ قُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ. قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ. سَيَقُولُونَ للهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} [المؤمنون:84-89]
فليس كل من أقرّ بأن الله تعالى رب كل شيء وخالقه يكون عابداً له دون ما سواه. داعياً له دون ما سواه. راجياً له، خائفاً منه دون ما سواه. يوالى فيه ويعادى فيه. ويطيع رسله ويأمر بما أمر به، وينهى عما نهي عنه. وعامة المشركين أقرُّوا بأن الله خالق كل شيء وأثبتوا الشفعاء الذين يشركونهم به وجعلوا له أنداداً.
قال الله تعالى: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لاَ يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلاْ يَعْقِلُونَ. قُلْ للهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً لَّهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَاْلأَرْضِ} [الزمر:43].
وقال الله تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللهِ قُلْ أَتُنَبِّؤُنَ اللهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السماوات وَلاَ فِي اْلأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [يونس:18]
وقال الله تعالى: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءكُمْ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيْكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} [الأنعام:94]
قال الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ} [البقرة: 165].
_______________
(1) فتح المجيد.