كيـف نتعـامل مع الاختــلاف؟
فقد قدَّر الله -تعالى- بعلمه وحكمته وجود الاختلاف بين البشر فقال: {وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ} (هود:118-119)، وهو القادر -سبحانه- أن يجعل العباد جميعًا على قلب رجل واحد في الإيمان، {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا} (يونس:99).ومن تأمل حكمته -سبحانه وتعالى- في وجود هذا النوع البشري وجعْل الشهوات في داخل نفوس بني آدم، وجعل من يفسدa في الأرض ويسفك الدماء، مما استغربته الملائكة، فبيَّن لهم -سبحانه- أنه يعلم ما لا يعلمون بوجود الأنبياء والصالحين، أي وجود من يعبده -سبحانه- من هذا النوع الإنساني مع المدافعة والمراوغة والمنازعة.
وهذا النوع من العبودية يختلف عن عبودية الملائكة الذين خلقهم الله: {لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (التحريم:6)، ويختلف عن عبودية السموات والأرض والجماد بلا تكليف ولا حمل أمانة.
وهذا النوع من العبودية هو أحب أنواع العبودية إلى الله -عز وجل-، لذا كان من كمله من البشر خير الخليقة: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ} (البينة:7).
ومن تأمل هذا علم أن من لوازم وجود النوع البشري وجود الاختلاف بين أفراده بين مؤمن وكافر، وبر وفاجر، وطائع وعاصٍ، وسني ومبتدع، ومصيب ومخطئ.
ومن أعظم ثمرات معرفة ذلك ألا يضيق صدر العبد عند رؤية الاختلاف ويصاب باليأس والإحباط، بل ربما ترك بعضهم العبادة الواجبة والالتزام بطاعة الله؛ لأنه قد ضاق بالاختلافات فلم يتبع أحدًا! وصار كمن علم بوجود طعام فاسد وطعام صالح في السوق فقال: لن آكل من أي صنف حتى مات جوعًا!
بل يجب أن نهتم بما يجب علينا عند الاختلاف وأن نتعبد لله كما يجب، فإنما تَظهر معادن الناس عند الفرقة، ويظهر تفاوت علمهم ومعارفهم وفقههم في الدين وبصيرتهم، وإنما تَعرف صفات من تعامله عندما تخاطبه وتخالفه وتغضبه وتحزنه، وليس عندما توافقه وترضيه وتسره.
وقد بيَّن النبي -صلى الله عليه وسلم- القاعدة النبوية الذهبية التي هي أغلى من الذهب عند الاختلاف، فقال: «فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلافًا كَثِيرًا؛ فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ ، تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ» (رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وصححه الألباني).
فلزوم السنة يجب أن يكون عقيدة ومنهجًا وعبادة، وخلقًا وسلوكًا ومعاملة وليس فقط هيئة وشكلاً، والمخرج من فتنة الاختلاف يكون بالتزام السنة وتطبيق منهج الخلفاء الراشدين والحذر من البدع والضلالات التي هي من أعظم أسباب الاختلاف.
ومن أهم ما يلزم عند الاختلاف ترك البغي، قال الله -تعالى-: {وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ} (البقرة:213)، فالبغي من أعظم أسباب فرقة الأمة ومن أعظم أسباب شق صفها.
وكذلك يجب علينا عند الاختلاف أن نهتم بالعلم وأن نحذر من الجهل الذي هو سبب البدعة والضلال، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْزِعُ العِلْمَ بَعْدَ أَنْ أَعْطَاكُمُوهُ انْتِزَاعًا، وَلَكِنْ يَنْتَزِعُهُ مِنْهُمْ مَعَ قَبْضِ العُلَمَاءِ بِعِلْمِهِمْ، فَيَبْقَى نَاسٌ جُهَّالٌ، يُسْتَفْتَوْنَ فَيُفْتُونَ بِرَأْيِهِمْ، فَيُضِلُّونَ وَيَضِلُّونَ» (رواه البخاري ومسلم).
والبدع اليوم هي التي تفرِّق الأمة وتعرضها لأعظم المخاطر، فلا بد لنا من بصائر في أمر البدع، وأن نحذر من نشر المبتدعين لبدعتهم، ومن أخطر البدع المعاصرة بدعة الرافضة خاصة أن لهم دولة تسعى لنشر بدعتهم في العالم كله، وهم أشد أهل البدع محاربة لأهل السنة عبر التاريخ وموالاة لأعداء الإسلام، وأشد رغبة في استئصال السنة وأهلها.
ومن الواجبات عند الاختلاف كذلك -وفي الأمور كلها- الإخلاص لله -تعالى- والحذر من التنافس على الدنيا؛ قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: «مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنِّي أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ، كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ» (متفق عليه).
ومن أخطر ما في السياسة: أنها تفتح الباب على مصراعيه أمام التنافس على الدنيا، ومن صحح لنفسه وأجاز لنفسه التنافس على المال والجاه والشهرة والرياء والسمعة فقد فتح على نفسه باب الهلاك، وحكم على عمله بالفشل والخسران، وكان من أعظم أسباب اختلاف الأمة وفرقتها.
ونسأل الله أن يؤلف بين قلوبنا وأن يصلح ذات بيننا، وأن ينصرنا على عدوه وعدونا.
اعداد: ياسر برهامي