كان أبو سفيان بن حرب نذر -بعد بدر- ألا يمس رأسه ماءٌ من جنابة حتىٰ يغزو محمدًا صلى الله عليه وسلم، فخرج في مئتي راكبٍ من قريش، لِيبرَّ يمينه، فسلك النجدية، حتىٰ نزل بصدر قناة إلىٰ جبل يقال له ثَيْب، من المدينة علىٰ بريد أو نحوه، ثم خرج من الليل، حتىٰ أتىٰ بني النضير تحت الليل، فأتىٰ حُييَّ بن أخطب، فضرب عليه بابه، فأبىٰ أن يفتح له بابه وخافه، فانصرف عنه إلىٰ سلاَّم بن مِشْكَم، وكان سيد بني النضير في زمانه ذلك، وصاحب كنزهم([1])، فاستأذن عليه، فأذن له، فقراه([2]) وسقاه وبطن له من خبر الناس([3])، ثم خرج في عقب ليلته حتىٰ أتىٰ أصحابه، فبعث رجالاً من قريش إلىٰ المدينة فأتوا ناحية منها، يقال لها: العُريض، فحرقوا فيه أصوار([4]) من نخل بها، ووجدوا بها رجلاً من الأنصار وحليفًا له في حرث لهما، فقتلوهما، ثم انصرفوا راجعين، ونذر بهم الناس([5])، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبهم حتىٰ بلغ قَرْقَرُة الكُدْر، ثم انصرف راجعًا، وقد فاته أبو سفيان وأصحابه، وقد رأوا أزوادًا من أزواد القوم قد طرحوها في الحرث يتخففون منها للنجاء([6]) فقال المسلمون، حين رجع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، أتطمع لنا أن تكون غزوة؟ قال: «نعم».
واستعمل النبي صلى الله عليه وسلم علىٰ المدينة بَشير بن عبد المنذر وهو أبو لبابة.
وإنما سُمِّيتْ غزوة السَّويق([7])، لأن أكثر ما طرح القوم من أزوادهم السويق، فهجم المسلمون علىٰ سويق كثير، فسُميتْ غزوة السويق([8]).
([1]) يريد بالكنز المال الذي يجمعونه للطوارئ ويعدونه للنوائب التي تنوبهم وتعرض لهم.
([2]) فقراه: أي صنع له القِرَىٰ، وهو الطعام الذي يُقدَّم للضيف.
([3]) أي: أعلمه من سرهم.
([4]) الأصوار: جمع صور، وهي الجماعة من النخل.
([5]) نذر بهم: أي علم بهم.
([6]) النجاء: السرعة.
([7]) السَّويق: أن تحمص الحنطة أو الشَّعير ثم تُطحن ثم يسافر بها، وقد تمزج باللبن والعسل والسمن تُلَتُّ به.
([8]) «سيرة ابن هشام» 2/236، 237. بتصرف.