تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: شيخ الإسلام: أَسْعدُ الْخـَلـْقِ: أَعـْظـَمـُهـُم ْ عبودِيـَّةً لـِلـَّهِ

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Dec 2007
    المشاركات
    219

    افتراضي شيخ الإسلام: أَسْعدُ الْخـَلـْقِ: أَعـْظـَمـُهـُم ْ عبودِيـَّةً لـِلـَّهِ


    قال في مجموع الفتاوى:
    " فَأَسْعَدُ الْخَلْقِ: أَعْظَمُهُمْ عُبُودِيَّةً لِلَّهِ. وَأَمَّا الْمَخْلُوقُ فَكَمَا قِيلَ: { احْتَجْ إلَى مَنْ شِئْتَ تَكُنْ أَسِيرَهُ، وَاسْتَغْنِ عَمَّنْ شِئْتَ تَكُنْ نَظِيرَهُ، وَأَحْسِنْ إلَى مَنْ شِئْت تَكُنْ أَمِيرَهُ }.
    وَلَقَدْ صَدَقَ الْقَائِلُ: بَيْنَ التَّذَلُّلِ وَالتَّدَلُّلِ نُقْطَةٌ فِي رَفْعِهَا تَتَحَيَّرُ الْأَفْهَامُ، ذَاكَ التَّذَلُّلُ شِرْكٌ فَافْهَمْ يَا فَتىً بِالْخُلْفِ.
    فَأَعْظَمُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ قَدْرًا وَحُرْمَةً عِنْدَ الْخَلْقِ: إذَا لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِمْ بِوَجْهِ مِنْ الْوُجُوهِ، فَإِنْ أَحْسَنْتَ إلَيْهِمْ مَعَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُمْ: كُنْتَ أَعْظَمَ مَا يَكُونُ عِنْدَهُمْ، وَمَتَى احْتَجْتَ إلَيْهِمْ - وَلَوْ فِي شَرْبَةِ مَاءٍ - نَقَصَ قَدْرُكَ عِنْدَهُمْ بِقَدْرِ حَاجَتِكَ إلَيْهِمْ، وَهَذَا مِنْ حِكْمَةِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ، لِيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ، وَلَا يُشْرَكُ بِهِ شَيْءٌ .
    وَلِهَذَا قَالَ حَاتِمٌ الْأَصَمُّ، لَمَّا سُئِلَ فِيمَ السَّلَامَةُ مِنْ النَّاسِ؟
    قَالَ: { أَنْ يَكُونَ شَيْؤُك لَهُمْ مَبْذُولًا وَتَكُونَ مِنْ شَيْئِهِمْ آيِسًا }.
    لَكِنْ إنْ كُنْتَ مُعَوِّضًا لَهُمْ عَنْ ذَلِكَ وَكَانُوا مُحْتَاجِينَ، فَإِنْ تَعَادَلَتْ الْحَاجَتَانِ تَسَاوَيْتُمْ كَالْمُتَبَايِع َيْن لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا فَضْلٌ عَلَى الْآخَرِ وَإِنْ كَانُوا إلَيْكَ أَحْوَجَ خَضَعُوا لَكَ.
    فَالرَّبُّ سُبْحَانَهُ: أَكْرَمُ مَا تَكُونُ عَلَيْهِ أَحْوَجُ مَا تَكُونُ إلَيْهِ وَأَفْقَرُ مَا تَكُونُ إلَيْهِ.
    وَالْخَلْقُ: أَهْوَنُ مَا يَكُونُ عَلَيْهِمْ أَحْوَجُ مَا يَكُونُ إلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ مُحْتَاجُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ، فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ حَوَائِجَكَ، وَلَا يَهْتَدُونَ إلَى مَصْلَحَتِكَ، بَلْ هُمْ جَهَلَةٌ بِمَصَالِحِ أَنْفُسِهِمْ، فَكَيْفَ يَهْتَدُونَ إلَى مَصْلَحَةِ غَيْرِهِمْ فَإِنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَيْهَا، وَلَا يُرِيدُونَ مِنْ جِهَةِ أَنْفُسِهِمْ، فَلَا عِلْمَ وَلَا قُدْرَةَ وَلَا إرَادَةَ.
    وَالرَّبُّ تَعَالَى يَعْلَمُ مَصَالِحَكَ وَيَقْدِرُ عَلَيْهَا، وَيُرِيدُهَا رَحْمَةً مِنْهُ وَفَضْلًا، وَذَلِكَ صِفَتُهُ مِنْ جِهَةِ نَفْسِهِ، لَا شَيْءَ آخَرَ جَعَلَهُ مُرِيدًا رَاحِمًا، بَلْ رَحْمَتُهُ مِنْ لَوَازِمِ نَفْسِهِ، فَإِنَّهُ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ، وَرَحْمَتُهُ وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ .
    وَالْخَلْقُ كُلُّهُمْ مُحْتَاجُونَ، لَا يَفْعَلُونَ شَيْئًا إلَّا لِحَاجَتِهِمْ وَمَصْلَحَتِهِم ْ، وَهَذَا هُوَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِمْ وَالْحِكْمَةُ، وَلَا يَنْبَغِي لَهُمْ إلَّا ذَلِكَ، لَكِنَّ السَّعِيدَ مِنْهُمْ الَّذِي يَعْمَلُ لِمَصْلَحَتِهِ الَّتِي هِيَ مَصْلَحَةٌ، لَا لِمَا يَظُنُّهُ مَصْلَحَةً وَلَيْسَ كَذَلِكَ.
    فَهُمْ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ : ظَالِمٌ، وَعَادِلٌ، وَمُحْسِنٌ.
    فَالظَّالِمُ: الَّذِي يَأْخُذُ مِنْك مَالًا أَوْ نَفْعًا وَلَا يُعْطِيكَ عِوَضَهُ، أَوْ يَنْفَعُ نَفْسَهُ بِضَرَرِكَ.
    وَالْعَادِلُ: الْمُكَافِئُ. كالبايع لَا لَكَ وَلَا عَلَيْكَ كُلٌّ بِهِ يَقُومُ الْوُجُودُ، وَكُلٌّ منهما مُحْتَاجٌ إلَى صَاحِبِهِ كَالزَّوْجَيْنِ وَالْمُتَبَايِع َيْن وَالشَّرِيكَيْن ِ.
    وَالْمُحْسِنُ: الَّذِي يُحْسِنُ لَا لِعِوَضِ يَنَالُهُ مِنْكَ. فَهَذَا إنَّمَا عَمَلٌ لِحَاجَتِهِ وَمَصْلَحَتِهِ، وَهُوَ انْتِفَاعُهُ بِالْإِحْسَانِ، وَمَا يَحْصُلُ لَهُ بِذَلِكَ مِمَّا تُحِبُّهُ نَفْسُهُ مِنْ الْأَجْرِ، أَوْ طَلَبِ مَدْحِ الْخَلْقِ وَتَعْظِيمِهِمْ ، أَوْ التَّقَرُّبِ إلَيْك، إلَى غَيْرِ ذَلِكَ. وَبِكُلِّ حَالٍ: مَا أَحْسَنَ إلَيْك إلَّا لِمَا يَرْجُو مِنْ الِانْتِفَاعِ.
    وَسَائِرُ الْخَلْقِ إنَّمَا يُكْرِمُونَك وَيُعَظِّمُونَك َ لِحَاجَتِهِمْ إلَيْكَ، وَانْتِفَاعِهِم ْ بِكَ، إمَّا بِطْرِيقِ الْمُعَاوَضَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَبَايِعَي ْنِ وَالْمُتَشَارِك َيْن وَالزَّوْجَيْنِ مُحْتَاجٌ إلَى الْآخَرِ، وَالسَّيِّدُ مُحْتَاجٌ إلَى مَمَالِيكِهِ وَهُمْ مُحْتَاجُونَ إلَيْهِ، وَالْمُلُوكُ مُحْتَاجُونَ إلَى الْجُنْدِ وَالْجُنْدُ مُحْتَاجُونَ إلَيْهِمْ، وَعَلَى هَذَا بُنِيَ أَمْرُ الْعَالَمِ، وَإمَّا بِطَرِيقِ الْإِحْسَانِ مِنْكَ إلَيْهِمْ.
    فَأَقْرِبَاؤُكَ وَأَصْدِقَاؤُكَ وَغَيْرُهُمْ إذَا أَكْرَمُوكَ لِنَفْسِكَ، فَهُمْ إنَّمَا يُحِبُّونَكَ وَيُكْرِمُونَكَ لِمَا يَحْصُلُ لَهُمْ بِنَفْسِكَ مِنْ الْكَرَامَةِ، فَلَوْ قَدْ وَلَّيْتَ وَلُّوا عَنْكَ وَتَرَكُوكَ فَهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا يُحِبُّونَ أَنْفُسَهُمْ، وَأَغْرَاضَهُمْ .
    فَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ مِنْ الْمُلُوكِ إلَى مَنْ دُونَهُمْ تَجِدُ أَحَدَهُمْ سَيِّدًا مُطَاعًا وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ عَبْدٌ مُطِيعٌ وَإِذَا أُوذِيَ أَحَدُهُمْ بِسَبَبِ سَيِّدِهِ أَوْ مَنْ يُطِيعُهُ تَغَيَّرَ الْأَمْرُ بِحَسْبِ الْأَحْوَالِ، وَمَتَى كَنْتَ مُحْتَاجًا إلَيْهِمْ نَقَصَ الْحُبُّ وَالْإِكْرَامُ وَالتَّعْظِيمُ بِحَسْبِ ذَلِكَ وَإِنْ قَضَوْا حَاجَتَكَ.
    وَالرَّبُّ تَعَالَى: يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الْمَخْلُوقُ الآخرين لَهُ أَوْ مُتَفَضِّلًا عَلَيْهِ؛ وَلِهَذَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إذَا رُفِعَتْ مَائِدَتُهُ: { الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ غَيْرَ مَكْفِيٍّ وَلَا مَكْفُورٍ وَلَا مُوَدَّعٍ وَلَا مُسْتَغْنًى عَنْهُ رَبَّنَا } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أمامة بَلْ وَلَا يَزَالُ اللَّهُ هُوَ الْمُنْعِمُ الْمُتَفَضِّلُ عَلَى الْعَبْدِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ فِي ذَلِكَ؛ بَلْ مَا بِالْخَلْقِ كُلِّهِمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْ اللَّهِ؛ وَسَعَادَةُ الْعَبْدِ فِي كَمَالِ افْتِقَارِهِ إلَى اللَّهِ، وَاحْتِيَاجِهِ إلَيْهِ، وَأَنْ يَشْهَدَ ذَلِكَ وَيَعْرِفَهُ وَيَتَّصِفَ مَعَهُ بِمُوجَبِهِ، أَيْ بِمُوجَبِ عِلْمِهِ ذَلِكَ. . . " اهــ
    نسأل الله السعادة في الدنيا والآخرة.

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    May 2007
    المشاركات
    1,901

    افتراضي رد: شيخ الإسلام: أَسْعدُ الْخـَلـْقِ: أَعـْظـَمـُهـُم ْ عبودِيـَّةً لـِلـَّهِ

    كلام ماتع ,, فجزاك الله به الجنة
    قل للذي لايخلص لايُتعب نفسهُ

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Dec 2007
    المشاركات
    219

    افتراضي رد: شيخ الإسلام: أَسْعدُ الْخـَلـْقِ: أَعـْظـَمـُهـُم ْ عبودِيـَّةً لـِلـَّهِ

    آمين وإياكم، أحسن الله إليك.

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jun 2009
    المشاركات
    145

    افتراضي رد: شيخ الإسلام: أَسْعدُ الْخـَلـْقِ: أَعـْظـَمـُهـُم ْ عبودِيـَّةً لـِلـَّهِ

    كلام درر

    جزاكم الله خيرا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •