لا يخفى ما يجري في السنوات الأخيرة خصوصا من توظيف معرض الكتاب في الرياض لنشر التغريب في هذا البلد بطرق عدة، منها نشر الكتب المنحرفة المثيرة للشبه والشهوات.

وبهذه المناسبة؛ هذا مقال لفضيلة الشيخ/ عبدالله بن مانع الروقي _حفظه الله_ كان مجموعةً من التغريدات جمعت، نسأل الله تعالى أن ينفع بها، وأن يجزي الشيخ خير الجزاء.
ويا حبذا التعاون على نشر هذه المقالة في المنتديات وغيرها؛ إعانة على بيان الحق وإنكار المنكر.


بسم الله الرحمن الرحيم

حكم بيع الكتب الضارة بالعقيدة والأخلاق


الحمد لله، أما بعد:
فقد عجبت لبعض الفضلاء أن أنكر على طلاب العلم موقفهم إزاء بيع التلمود في المعرض الدولي للكتاب! واعتلّ بأشياء، منها: أن حديث «أمتهوكون يا ابن الخطاب» لا يثبت، وأن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أصاب زاملتين يوم اليرموك... إلخ ماذكر.

والجواب على هذا وتقرير تحريم بيع الكتب المضرة بالدين يكون من وجوه كثيرة، منها:
ماجاء في تفسير قوله تعالى: (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا) الآية، وقد جاء عن ابن عباس وعلي وطاووس: أن الله أخذ الميثاق على الأمم وأنبيائها أن لو بعث محمد عليه الصلاة والسلام ليصدقنه ولينصرنه، وهذا جاء من طرق يشد بعضها بعضاً.
وإذا كان هذا مع قيام رسالة النبي وبقاء شريعته فكيف يُباح بعد موته العودُ إلى مطالعة مانزل معه من كتاب والنظر فيه؟! وهذا لوكان شرعه لم يبدل ولم يحرف، فكيف وقد حرفت كتبه وبدلت؟!

الوجه الثاني:
ما أخرجه البخاري من طريق الزهري عن عبيدالله بن عبدالله بن عتبة عن ابن عباس رضي الله عنه قال: كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء وكتابكم الذي أنزل على رسول الله أحدث؟ تقرؤونه محضا لم يشب، وقد حدثكم أن أهل الكتاب بدلوا كتاب الله وغيروه وكتبوا بأيديهم الكتاب وقالوا: هو من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً! لا والله ما رأينا منهم رجلا يسألكم عن الذي أنزل عليكم. أخرجه البخاري في باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء..
فكيف نعكس ذلك ونطالع كتبهم ونرفع بها رأسا؟
ودلالة الأثر والترجمة كافية ولا تخفى على من له مسكة من عقل أو ذرة من دين.

الوجه الذي يليه:
ما جاء في الشروط العمرية: ‏(وألا يظهروا صليبا ولا كتبا في شىء من طرق المسلمين) أخرجه حرب بإسناد جيد كما قال أبو العباس.
وشهرة الشروط العمرية تغني عن إسنادها فإن الأئمة تلقوها بالقبول، فهذا منهج عمري وقبل ذلك نبوي في منع إظهار كتبهم ورواجها بين المسلمين؛ فكيف ياعباد الله تشترى بنفيس الأثمان وتفرض على المسلمين فرضا؟!
ووالله لو بيع في المعرض (سب فلان أوفلان، أوكيف تفخخ المنشآت.. ) لمنع _والمنع حق_ ولقامت الدنيا على الناشر والطابع والوزير.. فانظروا يا عباد الله! أتجعل حرمة العبيد فوق حرمة الملك الحميد المجيد؟!
ولكن (ليبك على الإسلام من كان باكيا).

الوجه الذي يليه:
أن الشريعة تتشوف بكل طريق لدخول الناس فيها، وقد روى أحمد في مسنده عن وكيع عن شعبة عن قتادة عن نصر بن عاصم (الليثي ) عن رجل منهم أنه أسلم على أن لا يصلي إلا صلاتين! فقبل منه النبي صلى الله عليه وسلم. قال أحمد _رحمه الله_ على هذا الحديث: يصح العقد _أي عقد الإسلام_ ويبطل الشرط. فيطالب بالصلوات الخمس.
ورواه أحمد أيضا عن محمد بن جعفر (غندر) عن شعبة به .. فرّقه في موضعين، وهذا من أصح أسانيد الدنيا، ولي فيه جزء مخطوط في شرحه، ووجه الدلالة: التشوف الشديد لدخول الناس في الملة، ومن لازمه: المحافظة على عقد الملة لأهلها؛ فكيف تُوَسّع أبواب الخروج منها؟ ومن أسباب الخروج والتفلت من الشريعة: إباحة النظر في كتب الكفر والشبهات.
ومما يدل على ما أصّلنا: ما أخرجه أحمد عن ابن أبي عدي عن حميد عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل: «أسلم». قال: أجدني كارها! قال: (أسلم ولو كنت كارها). وهذا إسناد صحيح ثلاثي، وتابع ابن أبي عدي القطانُ أيضا كما أخرجه أحمد نفسه.
فانظر _يارعاك الله_: من يأمر الناس بالإسلام مع كراهيتهم له كيف يمكّنهم من أسباب الضلال والخروج من جملة الدين، فوجه الدلالة لا يخفى على العميان.

الوجه الذي يليه:
اتفاق العلماء على تحريم النظر في كتب السحر والزندقة، وكذا إجماعهم على تحريم شهود أعياد الكفار و المناسبات الدينية لهم، كل ذلك خشية التأثر بذلك أو الإعجاب بأحوالهم أو التأثر بأخلاقهم فكيف نشتري كتبهم ونقتنيها؟

الوجه الذي يليه:
ما صح عن عثمان _رضي الله عنه_ من إحراق المصاحف بعدما جمع الناس على المصحف الإمام؛ كل ذلك لدرء الاختلاف في الكتاب الحق (القرآن)؛ فكيف يسمح بمطالعة ما كان باطلاً من الكتب المحرفة؟

الوجه الذي يليه:
أن كعب بن مالك لما هجره المصطفى وعلم بذلك الملك الغساني النصراني كاتب كعباً وأرسل إليه رسولاً وفي كتابه: (علمنا أن صاحبك قد جفاك، وماجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة؛ فالحق بنا نواسك)، فقال كعب _وكان موفقا_: وهذا من البلاء. فتيمم بها التنور فسجرها به وأحرقها، وهذا والذي قبله أصل في إحراق ما يخشى منه من الكتب، والاستدلال به ظاهر.
الوجه الذي يليه:
أن الضرورات الخمس التي لا تقوم مصالح الدنيا والآخرة إلا بها قد عظمت عناية الشرائع السماوية بها وهي الدين والنفس والعقل والعرض والمال، وأوجدت الحواجز تلو الحواجز للحفاظ على قيامها وسلامتها وفتح الذرائع لحفظها وسدت الذرائع الموصلة إلى إفسادها، وبسط ذلك يحتمل كتباً وقد أفاض العلماء في ذلك.

الوجه الذي يليه:
ما صح من فعل الخليفة الراشد عمر _رضي الله عنه_ بصبيغ حينما كان يسأل عن المتشابه وغيره، فبلغ ذلك عمر _رضي الله عنه_ فلما ظفر به ضربه وأخرجه من المدينة، والقصة معروفة أخرجها جمع منهم الدارمي واللالكائي والطبري وغيرهم، وصحح إسنادها جماعة، ووجه الاستدلال ظاهر: أن عمر ضربا صبيغا لتعنُّته وإثارة ما يشكك الناس في عقائدهم، وبيع الكتب التي تثير الشبه ومطالعتها مثل ذلك أو أشد.
والأدلة في ذلك كثيرة لا تحصى.

أما استدلال المعترض بقصة الزاملتين اللتين أصابهما عبدالله بن عمرو قيل يوم اليرموك وتحديثه منهما فنحن نطالب المعترض بصحة هذه الحادثة أولاً.
وثانياً: على فرض صحتها فإن هذا من اجتهاد عبدالله _رضي الله عنه_ الذي خالف فيه وخالفه فيه من الصحابة من هو أكثر فقهاً وعلماً.
ويقال أيضاً للمعترض: إنما استجاز العلماء النظر في كتب أهل الكتاب ونحوها للحاجة بقدر الحاجة من العلماء الراسخين لحاجة الأمة إلى رد ضلالات الضالين وبدع المبطلين، ولذا نظر الأئمة لما احتاجت الأمة في كتبهم لدحض باطلهم، فهذا لون وبيع التلمود وأشباهه لون، وقد رد شيخ الإسلام وابن القيم والقرافي على القوم، إذ الحكم على الشىء فرع عن تصوره.
فإن قيل فما تفعلون بما أخرج أحمد (2/222) في مسنده: عن قتيبة عن ابن لهيعة عن واهب بن عبدالله عن عبدالله بن عمرو أنه قال: رأيت فيما يرى النائم كأن في إحدى إصبعي سمناً وفي الآخر عسلاً، فأنا ألعقهما. فلما أصبحت ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: (تقرأ الكتابين التوراة والفرقان) فكان يقرؤهما.
وأقول: لو استدلوا بهذا وتركوا الزاملتين لكان أحفظ لماء الوجه، ومع ذلك هذا الخبر، لا يثبت فابن لهيعة ضعيف مطلقاً، سواءً في رواية العبادلة أو قتيبة، فالخبر لا يثبت.
وحتى نكون أكثر نصحاً لهم نقول:
صحّت أخبار متفرقة في تحديث ابن عمرو عن أهل الكتاب؛ فكان ماذا؟ وجوابه عُلِم مما تقدم، فعندنا أصلٌ أصيل في حماية عقائد المسلمين، فكيف تطرح بأخبارٍ حالها كهذه وهي قابلة للتأويل؟ سبحانك هذا بهتان عظيم.
ونسعفهم أيضا ونستدل لهم، فقد جاء في كتاب الله وفي السنة الأمر بالإتيان بالتوراة وتلاوتها..
وإنما جاء هذا لإثبات حق حرفوه وإزهاق باطل زوروه، فهذا تعزيز للرسالة المحمدية وإجهاز على شريعتهم المحرفة، ولذا كانوا يخفون ما يخفون، كما في قصة عبدالله بن صوريا وقصة الرجم للزانيين.
وقد قال المعترض في أول كلامه: أن خبر عمر (أمتهوكون ياابن الخطاب) ضعيف.
والجواب:
أن الحديث أخرجه أحمد من طريق هشيم عن مجالد عن الشعبي عن جابر _رضي الله عنه_: رأى النبي صلى الله عليه وسلم في يد عمر ورقة من التوراة... الحديث، وأخرجه الدارمي أيضا، وروى ابن الضريس بإسناد رجاله ثقات عن الحسن (البصري) أن عمر قال: يا رسول الله أهل الكتاب يحدثوننا بأحاديث قد أخذت بقلوبنا وقد هممنا أن نكتبها، فقال: (يابن الخطاب أمتهوكون أنتم كما تهوكت اليهود والنصارى) مرسل لا بأس به يشد خبر جابر السابق وفي الباب أخبار.
هذا ماتيسر لي تحريره على وجه العجلة، وأسأل الله أن يسامحني فيما طغت فيه أناملي، ومن وجد خللاً فليصلحه أو عيباً فليستره.
والحمد لله رب العالمين