تحت العشرين -1240
الفرقان
بأخلاقي يزداد إيماني
ما أحلاه من شعارٍ (بأخلاقي يزداد إيماني)! ذلك أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أوضح أنَّ الأخلاق تَتَنَاسَب طرديًّا مع الإيمان؛ فكلَّما زاد معدَّل الإيمان في القلْب، سَمَتِ الأخلاقُ، والعكس بالعكس، وفي هذا يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أَكْمَلُ المؤمنين إيمانًا، أحسنُهم خُلُقًا»، ويقول - صلى الله عليه وسلم -: «لا يؤمن أحدكم حتى يحبَّ لأخيه ما يُحبُّ لنفسه»؛ والحديث صحيح، ويقول: «المسلم مَن سلِم المسلمون مِن لسانه ويده، والمؤمِن مَن أمِنَه الناسُ على دمائهم وأموالهم»؛ ويقول: «واللهِ لا يؤمِن، واللهِ لا يؤمِن، واللهِ لا يؤمِن»، قيل: وَمَن يا رسول الله؟ قال: «الذي لا يأمَن جارُه بوائقَه». حاجة الشباب إلى منهج يصحح عقيدته
نحن - أيها الشباب - في حاجة إلى منهجٍ تربوي صحيح، في حاجةٍ إلى منهج الإسلام الهادي، منهج القرآن والسنة؛ للخروج من هذه الفتن الحالكة المحيطة بهم، والأهواء والأفكار الباطلة من حولهم، والمغريات والمستغربات، من الشهوات والشبهات الباطلة، فالإنسان بطبيعته لا يمكن له أن يعيش عيشة سوية دون منهج. ولهذا كان الوحي نفسه منهاجًا له كما قال -سبحانه-: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} (المائدة: 48)، والمنهاج هو الطريق الواضح السهل، فلم يترك الله خلقه دون منهج أو منهاج يسيرون عليه وهم في ابتلاء الحياة الدنيا وسيرهم نحو الآخرة؛ ولهذا فالمنهج ليس قضية تكميلية أو تحسينية، بل هي قضية ضرورية لا يمكن استقامة الحياة من دونها، وذلك لأسباب عدة، منها: المنهج يُصحح للشباب عقائدهم وأخلاقهم، التي ربما يشوبها شيء من الشُّبهات والانحرافات؛ بسبب تعدُّد مناهج التربية، وربما تناقضها واضطرابها في عرض تصور صحيح عن العقيدة الإسلامية ومباحثها، وبيان سبل الوقاية من خطر الزيغ والانحراف عنها.
مكر الأعداء بشباب الأُمَّة الإسلامية، والكيد لهم في الليل والنهار؛ بُغيةَ إفسادهم وإبعادهم عن حقيقة دينهم ومَحاسنه السامية، وما كل ذلك إلا ليتمكنوا من خلق أجيال تنتسب إلى الإسلام شَكلاً، ولا تعرفُ عن حقيقة الإسلام شيئًا يُذكر، فتنقلب مَوازينُ الأخلاق والقيم في نفوسهم.
الإيمان والأخلاق لا يفترقان
ابني الحبيب لابد أن تعلم أنَّ العبادة هي علاقة بينك وبين ربك، أما السلوك فهو علاقة بينك وبين الناس، فلابد أن تنعكسَ العلاقة بينك وبين ربك على العلاقة بينك وبين أفراد المجتمع، فتحسِّنها وتهذِّبها، وإلا فما علاقة أنَّ الصلاة - مثلًا - تنْهى عن الفحْشاء والمنكَر، كما في قوله -تبارك وتعالى-: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَر} (العنكبوت:45)، فالفحشاءُ والمنكَر هما جِماع الأقوال البذيئة والأفعال السيئة، وهما لا يظْهران إلا في التعامُل مع الناس في المجتمع، كما أن العبادة وإن كانتْ هي علاقة بينك وبين ربك، إلَّا أنَّ السلوك يَتَجَلَّى فيها أيضًا، ففي الصلاة أنتَ مأمور بأداء الصلاة في جماعة، لكي تَحْتَكَّ بالناس وتتفاعَل معهم، وفي الحج أنتَ مأمور بضبط الأخلاق في أثناء الزحام... وهكذا، ففي كل عبادة يَتَجَلَّى مظهر من مظاهر السلوك، الذي يجب أن تتحلَّى به وتلتزم به. الذكر ودوام الصلة بالله -تعالى
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله-: من حكمة الله -عزوجل- أنه جعل لذكره أسبابًا حتى يستيقظ الإنسان وينتبه لذكر الله -تعالى-؛ لأن الإنسان قد تستولي عليه الغفلة وينسى ذكر الله؛ فجعل الله -تعالى- لذكره أسبابا كثيرة فدخول المنزل فيه ذكر، ولبس الثوب الجديد فيه ذكر، والأكل فيه ذكر، والانتهاء من الأكل فيه ذكر، حتى يكون الإنسان دائمًا على صلة بالله -عزوجل- بذكر الله -تبارك وتعالى. فضائل حسن الخلق
بيَّن النبي - صلى الله عليه وسلم - فضائلَ الخلق الحسن في أحاديثَ كثيرةٍ، منها قوله - صلى الله عليه وسلم -: «البِرُّ حسن الخلق»، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «إن من أحبِّكم إليَّ، وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة، أحاسنَكم أخلاقـًا»، وسئل - صلى الله عليه وسلم -: أي الأعمال أفضل؟ فقال: «حسن الخلق»، وسئل عن أكثر ما يُدْخل الجنة، فقال: «تقوى الله، وحسن الخلق»، فالأخلاق الحسنة ركن ثابت في الإسلام، حثَّ عليه، ودعا إليه، ودائمًا ما قرنه النبي - صلى الله عليه وسلم - بتقوى الله، وجعله سببًا في دخول الجنة؛ ذلك لشرف فضله، وفوائده فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن المؤمن لَيدركُ بحسن خلقه درجةَ الصائم القائم».
مَثَل العالم في الأمَّة
قال الشيخ عبدالرزاق عبدالمحسن البدر: العلم نورٌ وضياءٌ لصاحبه، ومَثَل العالم في الأمَّة مَثَل أُناس في ظُلمة، وبينهم شخصٌ بيده مصباحٌ، يضيء لهم بمصباحه الطَّريق، فيسلَمُون منَ العِثار، ويتَّقون الشَّوك والأخطار، ويسيرون في جادَّة سويَّة وصراط مستقيم. مكانة الصحابة في قلوب المسلمين
إنّ لأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - مكانةً عظيمةً في قلوب المسلمين؛ فهم أفضل البشر بعد الأنبياء والمرسلين، فحبهم من حبّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو جزءٌ لا يتجزأ من عقيدة المسلم، وقد أخبر النبي بأنّهم خير القرون؛ حيث قال: «إن خيرَكم قرني، ثم الذين يلونَهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم»، فهم نقلهم الشريعة من رسول الله إلى الأمة من بعده؛ فكانوا أعلام الهدى، ومنارات العلم، ونشروا الفضيلة، والأخلاق، والأدب، والصدق. اتبـاع الهدى
لا يكون الشاب متبعًا للهدى إلا بأمرين: تصديق خبر الله تصديقًا جازمًا من غير اعتراض شبهة تقدح في تصديقه، وامتثال أمره -تبارك وتعالى- من غير اعتراض شهوة تمنع من امتثال أمره، وعلى هذين الأصلين مدار الإسلام. الطريق إلى اكتساب الأخلاق الراقية
إن الطريق إلى اكتساب الأخلاق الراقية هو الاقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لذلك فإننا في أمسِّ الحاجة إلى العودة الصحيحة إلى تلك الأخـلاق والآداب التي دعا الإسلام إليها، ورغَّب فيها ديننا الحنيف، وحثَّ عليها نبينا الكريم، في الوقت الذي نرى نتائج انسلاخ الكثير من الناس عنها؛ لذلك كان من واجب كل مسلم الدعوة إلى هذا المسلك النبيل في كل سانحة؛ لأنها من صميم رسالة المصطفى - صلى الله عليه وسلم . القوَّة الحقيقيَّة
القوَّة الحقيقيَّة هي قوة الأخلاق، أما القوة الموهومة فهي مهترئة سريعة الزوال، وإذا صار الإنسان قويًّا فتَسَلَّط على الناس، واسْتطال عليهم وظَلَمَهم، فإنَّه في داخله وفي حقيقته ضعيفٌ، لا يَثِق حتى في نفسه، وإن بدا للناس عكس ذلك، وإذا قوي الإنسان وأصبحتْ له شَوْكة وسُلطة، كان ذلك امتحانًا عسيرًا لقوَّتِه الحقيقية، قوة أخْلاقه، وأما العاجزُ الذي لا يستبد، فذلك ضعيفٌ عند الله وعند الناس. العاصم من كل الفتن
اعلموا يا شباب أن العاصم من الفتن هو ملازمة منهج القرآن الكريم، الذي جعله الله -تعالى- عصمةً من كل ضلالة وزيغ وفتنة، وفي متابعة سُنَّة النبي - صلى الله عليه وسلم - الصحيحة الثابتة عنه، قال -تعالى-: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيم} (المائدة: 15 - 16).