عمرو عبد العزيز يكتب (حجة الوثنين)

تحت حرارة شمس المكسيك الحارقة ، وقف ذلك الكاهن الآزتيكي أمام أحد الأهرام ..
راح يصرخ منادياً على الأسبان المحتلين .. واجهه بعض الجنود و معهم القساوسة الذين جاءوا لتنصير المكسيك ..
سألوه عن سبب صراخه المعترض .. فرد مغتاظاً :
- أريد أن نقيم مناظرة .. أريدها مناظرة بين رهبان مدينتنا (مكسيكو تينوشتيتلان) و بين رهبان المسيحية .. شعبنا بدأ يُفتن بحججكم عن الهكم المزعوم ..

- لك هذا .. اجمع كهنتكم وسنناظرهم ..

***

بدأت المناظرات بين الرهبان المسيحيين و رهبان الوثنيين ..
لكن المناظرات بدت مُرهقة متكررة من جانب الوثنيين !
ما هي الحجة التي راحوا يذكرونها بلا ملل ؟

( إن ما تقولونه هو كلام جديد ، و نحن منزعجون منه ، ذلك أن آبائنا ، أولئك الذين كانوا قد عاشوا على هذه الأرض ، لم يكن من عادتهم قط التحدث بهذا الشكل )

ثم

( لقد كانت تلك هي عقيدة أجدادنا ، إننا نحيا بفضل الآلهة ، هل صار علينا الآن أن نهدم القاعدة القديمة للحياة؟)

و استمرت تلك هي الحجة الرئيسية طوال المناظرة ..

***

هذه الحضارة (الآزتيك) لم يكن لها أي اتصال طوال التاريخ بالإسلام ، لم يسمع أي من هؤلاء حرفاً واحداً عنه ، ان ما يقولونه هو أول حجة تبادرت الى أذهانهم كوثنيين في المناظرة ..
هذا مدهش !
لماذا ؟
لأن تلك الحجج - بالحرف - مذكورة في القرآن الكريم عدة مرات من جانب الوثنيين !
وثنيو فرعون و وثنيو قريش !

أنظر اذن الآيات التالية :

* " وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أو لو كان آباؤهم لا يعلمون شيئاً ولا يهتدون "

* "قالوا أجئتنا لتلفتنا عما وجدنا عليه آباءنا وتكون لكما الكبرياء في الأرض وما نحن لكما بمؤمنين "

* " وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون "

* " وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير "

* "قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون "

تأمل التطابق الحرفي في بعض الكلمات ! تطابق مذهل !
ألا يستدعي هذا في عقلك آية معينة لا مفر من تأملها في هذا الموقف ، وهي :
* " ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير "

ان هذه الآية مدهشة في هذا الموقف بالذات ، ان الله سبحانه و تعالى يعلم حجج الوثنيين مقدماً ، و لو كان هؤلاء الكهنة المنصرين ذوي عقل و علم بالقرآن لآمنوا به فوراً ! تخيل أن تذهب الى كوكب آخر فيه بشر خرجوا من الأرض و غابوا عن الحضارة منذ عشرة آلاف عام فتجدهم يواجهونك بنفس الكلام الذي ذكره ربك أنهم سيقولونه بالحرف !
انها خبرة الخالق عز وجل .. السؤال في الآية برغم بساطته و منطقيته المدهشتين ، نجد الملايين ينسون اجابته أو يتعثرون فيها فيأولونها بصورة عجيبة !
ان الشريعة الإسلامية و حدودها و أحكامها و مبادئها مصممة باتقان الخالق ، لحكم مخلوقاته ، فكيف يجئ شخص ما و يُنكر جزءاً من هذا التصميم ، تحت مسمى عدم مناسبته لكافة بني الإنسان ؟ أو عدم مناسبته لكافة الأزمان ؟
هل هذا الشخص هو الخالق ؟ ماذا يعلم ماركس و ستيوارت مل من دعاة الخروج من القيود الإلهية عن الخلق حتى ينشئون النظريات و القوانين البديلة للقانون الإلهي ؟
هل ماركس خالق ؟ هل الليبرالي الذي وضع قوانين العلمانية المناقضة للشريعة خالق ؟
ما داموا مجرد بشر مخلوقين ، كيف لهم بالخبرة اللازمة للتعامل مع كافة مخلوقات الله ؟
انهم مجرد مخلوقات .. مثلها مثل غيرها .. معلوماتها قاصرة عن نفس الانسان و الحكمة الكونية .. فكيف يرضى أحد أتباعهم بأن يترك لهم مسائل التشريع المناقضة لشريعة رب العالمين خالقنا ؟

ثم تعال لتتأمل الحجة الوثنية بصورة أكثر اسقاطاً على زماننا ، و شاهد معي وثنية الحداثة و ما بعدها !
انك ان ناقشت أحدهم في رفضك لمفهوم و مقومات الدولة القومية الوطنية المصنوعة منذ أقل من مائة عام على أيدي أعداءها ، صرخ فيك بأنك تجئ بشئ لا يعرفه التاريخ !
ما هو التاريخ يا أخ ؟
التاريخ عنده يبدأ بتاريخ آباؤه و أجداده !
أباه و جده كانا يخرجان في مظاهرات (وطنية) لا (دينية) و لا تعرف التفرقة .. اذن فهما الحق و دونهم الباطل !
ألم تقابلك تلك الحجة من قبل على لسان المعادين للمشروع الإسلامي ؟
تحدثه عن النقاب ؟
يجري ليحضر لك عشرات الصور من الخمسينيات تثبت أن المصريات قديماً لم يكن يلبسنه !
الحجاب ؟
لا لم تكن أمي و لا جدتي تعرفه !
أحكام الشريعة ؟
دستور البلد منذ أبي و جدي يرفضها !
ألم تشاهد ذلك العلماني الحزين بسبب انتشار مظاهر الولاء و البراء بين المسلمين و هو يقول بلهجة آسفة : لم يكن على أيامنا فارق بين مسلم و مسيحي !

إن كل شئ ثابت منذ أباه و جده ! عقيدته لا تقبل النقاش و لا التغيير لأن ميزتها الوحيدة هي أنها ( وجدنا عليه آباءنا) و بالتالي قاعدته الفكرية في الحياة هي (نتبع ما وجدنا عليه آباءنا) !

انه يرفض شريعة الإسلام بحجة الوثنيين المتكررة منذ عهد الفراعنة !
نعم .. فقد أصبح يعبد صنماً بداخله لا يُمس اسمه الحداثة !
ولو أنصف و تأمل لأدرك أن الله هو (الخبير) فعلاً .. هو الذي عرف حجة الوثنيين الرئيسية فأثبتها في كتابه كقاعدة ثابتة للحجج الوثنية !
فليسقط صنم الحداثة العلماني القبيح ..
فليسقط كهنته الوثنيين ..
و حجتهم ..