تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: *** من أرض الكنانة إلى ضفاف الخليج ... ثغرات على طريق "" المراجعات" ***

  1. #1

    افتراضي *** من أرض الكنانة إلى ضفاف الخليج ... ثغرات على طريق "" المراجعات" ***

    عاشت أمة الإسلام قروناً زاخرة من العز والتمكين، ثم كان الانهيار التدريجي للكيان الواحد عبر حلقات، تمثل آخرها بسقوط الدولة العثمانية، عندها برزت جهود علماء الإسلام ومصلحيه ودعاته لإعادة الأمة إلى هويتها، سيما بعد رواج الرايات الجاهلية في حقبة ما بعد الاستعمار.
    وبعد أفول وهج هذه الرايات وارتفاع راية البعث الإسلامي، دخلت الحركات الإسلامية في مرحلة الصدام مع الأنظمة، والتي تباينت بين الخيار المسلح ابتداء أو المعارضة البرلمانية، والتي أفضت إلى خيار العنف المسلح، كما في الجزائر، وبين الخيار السلمي الإصلاحي، كما فعل دعاة الصحوة في الخليج.
    وقد انجلى غبار هذه المواجهة بعد دخول رموزها للمعتقلات، ثم خروجهم منها إلى "مراجعات منهجية" للتجربة السابقة، بعضها وثق بكتب ومؤلفات، كما فعل رموز الجماعة الإسلامية بمصر، والبعض الآخر لم يوثق ولكنها ظاهرة للعيان عبر خطاب رموزها المختلف عن خطاب المرحلة السابقة، كما فعل رموز تيار الصحوة في الخليج.
    ونتيجة لعدم وجود رباط تنظيمي بين رموز هذا التيار، تباينت طبيعة مراجعاتهم ما بين أقوام اختاروا خيار العزلة والانكفاء على الذات، وآخرون قفزوا للجهة المقابلة، ليأخذوا دورهم ضمن قوافل الشعراء والمداحين، وطائفة ثالثة باقية على خيار الإصلاح، وإن اختلفت طرائقها بشأنه، والحقيقة أن مبدأ المراجعات يعد علامة نضوج وتجرد، ينبغي مباركته وتطبيعه في أوساط الحركات الإسلامية، مهما اختلفنا في تقويم بعض تجاربه.
    لقد كان لتلك الفترة المتوهجة للصحوة في التسعينيات آثاراً إيجابية وثماراً مباركة على الأفراد والمجتمعات الإسلامية، لا يمكن لمؤرخ منصف أن يتجاهلها أو يقلل من مكتسباتها.
    إذ ركزت تلك الرموز آنذاك في خطابها الدعوي على "النخبة المتدينة"، ومن كانوا يعتبرونهم "طليعة البعث الإسلامي"، وربما بالغت في حث الناس على الالتحاق بها، وقد كان لهذه الطليعة من الشباب من الجنسين أعمالاً رائعة ومشاريع مباركة، لا تزال المجتمعات الإسلامية تجني ثمارها الطيبة، وإن كانت هذه الثمار تلفت سريعاً في الحالة المصرية بسبب السير في خيار العنف.
    لقد رأت بعض القيادات الدعوية أنه لا بد من إشراك "عموم الناس" في خطابهم الدعوي، وجعل "الإسلام" هماً شعبياً في الشارع العربي، إذ إن الدعوة الإسلامية عمَت، لتشمل كافة الشرائح حتى العصاة والمقصرين، وفي اعتقادي أن هذا المبدأ لا غبار عليه، إلا أن ثمة أخطاء وقعت فيها هذه القيادات في إطار التسويق لخطابها المذكور، وهو إهمال "النخبة المتدينة" والتقليل من شأن ميزاتها، تحت حجج وذرائع متعددة، فعلى سبيل المثال عندما يتحدث الداعية عن الفنون، من أفلام ومسلسلات وبرامج، أو عن منهجية التعامل مع "الآخر"، تجده يحرص على تقديم خطاب لبق يتناغم مع أهواء الناس وواقعهم، أو مع طبيعة الخطاب الإعلامي العربي، ذي الخصائص الثقافية الغربية، وقد يختم كلامه بالحديث عن الضوابط الشرعية لهذه الأعمال والفعاليات، ولكنه يتناسى أن الواقع ينطق بفقره أو خلوه من هذه الضوابط، وفي النهاية ينجح الداعية في جذب بعض المفرطين والمقصرين خطوة للتدين، ولكنه في نفس الوقت يساهم في تقريب بعض المتدينين لدور السينما والفن الهابط خطوات...
    وما ظاهرة ما يُسمى بـ"الدعاة الجدد" عنا ببعيد...فقد أفرزت شباباً متديناً في ظاهره، ولكنه لا يمانع لديه من حضور حفلات مارسيل خليفة أو غيره من المغنين، ومتابعة أحدث ما أنتجته هوليود من الأفلام الأمريكية، والاختلاط بين الجنسين، مع غيبوبة فكرية تعشعش في أدمغتهم عن نوازل الأمة المدلهمة، وهم لا يفعلون ذلك عن غفلة أو هوى، بل يرون في سلوكهم ونظرتهم، الفهم الحقيقي للتدين ...
    لقد ساهم هذا الخطاب الجديد للقيادات بتسويق مثل هذه الظاهرة، فهي إن لم تكن داعمة له بشكل مباشر عبر ذكر محاسنهم، بحجة الإنصاف، فإنها تقدم خطاباً عاماً فضفاضاً يساهم في التسويق لهم.
    لقد غاب عن حس هذه القيادات الاحتساب على رموز هذه الظاهرة وسد الثغرة التي أحدثوها في جدار التيار الإسلامي، وليس المقصود من الاحتساب عليها، تلك الردود الساذجة التي تغرق في "الشخصنة" ومسائل الفروع...بل المقصود استثمار هذه المساحات الإعلامية المتاحة في تقديم خطاب إسلامي معاصر، يحافظ على الهوية الثقافية للشباب المسلم عموماً، والشباب المتدين على وجه الخصوص، بعيداً عن "الخطاب الناعم"، الذي يربت على أكتاف المنحرفين، ويوهن ظهور المتدينين، ويقذف بهم في أتون الابتلاء، إذ إن هذا الخطاب في مجمله لا يعزز غربة المتدين في مجتمعه، فهذا حاصل في جُل بلاد المسلمين، ولكنه يعزز غربته داخل المحاضن الإسلامية، والتي يُفترض أن تكون الواحة التي يأوي إليه الشاب من هجير الحياة.
    إن أخشى ما أخشاه أن تؤدي هذه المراجعات إلى إحداث نوع من الخلل والاضطراب في سلم الأولويات، سيما وأن عامل الوهج الإعلامي المسلط على هذه الرموز، يعد عاملاً ضاغطاً لإثبات "البراءة" و"التنصل" من إرث الماضي..!!
    إن تسلط أعداء الملة من أهل الصليب والعلمنة والفساد، وغياب حاكمية الشريعة عن معظم بلاد المسلمين، وشيوع الاستبداد بأنواعه، والتفطن لمخططات الأعداء الغربيين المتحالفين مع دهاقنة الدعارة والعهر في العالم العربي، ومكافحة الساعين في إفساد الشباب فكرياَ وسلوكياً، محاور ينبغي أن تظل في سلم اهتمامات الدعاة، كقضايا كبرى لا تطمرها رياح المراجعات والرغبة العارمة في التنصل عن تهم التطرف التي يسبغها الخصوم عليهم...
    أتفهم أن يسعى رموز الحركات الإسلامية في التنصل عن تيارات العنف التي أفسدت ودمرت مقدرات أوطانها ومكتسبات رجالاتها، ولكن ينبغي ألا تنجرف في سعيها لتحقيق هذا الهدف إلى نسف محاور كبرى قامت على إثرها مسيرة الدعوة والإصلاح.
    وبالمقياس الشرعي، والنظرة التاريخية الفاحصة، ابتداء بالعهد النبوي المبارك، نلحظ أن ما من مسيرة إصلاحية للمجتمعات كُتب لها النجاح في الغالب إلا على أكتاف "طائفة" أو "فئة" مؤهلة، تحمل هم الإصلاح وتبذل دونه الغالي والنفيس، والمجتمعات الإسلامية اليوم ليست استثناء من هذه السنة التاريخية، فعامة الناس جُبلوا على الميل للدعة والركون لرغباتهم وهمومهم الشخصية، مع القيام بالفرائض الدينية العينية في أحسن الأحوال، وهؤلاء لا يمكن التعويل عليهم، خاصة والمجتمعات الإسلامية تعيش أزمات اقتصادية وسياسية خانقة مع طوفان إباحي (أخلاقي وفكري) هائل، يدهمهم في بيوتهم، بالإضافة إلى فتاوى يغيب أصحابها عن واقع الأمة، تعزز "الأنانية الشخصية أو الإقليمية"، وهذا يريح عامة الناس من "بقايا ضمير" يقبع في دواخلهم، ربما حدثهم يوماً بمسؤوليتهم عن حال الأمة البائس.
    لئن كنا نجهد اليوم في إقناع بعض المنتسبين للعلم الشرعي بواقع الأمة المؤلم، لأن حُجب الرفاه الشخصي والتعصب للأشخاص، تمنعهم من رؤية هذه الجراح الغائرة في جسد الأمة، فكيف بالدهماء الذين إن سلمت مآكلهم ومشاربهم، لم يعبؤوا بمسيرة الإصلاح، بل ربما صبوا عليها اللعنات بمباركة شيوخ الاستبداد.
    لقد جاء دين الإسلام لكافة الناس على مختلف أعمارهم ومداركهم وأجناسهم، ولكن "مسيرة الإصلاح" أو دائرة "فروض الكفايات" وفق التعبير الفقهي، لا ينفر لها إلا رجال اصطفاهم الله لهذه المهمة العظيمة، ودور المصلح أن يوسع هذه الدائرة، بأن يشد على عضد أفرادها، وأن يقيل عثراتهم، وأن يخصهم بخطاب حكيم مشفق يتلاءم مع مهمتهم، وأن يرى في طلائعهم "الأمل"، فربما كتب الله على أيديهم من المنجزات ما لم يحققه في مسيرته الدعوية....
    إن وصف "الخونة" بالشهداء، ووصف "الظلمة" بالأوفياء ووصف "الفسقة" بالأخلاء، لا يمكن قبوله تحت حجة "المرحلية" أو دعاوى" الوسطية"، ففي ظل هذا الخطاب تندرس معالم الطريق وتفقد القافلة بوصلتها وينفرط عقد اجتماعها، لتلقى مصيرها المحتوم على قارعة الطريق

    http://www.alasr.ws/index.cfm?method...*******Id=9724

  2. #2

    افتراضي رد: *** من أرض الكنانة إلى ضفاف الخليج ... ثغرات على طريق "" المراجعات" ***

    جزاك الله خيرا .ولي عودة إن شاء الله.

  3. #3

    افتراضي رد: *** من أرض الكنانة إلى ضفاف الخليج ... ثغرات على طريق "" المراجعات" ***

    جزاك الله خيراً أخي عبدالرحمن على دعائك وبانتظار تعقيبك

    وأطلب من الأخ المشرف أن يجعل الموضوع "بالخط العادي" الذي تكتب به المواضيع لأن الخط الموجود في الموضوع صغير فأرجو تعديله شاكراً لهم سلفاً حرصهم ورعايتهم

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Dec 2006
    المشاركات
    107

    افتراضي رد: *** من أرض الكنانة إلى ضفاف الخليج ... ثغرات على طريق "" المراجعات" ***

    أخي عبدالرحيم جزاك الله خيراً على هذا المقال (المفيد)

  5. #5

    افتراضي رد: *** من أرض الكنانة إلى ضفاف الخليج ... ثغرات على طريق "" المراجعات" ***

    أشكر الأخ المشرف الذي تفضل بتعديل الخط فشكر الله له

    الأخ الخالدي:
    وجزاك الله خيراً على مرورك ودعائك أخي الكريم

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •