فائدة : ما يذكره بعض أهل الذمة : أن معهم كتاب النبي صلى الله عليه وسلم بإسقاط الجزية عنهم لا يصح ، وسئل ابن سريج عن ذلك ؟ فقال : لم ينقل ذلك أحد من المسلمين ، وروي أنهم طولبوا بذلك ، فأخرجوا كتابا ذكروا أنه بخط على بن أبي طالب ، كتبه النبي صلى الله عليه وسلم ، فيها شهادة سعد بن معاذ ومعاوية رضي الله عنهما ، ووجد تاريخه بع موت سعد ومن قبل إسلام معاوية ، فاستدل به على بطلانه . ( المغني لابن قدامة وكشاف القناع للبهوتي رحمهما الله وغيرها من الكتب )
قال ابن القيم في أحكام أهل الذمة : وهذه الشبهة هي التي أوقعت عند اليهود أن أهل خيبر لا جزية عليهم وأنهم مخصوصون بذلك من جملة اليهود ثم أكدوا أمرها بأن زوروا كتابا فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسقط عنهم الكلف والسخر والجزية ووضعوا فيه شهادة سعد بن معاذ ومعاوية بن أبي سفيان وغيرهما وهذا الكتاب كذب مختلق بإجماع أهل العلم من عشرة أوجه:
منها: أن أحدا من علماء النقل والسير والمغازي لم يذكر أن ذلك وقع البتة مع عنايتهم بضبط ما هو دون ذلك بكثير.
الثاني: أن الجزية إنما نزلت بعد فتح خيبر فحين صالح أهل خيبر لم تكن الجزية نزلت حتى يضعها عنهم.
الثالث: أن معاوية بن أبي سفيان لم يكن أسلم بعد فإنه إنما أسلم عام الفتح بعد خيبر.
الرابع: أن سعد بن معاذ توفي عام الخندق قبل فتح خيبر.
الخامس: أنه لم يكن في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل خيبر كلف ولا سخر حتى توضع عنهم.
السادس: أنه لم يكن لأهل خيبر من الحرمة ورعاية حقوق المسلمين ما يقتضي وضع الجزية عنهم وقد كانوا من أشد الكفار عداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فأي خير حصل بهم للمسلمين حتى توضع عنهم الجزية دون سائر الكفار؟
السابع: أن الكتاب الذي أظهروه ادعوا أنه بخط علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهذا كذب قطعا؛ وعداوة علي رضي الله عنه لليهود معروفة وهو الذي قتل مرحبا اليهودي وأثخن في اليهود يوم خيبر حتى كان الفتح على يديه.
الثامن: أن هذا لا يعرف إلا من رواية اليهود وهم القوم البهت أكذب الخلق على الله وأنبيائه ورسله فكيف يصدقون على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يخالف كتاب الله تعالى؟
التاسع: أن هذا الكتاب لو كان صحيحا لأظهروه في أيام الخلفاء الراشدين وفي أيام عمر بن عبد العزيز وفي أيام المنصور والرشيد وكان أئمة الإسلام يستثنونهم ممن توضع عنهم الجزية أو لذكر ذلك فقيه واحد من فقهاء المسلمين. ولا يجوز على الأمة أن تجمع على مخالفة سنة نبيها وكيف يكون بأيدي أعداء الله كتاب من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يحتجون به كل وقت على من يأخذ الجزية منهم ولا يذكره عالم واحد من علماء
السلف؟! وإن اغتر به بعض من لا علم له بالسيرة والمنقول من المتأخرين شنع عليه أصحابه وبينوا خطأه وحذروا من سقطته.
العاشر: أن أئمة الحديث والنقل يشهدون ببطلان هذا الكتاب وأنه زور مفتعل وكذب مختلق؛ ولما أظهره اليهود بعد الأربع مئة على عهد الحافظ أبي بكر الخطيب البغدادي أرسل إليه الوزير ابن المسلمة فأوقفه عليه فقال: الحافظ هذا الكتاب زور فقال: له الوزير من أين هذا؟ فقال: فيه شهادة سعد بن معاذ ومعاوية بن أبي سفيان وسعد مات يوم الخندق قبل خيبر ومعاوية أسلم يوم الفتح سنة ثمان وخيبر كانت سنة سبع فأعجب ذلك الوزير.