قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "منهاج السنة النبوية" (1/38/ط جامعة الإمام محمد بن سعود):
وَأَمَّا سَائِرُ حَمَاقَاتِهِمْ فَكَثِيرَةٌ جِدًّا: مِثْلَ كَوْنِ بَعْضِهِمْ لَا يَشْرَبُ مِنْ نَهْرٍ حَفَرَهُ يَزِيدُ مَعَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالَّذِينَ مَعَهُ كَانُوا يَشْرَبُونَ مِنْ آبَارٍ، وَأَنْهَارٍ حَفَرَهَا الْكُفَّارُ، وَبَعْضُهُمْ لَا يَأْكُلُ مِنَ التُّوتِ الشَّامِيِّ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَمَنْ مَعَهُ كَانُوا يَأْكُلُونَ مِمَّا يُجْلَبُ مِنْ بِلَادِ الْكُفَّارِ مِنَ الْجُبْنِ، وَيَلْبَسُونَ مَا تَنْسِجُهُ الْكُفَّارُ، بَلْ غَالِبُ ثِيَابِهِمْ كَانَتْ مِنْ نَسْجِ الْكُفَّارِ.
وَمِثْلُ كَوْنِهِمْ يَكْرَهُونَ التَّكَلُّمَ بِلَفْظِ الْعَشَرَةِ، أَوْ فِعْلِ شَيْءٍ يَكُونُ عَشَرَةً حَتَّى فِي الْبِنَاءِ لَا يَبْنُونَ عَلَى عَشَرَةِ أَعْمِدَةٍ، وَلَا بِعَشَرَةِ جُذُوعٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ.
لِكَوْنِهِمْ يُبْغِضُونَ خِيَارَ الصَّحَابَةِ، وَهُمُ الْعَشْرَةُ الْمَشْهُودُ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ - أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَطَلْحَةُ، وَالزُّبَيْرُ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَسَعِيدُ بْنُ زَيْدِ [بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ]، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - يُبْغِضُونَ هَؤُلَاءِ إِلَّا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ]، وَيُبْغِضُونَ سَائِرَ الْمُهَاجِرِينَ ، وَالْأَنْصَارَ مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ الَّذِينَ بَايَعُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَحْتَ الشَّجَرَةِ - وَكَانُوا أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَ ةٍ - وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّهُ قَدْ رَضِيَ عَنْهُمْ.
وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، وَغَيْرِهِ عَنْ جَابِرٍ أَيْضًا «أَنَّ غُلَامَ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاللَّهِ لَيَدْخُلَّنَ حَاطِبٌ النَّارَ، فَقَالَ. النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (كَذَبْتَ إِنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا وَالْحُدَيْبِيَ ةَ».
وَهُمْ يَتَبَرَّأُونَ مِنْ جُمْهُورِ هَؤُلَاءِ، بَلْ [يَتَبَرَّأُونَ] مِنْ سَائِرِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَّا نَفَرًا قَلِيلًا نَحْوَ بِضْعَةَ عَشَرَ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَوْ فُرِضَ فِي الْعَالَمِ عَشَرَةٌ مِنْ أَكْفَرِ النَّاسِ لَمْ يَجِبْ هَجْرُ هَذَا.