إشكال وبيانه
هل المرأة خصصت لغاية غير العبادة؟
أخت فاضلة جزاها الله خيرا من موقع: (ملتقى أحبة القرآن)، أرسلت بملاحظة متبوعة باستفسار، لصاحب الفضيلة الشيخ: فؤاد بن يوسف أبو سعيد حفظه الله تعالى بعد خطبته التي كانت بعنوان: (من آيات الله ومخلوقاته الليل والنهار والشمس والقمر والرياح والبرق والرعد والأمطار)، فقالت في ملاحظتها واستفسارها:
لي ملاحظة أرجو تقبلها؛ الخطاب في القرآن للناس عامة، {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ* مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ* إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ}، وبعدها ذكرتم: فحصلَ بالزوجةِ الاستمتاعُ واللذةُ، والمنفَعةُ بوجودِ الأولادِ وتربيتِهم، والسكونِ إليها، وكأن الزوجة خصصت لغاية أخرى غير العبادة؟ هل يمكن توضيح الأمر أكثر؟ وبارك الله فيكم.

فأجاب فضيلة شيخنا حفظه الله تعالى بجواب، ما نصه:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه إلى يوم الدين وبعد؛
العجب في الإشكال واللبس! فليس هناك لبس ولا إشكال!!
والأمر ليس كما ورد من صاحب اللبس والإشكال، وليس بعد الآية المذكورة التي تتضمن العبرة من خلق الجن والإنس، ليس بعدها الكلام عن الزوجة والمراد من خلقها، بل الوارد في الخطبة هو كما يلي: [[قال سبحانه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ* مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ* إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ}. (الذاريات: 56– 58)
سبحانه! دلَّنا على نفسه بنفسِه، فأرسل إلينا الرسل، وأنزل إلينا الكتب، {وَيُحَذِّرُكُم اللَّهُ نَفْسَهُ}. (آل عمران: 28)، يأمرنا بتوحيدِه وعبادتِه، ويحثُّنا على التدبُّر والتفكر في آياته ومخلوقاته، {لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا}. (المدثر: 31)
فهو سبحانه [{يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ} كما يخرج النباتَ من الأرضِ الميتة، والسنبلةَ من الحبة، والشجرةَ من النواة، والفرخَ من البيضة، والمؤمنَ =الحيَّ بإيمانه= من الكافر =الميت بكفره=، ونحو ذلك.
{وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ} بعكس المذكور؛ =فيخرج الحبةَ من السنبلة، والبيضةَ من الدجاجة ونحو ذلك=، {وَيُحْيِي الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا}؛ فينزِّلُ عليها المطرَ وهي مَيتةٌ هامدة، ...
=قال سبحانه: {وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ}. (الحج: 5)=، {وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ}. (الروم: 19) من قبوركم.
فهذا دليلٌ قاطعٌ، وبرهانٌ ساطعٌ؛ أنَّ الذي أحيا الأرضَ بعد موتِها فإنَّه يحيي الأموات...
...=ثم شرع سبحانه= في تَعدادِ آياتِه الدالةِ على انفرادِه بالإلهية وكمالِ عظمتِه، ونفوذِ مشيئتِه، وقوةِ اقتدارهِ، وجميلِ صُنعهِ، وسَعةِ رحمتِه وإحسانهِ، فقال: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ} وذلك بخلْقِ ... آدمَ عليه السلام {ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ}. (الروم: 20)، أي: الذي خلقكم من أصلٍ واحدٍ، ومادَّةٍ واحدةٍ، وبثَّكم في أقطارِ الأرض وأرجائها، ففي ذلك آياتٌ على أنَّ الذي أنشأكم من هذا الأصلِ وبثَّكم في أقطارِ الأرض، هو الربُّ المعبود، الملكُ المحمود، والرحيمُ الودود، الذي سيعيدُكم بالبعث بعد الموت.
{وَمِنْ آيَاتِهِ} الدالةِ على رحمتِه وعنايتِه بعبادِه، وحكمتِه العظيمةِ، وعلمِه المحيط، {أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} تناسبكُم وتناسبونهنّ، وتشاكِلُكُم وتشاكِلونَهُنَّ ، {لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} بما رتَّبَ على الزواجِ من الأسبابِ الجالبةِ للمودةِ والرحمة.
فحصلَ بالزوجةِ الاستمتاعُ واللذةُ، والمنفَعةُ بوجودِ الأولادِ وتربيتِهم، والسكونِ إليها، فلا تجدُ بين أحدٍ في الغالب مثلَ ما بين الزوجين من المودَّةِ والرحمة، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}. (الروم: 21) يُعمِلون أفكارهم، ويتدبرون آياتِ اللهِ، وينتقلون من شيء إلى شيء، =من آية إلى آية=...]].
فراجع تجد الأمر على ما ذكرته.
هذا بالنسبة لظاهر الإشكال.
أما إن كان اللبس والإشكال في خلق المرأة ((وكأنها خصصت لغاية أخرى غير العبادة؟! ..؟)).
فأقول وبالله التوفيق: إن خَلْقَ المرأةِ والمتعةِ بها ووجود الأولاد منها سيق في مجال ذكر تعدد الآيات والنعم على الإنسان، وآية خلق الجن والإنس للعبادة، ففي سياق قوله تعالى: {وَمِنْ آياتِهِ} في سورة الروم قال سبحانه: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (20) وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ (22) وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُم ْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (23) وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (24) وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ (25)} (من سورة الروم). فمن الأزاج كان البنون والحفدة:
{واللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِل ِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ}. (النحل: 72)
{وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}. (فاطر: 11)، وهذا مما امتنه الله على عباده من الآيات التي فيها المتع والاستمتاع، فـــ{سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ}. (يس: 36)، وسبحانه جل جلاله {فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}. (الشورى: 11)
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الدُّنْيَا مَتَاعٌ، وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ». صحيح مسلم (1467)
كلُّ ذلك للإنسان حتى يعبدَه وحده ولا يشركَ به أحدا، وهذه الآياتُ والمخلوقاتُ التي ننتفع ونستمتع بها أيضا هي تعبدُ الله سبحانه، {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ}. (الحج: 18) فهي تسجد لخالقها، وتسبح وتصلي:
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ}. (النور: 41)، {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا}. (الإسراء: 44)، فالكون كله في عبادة مستمرة للخالق البارئ المصور سبحانه وتعالى عما يشركون.
فالمرأة خلقت لعبادة ربها، ومتعة زوجها، والرياح والشمس والقمر والأمطار، خلقت لعبادة الله جل جلاله، ومتعة الإنسان.
والله تعالى أعلم