بسم الله الرحمن الرحيم
" ألطاف الله الربانية بعباده في صيام عاشوراء"
الحمد لله الواحد الأحد في ربوبيته، وإلهيته، وأسماءه، وصفاته، والصلاة والسلام على من أرسله الله بمعجزاته وآياته، ثم أما بعد :
وها هي نفحات الله الربانية تتوالى على عباده ليزيدهم قربا منه وطاعة له، فألطافه سبحانه وتعالى المتتابعة على عبيده لا تنقطع فمواسم الخير و مناسبات القربى كثيرة ولله الحمد ، فطوبى لعبد استغلها في النفع والصلاح، ولم يفوتها عن نفسه، وتنافس فيها مع غيره من أهل البر والإحسان على الخيرات، وتسابق فيها لتحقيق رضا الله بالإنابة إليه، والتوبة وتقديم القربات من طاعات وصدقات وصيام، فها هي نفحات ربنا المنان تتابعت في هذه الأشهر الحرم المباركة فبعد انقضاء ذي الحجة، يدخل علينا شهر الله الحرام المحرم المبارك فنقول : "الله أكبر ، اللهم أهله علينا باليمن والإيمان، والسلامة والإسلام، والتوفيق لما يحب ربنا، ويرضى، ربي وربك الله "، ولقد ثبت عن الصحابة والتابعين أنهم كانوا يعودون صبيانهم على هذه الطاعة ويعلمونهم همة الإقبال على الله تعالى بالصوم في يوم عاشوراء كما جاء في الحديث عن مسلمة مرفوعا : " من أكل فليصم بقية يومه، ومن لم يكن أكل فليصم"، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصومه ويرغب أمته في صيام هذا اليوم المبارك الميمون، ويوم عاشوراء معناه : كما قال العلامة القرطبي : " معدول عن عاشرة للمبالغة والتعظيم "، وهو كما قال ابن منصور الجواليقي : " أنه لم يسمع فاعولاء إلا هذا وضاروراء وساروراء ودالولاء"، وقال الحافظ بن حجر : " قال الزين بن المنير : الأكثر على أن عاشوراء هو اليوم العاشر من شهر الله الحرام "، وقالوا : " وهو مقتضى الاشتقاق والتسمية"، و صيام يوم عاشوراء كان واجبا قد أن يفرض شهر رمضان المبارك فلما فرضه الله بقي صيام عاشوراء على الاستحباب، فعلقه النبي صلى الله عليه وسلم بالمشيئة كما روى البخاري : عن ابن عمر رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم :" يوم عاشوراء من شاء صام " وروى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه و سلم أمر بصيام يوم عاشوراء ، فلما فرض رمضان كان من شاء صام ومن شاء أفطر"، وقد كانت قريش تصومه كذلك في الجاهلية قبل الإسلام ، كما جاء في صحيح البخاري روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها : "كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه في الجاهلية، فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه، فلما فرض رمضان ترك يوم عاشوراء فمن شاء صامه ومن شاء تركه"، و روى البخاري : عن معاوية رضي الله عنه قال على المنبر : " يا أهل المدينة أين علماؤكم؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : هذا يوم عاشوراء، ولم يكتب الله عليكم صيامه وأنا صائم، فمن شاء فليصم ، ومن شاء فليفطر"، وهذا اليوم يوم صالح نجى الله تعالى فيه موسى ومن معه من فرعون اللعين كما روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء فقال : ما هذا ؟ قالوا: هذا يوم صالح، هذا يوم نجى الله بنى إسرائيل من عدوهم فصامه موسى قال: فأنا أحق بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه"، واليهود يعدونه عيدا ونحن المسلمون نضعه حيث وضعه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم بلا زيادة ولا نقصان ، روى البخاري : عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : "كان يوم عاشوراء تعده اليهود عيدا قال النبي صلى الله عليه وسلم : صوموه أنتم"، وروى ابن خزيمة في صحيحه عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن أبي عاصم بلفظ : " إن اليوم يوم عاشوراء فمن شاء فليصمه ومن شاء فليفطره"، وعند الإسماعيلي : قال : " يوم عاشوراء من شاء صامه ومن شاء أفطره"، وقال العلامة الحافظ في فتح الباري ج4/331 : "كان صلى الله عليه وسلم يصوم العاشر وهم بصوم التاسع فمات قبل ذلك، ثم ما هم به من صوم التاسع يحتمل معناه أنه لا يقتصر عليه بل يضيفه إلى اليوم العاشر إما احتياطا له وإما مخالفة لليهود والنصارى ".
وروى مسلم من طريق الحكم بن الأعرج قال انتهيت إلى ابن عباس رضي الله عنه وهو متوسد رداءه فقلت :" أخبرني عن يوم عاشوراء قال : إذا رأيت هلال محرم فاعدد ، وأصبح يوم التاسع صائما، قلت : أهكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يصومه ؟ قال : نعم"، روى مسلم عن ابن عباس رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لئن بقيت إلى قابل لأصمن التاسع، فمات قبل ذلك"، وروى أحمد عن ابن عباس رضي الله عنه "صوموا يوم عاشوراء وخالفوا اليهود صوموا يوما قبله أو يوما بعده"
قال العلامة الحافظ ابن حجر : " وهذا كان في آخر الأمر، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء ولاسيما إذا كان فيما يخالف فيه أهل الأوثان، فلما فتحت مكة واشتهر أمر الإسلام أحب مخالفة أهل الكتاب أيضا كما ثبت في الصحيح فهذا من ذلك، فوافقهم وقال أولا :" نحن أحق بموسى منكم"، ثم أحب مخالفتهم فأمر بأن يضاف إليه يوم قبله ويوم يعده خلافا لهم ، ويؤيده رواية الترمذي من طريق أخرى بلفظ : "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عاشوراء يوم العاشر"، وقال بعض أهل العلم : " قوله صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم :" لئن عشت إلى قابل لأصمن التاسع"، يحتمل أمرين : أحدهما أنه أراد نقل العاشر إلى التاسع ، والثاني أن يضيفه إليه في الصوم، فلما توفي صلى الله عليه وسلم قبل بيان ذلك كان الاحتياط صوم اليومين وعلى هذا فصيام عاشوراء على ثلاث مراتب :
أدناها أن يصام وحده، وفوقه أن يصام التاسع معه، وفوقه أن يصام التاسع والعشر والله أعلم "، وقد وردت أحاديث نبوية كثيرة في فضل صيام يوم عاشوراء المبارك، ومنها عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "صيام يـوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنـة التي قبله" رواه مسلم :1976 فنسأل الله تعالى أن يوفقنا لما فيه صلاح الدين والدنيا آمين.
حررت يوم 1 محرم 1429
و كتبه
عبد الفتاح زراوي حمداش
المشرف العام لموقع ميراث السنة