تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 12
النتائج 21 إلى 23 من 23

الموضوع: أحْلَى حِكَايَاتِ كَهْفِ الْغَرَائِبِ ومَغَارَةِ العَجَائِبِ.

  1. #21

    افتراضي

    من عجائب مَحَبَّة المرأة لِضَرَّتِها!
    قال المؤرِّخ النابغة عبد الرحمن الجَبَرْتِي في تاريخه «عجائب الآثار» في غضون ترجمته الماتعة لأمه:
    «وكانت من الصالحات الخَيِّرات المَصُونات، وحجَّتْ صُحْبَته - يعني في صُحْبة أبيه- في سنة إحدى وخمسين (يعني: بعد المئة والألف من الهجرة) وكانت به-يعني أباه- بارَّة، وله مُطِيعة.
    ومن جملة بِرِّها له - يعني لأبيه- وطاعتها أنها كانت تشتري له من السَّرَارِي (السَّرَاري: الجواري. مفرد سُرِّيَّة.) الحِسَان من مالها وتُنَظِّمُهن بالحُلِيِّ والملابس، وتُقدِّمهن إليه، وتعتقد حصول الأجر والثواب لها بذلك (1).
    وكان يتزوج عليها كثيرًا من الحَرائِر، ويشتري الجواري فلا تتأثَّر من ذلك، ولا يحصل عندها ما يحصل في النساء من الغَيْرة (2).
    ومن الوقائع الغريبة: أنه لمَّا حج المترْجَم-يعني أباه العلامة حسن الجبرتي- في سنة ست وخمسين (3) واجتمع به الشيخ عمر الحلبي بمكة أوصاه بأن يشتري له جارية بيضاء تكون بِكْرًا دون البلوغ وصِفَتُها كذا وكذا.
    فلما عاد من الحج طلب من اليسرجية (يعني: بائعِي الجواري.) الجواري لِيُنقِّي منهن المطلوب فلم يزل حتى وقع على الغرض، فاشتراها وأدخلها عند زوجته المذكورة-يعني أمه- حتى يرسلها مع مَنْ أوصاه بإرسالها صحْبته.
    فلما حضر وقت السفر أخبرها بذلك لتعمل لهم ما يجب من الزُّوَّادة ونحو ذلك.
    فقالت له: «إني أحببت هذه الوصِيفة حبًّا شديدًا، ولا أقدر على فراقها، وليس لي أولاد، وقد جعلتُها مثل ابنتي».
    والجارية بكَتْ أيضًا وقالت: «لا أُفارِق سيدتي، ولا أذهب من عندها أبدًا».
    فقال: وكيف يكون العمل؟ قالت: ادْفَع ثمنها من عندي واشْترِ أنت غيرها، ففعل. ثم إنها أعتقتْها وعقدَتْ له عليها، (4) وجهَّزَتْها وفرَشَتْ لها مكانًا على حِدَتِها.
    وبَنَى بها (يعني دخل بها.) في سنة خمس وستين، وكانت لا تقدر على فراقها (يعني أمه لا تقدر على فراق الجارية التي صارت ضَرَّة لها) ساعة مع كونها صارت ضَرَّتَها، وولدتْ له أولادًا.
    فلما كان في سنة اثنين وثمانين المذكورة مرضت الجارية فمرضتْ لمرضِها- يعني أمه مرضت حزنًا على مرض ضَرَّتها! - فقامت الجارية في ضَحْوة النهار فنظرت إلى مولاتها -يعني أمه- وكانت في حالة غطوسها (يعني: شدة مرضها.) فبكتْ، وقالت: «إلهي وسيدي إنْ كنتَ قدَّرْتَ بموت سيدتي (5) اجعلْ يومي قبل يومها»!
    ثم رقدَتْ وزاد بها الحال وماتت تلك الليلة. فأضْجَعوها بجانبها (يعني بجانب أمه) فاستيقظتْ مولاتها-يعني: أمه- آخر الليل وجسَّتْها بيدها وصارت تقول: «زليخا .. زليخا .. » (زليخا: هو اسم الجارية.).
    فقالوا: «إنها نائمة»! (كأنهم لم يكونوا شعروا بكونها ماتت!).
    فقالت: «إن قلبي يُحدِّثني أنها ماتت! ورأيت في منامي ما يدل على ذلك».
    فقالوا لها: «حياتُكِ الباقية»! فلما تحققتْ ذلك قامتْ وجلستْ وهي تقول: «لا حياة لي بعدها»
    وصارت تبكي وتنْحُب حتى طلع النهار، وشرعوا في تشْهيلها (يعني: تجهيزها للدفْن) وتجهيزها، وغسَّلوها بين يديها، وشالوا جنازتها، ورجعَتْ-يعني أمه- إلى فراشها، ودخلت في سكرات الموت، وماتت آخر النهار! وخرجوا بجنازتها أيضا في اليوم الثاني.
    قال الجبرتي: «وهذا من أعجب ما شاهدتُه ورأيتُه ووعيتُه، وكان سِنِّي إذ ذاك أربع عشرة سنة». (6)
    حول القصة:
    قلت: هذه القصة أعجب ما قرأتُ في وفاء النساء وإخلاصهن في حق ضَرَّاتهن! فقد صِرْنا في زمان تكون الضَرَّة (7) الصالحة هي مَنْ تَسْلَم ضرَّتُها مِنْ أذاها وبَطْشِها! ولو أطلقتُ لقلمي العَنان في ذلك لَسَطَرْتُ في تلك المآسي مجلدات!
    ولكن ما الحيلة وقد ضعُف الإيمان في قلوب الناس! وخارتْ عزائمهم من الأساس! وصار كثير من الرجال في يد زوجاتهن أوهنَ من العصفور في يد الصيَّاد! فلا كلام لهم عليهن! ولا سبيل لإرضائن إلا بتضييع رجولتهم، وتمزيق نخْوتهم! ففسد بذلك الحال، وتبدَّلتِ الأحوال! وأمسى المُنْكَرُ معروفًا والمعروف مُنْكَرًا!
    وحسبنا الله ونِعْم الوكيل.
    ------- الحاشية --------
    (1) قلت: ولا شك أن الله سيجزيها خيرًا على ذلك إن كانت تقصد به التودد إلى زوجه والسعْيَ في رضاه.
    (2) وهذا من كمال عقل تلك المرأة وجميل أخلاقها. وأين نساء أهل زماننا منها!
    (3) يعني: بعد المئة والألف من الهجرة. أي: (سنة 1156/للهجرة).
    (4) يعني: قامتْ بتزويجها من زوجها! فانظر إلى كمال عقل تلك المرأة؟
    (5) تقصد بها: أُمَّ الجبرتي ومولاتها التي قامت بتزويجها من زوجها.
    (6) انظر: «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» [1/ 613 - 614/طبعة دار الكتب المصرية].
    (7) الضرة: بفتح الضاد جَمْعُ ضرَّات وضرائر، وهي إحدى زوجات الرجل المتزوج بأكثر من واحدة. وضَرَّةُ المرأة: امرأة زوجها، وسُمِّيَتْ بذلك لِمَا بينهما من المُضارَّة. ويُخْطِئ مَن ينطق: «الضَّرَّة» بضم الضادة فيقول: «ضُرَّة»! فانتبه يا رعاك الله.

  2. #22

    افتراضي


    جزاءُ الأمانة والتعفُّفِ مع الفقْر والحاجة
    قال القاضي الإمام أبو بكر محمد بن عبد الباقي الأنصاري:
    «كنتُ مجاورًا بمكة - حرسها الله تعالى - فأصابني يومًا من الأيام جوع شديد لم أجد شيئًا أدفع به عني الجوع، فوجدتُ كِيسًا من إِبْرَيْسَم (هو ثياب الحرير.) مشدودًا بَشَرَّابة (هي خيوط مجموعة من حرير) من إبريسم أيضًا، فأَخذتُه وجِئْتُ به إلى بيتي، فحلَلْتُه فوجدتُ فيه عقدًا من لؤلؤ لَمْ أرَ مثله.
    فخرجتُ فإذا [شيخ] يُنادِي عليه، ومعَه خِرْقة فيها خمسمائة دينار وهو يقول: هذا لِمنْ يَردُّ علينا الكيس الذي فيه اللؤلؤ.
    فقلت: أنا محتاج، وأنا جائع، فآخُذ هذا الذهب فأنتفع به، وأردُّ عليه الكيس.
    فقُلت له: تعالى إليَّ، فأخذْتُه وجِئْتُ به إلى بيتي، فأعطاني علامة الكيس، وعلامة الشَّرَّابة، وعلامة اللؤلؤ وعَدَدَه، والخيْط الذي هو مَشدُود به، فأخرجته ودَفعتُه إليه.
    فسلَّم إليَّ خمسمائة دينار، فما أخذتُها، وقلت: يجب عليّ أن أُعِيده إليك ولا آخُذ له جزاء.
    فقال لي: لا بد أن تأخذ ... ألَحَّ عليَّ كثيرًا، فلم أقبل ذلك منه، فتركني ومضى.
    وأمَّا ما كان مني: فإني خرجتُ من مكة وركبتُ البحر، فانكسر المركب وغرق الناس، وهلكت أموالهم، وسلِمتُ أنا على قطعة من المركب.
    فبقيت مُدّةً في البحر لا أدري أين أذهب، فوصَلت إلى جزيرة فيها قوم، فقعَدتُ في بعض المساجد، فسمعوني أقرأ، فلم يبق في تلك الجزيرة أحد إلا جاء إليَّ وقال: علِّمْني القرآن.
    فحصل لي من أولئك القوم شيء كثير من المال (1).
    ثم إني رأيتُ في ذلك المسجد أوراقًا من مصحف، فأخذتها أقرأ فيها.
    فقالوا لي: تُحْسَنُ تكتب؟ (يعني: هل تعرف الكتابة؟).
    فقلت: نعم.
    فقالوا: علِّمْنا الخطَّ، فجاءوا بأولادهم من الصِّبيان والشباب، فكنتُ أُعَلِّمهم، فحصَل لي أيضًا من ذلك شيء كثير.
    فقالوا لي بعد ذلك: عندنا صَبيَّةً يتيمة، ولها شيء من الدُنيا (يعني: أنها تمتلك بعض الثروات.) نريد أن تتزوج بها، فامْتنَعْتُ، فقالوا: لا بل (يعني: لا بد من أن تتزوجها.)، وألزموني، فأجبْتُهم إلى ذلك.
    فلما زفُّوها إليَّ مدَدْتُ عينيَّ أنظر إليها، فوجدت ذلك العقْد بعينه (2) مُعلَّقًا في عنقها، فما كان لي حينئذ شُغُل إلا النظر إليه!
    فقالوا: يا شيخ، كسَرْتَ قلْب هذه اليتيمة من نظَرِك إلى هذا العقد، ولم تنظر إليها (3) فقصَصْتُ عليهم قصة العقْد؛ فصاحوا وصرخوا بالتهليل والتكبير، حتى بلغ إلى جميع أهل الجزيرة!
    فقلتُ: ما بكم؟ فقالوا: ذلك الشيخ الذي أخذ منك العقد أبو هذه الصَّبِيَّة، وكان يقول: ما وجدتُ في الدنيا مُسْلِمًا إلَّا هذا الذي ردَّ عليَّ هذا العقد، وكان يدعو ويقول: اللهم اجمْع بيني وبينه حتى أُزَوِّجَه بابنتي. والآن قد حصَلتْ (4)، فبقيتُ معها مدة ورُزِقْتُ منها بولديْن.
    ثم إنها ماتت فورثتُ العقد أنا وولَداي، ثم مات الولدان فحصل العقْد لي فبِعْتُه بمائة ألف دينار.
    وهذا المال الذي ترَوْن معي من بقايا ذلك المال. .. » (5)
    قال الزَّيْن ابن رجب بعد أن ساق تلك القصة في كتابه: «ذيل طبقات الحنابلة»: «هكذا ساق هذه الحكاية يوسف بن خليل الحافظ في «معجمه».
    وساقها ابن النجار في تاريخه، وقال: «هي حكاية عجيبة. وأظن القاضي حكاها عن غيره».
    قلتُ: هذه حكاية صحيحة ثابتة، ودعوى أن يكون القاضي قد حكاها عن غيره، هي دعوى لا برهان عليها أصلا، مع تصريح القاضي بكونها قد وقعت له ...
    والقاضي هذا صاحب القصة: هو أبو بكر محمد بن عبد الباقي الإمام الحافظ الثقة المُتَفنِّن المُسْنِد المعروف بـ «قاضي المارستان» وهو مُصدَّق فيما قال وحكى ..
    وقصته هنا: ما وجدتُ ما يشبهها إلا ما قرأته في: «قصص ألف ليلة وليلة».
    فانظر: إلى أمانة هذا الإمام، وشدة تعفُّفِه حتى مع الجوع والمَخْمَصة!
    وتأمَّل: كيف وافَاه الله الجزاء الجميل في تلك الحياة قبل الممات ...
    ------ الحاشية ------
    (1) يقصد: أنه جعل يعلِّمهم القرآن ويأخذ على ذلك أجرًا، حتى جمع مالًا كثيرًا.
    (2) يعني: العقد الذي وجده قديمًا وأعطاه لصاحبه بدون أن يأخذ منه شيئًا.
    (3) يبدو أنه انشغل بقصة العقد والتفكير فيها عن الاهتمام بعروسه الحسناء! فلعلها اشتكتْ منه إلى أوليائها فاجتمعوا بالشيخ القاضي صاحب القصة ولاموه على ذلك.
    (4) يعني: حصلتْ تلك الأُمْنية، واستجاب الله دعاء والِد العروس، وها أنت تتزوج بابنته.
    (5) نقلها الحافظ الزين ابن رجب في «ذيله على طبقات الحنابلة» [1/ 443 - 445 / طبعة مكتبة العبيكان]، عن الشمس يوسف بن خليل الحافظ أنه قال في «معجمه»: «أخبرنا الشيخ الصالح أبو القاسم عبد اللّه بن أبي الفوارس محمد بن علي بن حسن الخزاز الصوفي البغدادي ببغداد قال: سمعتُ القاضي أبا بكر محمد بن عبد الباقي بن محمد البزاز الأنصاري يقول: كنتُ مجاورًا بمكة ... » وساق الحكاية.

  3. #23
    تاريخ التسجيل
    Jun 2020
    المشاركات
    1

    افتراضي رد: أحْلَى حِكَايَاتِ كَهْفِ الْغَرَائِبِ ومَغَارَةِ العَجَائِبِ.

    شكررررررا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •