بسم اللّه الرحمن الرحيم
التّعليقات الذهبيّة للحافظ النّقّاد شمس الدّين الذهبيّ
الحمد للّه ربّ العالمين،أحمدُه تعالى وأثني عليه،عَدَدَ خَلْقِهِ،وَرِضَ ا نَفْسِهِ،وَزِنَ ةَ عَرْشِهِ،وَمِدَ ادَ كَلِمَاتِهِ.
والصّلاة والسّلام التّامّان الأكملان على المبعوث رحمةً للعالمين،نبيِّن ا محمّدٍ،عبدِ اللّه المصطفى،ونبيِّه المجتبى ،ورسولِه المرتضَى.وعلى آله الأطهار،وصحبه الأبرار،والتّاب عين لهم بإحسان.
وبعدُ،فإنّ من نعم اللّه على هذه الأمّة المرحومة،على مدار تاريخها،أنْ منَّ عليها بعدد كبير جدا من العظماء الّذين شادوا صرح الحضارة الإسلاميّة،تلك الحضارة الّتي نَعِمَتْ البشريّة في كنفها بُرهة من الدّهر.
أولائك العظماء من العلماء،والحكما ء،والنّبلاء،وال أدباء،والشّعراء ،والقادة،والسّا سة،و ... قد توزّعتهم شؤون الحياة الدّنيا في مختلف الميادين،وشتّى الاختصاصات؛فرحم ة اللّه تترى على تلك الأرواح الزكيّة،والأنفس الأبيّة،ذوات الهمم العليّة،من عجم وعرب.
منهم:الشّيخ الإمام،والعَلَم الهُمام،الحافظ المؤرِّخ،والنّا قد الصّيرفيّ،شيخ الجرح والتّعديل،شمس الدين أبو عبد الله محمّد بن أحمد بن عثمان بن قايماز بن عبد الله التّركماني الأصل،الفارقيّ الذهبيّ الشّافعيّ - رحمه الله تعالى –
ولست ممَن يُعرِّفون بالشّمس الضّاحية،والنّج وم السّارية؛ولا ممّن يمدحون مَن أغرق النّاس في مدحه،والثناء عليه،فقد :
جلّ عن مذهب المديح فقد كا * د يكون المديح فيه هجاء
وقد : تجاوز قدر المدح حتّى كأنّه * بأحسن ما يُثنى عليه يُعابُ
أفصحت عن شخصيّته،وطيب عنصره،وكرم محتده – رحمه اللّه – مؤلّفاتُه،الّتي بلغت 215 .فأسفرت عن جلالة قدر، وعلوّ همّة،ووفور عقل،وحدّة ذهن،وثقوب نظر ... إلى ثقافة موسوعيّة في علوم الشّريعة،وتخصّص منقطع النّظير في علم الجرح والتّعديل،واضطل اع كبير بعلم الحديث،واستقراء لم يكد يُعرَف لغيره من العلماء لأحداث التّاريخ الإسلاميّ.
وهو مع ذلك كلّه يُعَدُّ من العلماء المحقّقين،وكبار النقّاد؛يتجلّى ذلك لكلّ مَن خبر كتبه في الحديث والرِّجال والتّاريخ.ونقده يتّسم بالعمق،وينطوي على نظرات علميّة ثاقبة،ويحمل في طيّاته الكثير من التّصويبات،والا ستدراكات،إلى لغة جزلة،وأسلوب علميّ متين.
ما دفعني من قديم إلى الاعتناء بها من خلال جمعها في مؤلَّف مُستقِل؛ليكون في متناول طلبة العلم.
وقد وسمتُ هذا المجموع ب(التّعليقات الذهبيّة للحافظ النَّقَّاد شمس الدّين الذّهبيّ).والّذي بين يديك – أخي القاريء – هو بعضٌ من تلك التّعليقات،قد رغبت في نشرها لتعمّ بها الفائدة.والحمد للّه في البدء والختام.
المجلَّد رقم 1 (1)
الزُّبَير بن العَوّام - رضي اللّه عنه –
ص41 تعليق 21: حواريُّ رسولِ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم،وابنُ عمّته صفيَّة بنت عبد المطّلب،وأحدُ العشرة المشهود لهم بالجنّة،وأحدُ السِّتَّة أهل الشُّورى،وأوّل مَن سلَّ سيفَه في سبيل اللّه،أبو عبد اللّه رضي اللّه عنه،أسلمَ وهو حَدَثٌ،له ستّ عشرة سنة.
ص42 تعليق 22: وقد وردَ أنّ الزّبيرَ كانَ رجلاً طويلاً(2)،إذا ركِبَ خَطّتْ رجلاه الأرضَ،وكان خفيفَ اللِّحية والعارِضَيْن. روى أحاديث يسيرة.
ص42 تعليق 23: اِتّفقا [ البخاريّ ومسلم ] له على حديثين،وانفردَ له البخاريُّ بأربعة أحاديث،ومسلم بحديث.
ص 47 تعليق 24: وفيه يقول عامر بن صالح بن عبد الله بن الزّبير(3):
جَدِّي ابنُ عَمّةِ أحمدٍ ووزيرُه *** عندَ البلاءِ وفارسِ الشَّقراءِ
وغَداةَ بدرٍ كانَ أوّلَ فارسٍ *** شهِدَ الوَغى في اللاّمةِ الصّفراءِ
نزلتْ بسِيماهُ الملائِكُ نُصْرةً *** بالحوضِ يومَ تَأَلُّبِ الأَعداءِ
وهو ممّن هاجرَ إلى الحبشة فيما نقلَهُ موسى بنُ عقبة،وابنُ إسحاق(4)،ولم يُطَوِّلْ الإقامةَ بها.
ص 49: ابنُ أبي عَروبة:عن أيّوب،عن نافع،عن ابن عمرَ أنّه سمعَ رجلاً يقولُ:يا ابنَ حَواريِّ رسولِ الله!؛فقال ابنُ عمر: إن كنتَ من آلِ الزّبير،وإلاّ فلا(5).
تعليق 25: رواه ثقتان عنه،والحَوارِيُ ّ:النّاصِر.وقال مصعبُ الزُّبَيريّ:الح وارِيُّ:الخالِص ُ مِن كلّ شيءٍ.وقال الكلبي: الحَوارِيُّ:الخ ليل.
ص53 : يحيى بنُ سعيد الأنصاري:عن سهيل،عن أبيه،عن أبي هريرة،أنّ رسولَ الله صلّى الله عليه وسلّم كانَ على حراء، فتحرّكَ.فقال:اسك نْ حراء!؛فما عليك إلاّ نبيٌّ،أو صِدِّيقٌ،أو شهيدٌ.وكان عليه أبو بكر،وعمر،وعثمان ،وطلحة،والزُّبي ر.
تعليق 26: الحديث رواه معاويةُ بنُ عبد الرّحمن بنِ جبير،عن أبيه،عن أبي هريرة مرفوعا،وذكرَ منهم عليًّا.وقد مرّ في تراجم الرّاشدين أنّ العشرة في الجنّة،ومرَّ في ترجمة طلحة عن النّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم قال:" طلحةُ والزّبيرُ جارايَ في الجنّة "(6).
ص 58 - 59: قال أبو شهاب الحنّاط وغيرُه:عن هلال بنِ خباب،عن عكرمة،عن ابن عبّاس أنّه قال للزّبير يومَ الجمل:يا ابنَ صَفِيَّة! هذه عائشةُ تُمَلِّكُ المُلْكَ طلحةَ،فأنتَ عَلامَ تُقاتِلُ قَريبَك عليًّا ؟.
تعليق 27: زادَ فيه غيرُ أبي شهاب:فرجعَ الزّبيرُ،فلَقِي َهُ ابنُ جُرْمُوزٍ فقَتَلَهُ(7).
ص 59 - 60: قال عبدُ الله بنُ محمّد بن عبد الملك الرّقاشي:عن جدّه،عن أبي جروٍ المازنيّ،قال:شه تُ عليًّا والزّبيرَ حين تَواقَفا،فقال عليٌّ:يا زبيرُ! أنشدكَ اللهَ،أسمعتَ رسولَ الله صلّى الله عليه وسلّم يقولُ:إنّك تُقاتِلُني وأنتَ لي ظالِمٌ ؟.قال:نعم، ولم أذكُرْهُ إلاّ في مَوقِفي هذا،ثمّ اِنصرفَ(8).
تعليق 28: رواه أبو يعلى في " مسنده " وقد روى نحوَه من وجوهٍ سُقْنا كثيرا منها في كتاب " فتح المطالب "(9).
ص60: قال يزيدُ بنُ أبي زياد:عن عبد الرّحمن بن أبي ليلى قال:انصرفَ الزّبيرُ يومَ الجمل عن عليّ،فلَقِيَهُ ابنُه عبدُ الله، فقال:جُبْنًا،جُ ْنًا!،قال:قد علِمَ النّاسُ أنّي لستُ بجبانٍ،ولكن ذَكَّرني عليٌّ شيئا سمعتُهُ من رسولِ الله صلّى الله عليه وسلّم،فحَلَفْتُ أن لا أقاتِلَهُ،ثمّ قال:
تركُ الأُمورِ الّتي أَخشى عَواقِبَها *** في اللهِ أحسنُ في الدّنيا وفي الدِّين
تعليق 29: وقيل:إنّه أنشدَ:
ولقدْ علمتُ لو أنّ عِلمي نافِعي *** أنّ الحياةّ مِن المماتِ قَريبُ
فلم يَنشبْ أن قَتَلَهُ ابنُ جُرْمُوز.
ص 62 : شعبة،عن منصور بن عبد الرّحمن،سمعتُ الشّعبيَّ يقول:أدركتُ خمسَ مئة أو أكثرَ من الصّحابة يقولون:عليٌّ، وعثمانُ،وطلحةٌ، والزّبيرُ في الجنّة.
تعليق 30: قلت:لأنّهم من العشرة المشهودِ لهم بالجنّة،ومِن البَدْرِيِّين،و مِن أهلِ بيعةِ الرِّضوان،ومِن السّابقين الأوَّلين الّذين أخبرَ تعالى أنّه رضيَ عنهم ورضُوا عنه،ولأنّ الأربعةَ قُتِلُوا ورُزِقُوا الشّهادة،فنحن مُحِبُّون لهم،باغِضُون للأربعة الّذين قَتَلُوا الأربعة.
ص 62-63 : ابنُ المبارك:أنبأنا هشام،عن أبيه أنّ أصحابَ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قالوا للزّبير [يوم اليرموك]:ألا تَشُدُّ فنَشُدُّ معك ؟.قال:إنّي إنْ شَددتُ،كذبتُم،ف قالوا:لا نفعلُ.فحمَلَ عليهم حتّى شقَّ صفوفَهم،فجاوزَه م وما معه أحدٌ،ثمّ رجعَ مُقْبِلاً،فأخذو ا بلِجامِهِ فضربوه ضربتين،ضربةً على عاتِقِهِ بينهما ضربة ضُرِبَها يوم بدرٍ.قال عروة:فكنتُ أُدخِلُ أصابعي في تلك الضّربات ألعبُ وأنا صغيرٌ،قال [عروة]:وكان معه عبدُ الله بنُ الزّبير وهو ابنُ عشر سنين،فحمله على فرس،ووَكَّلَ به رجلا(10).
تعليق 31: قلت:هذه الوَقعة هي يوم اليمامة إن شاء الله،فإنّ عبدَ الله كانَ إذ ذاك ابنَ عشر سنين.
ص63 : أبو بكر بنُ عَيّاش:حدّثنا سليمانُ،عن الحسن قال:لمّا ظفرَ عليٌّ بالجمل،دخلَ الدّارَ والنّاسُ معه،فقال عليٌّ:إنّي لأَعْلَمُ قائِدَ فتنةٍ دخلَ الجنّة،وأتباعُه ُ إلى النّار!.فقالَ الأحنفُ:مَن هو ؟.قال:الزُّبير.
تعليق 32: في إسنادِهِ إرسالٌ،وفي لفظِهِ نكارةٌ،فمعاذَ اللهِ أن نشهدَ على أتباع الزّبير،أو جند معاوية أو عليّ بأنّهم في النّار، بل نُفوِّضُ أمرّهم إلى الله،ونستغفرُ لهم.بلى:الخوارجُ كلابُ النّار،وشرُّ قتلى تحتَ أديمِ السّماء،لأنّهم مَرقُوا من الإسلام،ثمّ لا ندري مصيرُهم إلى ماذا،ولا نحكمُ عليهم بخلودِ النّار،بل نقِفُ.ولبعضِهم:
إنّ الرَّزِيَّةّ مَن تَضَمّنَ قبرَه *** وادي السِّباعِ لِكلِّ جَنْبٍ مَصْرَعُ
لمّا أتى خبرُ الزّبير تَواضعَتْ *** سورُ المدينةِ والجبالُ الخُشَّعُ(11)
ص64 : قال ابنُ المديني:سمعتُ سفيانَ يقولُ:جاءَ ابنُ جُرْمُوز إلى مصعب بنِ الزّبير - يعني لمّا وَلِيَ إمرةَ العراق لأَخيه الخليفة عبد الله بن الزّبير - فقال:أَقِدْني بالزّبير،فكتبَ في ذلك يُشاوِرُ ابنَ الزّبير،فجاءَهُ الخبرُ:أنا أقتُلُ ابنَ جُرموز بالزُّبير ؟.ولا بشِسْعِ نَعلِهِ.
تعليق 33: قلت:أكلَ المُعَثَّر يديه ندمًا على قتلِهِ،واستغفرَ ،لا كقاتِلِ طلحة،وقاتِلِ عثمان،وقاتِلِ عليّ.
ص 67 تعليق 34 : للزّبير في " مسند بقيّ بن مخلد " ثمانيةٌ وثلاثون حديثا،منها في " الصّحيحين " حديثان،وانفردَ البخاريّ بسبعة أحاديث.
ص67 : قال هشام:عن أبيه،قال:بلغَ حصّة عاتكة بنت زيد بن عَمرو بن نُفَيْل زوجة الزّبير من ميراثهِ ثمانين ألف درهم.
تعليق 35 : وقالت تَرثيه:
غدرَ ابنُ جُرموزٍ بفارسِ بُهْمَةٍ *** يومَ اللِّقاءِ وكانَ غيرَ مُعَرِّدِ
يا عَمرو لو نَبَّهْتَهُ لَوجدتَهُ *** لا طائِشًا رعشَ البَنانِ ولا اليَدِ
ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ إنْ ظفِرْتَ بمثلِهِ *** فيما مَضى ممّا تّرُوحُ وتَغْتَدي
كمْ غَمْرَةٍ قد خاضَها لم يَثْنِهِ *** عنها طِرادُكَ يا ابنَ فَقْعِ الفَدْفَدِ
والله ربِّكَ إنْ قتلتَ لَمُسلِمًا *** حَلَّتْ عليكَ عقوبةُ المُتَعَمِّدِ(12)
الهوامش:
(1) - أشرف على تحقيق الكتاب،وخرّج أحاديثه:شعيب الأرنؤوط،وحقّق هذا الجزء:حسين الأسد،وقدّم له:د.بشّار عوّاد معروف:طبع مؤسّسة الرّسالة،ط/الرّابعة 1406 – 1986 .
(2) - قال محقّق الكتاب في الهامش (2):(أخرجه ابن سعد 3 /1 / 75،والطّبراني في الكبير برقم 223 و 224،والحاكم 3/ 360،وانظر مجمع الزّوائد 9/ 150،والإصابة 4/ 7،وانظر الخلاف في بعض الألفاظ).
(3) - الأبيات في تاريخ الإسلام (3/ 501)،وتاريخ دمشق (18/ 354 - 355 ذكر من اسمه زبير)،وسمط النّجوم العوالي (1/ 489).
(4) - سيرة ابن هشام (1 /1/ 324) .
(5) - الأثر صحّحه الألباني في الضّعيفة (6/ 167 - 168) تحت رقم 2655،وأحال إلى كتاب المناقب من صحيح كشف الأستار .
(6) - قال محقّقه في (1/ 29 الهامش 4):إسناده ضعيف،وهو في الضّعيفة (5/ 337 رقم 2311).
(7) - قال محقّقه في الهامش (1):رجاله ثقات،وأخرجه ابن سعد 3 / 1 / 77 بنحوه،وقال الحافظ في " الإصابة " 4 / 9:وسنده صحيح.
(8) - قال محقّقه في الهامش (4):عبد الله،وجدّه ضعيفان.وذكره الحافظ في " المطالب العالية " (4476) ونسبه إلى أبي يعلى.
(9) - قال محقّقه في الهامش (1):ذكر المؤلِّف رحمه الله هذا الكتاب في " تذكرة الحفاظ " 1 / 10 فقال:ومناقب هذا الإمام جمّة،أفردتها في مجلدة وسمّيته " بفتح المطالب في مناقب عليّ بن أبي طالب ".وذكره الصّفدي في " الوافي " 2 / 164 وقال: قرأته عليه من أوّله إلى آخره.وذكره ابن شاكر في " عيون التّواريخ " الورقة 86.
(10) - أخرجه البخاري في كتاب المغازي:باب قتل أبي جهل (8/ 29 رقم 3975 فتح) وما بين المعقوفتين منه .
(11) - قال محقّقه في (1/ 64 الهامش1):( الأبيات عند ابن سعد 3 / 1 / 79 ثلاثة.وقد نسبها إلى جرير بن الخطفي.وهي في ديوان جرير من قصيدة طويلة يهجو فيها الفرزدق.ومطلعها:
بانَ الخليط برامتين فودعوا *** أَوَكُلَّما رفعوا لِبَيْنٍ تَجزعُ
انظر الدّيون 340 – 351 ) .
(12) - تخريج الأبيات في (1/ 67 الهامش 3) .
يتبع / وكتب : محمّد تبركان