الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
نظرا لبدء موسم الأمطار هذا العام، أحببت تذكير نفسي وإخواني بأحكام الجمع لأجل المطر.
وسوف يكون الكلام على المسائل التالية:
أولا: دليل جواز الجمع لأجل المطر.
ثانيا: اختصاص الجمع لأجل المطر بصلاتي المغرب والعشاء.
ثالثا: شروط الجمع لأجل المطر.
رابعا: وقت اداء السنة الراتبة للمغرب والعشاء، والوتر.
خامسا: مناقشة بعض أدلة من اعترض على جواز الجمع.
وقد حرصت على عدم الإطالة، والاختصار قدر الإمكان، أسأل الله جل في علاه ان يجعل ما أنزله علينا من هذه الأمطار أمطار خير وبركه، وان ينفع بها البلاد والعباد.
الاصل في جواز جمع الصلاتين لأجل المطر: الآثار وهي كالإجماع.
فمن تلك الآثار:
أولا: أن ابنَ عمر رضي الله عنهما كان اذا جَمَعَ الأمراءُ بين المغربِ والعشاءِ في المطر، جمع معهم. [اخرجه الامام مالك في الموطأ، بإسناد صحيح، وعبدالرزاق من طريق مالك أيضاً في المصنف 2/556]
ثانيا: ان عروةَ بن الزبير، وسعيدَ بن المسيب، وأبا بكر بن عبدالرحمن بن الحارث، يجمعون بين المغرب والعشاء، في الليلة المطيرة، اذا جمعوا بين الصلاتين، ولا ينكرون ذلك.
وفي رواية: أن عمر بن عبد العزيز كان يجمع بين المغرب والعشاء الآخرة، إذا كان المطر، وأن سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وأبا بكر بن عبد الرحمن ومشيخة ذلك الزمان كانوا يصلون معهم، ولا ينكرون ذلك. [اخرجه البيهقي في السنن الكبرى 3/168ـ169، وصحح إسناده الألباني في إرواء الغليل 3/40]
قال ابن قدامة: ولا يُعرَف لهم في عصرهم مخالف، فكان إجماعا اهـ [المغني 2/274]
وقال تقي الدين ابن تيمية: فهذه الآثار تدل على أن الجمع للمطر من الأمر القديم، المعمول به بالمدينة زمن الصحابة والتابعين، مع أنه لم ينقل أن أحدا من الصحابة والتابعين أنكر ذلك، فعُلِم أنه منقول عندهم بالتواتر جواز ذلك اهـ مجموع الفتاوى 24/83
وجوّز الجمع لأجل المطر جمهور الأئمة، مالك، والشافعي، واحمد، وهو قول الفقهاء السبعة، وغيرهم؛ ولم يجوزه أصحاب الرأي. [المغني 2/274]
اتفق القائلون بالجمع لأجل المطر على جمع المغرب والعشاء، واختلفوا في جمع الظهر مع العصر.
فذهب مالك واحمد الى عدم جواز جمع الظهر مع العصر. [التمهيد 12/210، والاستذكار كلاهما لابن عبدالبر 6/30، والمغني لابن قدامة 2/274]
والدليل على جواز الجمع بين العشائين فقط، أمران:
أحدهما: الآثار المتقدمة آنفا في جواز أصل الجمع، فكلها جاءت في جمع المغرب والعشاء.
وهذا هو المعروف من عمل الصحابة والتابعين، ولم يرد عنهم الجمع بين الظهر والعصر.[بداية المجتهد 1/415]
والآخر: العلة التي من اجلها شُرع الجمع، وهي المشقة، فهي متحققة في جمع المغرب والعشاء حال الظلمة، دون جمع العصر والظهر.
شروط الجمع لأجل المطر خمسة:
الشرط الأول: اختصاص الجمع لمن يصلي جماعة في المسجد، لأن الجمع شُرِعَ لأجل المشقة التي تلحق المصلي بخروجه من بيته الى المسجد، بخلاف من يصلي في البيت، وكذلك النساء، فانه لا تلحقهن مشقة في صلاة كل فريضة في وقتها. [المغني 2/276، المجموع 4/261]
ويستوي في من يصلي في المسجد من كان بيته بعيدا او قريبا؛ لأن مشقة بلل الثياب وغيره تلحق بالقريب كما تلحق بالبعيد أيضاً، وان كانت في البعيد اكثر مشقة.
الشرط الثاني: ان يكون المطر يبل الثياب، وتلحق المشقة بالخروج فيه.
واما الطل، والمطر الخفيف الذي لا يبل الثياب، فلا يبيح الجمع اهـ [المغني 2/275]
الشرط الثالث: استمرار المطر عند افتتاح الصلاتين، المغرب و العشاء. [المجموع 4/262]
ونزال المطر في أثناء الاولى ثم عاد قبل الفراغ منها، أو انقطع بعد الإحرام بالثانية، جاز الجمع ولم يؤثر انقطاعه؛ لأن العذر وجد في وقت النية اهـ [المغني2/280]
الشرط الرابع: الترتيب بين الصلاتين.
قال النووي: فيبدأ بالأولى، ولو بدأ بالثانية، لم يصح اهـ [روضة الطالبين 1/499]
الشرط الخامس: المولاة بين الصلاتين.
بان لا يفرق بين الصلاتين الا بقدر الإقامة والوضوء، وهذا مذهب الجمهور. [مواهب الجليل2/473، والمجموع 4/255، والمغني 2/279]
وقت اداء السنة الراتبة، والوتر.
وقتهما بعد الفراغ من الجمع.
قال ابن قدامة: اذا جمع في وقت الأولى فله ان يصلي سنة الثانية منهما، ويوتر قبل دخول وقت الثانية؛ لأن سنتها تابعة لها، فتتبعها في فعلها ووقتها.
والوتر وقته ما بين صلاة العشاء الى صلاة الصبح، وقد صلى العشاء، فدخل وقته اهـ المغني 2/281، وأنظر مواهب الجليل 2/472
تابع