معنى الرقيم : ...
الحمد لله و حده ، و الصلاة و السلام على من لا نبي بعده ، و بعد :
فمن نظر في تأويل قوله تعالى : { أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آَيَاتِنَا عَجَبًا (9) إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آَتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً و َهَيِّئْ لَنَا مِن ْأَمْرِنَا رَشَدًا } [ الكهف 9 – 10 ] يجد أقوال أهل التفسير تشعبت و اختلفت في تأويل معنى : ( الرقيم ) ، فمن قائل أن ( الرقيم ) هو : اسم القرية التي خرجوا منها ، و ثاني : أنه لوح من حجارة وقيل من رصاص كتب فيه أسماؤهم وقصتهم ، و ثالث : أنه الكتاب !! ، و رابع : أنه اسم كلبهم ، و خامس ... ، و سادس ..."
بيد أنه صح عن نبينا صلى الله عليه و سلم حديث يرفع هذا الاختلاف ، فعند أحمد في مسنده ، و ابن الأعرابي في معجمه ، و الطبراني في الأوسط و غيرهم ، و حسنه ابن حجر في الفتح ، و قال الشيخ ناصر في الصحيحة : " إسناد جيد متصل مسلسل بالتحديث " ، و قال شعيب الأرنؤوط : إسناده حسن رجاله ثقات ، قلت : و أصل الحديث في الصحيحين .
عن النعمان بن بشير أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ " الرَّقِيمَ " ، فَقَالَ : " إِنَّ ثَلَاثَةً كَانُوا فِي كَهْفٍ ، فَوَقَعَ الْجَبَلُ عَلَى بَابِ الْكَهْفِ ، فَأُوصِدَ عَلَيْهِمْ ، قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ : تَذَاكَرُوا أَيُّكُمْ عَمِلَ حَسَنَةً ، لَعَلَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بِرَحْمَتِهِ يَرْحَمُنَا ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ : قَدْ عَمِلْتُ حَسَنَةً مَرَّةً ، كَانَ لِي أُجَرَاءُ ( جمع أجير ) يَعْمَلُونَ ، فَجَاءَنِي عُمَّالٌ لِي ، اسْتَأْجَرْتُ كُلَّ رَجُلٍ مِنْهُمْ بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ ، فَجَاءَنِي رَجُلٌ ذَاتَ يَوْمٍ وَسَطَ النَّهَارِ ، فَاسْتَأْجَرْتُ هُ بِشَطْرِ أَصْحَابِهِ ، فَعَمِلَ فِي بَقِيَّةِ نَهَارِهِ كَمَا عَمِلَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فِي نَهَارِهِ كُلِّهِ ، فَرَأَيْتُ عَلَيَّ فِي الذِِّمَامِ أَنْ لَا أُنْقِصَهُ مِمَّا اسْتَأْجَرْتُ بِهِ أَصْحَابَهُ ، لِمَا جَهِدَ فِي عَمَلِهِ ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ : أَتُعْطِي هَذَا مِثْلَ مَا أَعْطَيْتَنِي ، وَلَمْ يَعْمَلْ إِلَّا نِصْفَ نَهَارٍ ؟ ! فَقُلْتُ : يَا عَبْدَ اللَّهِ ، لَمْ أَبْخَسْكَ شَيْئًا مِنْ شَرْطِكَ ( الاتفاق ) ، وَإِنَّمَا هُوَ مَالِي أَحْكُمُ فِيهِ مَا شِئْتُ . قَالَ : فَغَضِبَ ، وَذَهَبَ ، وَتَرَكَ أَجْرَهُ . قَالَ : فَوَضَعْتُ حَقَّهُ فِي جَانِبٍ مِنَ الْبَيْتِ مَا شَاءَ اللَّهُ ، ثُمَّ مَرَّتْ بِي بَعْدَ ذَلِكَ بَقَرٌ ، فَاشْتَرَيْتُ بِهِ فَصِيلَةً ( ما فصل عن أمه ) مِنَ الْبَقَرِ ، فَبَلَغَتْ مَا شَاءَ اللَّهُ ، فَمَرَّ بِي بَعْدَ حِينٍ شَيْخًا ضَعِيفًا لَا أَعْرِفُهُ ، فَقَالَ : إِنَّ لِي عِنْدَكَ حَقًّا فَذَكَّرَنِيهِ حَتَّى عَرَفْتُهُ ، فَقُلْتُ : إِيَّاكَ أَبْغِي ، هَذَا حَقُّكَ ، فَعَرَضْتُهَا عَلَيْهِ جَمِيعَهَا ، فَقَالَ : يَا عَبْدَ اللَّهِ ، لَا تَسْخَرْ بِي ، إِنْ لَمْ تَصَدَّقْ عَلَيَّ ، فَأَعْطِنِي حَقِّي . قَالَ : وَاللَّهِ لَا أَسْخَرُ بِكَ ، إِنَّهَا لَحَقُّكَ ، مَا لِي مِنْهَا شَيْءٌ ، فَدَفَعْتُهَا إِلَيْهِ جَمِيعًا ، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ لِوَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا ، قَالَ : فَانْصَدَعَ الْجَبَلُ حَتَّى رَأَوْا مِنْهُ وَأَبْصَرُوا . قَالَ الْآخَرُ : قَدْ عَمِلْتُ حَسَنَةً مَرَّةً كَانَ لِي فَضْلٌ ، فَأَصَابَتْ النَّاسَ شِدَّةٌ فَجَاءَتْنِي امْرَأَةٌ تَطْلُبُ مِنِّي مَعْرُوفًا ، قَالَ : فَقُلْتُ : وَاللَّهِ مَا هُوَ دُونَ نَفْسِكِ ، فَأَبَتْ عَلَيَّ ، فَذَهَبَتْ ثُمَّ رَجَعَتْ ، فَذَكَّرَتْنِي بِاللَّهِ ، فَأَبَيْتُ عَلَيْهَا وَقُلْتُ : لَا وَاللَّهِ ، مَا هُوَ دُونَ نَفْسِكِ ، فَأَبَتْ عَلَيَّ ، وَذَهَبَتْ فَذَكَرَتْ لِزَوْجِهَا ، فَقَالَ لَهَا : أَعْطِيهِ نَفْسَكِ ، وَأَغْنِي عِيَالَكِ ، فَرَجَعَتْ إِلَيَّ فَنَاشَدَتْنِي بِاللَّهِ ، فَأَبَيْتُ عَلَيْهَا وَقُلْتُ : وَاللَّهِ مَا هُوَ دُونَ نَفْسِكِ ، فَلَمَّا رَأَتْ ذَلِكَ ، أَسْلَمَتْ إِلَيَّ نَفْسَهَا ، فَلَمَّا تَكَشَّفْتُهَا وَهَمَمْتُ بِهَا ، ارْتَعَدَتْ مِنْ تَحْتِي ، فَقُلْتُ لَهَا : مَا شَأْنُكِ ؟ قَالَتْ : أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ . قُلْتُ لَهَا : خِفْتِيهِ فِي الشِّدَّةِ ، وَلَمْ أَخَفْهُ فِي الرَّخَاءِ ! فَتَرَكْتُهَا ، وَأَعْطَيْتُهَا مَا يَحِقُّ عَلَيَّ بِمَا تَكَشَّفْتُهَا ، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ لِوَجْهِكَ ، فَافْرُجْ عَنَّا ، قَالَ : فَانْصَدَعَ حَتَّى عَرَفُوا ، وَتَبَيَّنَ لَهُمْ . قَالَ الْآخَرُ : عَمِلْتُ حَسَنَةً مَرَّةً ، كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ ، وَكَانَتْ لِي غَنَمٌ ، فَكُنْتُ أُطْعِمُ أَبَوَيَّ وَأَسْقِيهِمَا ، ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى غَنَمِي ، قَالَ : فَأَصَابَنِي يَوْمًا غَيْثٌ حَبَسَنِي ، فَلَمْ أَبْرَحْ حَتَّى أَمْسَيْتُ ، فَأَتَيْتُ أَهْلِي ، وَأَخَذْتُ مِحْلَبِي ، فَحَلَبْتُ وَغَنَمِي قَائِمَةٌ ، فَمَضَيْتُ إِلَى أَبَوَيَّ ، فَوَجَدْتُهُمَا قَدْ نَامَا ، فَشَقَّ عَلَيَّ أَنْ أُوقِظَهُمَا ، وَشَقَّ عَلَيَّ أَنْ أَتْرُكَ غَنَمِي ، فَمَا بَرِحْتُ جَالِسًا وَمِحْلَبِي عَلَى يَدِي حَتَّى أَيْقَظَهُمَا الصُّبْحُ ، فَسَقَيْتُهُمَا ، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ لِوَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا ، قَالَ النُّعْمَانُ : لَكَأَنِّي أَسْمَعُ هَذِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ الْجَبَلُ : طَاقْ ( صوت انفراج الجبل ) ، فَفَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، فَخَرَجُوا " .
قلت : فيكون المعنى : أحسبت أن قصة أصحاب الكهف و هؤلاء الثلاثة الذين حبسهم المطر في الغار كانت عجيبة في أحوال مخلوقاتنا فلا تحسب ذلك فإن تلك الواقعة ليست عجيبة في جانب مخلوقاتنا . و الله أعلم .
فائدة : الرواية التي ذكرت المفاضلة بين أصحاب الغار ، و أن أفضلهم هو " صاحب فرق الأرز " مدارها على " عمر بن حمزة العمري " و هو ضعيف صاحب مناكير ، و لهذا قال الشيخ الألباني في تحقيقه على سنن أبي داود : منكر – بهذه الزيادة التي في أوله ، و هو في " الصحيحين " دونها ، و كذلك ضعفها الشيخ شعيب كما في تحقيقه للمسند .
و صلى الله على محمد و على اله و صحبه و سلم .
و كتب
أبو صهيب وليد بن سعد