قال علي بن نايف الشحود في كتابه الدفاع عن رياض الصالحين :
262 / باب النهي عن إظهار الشماتة بالمسلم

48- ( 1577 ) عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : « لاَ تُظْهِرِ الشَّمَاتَةَ لأَخِيكَ فَيَرْحَمُهُ اللَّهُ وَيَبْتَلِيكَ ». " رواه الترمذي وقال : حديث حسن .
( ضعيف )[ فيه القاسم بن أمية،يروي المناكير عن حفص بن غياث،وهذا منها] .
-----------------
قلت : هو في سنن الترمذى (2694 ) حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُجَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ الْهَمْدَانِىُّ حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ ح قَالَ وَأَخْبَرَنَا سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ حَدَّثَنَا أُمَيَّةُ بْنُ الْقَاسِمِ الْحَذَّاءُ الْبَصْرِىُّ حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ بُرْدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « لاَ تُظْهِرِ الشَّمَاتَةَ لأَخِيكَ فَيَرْحَمُهُ اللَّهُ وَيَبْتَلِيكَ ». قَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَمَكْحُولٌ قَدْ سَمِعَ مِنْ وَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَأَبِى هِنْدٍ الدَّارِىِّ وَيُقَالُ إِنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - إِلاَّ مِنْ هَؤُلاَءِ الثَّلاَثَةِ.(1)
قلت : وقال الشيخ ناصر رحمه الله :"فالصواب أنه حسنه لذاته ؛ لثقة رجاله،واتصال إسناده عنده . أما الثقة ؛ فلا مجال للنظر فيها لما سبق،وإنما النظر في الاتصال المذكور ؛ فإن تصريحه بسماع مكحول من واثلة قد خالفه فيه شيخه البخاري ؛ فقال : إنه لم يسمع منه .
ولا يشكُّ عارفٌ بهذا الفن أنه أعلم منه بعلل الحديث ورجاله،ولا سيما أنه وافقه على ذلك أبو حاتم الرازي،فأخشى أن يكون الترمذي اعتمد في ذلك على رواية لا تثبت ؛ فقد جاء في "التهذيب" ما نصه :"قال أبو حاتم : قلت لأبي مسهر : هل سمع مكحول من أحد من الصحابة ؟! قال : من أنس . قلت : قيل : سمع من أبي هند ؟ قال : من رواه ؟ قلت : حيوة عن أبي صخرة عن مكحول : أنه سمع أبا هند . فكأنه لم يلتفت إلى ذلك . فقلت له : فواثلة بن الأسقع ؟ فقال : من يرويه ؟ قلت : حدثنا أبو صالح : حدثني معاوية بن صالح عن العلاء بن الحارث عن مكحول قال : دخلت أنا وأبو الأزهر على واثلة ! فكأنه أومى برأسه"(2).
قلت : فهذا لو صحَّ عن مكحول ؛ ثبت سماعه منه،ولكن في الطريق إليه ما يدفعه ؛ فأبو صالح - وهو عبدالله بن صالح المصري - كثير الغلط ؛ كما قال الحافظ في "التقريب" .(3)
والعلاء بن الحارث كان اختلط،ولهذا لم يعتد به أبو حاتم،وهو الراوي له،فنفى سماعه منه ؛ كما تقدم
وأيضاً ؛ لو ثبت سماعه منه في الجملة ؛ لم يلزم ثبوت سماعه لهذا الحديث منه ؛ لأن ابن حبان رماه بالتدليس .
نعم ؛ إن صحَّ ما في رواية الشهاب القضاعي من طريق أبي يعلى الساجي : أخبرنا القاسم بن أمية الحذاء قال : سمعت حفص بن غياث يقول : سمعت برداً يقول : سمعت مكحولاً يقول : سمعت واثلة يقول ... ففي هذا الإسناد التصريح بسماع مكحول،والساجي - واسمه زكريا بن يحيى - أحد الأثبات ؛ كما قال الذهبي،لكن لا أدري ما حال الذين دون الساجي ؛ فإن الكناشة التي عندي لم أكتبهم فيها يوم نسخت الأحاديث فيها من أصولها المحفوظة في المكتبة الظاهرية،ولا سبيل الآن إلى الرجوع إلى الأصل ؛ لأني أكتب هذا التحقيق وأنا في عمان ، وعلى كل حالٍ ؛ فأنا في شكٍّ كبير في ثبوت سماعه في هذه الطريق ؛ لمخالفتها لسائر طرق الحديث عند كلِّ من ذكرنا من المخرجين،والخلا صةُ : أنَّ علَّةَ الحديث عندي : الانقطاعُ بين مكحول وواثلة . والله أعلم ."(4)
قلت : وهذا إسناد صحيح يبين فيه السماع لهذا الحديث ففي معجم ابن الأعرابي (1567) نا أَبُو يَعْلَى،نا الْقَاسِمُ بْنُ أُمَيَّةَ الْحَذَّاءُ قَالَ : سَمِعْتُ حَفْصَ بْنَ غِيَاثٍ يَقُولُ سَمِعْتُ بُرْدًا يَقُولُ : سَمِعْتُ مَكْحُولًا يَقُولُ : سَمِعْتُ وَاثِلَةَ بْنَ الْأَسْقَعِ يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : لَا تُظْهِرِ الشَّمَاتَةَ لِأَخِيكَ فَيُعَافِيَهِ اللَّهُ وَيَبْتَلِيَكَ " .
فصحَّ الحديثُ والحمدُ للهِ .
وما يشهد له من حيث المعنى ما ورد عَنِ ابْنِ عُمَرَ،قَالَ : صَعِدَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - هَذَا الْمِنْبَرَ،فَن َادَى بِصَوْتٍ رَفِيعٍ وَقَالَ :" يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَدْخُلِ الإِيمَانُ قَلْبَهُ،لاَ تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ، وَلاَ تُعَيِّرُوهُمْ، وَلاَ تَطْلُبُوا عَثَرَاتِهِمْ،ف َإِنَّهُ مَنْ يَطْلُبْ عَوْرَةَ الْمُسْلِمِ يَطْلُبِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ،وَمَ نْ يَطْلُبِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ،وَلَ وْ فِي جَوْفِ بَيْتِهِ وَنَظَرَ ابْنُ عُمَرَ يَوْمًا إِلَى الْبَيْتِ فَقَالَ : مَا أَعْظَمَكَ،وَأَ عْظَمَ حُرْمَتَكَ،وَلَ لْمُؤْمِنُ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ حُرْمَةً مِنْكَ"(5).

--------------------
النهيُ عن الشَّماتة

الشَّمَاتَةُ فِي اللُّغَةِ الْفَرَحُ بِمَا يَنْزِل بِالْغَيْرِ مِنَ الْمَصَائِبِ،وَ الشَّمَاتَةُ وَالْحَسَدُ يَتَلاَزَمَانِ، لأَِنَّ الْحَسُودَ يَفْرَحُ بِمَصَائِبِ الْغَيْرِ(6)
فهي: التعيير بالذنب أو بالعمل أو حادثة تقع على الإنسان أو ما أشبه ذلك،فيشيعها الإنسان ويبينها ويظهرها،وهذا محرمٌ لأنه ينافي قول الله تعالى: إنما المؤمنون إخوة فإن الأخ لا يحبُّ أن تظهر الشماتة في أخيه،وكذلك ينافي قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات ِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا} (58) سورة الأحزاب
وربما يرحمُ اللهُ هذا المعيَّرُ ويشفى من هذا الشيء ويزولُ عنه ثم يبتلَى به هذا الذي عيره،وهذا يقع كثيراً بين الناس .(7)

ـــــــــــــــ ــ
__________
(1) - وأمثال الحديث لأبي الشيخ الأصبهاني (175 ) والمقاصد الحسنة للسخاوي (1293) وفي روضة المحدثين - (ج 10 / ص 399) قال الإمام النووى فى " الأذكار " 1 / 300 : قال الترمذى : حديث حسن ، قال عبد القادر الأرناؤوط 1 / 300 : قال الترمذى : حسن غريب و هو حسن لغيره أخرجه من طريق مكحول عن واثلة بن الأسقع وقال : حديث حسن غريب و قد أخرج له شاهدا يؤدى معناه من طريق ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن معاذ بن جبل قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم " من عير أخاه بذنب لم يمت حتى يعمله " . وقال أيضا : حديث حسن غريب قال الحافظ فى أجوبة عن أحاديث وقعت في مصابيح السنة ووصفت بالوضع : هكذا وصف يعني - الترمذي - كلا منها بالحسن والغرابة فأما الغرابة فلتفرد بعض رواة كل منهما عن شيخه فهي غرابة نسبية و أمَّا الحسن فلاعتضاد كل منهما بالآخر ، وتنزيه الشريعة المرفوعة - (ج 2 / ص 369)(20) رد على من زعم أنه موضوع
(2) - تهذيب التهذيب [ ج 10 -ص 258 ](511 )
(3) - قلت : ففي تقريب التهذيب (3388 ) عبد الله بن صالح بن محمد بن مسلم الجهني أبو صالح المصري كاتب الليث صدوق كثير الغلط ثبت في كتابه وكانت فيه غفلة من العاشرة مات سنة اثنتين وعشرين وله خمس وثمانون سنة خت د ت ق
(4) - السلسلة الضعيفة - (11 / ص 707)(5426 )
(5) - صحيح ابن حبان (5763) وهو صحيح
(6) - الموسوعة الفقهية الكويتية - (ج 17 / ص 270) و المصباح مادة : " شمت " وإحياء علوم الدين 3 / 186 ط الحلبي .
(7) - انظر شرح رياض الصالحين لابن عثيمين - (ج 5 / ص 267-268) وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 8 / ص 2468) رقم الفتوى 53043 تعيير الناس وفضحهم وإيذاؤهم من أخلاق الجاهلية تاريخ الفتوى : 21 رجب 1425 وفيض القدير، شرح الجامع الصغير(9827 ) و تحفة الأحوذي - (ج 6 / ص 298)