إن من المهمّات في مسير طالب العلم أن يعتني بحفظ العلم المنتخَب، وأعني بحفظ العلم المنتخب الذي يتصيّده من الكتب أو مما سمعه من العلماء أو المشايخ أو طلبة العلم؛ ذلك أنَّ تعليم العلم يكون معه فوائد قد لا يجدها الأكثرون في الكتب، ولهذا لابد من التقييد، والتقييد يكون في دفتر خاص، وقلّما تجد أحدا من أهل العلم إلا وكان له في سِنِيِّ الطلب دفترا خاصا، أوراق مجموعة يكتب فيها ما ينتخبه من المهمّات مما يقرأ أو مما يسمعه من الشيوخ؛ لأنك إذا كنت تقرأ ستجد أشياء كثيرة ليست ملفتة للنظر ولست بحاجة إليها في فترتك التي تعيشُها، وتارة تجد أشياء مهمة، كذلك مما تسمعه من العلماء، أومن المعلمين فإن ثمة أشياء مهمة وثمة من قبيل الوصف؛ الوصف يمكن أن يُدْرَك بمراجعة بعض المراجع القريبة ونحو ذلك. أما ما كان من قبيل التعاريف أو التقاسيم أو التصوير أو ذكر الخلاف أو ذكر الراجح أو ذكر الدليل أو ذكر وجه الاستدلال فهذا لابد من تقييده.
إذن كان من اللوازم لك أن تتخذ لك كراسة خاصة تكتب فيها الفوائد؛ والفوائد هذه إما أن تكون مقروءة أو مسموعة. والذي أريد أن تكتبه في هذا المنتخب أو الكراسة أن تعتني فيه بكتابة التعاريف أو الضوابط؛ لأن العلم نصفه في التعاريف والضوابط، وأن تعتني فيها بذكر القيود، إذا سمعت قيدا في مسألة فإن القيد أهميته كأهمية أصل المسألة؛ لأنه بدون فهم القيد يكون تصور أصل المسألة غير جيد؛ بل قد يكون خطأَََََََ فتنزلها في غير منزلتها. أو التقاسيم، تجد في بعض كتب أهل العلم مثلا قول بأن هذه المسألة تنقسم إلى ثلاثة أقسام، أو هذه الصورة لها ثلاثة حالات، بها خمس حالات، لها حالتان وكلّ حالة تنقسم إلى حالتين، يقول ابن القيمرحمه الله تعالى: العلم إدراكه في إدراك التقاسيم. فذهنُك من الحسن؛ بل من المتأكد أن تعوِّده على ضبط التعاريف، ضبط القيود على إدراك التقسيمات، إذا رأيت في كلام بعض أهل العلم أن هذه تنقسم إلى كذا وكذا فمن المهم أن تسجل ذلك وأن تدرسه أو تتحفظه، لأن في التقسيمات ما يجلو المسألة، وبدون التقاسيم تدخل بعض الصور في بعض، وتدخل بعض المسائل في بعض، أما إذا قُسِّمت فإن في التقسيم ما يوضح أصل المسألة؛ لأن لكل حالة قسما. وأيضا من المهمات لك في مسيرك في طلب العلم فيما تقيده أن يكون لك تقييم بعد كل فترة من الزمن فيما كتبته في تلك الكراسة أو الكراسات، ستجد أنك مثلا بعد مضيّ سنة من طلبكللعلم تستغرب ما كتبته في تلك السنة بعد مدة، لماذا؟ لأنك أول ما كتبت كانت المكتوبات، كانت المسائل جديدة عليك، فكتبت لتحفظ، وبعد أن حفظت ودرست وكررت ما كتبته في هذه الكراسة، صارت واضحة وضوح اسمك لديك، وبالتالي فإن المعلومات تزيد وكلما ازدادت المعلومات بحفظ ما سبق يكون السابق واضحا لديك لست محتاجا لعناء في تناوله من العقل أو الذهن؛ لأنه صار محفوظا متصوّرا بقيوده وبضوابطه. إذن من المهم أن ترتب نفسك في أن تنتخب مما تقرأ أو مما تسمع أشياء مهمة تتعلق بما ذكرنا إمّا بالتعاريف وإمّا بالتقاسيم أو بالدليل أو بوجه الاستدلال، وهذا يشمل جميع العلوم سواء من ذلك العلوم الصناعية يعني علوم الآلة أو العلوم الأصلية التي هي المقصودة. حبذا لو تبدأ بهذا من اليوم فتجعل لك منتخبا تنتخب فيه الفوائد ثم تتحفظُها، ثم بعد مدة سترى أنها صارت سهلة ميسورة، فتنتقل إلى غيرها فيجتمع العلم بعد مدة. أسأل الله جل وعلا أن يجعلنا وإياكم ممن يسّر عليه العلم ويسّرعليه العمل. وصلى الله وسلم على نبينا محمد.من كتاب كفاية المستزيد


([1]) ما بين المعكوفتين من الوجه الثاني من الشريط الثاني بعد شرح باب الخوف من الشرك.