قال الطبراني : حدثنا محمد بن العباس المؤدب، حدثنا سريج بن النعمان الجوهري، حدثنا حشرج بن نباتة، عن هشام بن حبيب، عن بشر بن عاصم، عن أبيه، أن عمر بن الخطاب بعث إليه يستعين به علىٰ بعض الصدقة؛ فأبىٰ أن يعمل له، ثم قال : إني سمعت رسول الله r يقول: « إذا كان يوم القيامة أمر بالوالي فيوقف علىٰ جِسر جهنم، فيأمر الجسر فينتفض انتفاضة، فيزول كل عظم منه من مكانه، ثم يأمر الله العظام فترجع إلىٰ مكانه، ثم يسأل، فإن كان لله مطيعًا اجتذبه فأعطاه كفلين من الأجر، وإن كان لله عاصيًا حرف به الجسر، فهوىٰ إلىٰ جهنم سبعين خريفًا » .([1])


([1]) (ضعيف جدًا) أخرجه الطبراني في ((المعجم الكبير)) (13900)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) 15/7131، وأبو نعيم في ((معرفة الصحابة)) 15/4808، وقال الهيثميٰ5/206: فيه من لم أعرفه، وأخرجه أيضًا: ابن قانع 2/296
قلت : الحديث فيه أكثر من علة :
1 – جهالة هشام بن حبيب جهالة عين فلم نجد له ترجمة وعليه يحمل كلام الهيثمي، وكذا قال الألباني في الضعيفة (2269) .
2 – الإرسال فإن عاصم بن سفيان بن عبد الله لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم .
ولقد أجاب الألباني عن هذا قائلًا : والجواب – والله أعلم : أنه سقط من الراوي أو الناسخ قوله : عن أبيه للمرة الثانية، يعني: سفيان بن عبد الله، وهو صحابي معروف، وكان عامل عمر علىٰ الطائف.
قلت : وفي هذا التوجيه نظر لأن الإسناد لم يصح إليه حتى نقول بهذا، سيِّما وأنه قد روي من طرق آخرى ضعيفة ولم يذكر فيها عاصم بن سفيان فضلّا عن سفيان نفسه، وهذا يوضح أن هناك اضطراب في الإسناد وهي العلة الثالثة كما سنوضح إن شاء الله تعالى .
قال ابن مندة : قد قيل في هذا الحديث : عن بشر بن عاصم، عن أبيه، ولا يصحّ فيه عن أبيه .انظر الإصابة في تمييز الصحابة (1/430) لابن حجر .
قلت : وقيل أن بشر بن عاصم هذا هو الصحابي، وهو غير بشر بن عاصم بن عبد الله بن سفيان فهو من أتباع التابعين، وفرَّق بينهم البخاري وابن أبي حاتم، وابن حبّان وغيرهم .
قال البخاريّ : بشر بن عاصم صاحب النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم، ثم قال : بشر بن عاصم بن سفيان بن عبد اللَّه بن ربيعة الثقفي، حجازي، سمع منه ابن عيينة، فذكر ترجمته .
وقال ابن حبّان : بشر بن عاصم له صحبة .
وقال ابن أبي حاتم : بشر بن عاصم له صحبة روى عنه أبو وائل، سمعت أبي يقول : ذلك، ويقول: لم يذكره عن أبي وائل إلا سويد بن عبد العزيز . انتهى . انظر الإصابة في تمييز الصحابة (1/430) .
يشير إلى حديث الباب الذي معنا .
قلت : فإن صح أنه الصحابي فيكون الإسناد متصلًا، ويبقى الضعف الذي في الإسناد، والله أعلم .
وأخرجه ابن أبي الدنيا في " الأهوال " (254/ 247) من طريق إبراهيم بن الفضل القرشي - من أهل المدينة – قال : أخبرني سعيد المقبري عن أبي هريرة : أن عمر بن الخطاب استعمل بشر بن عاصم الجشمي على (صنعاء)، فتخلف، فلقيه على باب المسجد، فقال له : يا بشر ! ألم أستعملك على صدقة من صدقات المسلمين، وقد علمت أن هذه الصدقات للفقراء والمساكين ؟ فقال له بشر بن عاصم : بلى؛ ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( لا يلي أحد من أمر الناس شيئا إلا وقفه الله على جسر جهنم، فزلزل به الجسر زلزلة، فناج أو غير ناج، لا يبقى منه عظم إلا فارق صاحبه، فإن هو لم ينج ذهب به في جب مظلم كالقبر في نار جهنم لا يبلغ قعره سبعين خريفًا ) .
فأقبل عمر راجعًا حتى وقف على سلمان وأبي ذر، فقالا له : يا أمير المؤمنين ! ما شأن وجهك متغيرًا ؟ قال : ذكر بشر بن عاصم كذا وكذا؛ فهل سمعتم ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالا : نعم، قال : فأيكم يلي هذا الأمر، فأجعله إليه ؟ قالا : من ترب الله وجهه، وألصق خده بالأرض، ولم نر منك يا أمير المؤمنين ! بعدُ إلا خيرًا، ولكنا نخاف أن تولي هذا الأمر من ليس له بأهل؛ فيهلك بذلك .
وهذا إسناد ضعيف جدًا فيه : إبراهيم بن الفضل - وهو: المخزومي -: متروك. قال البخاري في " التاريخ " (1/ 1/ 311) : " منكر الحديث عن المقبري ".
وكذا أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (1219) ، وأبو نعيم في " معرفة الصحابة " (3/ 81 -82) من طريق سويد بن عبد العزيز: ثنا سيّار أبو الحكم عن أبي وائل شقيق بن سلمة : أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، استعمل بشر بن عاصم على صدقات هوازن فتخلف بشر فلقيه عمر فقال: ما خلفك أما لنا عليك سمع وطاعة ؟ قال : بلى، ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « من ولي شيئًا من أمر المسلمين أتي به يوم القيامة، حتى يوقف على جسر جهنم، فإن كان محسنًا تجاوز، وإن كان مسيئًا انخرق به الجسر فهوى فيه سبعين خريفًا » .
قلت : وهذا كالذي قبله ضعيف - أيضًا - جدًا؛ سويد بن عبد العزيز: متروك؛ كما قال الهيثمي (5/ 206) في إعلاله لهذا الحديث. وأصله قول البخاري في " التاريخ الكبير " (2/ 148) :
" عنده مناكير، أنكرها أحمد ". وقال في " الضعفاء " (ص 263) : " في حديثه نظر لا يحتمل ".
وكذا أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (2 1/ 217)، ومن طريقه أبو نعيم (3/ 82 -83) عن محمد الراسبي عن بشر بن عاصم قال : كتب عمر بن الخطاب عهده، فقال : لا حاجة لي فيه؛ إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « إن الولاة يجاء بهم، فيوقفون على جسر جهنم، فمن كان مطواعًا لله تناوله بيمينه حتى ينجيه، ومن كان عاصيًا لله انخرق به الجسر إلى واد من نار يلتهب التهابًا »، فأرسل عمر إلى أبي ذر وسلمان، فقال لأبي ذر : أنت سمعت هذا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم والله، وبعد الوادي واد آخر من نار قال : وسأل سلمان، فكره أن يخبره بشيء، فقال عمر : من يأخذها بما فيها ؟ فقال أبو ذر : من سلت لله أنفه وعينيه، وأضرع خده إلى الأرض " .
ومحمد الراسبي هذا هو ابن سليم أبو هلال الراسبي، وبه جزم ابن عبد البر في الاستيعاب، وعليه فالإسناد منقطع؛ لأن محمد الراسبي لم يدرك بشر بن عاصم، وهو غير محمد بن سليم العبدي أبو عبد الله البغدادي، وهما غير محمد بن سليم المكي الذي يروي عن ابن أبي مليكة .
قال الحافظ في الإصابة (1 /430) : ومحمد هذا ذكر ابن عبد البرّ أنه ابن سليم الراسبي؛ فإن كان كما قال فالإسناد منقطع، لأنه لم يدرك بشر بن عاصم .
و قال النسائي مُحَمد بْن سليم أَبُو هلال الراسبي ليس بالقوي . انظر الكامل (7/437) لابن عدي .
وقال يحيى بن معين : أبو هلال الراسبي ليس بشيء، كان يعادي ويوالي على القدر، كان قدريًا . انظر تعليقات الدراقطني على المجروحين لابن حبان (1/226) .
و أخرجه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (36/ 132) من طريق عمار بن أبي يحيى، عن سلمة بن تميم، عن عطاء بن أبي رباح، حدثني عنبسة بن أبي سفيان، عن بشر بن عاصم قال : ( أيما والٍ ولي من أمر المسلمين شيئًا، وُقف به على جسر جهنم فيهتز به الجسر حتى يزول كل عضو ) .
قال الألباني في الضعيفة (7147): وهذا إسناد مظلم ضعيف؛ (عمار بن أبي يحيى) و (سلمة بن تميم) : لم أعرفهما، وفي الإسناد خطأ عجيب وقلب غريب، لعله من أحدهما، فعنبسة بن أبي سفيان عن ( بشر بن عاصم )، لا يجيء؛ هذا من أتبع التابعين، و (عنبسة) من التابعين !
وأنكر من ذلك قول بشر بن عاصم : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا بد أن يكون قد سقط من الإسناد ذكر التابعي والصحابي، وقد رواه بعض الضعفاء بسند أخر عن بشر بن عاصم عن أبيه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم: ... فذكر الحديث بأتم منه .
وهذا منكر أيضًا؛ عاصم أبو بشر : تابعي لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم، وقد سبق تخريجه عنه برقم (2269) .
وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم