تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 5 من 24 الأولىالأولى 123456789101112131415 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 81 إلى 100 من 477

الموضوع: سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم

  1. #81
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم

    النبي صلى الله عليه وسلم يتفقد الشهداء، ويرىٰ عمه الحمزة رضي الله عنه وسطهم، ثم يأمر بدفنهم:
    عَنْ أَنَسِ بن مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم مَرَّ عَلَىٰ حَمْزَةَ وَقَدْ مُثِّلَ بِهِ، فَقَالَ: «لَوْلَا أَنْ تَجِدَ صَفِيَّةُ فِي نَفْسِهَا لَتَرَكْتُهُ حَتَّىٰ تَأْكُلَهُ الْعَافِيَةُ([1]) حَتَّىٰ يُحْشَرَ مِنْ بُطُونِهَا» ثم دعا بنمرة فكفنه فيها فكانت إذا مُدَّت علىٰ رأسه بدت رجلاه وإذا مدت علىٰ رجله بدا رأسه، وَقَلَّتْ الثِّيَابُ وَكَثُرَتْ الْقَتْلَىٰ فَكَانَ الرَّجُلُ وَالرَّجُلَانِ وَالثَّلَاثَةُ يُكَفَّنُونَ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ، ثُمَّ يُدْفَنُونَ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ، فَكَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَسْأَلُ عنهم: «أَيُّهُمْ أَكْثَرُ قُرْآنًا» فَيُقَدِّمُهُ إِلَىٰ الْقِبْلَةِ([2]).
    وعَنْ أَنَسٍ أيضًا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِحَمْزَةَ وَقَدْ مُثِّلَ بِهِ، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِنْ الشُّهَدَاءِ غَيْرِهِ([3]).
    وعَنْ جَابِرِ بن عبد الله رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَىٰ أُحُدٍ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ يَقُولُ: «أَيُّهُمْ أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ؟» فَإِذَا أُشِيرَ لَهُ إِلَىٰ أَحَدِهِمَا قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ وَقَالَ: «أَنَا شَهِيدٌ عَلَىٰ هَؤُلَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، وَأَمَرَ بِدَفْنِهِمْ فِي دِمَائِهِمْ، وَلَمْ يُغَسَّلُوا وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِمْ([4]).
    وعَنْ خَبَّابٍ بن الأرت رضي الله عنه قَالَ: هَاجَرْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ نَبْتَغِي وَجْهَ الله فَوَجَبَ أَجْرُنَا عَلَىٰ الله فَمِنَّا مَنْ مَضَىٰ أَوْ ذَهَبَ لَمْ يَأْكُلْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا كَانَ مِنْهُمْ مُصْعَبُ بن عُمَيْرٍ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ فَلَمْ يَتْرُكْ إِلَّا نَمِرَةً([5]) كُنَّا إِذَا غَطَّيْنَا بِهَا رَأْسَهُ خَرَجَتْ رِجْلَاهُ، وَإِذَا غُطِّيَ بِهَا رِجْلَاهُ خَرَجَ رَأْسُهُ، فَقَالَ لَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «غَطُّوا بِهَا رَأْسَهُ وَاجْعَلُوا عَلَىٰ رِجْلَيْهِ الْإِذْخِرَ»، أَوْ قَالَ: «أَلْقُوا عَلَىٰ رِجْلَيْهِ مِنْ الْإِذْخِرِ»([6]).
    وقَالَ جابر رضي الله عنه: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ جَاءَتْ عَمَّتِي بِأبي لِتَدْفِنَهُ فِي مَقَابِرِنَا، فَنَادَىٰ مُنَادِي رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم رُدُّوا الْقَتْلَىٰ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمْ([7]).
    حُزْن النبي صلى الله عليه وسلم علىٰ الشهداء:
    عَنْ جَابِرِ بن عبد الله رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ إِذَا ذُكِرَ أَصْحَابُ أُحُدٍ: «أَمَا وَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي غُودِرْتُ مَعَ أَصْحَابِ نُحْض الْجَبَلِ»([8]).
    النبي صلى الله عليه وسلم يثني علىٰ ربه:
    ولما انصرف العدو من الميدان قَالَ النبي صلى الله عليه وسلم: «اسْتَوُوا حَتَّىٰ أُثْنِيَ عَلَىٰ رَبِّي تعالى» فَصَارُوا خَلْفَهُ صُفُوفًا، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ كُلُّهُ اللهمَّ لَا قَابِضَ لِمَا بَسَطْتَ، وَلَا بَاسِطَ لِمَا قَبَضْتَ، وَلَا هَادِيَ لِمَا أَضْلَلْتَ، وَلَا مُضِلَّ لِمَنْ هَدَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُقَرِّبَ لِمَا بَاعَدْتَ، وَلَا مُبَاعِدَ لِمَا قَرَّبْتَ، اللهمَّ ابْسُطْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِكَ، وَرَحْمَتِكَ، وَفَضْلِكَ، وَرِزْقِكَ، اللهمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ النَّعِيمَ الْمُقِيمَ الَّذِي لَا يَحُولُ وَلَا يَزُولُ، اللهمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْأَمْنَ يَوْمَ الْخَوْفِ، اللهمَّ إِنِّي عَائِذٌ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا أَعْطَيْتَنَا، وَشَرِّ مَا مَنَعْتَنا، اللهمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْإِيمَانَ وَزَيِّنْهُ فِي قُلُوبِنَا، وَكَرِّهْ إِلَيْنَا الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ وَاجْعَلْنَا مِنْ الرَّاشِدِينَ، اللهمَّ تَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ وَأَحْيِنَا مُسْلِمِينَ، وَأَلْحِقْنَا بِالصَّالِحِينَ غَيْرَ خَزَايَا وَلَا مَفْتُونِينَ، اللهمَّ قَاتِلْ الْكَفَرَةَ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ رُسُلَكَ، وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ، وَاجْعَلْ عَلَيْهِمْ رِجْزَكَ وَعَذَابَكَ إِلَهَ الْحَقِّ آمين»([9]).
    وعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ يَوْمَ أُحُدٍ: «اللَّهُمَّ إِنَّكَ إِنْ تَشَأْ لَا تُعبد فِي الْأَرْضِ»([10]).
    وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ الْعَنْ أَبَا سُفْيَانَ، اللهمَّ الْعَنْ الْحَارِثَ بن هِشَامٍ، اللهمَّ الْعَنْ صَفْوَانَ بن أُمَيَّةَ» فَنَزَلَتْ: (ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم) [آل عمران: 128]. فَتَابَ الله عَلَيْهِمْ فَحَسُنَ إِسْلَامُهُمْ([11]).
    ولقد عفا الله تعالى عن المؤمنين الذين فروا يوم أحد فأنزل: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ)[آل عمران: 155].
    وربط الله تعالى من جأش المسلمين فقال: (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) [آل عمران: 139، 140].
    وبعد أن رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلىٰ المدينة مرَّ بامرأة من بني دينار وقد أصيب زوجها وأخوها وأبوها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأُحُد، فلما نُعُوا لها قالت: فما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: خيرًا يا أم فلان، هو بحمد الله كما تحبين، قالت: أرونيه حتىٰ أنظر إليه، قال: فأشير لها إليه، حتىٰ إذا رأته، قالت: كل مصيبة بعدك جلل! تريد صغيرة([12]).
    وعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قال: مر رَسُولُ الله بنسَاءِ عبد الْأَشْهَلِ يَبْكِينَ هَلْكَاهُنَّ يَوْمَ أُحُدٍ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لَكِنَّ حَمْزَةَ لَا بَوَاكِيَ لَهُ»، فَجَاءَ نِسَاءُ الْأَنْصَارِ يَبْكِينَ حَمْزَةَ، فَاسْتَيْقَظَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «وَيْحَهُنَّ مَا انْقَلَبْنَ([13]) بَعْدُ؟ مُرُوهُنَّ فَلْيَنْقَلِبْن َ، وَلَا يَبْكِينَ عَلَىٰ هَالِكٍ بَعْدَ الْيَوْمِ»([14]).


    ([1]) العافية: قال الخطابي: هي السباع والطير تقع علىٰ الجيف فتأكلها. «عون المعبود» 6/43.

    ([2]) صحيح: أخرجه أبو داود (3136)، كتاب: الجنائز، باب: في الشهيد يُغسل، وأحمد 3/128، والترمذي (1016)، كتاب: الجنائز، باب: ما جاء في قتلىٰ أحد وذكره حمزة، وصححه الألباني «صحيح سنن الترمذي».

    ([3]) حسن: أخرجه أبو داود (3137)، كتاب: الجنائز، باب: في الشهيد يغسل، وصححه الألباني «صحيح سنن أبي داود».

    ([4]) صحيح: أخرجه البخاري (1343)، كتاب: الجنائز، باب: الصلاة علىٰ الشهيد، وفي رواية للبخاري أيضًا قال جابر: فكفن أبي وعمي في نمرة واحدة.
    وقد تقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم صلىٰ علىٰ حمزة رضي الله عنه والظاهر – والله أعلم- كما قال بعض العلماء منهم ابن القيم رحمه الله أن النبي صلى الله عليه وسلم مخير بين الصلاة علىٰ الشهداء وعدم الصلاة.

    ([5]) النَّمِرة: نوع من الكساء.

    ([6]) متفق عليه: أخرجه البخاري (4082)، كتاب: المغازي، باب: من قتل من المسلمين يوم أحد، ومسلم (940)، كتاب: الجنائز، باب: في كفن الميت. والإذخر: حشيش معروف طيب الرائحة.

    ([7]) صحيح: أخرجه الترمذي (1717)، كتاب: الجهاد، باب: في دفن القتيل في مقتله، صححه الألباني «صحيح سنن الترمذي»، أحمد (14101)، وصححه أحمد شاكر.

    ([8]) صحيح: أخرجه أحمد (14965)، الحاكم 3/28.
    نحض الجبل: سفح الجبل، والمعنىٰ: لوددت أني قتلت معهم، وهذا من شدة حزنه عليهم صلى الله عليه وسلم.

    ([9]) صحيح: أخرجه أحمد 3/414، الحاكم 1/507، 3/23، 24، وقال: صحيح علىٰ شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في تخريج «فقه السيرة» (269).

    ([10]) صحيح: أخرجه مسلم (1743)، كتاب: الجهاد والسير، باب: استحباب الدعاء بالنصر عند لقاء العدو.

    ([11]) صحيح: أخرجه البخاري (4069)، كتاب: المغازي باب: ليس لك من الأمر شيء، والترمذي (3004)، كتاب: التفسير، باب: ومن سورة آل عمران واللفظ له.

    ([12]) حسن: أخرجه ابن هشام في «السيرة» 3/29، عن ابن إسحاق بسند حسن إلىٰ سعد بن أبي وقاص صلى الله عليه سلم.

    ([13]) أي: ما رجعن إلىٰ بيوتهن.

    ([14]) صحيح: أخرجه أحمد 2/84، ابن ماجه (1591)، كتاب: الجنائز، باب: ما جاء في البكاء علىٰ الميت، وصححه الألباني في «صحيح السنن».
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  2. #82
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم

    10- وفي اليوم التالي لغزوة أُحُد: خرج المسلمون لغزوة حمراء الأسد.
    بعد عودة النبي صلى الله عليه وسلم إلىٰ المدينة أراد أن يطارد المشركين حتىٰ لا يفكروا في العودة ومداهمة المدينة، فأرسل مناديًا ينادي في الناس بطلب العدو وأن لا يخرجن أحدٌ إلا أَحَد حضر أُحُد، وكان ذلك في اليوم التالي لغزوة أُحُد فخرج مع النبي صلى الله عليه وسلم كل من شهد أحدًا، سوىٰ جابر بن عبد الله خرج وهو لم يشهد أُحدًا، حيث تخلف عن أحُد لأن أباه خلفه علىٰ أخواته.
    فسار جيش المسلمين حتىٰ بلغ حمراء الأسد وهي علىٰ بعد حوالي عشرين كيلو جنوب المدينة المنورة، واستعمل علىٰ المدينة ابن أم مكتوم، فلم يلق أحدًا من المشركين، ووجدهم قد رجعوا إلىٰ مكة، فأقام بها الاثنين، والثلاثاء والأربعاء ثم رجع إلىٰ المدينة([1]).
    عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قالت: ( الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ ) [آل عمران: 172] قَالَتْ لِعُرْوَةَ: يَا ابْنَ أُخْتِي كَانَ أَبَوَاكَ مِنْهُمْ الزُّبَيْرُ، وَأبو بَكْرٍ لَمَّا أَصَابَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم مَا أَصَابَ يَوْمَ أُحُدٍ وَانْصَرَفَ عَنْهُ الْمُشْرِكُونَ خَافَ أَنْ يَرْجِعُوا قَالَ: «مَنْ يَذْهَبُ فِي إِثْرِهِمْ؟» فَانْتَدَبَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ رَجُلًا، قَالَ: كَانَ فِيهِمْ أبو بَكْرٍ وَالزُّبَيْرُ([2]).

    ([1]) انظر تلك الغزوة في «سيرة ابن هشام» 3/29، 30.
    ([2]) صحيح: أخرجه البخاري (4077)، كتاب: المغازي.
    هكذا جاء في حديث عائشة أن الذين خرجوا في هذه الغزوة سبعون صحابيًا فقط، والمشهور عند أهل السير أنه خرج كل من شارك بأُحُد فالله أعلم. وقد يكون هؤلاء السبعون أول من خرجوا ثم تبعهم الباقون، كما وجه ذلك بعض العلماء والله أعلم.
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  3. #83
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,532

    افتراضي رد: سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم

    إضافة :

    10- وفي اليوم التالي لغزوة أُحُد: خرج المسلمون لغزوة حمراء الأسد.
    ..........أما المشركون فكانوا نازلين بالروحاء ، على بعد ستة وثلاثين ميلاً من المدينة ، يفكرون ويتشاورون في العودة إليها ، ويأسفون على ما فاتهم من الفرصة الصالحة .
    وكان معبد بن أبي معبد الخزاعي من المناصحين لرسول الله -r- ، فجاءه بحمراء الأسد ، وعزاه على ما أصابه في أحد ، فأمره رسول الله أن يلحق أبا سفيان ويخذله ، فلحقهم بالروحاء ، وقد أجمعوا ليعودوا إلى المدينة ، فخوفهم أشد التخويف ، قال : إن محمداً خرج في جمع لم أر مثله قط ، يتحرقون عليكم تحرقاً ، فيهم من الحنق عليكم شئ لم أر مثله قط ، ولا أرى أن ترتحلوا حتى يطلع أول الجيش من وراء هذه الأكمة . فلما سمعوا هذا خارت عزائمهم ، وانهارت معنوياتهم ، واكتفى أبو سفيان بحرب أعصاب دعائية ، إذ كلف من يقول للمسلمين :} إِن َّالنَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ { ، حتى لا يطارده المسلمون ، وعجل الارتحال إلى مكة .
    أما المسلمون فلم يؤثر فيهم هذا الإنذار ، بل :} ...زَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ{ وبقوا في حمراء الأسد إلى يوم الأربعاء ، ثم رجعوا إلى المدينة :} فَانقَلَبُو اْبِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ { . [ 1 ]

    ______________________________ ___________________
    [1] روضة الأنوار في سيرة النبي المختار للشيخ المباركفوري رحمه الله
    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

  4. #84
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم

    بارك الله فيكم، وسنضيف هذه الإضافات للطبعة الجديدة من كتابنا ((الأغصان الندية شرح الخلاصة البهية في ترتيب أحداث السيرة النبوية))، وجزاكم الله خيرا.
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  5. #85
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,532

    افتراضي رد: سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم

    أحسن الله إليكم ما منهج كتاب الأغصان الندية ،هل هو تلخيص أحداث السيرة أم الاعتماد على ما صح فقط من السيرة ؟؟
    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

  6. #86
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أم علي طويلبة علم مشاهدة المشاركة
    أحسن الله إليكم ما منهج كتاب الأغصان الندية ،هل هو تلخيص أحداث السيرة أم الاعتماد على ما صح فقط من السيرة ؟؟
    هو كتاب حاولتُ أن أجمع فيه جميع ما ثبت في كل حدث من أحداث السيرة؛ فكانت خُطتي فيه: الرجوع أولا إلى كتب السنة والنظر في السند، فإن كان السندُ مقبولا أو ضعيفا ضعفا هينا قبلته؛ هذا إن لم يكن المتنُ منكرا، فإن لم يكن للحدث ذِكر في كتب السنة رجعت إلى كتب السيرة، فاعتمدتُ ما كان عليه إجماع أو شبه إجماع بين أهل السير.
    هذا هو عموم منهجي في الكتاب، وأنا الآن أُجهز لطبعة جديدة بها بعض الزيادات والتعديلات.
    فأسأل الله التوفيق والسداد.
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  7. #87
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,532

    افتراضي رد: سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد طه شعبان مشاهدة المشاركة
    هذا هو عموم منهجي في الكتاب، وأنا الآن أُجهز لطبعة جديدة بها بعض الزيادات والتعديلات.
    في دروس الخلافة الراشدة للشيخ عثمان الكندري حفظه الله ، أشار إلى مصادر للسيرة سأذكر ما دونته :

    - السيرة النبوية لابن هشام اختصره عبدالسلام هارون تهذيب لسيرة ابن هشام .
    - السيرة النبوية الصحيحة ج2 أكرم ضياء العمري
    - السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية مهدي رزق الله
    - اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون لموسى العازمي
    - كنوز السيرة لعثمان الخميس
    - فقه السيرة للغزالي تحقيق الشيخ الألباني
    - المنهج الحركي للسيرة النبوية ج2

    نسأل الله عز وجل أن ينفع بكتابكم وزادكم علما
    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

  8. #88
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أم علي طويلبة علم مشاهدة المشاركة
    في دروس الخلافة الراشدة للشيخ عثمان الكندري حفظه الله ، أشار إلى مصادر للسيرة سأذكر ما دونته :

    - السيرة النبوية لابن هشام اختصره عبدالسلام هارون تهذيب لسيرة ابن هشام .
    - السيرة النبوية الصحيحة ج2 أكرم ضياء العمري
    - السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية مهدي رزق الله
    - اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون لموسى العازمي
    - كنوز السيرة لعثمان الخميس
    - فقه السيرة للغزالي تحقيق الشيخ الألباني
    - المنهج الحركي للسيرة النبوية ج2

    نسأل الله عز وجل أن ينفع بكتابكم وزادكم علما
    جزاكم الله خيرا، وبارك فيكم
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  9. #89
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم

    11- وفي هذه السنة: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش رضي الله عنها بأمر الله تبارك وتعالىٰ.
    هي زينب بنت جحش بن رئاب بن يَعْمَر بن صبرة بن مُرَّة بن كبير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة، الأسدية، أم المؤمنين.
    وهي بنت أميمة بنت عبد المطلب، عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم([1]).
    وكانت عند زيد بن حارثة رضي الله عنه قبل أن يتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم.
    وزيد بن حارثة بن شراحيل رضي الله عنه كان مولىٰ للنبي صلى الله عليه وسلم أهدته إليه خديجة بنت خويلد أم المؤمنين رضي الله عنها.
    وكان يدعىٰ زَيْدَ بن مُحَمَّدٍ، حيث كان قد تبناه النبي صلى الله عليه وسلم فكان ينسب إليه، حَتَّىٰ نَزَلَت: (ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله) [الأحزاب: 5]([2]).
    فبنزول هذه الآية تم تحريم التبني، وأصبح كلٌ يُنسبُ إلىٰ أبيه الذي هو من صلبه، فأصبح يقال زيد بن حارثة.
    ولكن قاعدة التبني كانت متأصلة في نفوس العرب، ليس من السهل محوها، فكأن الله تعالى أراد حدوث شيء عملي يمحو هذا تمامًا من نفوسهم، فكان تزويج النبي صلى الله عليه وسلم من زينب بنت جحش التي كانت زوجة لرعيِّه زيد بن حارثة رضي الله عنه.
    وقد ذكر الله تعالى ذلك في كتابه العزيز فقال تعالىٰ: (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ) [الأحزاب: 37] يقول الله تعالىٰ لنبيه صلى الله عليه وسلم: (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ) وهو زيد بن حارثة أنعم الله عليه بالإسلام، واتباع النبي صلى الله عليه وسلم، وأنعم النبي صلى الله عليه وسلم عليه بالعتق من الرق.
    (أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ) زينب رضي الله عنها، حيث جَاءَ زَيْدُ بن حَارِثَةَ يَشْكُو للنَّبِيِ صلى الله عليه وسلم زينب رضي الله عنها، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «اتَّقِ الله وَأَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ»([3]).
    وكان الله تعالى قد أعلم نبيه صلى الله عليه وسلم أنها ستكون زوجته، ولذلك قال الله تعالىٰ له: (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ) أي: لا تخفي ما أطلعك الله عليه من أنها ستكون زوجتك، (وَتَخْشَى النَّاسَ) من أن يقولوا: طلق محمد زوجة ابنه ليتزوجها (وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ) .
    ثم يقول الله تعالىٰ: (فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً) الوطر: الحاجة، أي: فلما فرغ زيدٌ منها وفارقها (زَوَّجْناكَها) فكان زواجها رضي الله عنها من النبي صلى الله عليه وسلم بأمر من الله تعالى، ولذلك كَانَتْ تَفْخَرُ عَلَىٰ زوجات النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وتَقُولُ لهن: زَوَّجَكُنَّ أَهَالِيكُنَّ وَزَوَّجَنِي الله تَعَالَىٰ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَاتٍ([4]).
    عَنِ أَنَس بن مالك رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا انْقَضَتْ عِدَّةُ زَيْنَبَ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم لِزَيْدٍ: «اذْهَبْ فَاذْكُرْهَا عَلَيَّ»، قَالَ: فَانْطَلَقَ حَتَّىٰ أَتَاهَا قَالَ وَهِيَ تُخَمِّرُ عَجِينَهَا، قال: فَلَمَّا رَأَيْتُهَا عَظُمَتْ فِي صَدْرِي حَتَّىٰ مَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَنْظُرَ إِلَيْهَا؛ أَنَّ رَسُولَ الله ذَكَرَهَا، فَوَلَّيْتُهَا ظَهْرِي، وَنكَصْتُ عَلَىٰ عَقِبَيَّ فَقُلْتُ: يَا زَيْنَبُ أَرْسَلَنِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَذْكُرُكِ، قَالَتْ: مَا أَنَا بِصَانِعَةٍ شَيْئًا حَتَّىٰ أُؤَامِرَ رَبِّي، فَقَامَتْ إِلَىٰ مَسْجِدِهَا، وَنَزَلَ الْقُرْآنُ وَجَاءَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَدَخَلَ عَلَيْهَا بِغَيْرِ إِذْنٍ([5]).
    وليمة عُرس زينب رضي الله عنها:
    عَنْ أَنَسٍ قَالَ: مَا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أَوْلَمَ عَلَىٰ امرأة – أو علىٰ شَيْءٍ مِنْ نِسَائِهِ- مَا أَوْلَمَ عَلَىٰ زَيْنَبَ فإنه ذبح شَاةً([6]).
    وفي لفظ لمسلم: مَا أَوْلَمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عَلَىٰ امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهِ أكثر أو أفضل ممَا أَوْلَمَ عَلَىٰ زَيْنَبَ، أطعمهم خبزًا ولحمًا حتىٰ تركوه.
    وعَنْ أَنَسِ أيضًا قَالَ: تَزَوَّجَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَدَخَلَ بِأَهْلِهِ – زينب رضي الله عنها- قَالَ: فَصَنَعَتْ أُمِّي أُمُّ سُلَيْمٍ حَيْسًا([7])، فَجَعَلَتْهُ فِي تَوْرٍ([8]) فَقَالَتْ: يَا أَنَسُ اذْهَبْ بِهَذَا إِلَىٰ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَقُلْ بَعَثَتْ بِهَذَا إِلَيْكَ أُمِّي، وَهِيَ تُقْرِئُكَ السَّلَامَ، وَتَقُولُ: إِنَّ هَذَا لَكَ مِنَّا قَلِيلٌ يَا رَسُولَ الله، فَقَالَ: «ضَعْهُ»، ثُمَّ قَالَ: «اذْهَبْ فَادْعُ لِي فُلَانًا وَفُلَانًا وَفُلَانًا وَمَنْ لَقِيتَ» وَسَمَّىٰ رِجَالًا، قَالَ: فَدَعَوْتُ مَنْ سَمَّىٰ وَمَنْ لَقِيتُ. وقيل لِأَنَسٍ: عَدَدَكَمْ كَانُوا؟ قَالَ: زُهَاءَ ثَلَاثِمِائَةٍ. وَقَالَ لِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «يَا أَنَسُ هَاتِ التَّوْرَ»، قَالَ: فَدَخَلُوا حَتَّىٰ امْتَلَأَتْ الصُّفَّةُ وَالْحُجْرَةُ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لِيَتَحَلَّقْ عَشَرَةٌ عَشَرَةٌ وَلْيَأْكُلْ كُلُّ إِنْسَانٍ مِمَّا يَلِيهِ»، قَالَ: فَأَكَلُوا حَتَّىٰ شَبِعُوا، قَالَ: فَخَرَجَتْ طَائِفَةٌ وَدَخَلَتْ طَائِفَةٌ، حَتَّىٰ أَكَلُوا كُلُّهُمْ، فَقَالَ لِي: «يَا أَنَسُ ارْفَعْ»، قَالَ: فَرَفَعْتُ فَمَا أَدْرِي حِينَ وَضَعْتُ كَانَ أَكْثَرَ أَمْ حِينَ رَفَعْتُ([9]).
    واختلف أهل التاريخ والسير في تاريخ زواج النبي صلى الله عليه وسلم من زينب رضي الله عنها وقد رجح فضيلة الشيخ وحيد بن بالي – حفظه الله- زواجه منها في العام الثالث من الهجرة، حيث قال: وهو قول خليفة بن خياط، وأبي عبيدة معمر بن المثنىٰ، وابن منده، وهو أقوىٰ من قول من قال بأنه في العام الخامس من الهجرة([10]).


    ([1]) «البداية والنهاية» 4/163.

    ([2]) متفق عليه: أخرجه البخاري (4782)، كتاب: التفسير، مسلم (2425)، كتاب: فضائل الصحابة، باب: فضائل زيد بن حارثة وأسامة بن زيد.

    ([3]) صحيح: أخرجه البخاري (7420)، كتاب: التوحيد.

    ([4]) صحيح: انظر التخريج السابق.

    ([5]) صحيح: أخرجه مسلم (1428)، كتاب: النكاح، باب: زواج زينب بنت جحش.

    ([6]) متفق عليه: أخرجه البخاري (5168)، كتاب: النكاح، باب: الوليمة ولو شاة، ومسلم (1428)، كتاب: النكاح، باب: زواج زينب بنت جحش، ونزول الحجاب وإثبات وليمة العُرس.

    ([7]) الحيس: هو التمر والسمن والأقط يخلط ويُعجن، والأقط: الجبن الجاف.

    ([8]) التور: إناء من نحاس.

    ([9]) متفق عليه: أخرجه البخاري (5163)، كتاب: النكاح، باب: الهدية للعروس، ومسلم (1428)، كتاب: النكاح، باب: زواج زينب بنت جحش، ونزول الحجاب، وإثبات وليمة العُرس.

    ([10]) «الخلاصة البهية» (38) هامش.
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  10. #90
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم

    12- وفي صبيحة عُرْس زينب رضي الله عنها نزلت آية الحجاب.
    قَالَ أنس رضي الله عنه: فَرَفَعْتُ – أي: الطعام- فَمَا أَدْرِي حِينَ وَضَعْتُ كَانَ أَكْثَرَ أَمْ حِينَ رَفَعْتُ، قَالَ: وَجَلَسَ طَوَائِفُ مِنْهُمْ يَتَحَدَّثُونَ فِي بَيْتِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَرَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ وَزَوْجَتُهُ مُوَلِّيَةٌ وَجْهَهَا إِلَىٰ الْحَائِطِ فَثَقُلُوا عَلَىٰ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَخَرَجَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَسَلَّمَ عَلَىٰ نِسَائِهِ ثُمَّ رَجَعَ فَلَمَّا رَأَوْا رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَدْ رَجَعَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ ثَقُلُوا عَلَيْهِ، قَالَ: فَابْتَدَرُوا الْبَابَ فَخَرَجُوا كُلُّهُمْ، وَجَاءَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم حَتَّىٰ أَرْخَىٰ السِّتْرَ وَدَخَلَ وَأَنَا جَالِسٌ فِي الْحُجْرَةِ فَلَمْ يَلْبَثْ إِلَّا يَسِيرًا حَتَّىٰ خَرَجَ عَلَيَّ، وَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فَخَرَجَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَقَرَأَهُنَّ عَلَىٰ النَّاسِ: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ) [الأحزاب: 53] إِلَىٰ آخِرِ الْآيَةِ([1]).


    ([1]) متفق عليه: انظر التخريج السابق.
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  11. #91
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم

    13- وفي هذه السنة -الثالثة -: نزل تحريم الخمر.
    كان شرب الخمر عادة أساسية عند رجالات العرب في الجاهلية، وكان يصعب علىٰ الواحد منهم ترك ذلك الأمر.
    فلما جاء الإسلام، وجاء النبي صلى الله عليه وسلم بالتشريع من عند العِليم الخبير، لم يُحرم الخمر مرة واحدة بل كان ذلك تدريجيًا، تيسيرًا من الله تعالىٰ علىٰ هؤلاء الذين تأصلت فيهم هذه العادة.
    فأنزل الله تعالىٰ أولاً: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا)[البقرة:219].
    فشربه بعض الناس وتركه البعض، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: اللهم بيِّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا، فنزلت: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ)[النساء: 43] فكان المنادي إذا أقام الصلاة قال: لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارىٰ، فقَالَ عُمَرُ: اللهمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانًا شَافِيًا فَنَزَلَتْ: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[المائدة: 90] إلىٰ قوله: (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ)[المائدة: 91] فقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: انْتَهَيْنَا، انْتَهَيْنَا([1]).
    وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قَالَ: أَتَيْتُ عَلَىٰ نَفَرٍ مِنْ الْأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرِي نَ، فَقَالُوا: تَعَالَ نُطْعِمْكَ وَنَسْقِكَ خَمْرًا، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تُحَرَّمَ الْخَمْرُ، قَالَ: فَأَتَيْتُهُمْ فِي حَشٍّ – وَالْحَشُّ: الْبُسْتَانُ- فَإِذَا رَأْسُ جَزُورٍ مَشْوِيٌّ عِنْدَهُمْ، وَزِقٌّ مِنْ خَمْرٍ([2])، قَالَ: فَأَكَلْتُ وَشَرِبْتُ مَعَهُمْ، قَالَ: فَذَكَرْتُ الْأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرِي نَ عِنْدَهُمْ، فَقُلْتُ: الْمُهَاجِرُونَ خَيْرٌ مِنْ الْأَنْصَارِ، قَالَ: فَأَخَذَ رَجُلٌ أَحَدَ لَحْيَيْ الرَّأْسِ([3]) فَضَرَبَنِي بِهِ فَجَرَحَ بِأَنْفِي، فَأَتَيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْتُهُ، فَأَنْزَلَ الله تعالى فِيَّ شَأْنَ الْخَمْرِ: (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ) ([4]).
    وعَنْ أَنَس بن مالك رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ سَاقِيَ الْقَوْمِ فِي مَنْزِلِ أبي طَلْحَةَ، فَنَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ، فَأَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَىٰ، فَقَالَ أبو طَلْحَةَ: اخْرُجْ فَانْظُرْ مَا هَذَا الصَّوْتُ، قَالَ: فَخَرَجْتُ، فَقُلْتُ: هَذَا مُنَادٍ يُنَادِي: أَلَا إِنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ، فَقَالَ لِي: اذْهَبْ فَأَهْرِقْهَا، قَالَ: فَجَرَتْ فِي سِكَكِ الْمَدِينَةِ، قَالَ: وَكَانَتْ خَمْرُهُمْ يَوْمَئِذٍ الْفَضِيخَ([5])، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: قُتِلَ قَوْمٌ وَهْيَ فِي بُطُونِهِمْ، قَالَ: فَأَنْزَلَ الله: (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا )[المائدة: 93]([6]).
    وكان تحريم الخمر سنة ثلاث بعد وقعة أُحُد([7]).
    ([1]) صحيح: أخرجه النسائي (5540)، كتاب: الأشربة، باب: تحريم الخمر، وصححه الألباني.

    ([2]) الزقُّ: وعاء من جلد.

    ([3]) أي رأس الجزور الذي كانوا يأكلونه، واللَّحْىٰ: الفك.

    ([4]) صحيح: أخرجه مسلم (1748)، كتاب: فضائل الصحابة، باب: في فضل سعد بن أبي وقاص.

    ([5]) الفضيخ: خمر يصنع من ثمر النخل.

    ([6]) متفق عليه: أخرجه البخاري (4620)، كتاب: تفسير القرآن، ومسلم (1980)، كتاب: الأشربة، باب: تحريم الخمر.

    ([7]) انظر: «الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي 6/214.
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  12. #92
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم

    السنة الرابعة من الهجرة
    وفيها ثلاثة عشر حدثاً:
    1- في المحرم من هذه السنة: كانت سرية أبي سلمة رضي الله عنه إلي طُلَيحه
    الأَسَديِّ، فغنم وأسر.
    وكان من نتائج غزوة أُحُد أن تجرأ الأعراب حول المدينة علىٰ المسلمين وظهر ذلك في التجمعات التي قام بها بنو أسد بقيادة طُليحه الأسدي وأخيه سليمة في نجد، وبنو هذيل بقيادة خالد بن سفيان الهذلي في عرفات، مستهدفين غزو المدينة طمعاً في خيراتها وانتصاراً لشركهم ومظاهرة لقريش وتقرباً إليها، وكان ذلك في شهر محرم من السنة الرابعة للهجرة.
    وتحرك المسلمون قبل أن يستفحل الأمر، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سلمة بن عبد الأسد بمائة وخمسين رجلاً من المهاجرين والأنصار إلي طليحة الأسدي الذي تفرق أتباعه تاركين إبلهم وماشيتهم بيد المسلمين من هول المفاجأة([1]).
    ([1]) «السيرة النبوية الصحيحة» أكرم ضياء العمري 2/398، والسرية ذكرها ابن سعد في «الطبقات» 2/50، وابن القيم في «زاد المعاد» 3/218.
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  13. #93
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم

    2- وفي المحرم أيضاً من هذه السنة: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أُنيس رضي الله عنه إلى خالد بن سفيان الهذلي، فقتل خالداً وعاد سالماً.
    عَنِ عبد الله بن أُنَيْسٍ رضي الله عنه قَالَ: دَعَانِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «إِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّ ابْنَ سُفْيَانَ يَجْمَعُ لِي النَّاسَ لِيَغْزُوَنِي، وَهُوَ بنخلة أو بِعُرَنَةَ، فَأْتِهِ فَاقْتُلْهُ» قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله انْعَتْهُ لِي حَتَّىٰ أَعْرِفَهُ، قَالَ: «ذلك إِذَا رَأَيْتَهُ أذكرك الشيطان، وآية ما بينك وبينه أنك إذا رأيته وَجَدْتَ لَهُ قْشَعْرِيَرَةً»، قَالَ: فَخَرَجْتُ مُتَوَشِّحًا سَيْفِي، حَتَّىٰ دفعْتُ إلَيْهِ وَهُوَ في ظُعُنٍ يَرْتَادُ لَهُنَّ مَنْزِلًا، وَحِينَ كَانَ وَقْتُ الْعَصْرِ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُ وَجَدْتُ مَا قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مِنْ الْقْشَعْرِيرَة ِ، فَأَقْبَلْتُ نَحْوَهُ، وَخَشِيتُ أَنْ يَكُونَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ بمُحَاوَلَةٌ تَشْغَلُنِي عَنْ الصَّلَاةِ، فَصَلَّيْتُ وَأَنَا أَمْشِي نَحْوَهُ، وأُومِئُ بِرَأْسِي، فَلَمَّا انْتَهَيْتُ إِلَيْهِ، قَالَ: مَنْ الرَّجُلُ؟ قُلْتُ: رَجُلٌ مِنْ الْعَرَبِ سَمِعَ بِكَ وَبِجَمْعِكَ لِهَذَا الرَّجُلِ، فَجَاءَكَ لِذَلك، قَالَ: أَجَلْ، أَنَا لفِي ذَلِكَ، قَالَ: فَمَشَيْتُ مَعَهُ شَيْئًا، حَتَّىٰ إِذَا أَمْكَنَنِي حَمَلْتُ عَلَيْهِ السَّيْفَ حَتَّىٰ فقَتَلْتُهُ، ثُمَّ خَرَجْتُ وَتَرَكْتُ ظَعَائِنَهُ – نساءه- مُنكِبَّاتٍ عَلَيْهِ، فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَىٰ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَرَآنِي، قَالَ: «أَفْلَحَ الْوَجْهُ»، قُلْتُ: قد قَتَلْتُهُ يَا رَسُولَ الله، قَالَ: «صَدَقْتَ»، ثُمَّ قَامَ فأدخلني بَيْتِهِ، فَأَعْطَانِي عَصًا، فَقَالَ: «أَمْسِكْ هَذِهِ عِنْدَكَ يَا عبد الله بن أُنَيْسٍ»، قَالَ: فَخَرَجْتُ بِهَا عَلَىٰ النَّاسِ، فَقَالُوا: مَا هَذِهِ الْعَصَا؟ قُلْتُ: أَعْطَانِيهَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَأَمَرَنِي أَنْ أَمْسِكَهَا عندي، قَالُوا: أفلَا تَرْجِعُ إِلَىٰ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَتَسْأَلَهُ لم ذَلِكَ؟ قَالَ: فَرَجَعْتُ إِلَىٰ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله لِمَ أَعْطَيْتَنِي هَذِهِ الْعَصَا؟ قَالَ: «آيَةٌ بَيْنِي وَبَيْنَكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِنَّ أَقَلَّ النَّاسِ الْمُتَخَصِّرُو نَ يَوْمَئِذٍ»([1]).
    فَقَرَنَهَا عبد الله بن أنيس بِسَيْفِهِ، فَلَمْ تَزَلْ بسيفه حَتَّىٰ مَاتَ، ثم أَمَرَ بِهَا فَصُبَّتْ فِي كَفَنِهِ، ثُمَّ دُفِنَا جَمِيعًا([2]).


    ([1]) المتخصرون: أي المتكئون علىٰ المخاصر، جمع مخصره وهي ما يمسكه الإنسان بيده من عصا وغيرها.
    والمراد هنا: الذين يأتون يوم القيامة ومعهم أعمال صالحة يتكئون عليها.

    ([2]) أخرجه أبو داود (1249) كتاب: الصلاة، باب: صلاة الطالب مختصرًا، صححه الألباني في «الصحيحة» (3293)، أحمد 3/496، وقال ابن كثير في «تفسيره» 1/295: إسناده جيد، وقال الحافظ ابن حجر في «الفتح» 2/350: إسناده حسن.
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  14. #94
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم

    3- وفي صفر من هذه السنة: كانت سريةُ الرَّجيع.
    الرَّجِيع: اِسْم مَوْضِع مِنْ بِلَادِ هُذَيْلٍ كَانَتْ الْوَقْعَة بِقُرْبٍ مِنْهُ فَسُمِّيَتْ بِهِ([1]).
    عن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَشَرَةَ رَهْطٍ سَرِيَّةً عَيْنًا([2]) وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَاصِمَ بن ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيَّ – جَدَّ عَاصِمِ بن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ- فَانْطَلَقُوا، حَتَّىٰ إِذَا كَانُوا بِالْهَدَأَةِ – وَهُوَ بَيْنَ عُسْفَانَ وَمَكَّةَ- ذُكِرُوا لِحَيٍّ مِنْ هُذَيْلٍ يُقَالُ لَهُمْ بنو لَحْيَانَ، فَنَفَرُوا لَهُمْ قَرِيبًا مِنْ مِائَتَيْ رَجُلٍ كُلُّهُمْ رَامٍ، فَاقْتَصُّوا آثَارَهُمْ حَتَّىٰ وَجَدُوا مَأْكَلَهُمْ تَمْرًا تَزَوَّدُوهُ مِنْ الْمَدِينَةِ، فَقَالُوا: هَذَا تَمْرُ يَثْرِبَ، فَاقْتَصُّوا آثَارَهُمْ، فَلَمَّا رَآهُمْ عَاصِمٌ وَأَصْحَابُهُ لَجَئُوا إِلَىٰ فَدْفَدٍ([3])، وَأَحَاطَ بِهِمْ الْقَوْمُ، فَقَالُوا لَهُمْ: انْزِلُوا وَأَعْطُونَا بِأَيْدِيكُمْ وَلَكُمْ الْعَهْدُ وَالْمِيثَاقُ وَلَا نَقْتُلُ مِنْكُمْ أَحَدًا، فقَالَ عَاصِمُ بن ثَابِتٍ أَمِيرُ السَّرِيَّةِ: أَمَّا أَنَا فَوَاللَّهِ لَا أَنْزِلُ الْيَوْمَ فِي ذِمَّةِ كَافِرٍ، اللهمَّ أَخْبِرْ عَنَّا نَبِيَّكَ، فَرَمَوْهُمْ بِالنَّبْلِ، فَقَتَلُوا عَاصِمًا فِي سَبْعَةٍ، فَنَزَلَ إِلَيْهِمْ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ بِالْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ مِنْهُمْ خُبَيْبٌ الْأَنْصَارِيُّ ، وَابْنُ دَثِنَةَ، وَرَجُلٌ آخَرُ، فَلَمَّا اسْتَمْكَنُوا مِنْهُمْ أَطْلَقُوا أَوْتَارَ قِسِيِّهِمْ فَأَوْثَقُوهُمْ ، فَقَالَ الرَّجُلُ الثَّالِثُ: هَذَا أَوَّلُ الْغَدْرِ، وَاللَّهِ لَا أَصْحَبُكُمْ، إِنَّ لِي فِي هَؤُلَاءِ لَأُسْوَةً – يُرِيدُ الْقَتْلَىٰ- وجَرَّرُوهُ وَعَالَجُوهُ عَلَىٰ أَنْ يَصْحَبَهُمْ فَأَبَىٰ، فَقَتَلُوهُ، فَانْطَلَقُوا بِخُبَيْبٍ وَابْنِ دَثِنَةَ حَتَّىٰ بَاعُوهُمَا بِمَكَّةَ بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ، فَابْتَاعَ خُبَيْبًا بنو الْحَارِثِ بن عَامِرِ بن نَوْفَلِ بن عبد مَنَافٍ، وَكَانَ خُبَيْبٌ هُوَ قَتَلَ الْحَارِثَ بن عَامِرٍ يَوْمَ بَدْرٍ، فَلَبِثَ خُبَيْبٌ عِنْدَهُمْ أَسِيرًا، تقول بنتَ الْحَارِثِ بن عامر: أَنَّهُمْ حِينَ اجْتَمَعُوا اسْتَعَارَ مِنْهَا مُوسَىٰ يَسْتَحِدُّ بِهَا فَأَعَارَتْهُ، فَأَخَذَ ابْنًا لِي وَأَنَا غَافِلَةٌ حِينَ أَتَاهُ، قَالَتْ: فَوَجَدْتُهُ مُجْلِسَهُ عَلَىٰ فَخِذِهِ وَالْمُوسَىٰ بِيَدِهِ فَفَزِعْتُ فَزْعَةً عَرَفَهَا خُبَيْبٌ فِي وَجْهِي، فَقَالَ: تَخْشَيْنَ أَنْ أَقْتُلَهُ؟ مَا كُنْتُ لِأَفْعَلَ ذَلِكَ، وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ أَسِيرًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ خُبَيْبٍ، وَاللَّهِ لَقَدْ وَجَدْتُهُ يَوْمًا يَأْكُلُ مِنْ قِطْفِ عِنَبٍ فِي يَدِهِ وَإِنَّهُ لَمُوثَقٌ فِي الْحَدِيدِ، وَمَا بِمَكَّةَ مِنْ ثَمَرٍ، وَكَانَتْ تَقُولُ: إِنَّهُ لَرِزْقٌ مِنْ الله رَزَقَهُ خُبَيْبًا، فَلَمَّا خَرَجُوا مِنْ الْحَرَمِ لِيَقْتُلُوهُ فِي الْحِلِّ، قَالَ لَهُمْ خُبَيْبٌ: ذَرُونِي أَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ، فكان أول من سن الرَكْعَتَيْنِ عند القتل هو، ثُمَّ قَالَ: لَوْلَا أَنْ تَظُنُّوا أَنَّ مَا بِي جَزَعٌ لَطَوَّلْتُهَا اللهمَّ أَحْصِهِمْ عَدَدًا، ثم قال:
    مَا أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمًا عَلَىٰ أَيِّ شِقٍّ كَانَ لِلَّهِ مَصْرَعِي
    وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الْإِلَهِ وَإِنْ يَشَأْ يُبَارِكْ عَلَىٰ أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ

    فَقَتَلَهُ عقبة بن الْحَارِثِ، واسْتَجَابَ الله لِعَاصِمِ بن ثَابِتٍ يَوْمَ أُصِيبَ – عندما قال: اللهم أَخْبِر نبيك عنَّا فَأَخْبَرَ الله تعالى نبيه بهم- وأخبر النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَصْحَابَهُ خَبَرَهُمْ وَمَا أُصِيبُوا، وَبَعَثَ نَاسٌ مِنْ كُفَّارِ قُرَيْشٍ إِلَىٰ عَاصِمٍ حِينَ حُدِّثُوا أَنَّهُ قُتِلَ لِيُؤْتَوْا بِشَيْءٍ مِنْهُ يُعْرَفُ، وَكَانَ قَدْ قَتَلَ رَجُلًا مِنْ عُظَمَائِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ، فَبُعِثَ عَلَىٰ عَاصِمٍ مِثْلُ الظُّلَّةِ مِنْ الدَّبْرِ([4]) فَحَمَتْهُ مِنْ رَسُولِهِمْ، فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَىٰ أَنْ يَقْطَعَ مِنْ لَحْمِهِ شَيْئًا([5]).
    وقد كان عاصم قد أعطىٰ الله عهدًا أن لا يمسه مشرك، ولا يمسَّ مشركًا أبدًا، تنجسًا – أي: خشية تنجسه منهم-؛ فكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول حين بلغه أن الدَّبْر منعته: يحفظ الله العبد المؤمن، كان عاصم نذر أن لا يمسه مشرك، ولا يمس مشركًا أبدًا في حياته، فمنعه الله بعد وفاته، كما امتنع منه في حياته([6]).
    وأمَّا زيد بن الدِّثنَّة فابتاعه صفوان بن أُمية ليقتله بأبيه أُمية بن خلف، وبعث به صفوان بن أميه مع مولىٰ له يقال له: نِسطاس، إلىٰ التنعيم، وأخرجوه من الحرم ليقتلوه، واجتمع رهط من قريش فيهم أبو سفيان بن حرب، فقال له أبو سفيان حين قُدِّم ليقتل: أُنشدك الله يا زيد، أتحبّ أن محمدًا عندنا الآن في مكانك نضرب عنقه، وأنك في أهلك؟ قال: والله ما أحبُّ أن محمدًا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه، وإني جالس في أهلي، قال: يقول أبو سفيان: ما رأيت من الناس أحدًا يحبُّ أحدًا كحب أصحاب محمد محمدًا، ثم قتله نِسطاس([7]).


    ([1]) «فتح الباري» 7/438.
    ([2]) أي: عينًا له يتجسسون علىٰ الأعداء حول المدينة.
    هذه رواية البخاري وذكر ابن إ سحاق بسند مرسل أن هذه السرية لم تكن عينًا للتجسس، وإنما قدم علىٰ النبي صلى الله عليه وسلم رهط من قبيلتي عَضَل والقارَة، فقالوا: يا رسول الله إن فينا إسلامًا، فابعث نفرًا من أصحابك يُفقهوننا في الدين، ويُقرئوننا القرآن، ويعلموننا شرائع الإسلام، فبعث النبي r معهم ستة من أصحابه فغدروا بهم. وذكر نحو ما في رواية البخاري، والراجح ما في «الصحيح». والله أعلم.
    ([3]) الفدفد: المكان المرتفع.
    ([4]) الظُّلَّة: السحابة، والدَّبْر: ذكور النحل، أي: أن الله أرسل عليه سحابة من النحل فحمته منهم.
    ([5]) صحيح: أخرجه البخاري (3045)، كتاب: الجهاد والسير، باب: هل يستأسر الرجل؟ ومن لم يستأسر، ومن ركع ركعتين عند القتل، وأخرجه أيضًا (4086)، كتاب: المغازي، باب: غزوة الرجيع، ورعل وذكوان، وبئر معونة وحديث عضل والقارة، وعاصم بن ثابت وخبيب وأصحابه.
    ([6]) «سيرة ابن هشام» 3/83.
    ([7]) السابق.
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  15. #95
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم

    4- وفي صفر أيضًا من هذه السنة: كانت سرية بئر معونة.
    عَنْ أَنَسِ بن مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ رِعْلًا وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ وَبَنِي لَحْيَانَ اسْتَمَدُّوا رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم عَلَىٰ عَدُوٍّ([1]).
    هذه رواية البخاري، أما رواية مسلم: عَنْ أَنَسِ قَالَ: جَاءَ نَاسٌ إِلَىٰ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: أَنْ ابْعَثْ مَعَنَا رِجَالًا يُعَلِّمُونَا الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ([2]).
    فبعث إليهم سَبْعِينَ رجلًا مِنْ الْأَنْصَارِ يقال لهم الْقُرَّاءَ فِي زَمَانِهِمْ، كَانُوا يَحْتَطِبُونَ بِالنَّهَارِ، وَيُصَلُّونَ بِاللَّيْلِ، وأمَّرَ عليهم حرام بن ملحان – قال أنس بن مالك-: حَتَّىٰ كَانُوا بِبِئْرِ مَعُونَةَ – علىٰ بعد 160 كيلو- من المدينة غَدَرُ بِهِمْ عامر بن الطفيل، حيث ذهب إليه حرام بن ملحان رضي الله عنه ومعه رجلان، كان أحدهما أعرج، فقال لهما حرام: كونا قريبًا حتىٰ آتيهم فإن آمنوني كنتم –آمنين- وإن قتلوني أتيتم أصحابكم، فذهب إليه فقال: أتُأمِّنوني أُبلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فجعل يُحدِّثهم، وأومئوا إلىٰ رجل فأتاه من خلفه فطعنه فقال حرام بن ملحان رضي الله عنه بالدَّم هذا فنضحه علىٰ وجهه ورأسه ثم قال: فزتُ وربِّ الكعبة، ثم اجتمعوا عليهم فقتلوهم جميعًا غير الرجل الأعرج الذي كان مع حرام بن ملحان صعد علىٰ رأس جبل، وعمرو بن أمية الضمري أُسر ثم خلا عامر بن الطفيل سبيله لما أعلمه أنه من مضر.
    وكان عامر بن الطفيل هذا يكنُّ عداءً شديدًا للنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حيث أرسل إلىٰ النبي صلى الله عليه وسلم يخَيَّرَه بَيْنَ ثَلَاثِ خِصَالٍ، فَقَالَ له: يَكُونُ لَكَ أَهْلُ السَّهْلِ وَلِي أَهْلُ الْمَدَرِ، أَوْ أَكُونُ خَلِيفَتَكَ، أَوْ أَغْزُوكَ بِأَهْلِ غَطَفَانَ بِأَلْفٍ وَأَلْفٍ، فقد كان يحقد علىٰ النبي صلى الله عليه وسلم ويرىٰ أنه أخذ مكانةً لابدَّ أنْ يُشركه فيها.
    وسأل عامر بن الطفيل عمرو بن أمية عن أحد القتلىٰ فقال له: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ عَمْرُو بن أُمَيَّةَ: هَذَا عَامِرُ بن فُهَيْرَةَ، فَقَالَ عامر بن الطفيل: لَقَدْ رَأَيْتُهُ بَعْدَ مَا قُتِلَ رُفِعَ إِلَىٰ السَّمَاءِ حَتَّىٰ إِنِّي لَأَنْظُرُ إِلَىٰ السَّمَاءِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَرْضِ ثُمَّ وُضِعَ.
    فَأَتَىٰ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَبَرُهُمْ فَنَعَاهُمْ فَقَالَ: «إِنَّ أَصْحَابَكُمْ قَدْ أُصِيبُوا، وَإِنَّهُمْ قَدْ سَأَلُوا رَبَّهُمْ، فَقَالُوا: رَبَّنَا أَخْبِرْ عَنَّا إِخْوَانَنَا بِمَا رَضِينَا عَنْكَ وَرَضِيتَ عَنَّا»، وَأُصِيبَ يَوْمَئِذٍ فِيهِمْ عُرْوَةُ بن أَسْماءَ بن الصَّلْتِ، وَمُنْذِرُ بن عَمْرٍو، فَأَنْزَلَ الله تَعَالَىٰ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الَّذِينَ قُتِلُوا أَصْحَابِ بِئْرِ مَعُونَةَ قُرْآنًا قَرَأْه الصحابة حَتَّىٰ نُسِخَ بَعْدُ بَلِّغُوا قَوْمَنَا فَقَدْ لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَرَضِينَا عَنْهُ.
    فظل النبي صلى الله عليه وسلم شَهْرًا يَدْعُو عَلَىٰ رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وعصية، وَيَقُولُ: «عُصَيَّةُ عَصَتِ الله وَرَسُولَهُ»([3]).


    ([1]) أخرجه البخاري (4090)، كتاب: المغازي، باب: غزوة الرجيع.

    ([2]) أخرجه مسلم (677)، كتاب: الإمارة، باب: ثبوت الجنة للشهيد.

    ([3]) انظر جميع هذه الأحداث في «صحيح البخاري»، كتاب: المغازي، باب: غزوة الرجيع وبئر معونة ، حديث (4088) إلىٰ الحديث رقم (4096) كلها عن أنس رضي الله عنه.
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  16. #96
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم

    5- وفي هذه السنة: كانت سرية عمرو بن أمية الضمري لقتل أبي سفيان لكنه لم يتمكن منه.
    قيل إن أبا سفيان بن حرب أرسل رجلاً إلىٰ النبي صلى الله عليه وسلم ليقتله، فأُخبر النبي صلى الله عليه وسلم به، وجيء بالرجل فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم بما جاء من أجله فأسلم الرجل، ثم أرسل النبي صلى الله عليه وسلم عمرو بن أُمية الضمري لقتل أبي سفيان علىٰ إثْر هذا فلم يتمكن من قتله ورجع([1]).


    ([1]) ذكر تفاصيل هذه السرية كاملة ابن كثير في «البداية والنهاية» 4/80- 82. وفي سندها الواقدي وهو متروك وإن كان بعض العلماء يقبل رواياته في «المغازي».
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  17. #97
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم

    6- وفي ربيع الأول من هذه السنة: غدرت يهود بني النضير، فحاصرهم النبي صلى الله عليه وسلم ثم أجلاهم عن المدينة.
    كان سبب غزو بني النضير ومحاصرتهم وإجلائهم عن المدينة أنه لما قُتل أصحاب بئر معونة، من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا سبعين، وأفلت منهم عمرو بن أمية الضمري، فلما كان في أثناء الطريق راجعًا إلىٰ المدينة قتل رجلين من بني عامر، وكان معهما عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمان لم يعلم به عمرو، فلما رجع أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد قتلت رجلين لأدِينَّهما» وكان بين بني النضير وبني عامر حلف وعهد، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلىٰ بني النضير يستعينهم في دية ذينك الرجلين، وكان منازل بني النضير علىٰ أميال من المدينة.
    فلما أتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعينهم في دية ذينك القتيلين، قالوا: نعم، يا أبا القاسم، نعينك علىٰ ما أحببت، ثم خلا بعضهم ببعض فقالوا: إنكم لن تجدوا الرجل علىٰ مثل حاله هذه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسًا إلىٰ جنب جدار من بيوتهم، فمن رجل يصعد علىٰ هذا البيت فيلقىٰ عليه صخرة فيُريحنا منه؟ فانتُدب لذلك أحدهم وهو عمرو بن جحاش بن كعب، فقال: أنا لذلك، فصعد ليلقىٰ عليه صخرة كما قال، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه، فيهم أبو بكر وعمر وعليٌّ، فأتىٰ رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر من السماء بما أراد القوم، فقام وخرج راجعًا إلىٰ المدينة، فلما استلبث النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه قاموا في طلبه، فلقوا رجلاً مقبلاً من المدينة، فسألوه عنه فقال: رأيته داخلاً المدينة، فأقبل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتىٰ انتهوا إليه، فأخبرهم الخبر بما كانت يهود أرادت من الغدر به، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتهيؤ لحربهم والمسير إليهم، ثم سار حتىٰ نزل بهم فتحصنوا منه في الحصون (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ ) [الحشر: 2] وصدق الله إذ يقول: (لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ) [الحشر: 14] فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع النخل والتحريق فيها، فنادوه: أن يا محمد قد كنت تنهىٰ عن الفساد وتعيبه علىٰ من صنعه، فما بال قطع النخل وتحريقها؟ وفي ذلك يقول الله تعالىٰ: (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ) [الحشر: 5]([2]).
    وكان رهط من بني عوف بن الخزرج، منهم عبد الله بن أبي بن سلول، ووديعة، ومالك بن أبي نوفل، وسويد، وداعي، قد بعثوا إلىٰ بني النضير: أن اثبتوا وتمنَّعوا فإنَّا لن نسلمكم، إن قوتلتم قاتلنا معكم، وإن أُخرجتم خرجنا معكم.
    فانتظر بنو النضير نصر هؤلاء القوم الذي وعدوهم إياه فلم يفعلوا، وقذف الله في قلوبهم الرعب، وفي ذلك يقول الله تعالىٰ: ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُ مْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ)[الحشر: 11-13].
    فلما تخلىٰ عنهم هؤلاء المنافقون، وعلمت يهود بني النضير أنهم لن يستطيعوا الاستمرار علىٰ هذه الحالة، ولن يستطيعوا مواجهة النبي صلى الله عليه وسلم طلبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجليهم ويكف عن دمائهم، علىٰ أن لهم ما حملت الإبل من أموالهم إلا الحَلْقة([3]) فوافقهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم علىٰ ذلك، فاحتملوا من أموالهم ما استقلت به الإبل، فكان الرجل منهم يهدم بيته عن نجاف بابه([4])، وفي ذلك يقول الله تعالىٰ: (مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ) [الحشر: 2].
    فقاموا بهدم بيوتهم حتىٰ لا ينتفع بها المسلمون وأخذوا كل ما فيها حتىٰ أبوابها.
    فَخَرَجُوا إِلَىٰ خَيْبَر، وَمِنْهُمْ مَنْ سَارَ إِلَىٰ الشَّام, وخلفوا ما لم يستطيعوا حمله من الأموال، فكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنهم غنموه من غير قتال([5]) وقيل أنه أسلم من بني النضير رجلان هما: ياسين بن عمير بن كعب بن عمرو بن جحاش، وأبو سعد بن وهب([6]).
    ونزلت سورة الحشر في بني النضير([7]).


    ([1]) اللين: هو جميع النخل.

    ([2]) صحيح: أخرجه الترمذي (1552)، كتاب: السير، باب: في التحريق والتخريب، وصححه الألباني.

    ([3]) الحَلْقة: أي السلاح.

    ([4]) النجاف: هي العتبة التي بأعلىٰ الباب.

    ([5]) وهو ما يُسمىٰ بالفيء، فالفيء كلُّ ما أُخذ من الكفار من غير قتال، مثل غزوة بن النضير هذه، فإن المسلمين لم يقاتلوا فيها، إنما خرج اليهود من غير قتال وحكم الفيء في الإسلام أنه يكون للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة، يتصرف فيه حيث يشاء، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يُنفقه في وجوه البر والمصالح التي ذكرها الله في الآيات: (وَما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ وَلكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ مَا أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ )
    [الحشر: 6، 7].

    ([6]) ذكر غزوة بني النضير بهذه التفاصيل: ابن إسحاق «سيرة ابن هشام» 3/96 -98، وابن كثير في «التفسير»، انظر: «عمدة التفسير»، اختصار تفسير ابن كثير، أحمد شاكر 3/421، 422.

    ([7]) متفق عليه: أخرجه البخاري (4882)، كتاب: التفسير، سورة الحشر، ومسلم (3031)، كتاب: التفسير، باب: في سورة براءة والأنفال والحشر.
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  18. #98
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم

    7- وفي جمادىٰ الأولىٰ من هذه السنة: توفي أبو سلمة: عبد الله بن عبد الأسد المخزومي رضي الله عنه، وكان رضيع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    قال ابن كثير رحمه الله:
    وفيه – أي: في جمادىٰ الأولىٰ من سنة أربع- تُوفي أبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي المخزومي، وأمه بَرَّة بنت عبد المطلب، عمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان رضيع رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتضعا من ثويبة مولاة أبي لهب([1]).
    ومات من آثار جُرح جُرحَه بأُحُد رضي الله عنه وأرضاه([2]).


    ([1]) حديث رضاع النبي صلى الله عليه وسلم هو وأبو سلمة من ثويبة، متفق عليه، وقد سبق تخريجه.
    ([2]) «البداية والنهاية» 4/101.
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  19. #99
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم

    8- وفي جُمادىٰ الأولىٰ من هذه السنة: مات عبد الله بن عثمان بن عفان رضي الله عنهما، يعني من رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ست سنين.
    قال ابن جرير رحمه الله:
    في جمادىٰ الأولىٰ من هذه السنة – سنة أربع- مات عبد الله بن عثمان بن عفان رضي الله عنه.
    قال ابن كثير رحمه الله:
    قلت: من رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ست سنين، فصلىٰ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل في حُفرته والده عثمان بن عفان رضي الله عنه([1]).


    ([1]) المصدر السابق.
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  20. #100
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم

    9- وفي شعبان من هذه السنة: وقعتْ غزوة بدر الآخرة.
    قال ابن إسحاق رحمه الله:
    ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة من غزوة ذات الرقاع([1]).
    أقام بها بقية جمادىٰ الأولىٰ، وجمادىٰ الآخرة، ورجبا ثم خرج في شعبان إلىٰ بدر، لميعاد أبي سفيان، حتىٰ نزله، فأقام عليه ثماني ليالٍ ينتظر أبا سفيان وخرج أبو سفيان في أهل مكة، حتىٰ نزل مجنَّة من ناحية الظهران وبعض الناس يقول: قد بلغ عُسْفان، ثم بدا له في الرجوع، فقال: يا معشر قريش، إنه لا يصلحكم إلا عام خصيب ترعون فيه الشجر، وتشربون فيه اللبن، وإن عامكم هذا عام جَدْب، وإني راجع فارجعوا، فرجع الناس([2]).


    ([1]) غزوة ذات الرقاع كانت في العام السابع علىٰ الراجح.

    ([2]) «سيرة ابن هشام» 3/110، 111.
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •