تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: الصندوقُ الأسود : رحلة تأمليّة في شهادة الجوارح يوم القيامة

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Sep 2012
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    69

    Lightbulb الصندوقُ الأسود : رحلة تأمليّة في شهادة الجوارح يوم القيامة

    [** خلق الله الأنفس وأخذ عليها ميثاقها : توحيده وعدم الشرك به ... ، توحيده وتنزيهه ، واتخاذ الحياة الدنيا طريقا لعبادته وشكره وتسبيحه .
    ** هذا العهد والميثاق مطبوع في روح الإنسان ومطبوعٌ في جوارحه ، وهو الشاهد عليه يوم القيامة ... هذا الميثاق هو البرنامج الإلهي المغروس في الإنسان لتذكير الفطرة وتدعيمها وتثبيتها في مواجهة شراسة الغرائز وفتون الشيطان ومغويات الحياة الدنيا .

    ** هذا العهد والميثاقُ هو الجانبُ النورانيُ في الإنسانِ ، إنّه القوّة التي تُوقظُ النفس اللّوامة وتجاهد الأمّارة بالسوء ، إنّه المددُ الإلهيُ الذي يستنفر في الإنسان إحساسه بالخزي والندم والحسرة بعد المعصية ... وهو الذي يوليه جهة التوبة والنجاة .


    ** إنّ عهد الله مع الفطرة الإنسانية ساعة الخلق عهدٌ فعّال نشطٌ في تكوين الإنسان طيلة حياته ... ؛ يتصارع مع كل ما من شأنه أن يضعف تأثيره ... ويتجلّى هذا الصراع في ملامح الإنسان : فالإنسانُ الذي تتغلب فطرته الخيّرة على دوافعه الغريزية ومغريات الحياة ووساوس الشيطان تتواثبُ في ملامحه أنوار الرضا والسكينة والأمن النفسي والسعادة الغامضة التي ربما لا تتفق مع وضعيته الاجتماعية المادية المتواضعة وحاله المادي المرهق ، وسائر عذاباته الأخرى ... ؛ ذلك أنّ زخّات النور والرضا والألق في ملامحه الخارجية ليست إلا انعكاسا للنور الداخلي المنبعث من روحه وفطرته النشطة التي استطاعت تغليب ميثاق ربّها في الصراع الدنيوي وابتلاءات الحياة ...


    ]وهنا تبدو أنوار الملامح وكأنها أنوار ابتهاج الروح بانتصارها في رحلة الحياة ... تبدو هذه الأنوار وهذه الوضاءة في الوجه وكأنها أنوار الاحتفال بالعيد التي يطلقها الأطفال ابتهاجا بقدومه ... فهي كذلك أنوار تطلقها الروح ابتهاجا بفوزها وترحيبا بلقائها ربّها وإعلان نجاحها في الاختبار الإلهي لها في الحياة الدنيا .

    ** هذه الوضاءة في النفس المؤمنة التي انتصرتْ فطرتها الطيّبة على مغريات الحياة وابتلاءاتها هي المكافأةُ الإلهية لصاحب هذه النفس ... هي التكريمُ الإلهي ، هي بمثابة شهادة التقدير - بتعبيرنا الدنيوي - وشهادة الإجازة التي تُقرّ لصاحبها قدرته على العبور من هذه الحياة الدنيا إلى الآخرة - بأمر الله - بأمنٍ وسلام .


    ** إنّ كثيرا من الآيات القرآنية تصفُ انبعاث الميثاق الإلهي في النفس الإنسانية يوم القيامة بما يدفعُ هذه النفس دفعا لا إراديّا إلى الاعتراف بالحقِّ بين يدي الله ، ... من هذه الآيات قوله تعالى - سورة الأنعام - :

    " ولو ترى إذْ وُقِفُوا على ربِّهم قال أليسَ هذا بالحقِّ قالوا بلى وربِّنا قال فذوقوا العذابَ بما كنتم تكفرُون " الآية 30 [/


    ** يستحضرُ اللهُ ميثاقه أمام خلقه يوم القيامة ، ويذكّرهم بما فطرهم عليه من التوحيد والحق والاستقامة ... ، ثم يُريهم أعمالهم ، ويُطلعهم على جزاء هذه الأعمال فيُشهدهم على أنفسهم فيشهدون أنهم حادوا عن الطريق المستقيم ، ويشهدون أنهم تجاهلوا هذا العهد الذي كان منجاة لهم ، ويشهدون باستحقاقهم مآلهم ومصيرهم الأليم .


    *** إنّ أخذ الله العهد على الأنفس عند خلقها يُفسّر سبب تردد الفعل " يتذكر " في كثير من الآيات القرآنية التي تصور يوم القيامة ومثول العباد بين يدي الخالق ، كما في قوله تعالى في سورة " الفجر " :
    " وجِئ يومئذٍ بجهنّم يومئذٍ يتذكّرُ الإنسانُ وأنّى له الذكرى 23) يقولُ ياليتني قدّمتُ لحياتي 24 )
    وقوله تعالى في سورة " النازعات " :" فإذا جاءت الطَّامةُ الكُبرى 34) يومَ يتذكَّرُ الإنسانُ ما سعى 35 )
    * إنّ فعل التذكُّر في مثل هذا السياق يؤكّدُ أنَّ الإنسان يستحضرُ تفاصيل سعيه في الحياة الدنيا ، وتفاصيل العهد الذي أخذه عليه الخالق في الوقت ذاته ...
    إنّ الذاكرة الإنسانية تنشط في هذا الوقت المهيب وتستحضر أمام الإنسان تفاصيل حياته وخروجه عن الطريق المستقيم والفطرة المستوية ؛ فيكون هذا التذكر - في حدّ ذاته عقابا إلهيا عجيباً لأنه نوعٌ فريد من العذاب الإنساني ... نوعٌ فريدٌ وغير متكرّر في درجة إيلامه للنفس ؛ إذ يتذكر الإنسان كل ما فعله في الحياة الدنيا ... يتذكر انكبابه على الشهوات ، واستهانته بتكاليف ربه ، وتشاغله - أو تجاهله - لهذه اللحظة التي سوف يمثل فيها بين يدي خالقه عاريا من الشفيع والمُساند ... ، عاريا من الجاه والنفوذ والوسطاء ، عاريا من الفتوّة والثراء والشباب ، عاريا إلا من عمله ... فكيف وعمله سيئ يُرديه إلى التهلكة ... ؟ !
    يتذكّر الإنسان كلّ هذا وهو في ساعة الحق ، حيث لا مجال للتكذيب بالآخرة ، ولا مجال لإرجاء لحظات التوبة ، ولا مجال للتراجع عمّا اكتسبت الجوارح من السوء ... !
    *** وليس هذا فقط مبعث ألم الإنسان وعذابه الفريد ساعة الحساب ، بل يتناهب الإنسانَ الألم في هذه الساعة من يقينه التام الآن - والآن فقط - من هوان الحياة الدنيا وعدم استحقاقها ما بذل فيها وبذل لها من عمر وشباب وفتوة ومشاعر وفكر ... يوقنُ الآنَ فقط من عدم استحقاق الدنيا أن تضيع الآخرة من أجلها ... !
    *** من هنا يكون فعل التذّكر في هذه اللحظات الجليلة فعلا باعثا على الألم والحسرة والعذاب والخزي ؛ لأنه يوقظ في الإنسان أمرين قاتلين :
    - اليقين بوعد الله .
    - العجز عن تغيير المصير .

    ** وبهذه الكيفية يكون فعل التذكر في هذه اللحظات لإدانة الإنسان ،وإشهاد فطرته عليه ، وإشهاد الخلق عليه ، و- من ثمّ - إثبات عدل الله في تقرير مصيره ...
    و... إنّ هذا ال " إجراء " الإلهي لهو قمة ما يطمح إليه الإنسان من العدل والحرية والإنصاف في الحكم ممّا لا يجده من الخلق في الحياة الدنيا ، ويجده ماثلا بين يدي الله يوم الحساب ...
    ** إن استحضار عمل الإنسان في الدنيا يوم القيامة عقابُ إلهي قائمٌ بذاته يوقعه الله على عباده الضالين قبل أنْ يُرديهم ي مآلهم الأخير ، إذ يُريهم اللهُ أعمالهم حسراتٍ ، يُريهم السُّدى والسراب ، يُريهُم فناء وهباءَ ما كسبوا ، ويريهم ضلال ما أمّلوا ، يُوقفهم أمام الــــ : لآ شئ ... لآ ... شئ ،... ويُطلعهم المولى على معنى جديد للفناء والهبائية ، فيعلمون أنّ الفناء ليس هو الموت في الدنيا ، ليس مفارقة الدنيا وذهاب متاعها ، بل الفناء هو إضاعة الإنسان نصيبه من الآخرة بإيثاره للدنيا ...
    هذا هو عينُ البدد ...
    هذا هو عينُ العدم ...
    هذا هو رأسُ الفناء والهباء ... !


    ** خلق اللهُ في الإنسان جهاز رصد دقيقٍ يُسجِّل أعماله وخطراته ونواياه ووأفكاره ومشاعره ....
    هذا الجهازُ ليس عضوا من أعضاء جسم الإنسان ، وليس آلة مستقلة في مخّه أو أعضائه ... إنّ هذا الجهاز يشغلُ كلّ عقل الإنسان ، ويحتل كل روحه ... !

    جهاز الرصد والمراقبة الإلهي في الإنسان هو عقلُ الإنسان وروحه وجوارحه وبهذه الحكمة الإلهية يكون الكيانُ الإنسانيُ هو الشاهدُ والمشهود ... ، هو الفاعل وهو راصدُ الفعل ... ،
    يكونُ الإنسانُ ذاته هو المشهدُ والمرصدُ !

    **تتجلّى هنا قدرة الله تعالى وعظمته ؛ فقد خلق في الإنسان رقيباً على الإنسان ، جعل من ذاتِ الإنسان رقيباً عليه ، جعل فيه - وليس خارجه - حسابه وقيامته وكتابه ! خلق اللهُ في كيان الإنسان العسس والرقباء والرُّصّد الشهود ، ولم يجعلهم مستقلين عن هذا الكيان ، بل جعل هذا الكيان ذاته بما فيه من روح وجوارح وعقل هو المرصد الرقيب ؛... إذْ لو كان هذا المرصد الرقيب موجودا في عضو من أعضاء الإنسان لكان عرضةً للتلف ، أو الضعف أو المرض لأنه سيكون مرهونا بسلامة هذا العضو ، وعدم العبث به .... فسبحان الله !
    ** إن الإنسان في الحياة الدنيا إذا ما ارتكب جريمة أو فعلا شائنا ، حرص على إزالة معالمه وآثاره ؛ فسارع بمحو البصمات والتخلص من الشهود - ولو كان ذلك بقتلهم -وتغيير مالم مكان الجريمة - ولو بحرقه - والعبث في الأدلة ، والعبث في بصمات يديه وصوته - ولو كان ذلك بعمليات جراحية - ؛ وذلك لينجو بفعله من الإدانة ... ! ورغم كل ذلك فقلما ينجو من جريمته ... بل إن القاعدة تؤكد أن كل مجرمٍ يترك وراءه دليلاً يُرشدُ إليه ! ... هذا في الحياة الدنيا ... فكيف بما يتصل بالآخرة ؟ كيف ينجو بأفعاله من ربِّه ؟ كيف يعبثُ بالأدلة والشهود ؟ كيف يعبثُ بهم وهم كيانه ؟ ! إن الشهود والأدلة هم كيانه ... هم جوارحه التي تأتي يوم القيامة تشهد عليه بما فعل ، أدلته هي روحه وعقله وذاكرته وفطرته وميثاق ربه ... فأنّى له العبث وأنى له الهرب ؟
    هل يستطيع الإنسان هنا أنْ يحرق الأدلة ؟
    هل يحرق ذاته ؟ وإذا ما فعل من باب الشطط والجنون ...
    هل ينجيه ذلك ؟ ألن يبعثه ربه وينطق أدلته ؟ !
    هل ينجيه أن يقتل الشهود ، ويحرق أماكن معصيته ؟
    هل ينجيه أن يعبث ببصمات أصابعه وصوته و... ؟
    هل ينجو بذلك من الخالق ... ؟!

    لن يجدي هذا الجنونُ شيئا ، ولن يزيد صاحبه إلا آثاما !
    ** تحتفي الآيات القرآنية بتصوير ألوانٍ من الشهادات الإنسانية يوم القيامة ... هذه الشهادات الفريدة الدالّة على جبروت الله وجلاله ؛ فهي غيرُ مدفوعة بالتعذيب ، أو الرشوة ، أو التهديد - تعالى الله عن ذلك - إنها مسوقةٌ على لسان أصحابها بقوة واحدة فقط ، هي : سننُ الله في خلقه ، وإبداع يديه في خلقه لهم كيف يشاء ، وبما لا يجعلهم يدورون خارج مداره ... مدفوعة بالبرنامج الذي خلقه الله في الفطرة وأقرّها عليه ، فإذا بها تأتي ربّها يوم القيامة تُسجّل شهادتها على فعلها ، وتُقرّ حق الله في عباده ...

    ** منْ هذه الشهادات التي تصورها الآيات القرآنية قوله تعالى في سورة الأنعام :
    " قد خسرَ الذين كذّبوا بلقاءِ اللهِ حتّى إذا جاءتْهُم الساعةُ بغتةً قالوا ياحسرتنا على ما فرّطنا فيها وهم يحملُونَ أوزارَهم على ظهورِهم ألا ساءَ ما يزِرُون 21)

    ويقول تعالى في سورة " المدّثّر " :
    " كلُّ نفسٍ بما كسبتْ رهينةٌ 38) إلاّ أصحابَ اليمينِ39) في جنّاتٍ متسائِلُونَ 40) عن المُجرِمين 41) ما سَلَكَكُم في سقَرٍ 42) قالوا لم نكُ من المُصلّين 43 ) ولم نكُ نُطْعِمُ المسكين 44 ) وكُنّا نخوضُ مع الخائِضين 45 ) وكُنَّا نُكذِّبُ بيوم الدّين 46) حتَّى أتانَا اليقينُ 47 ) فمَا تنفَعُهُم شفاعةُ الشّافعِين 48 )
    *** نعم... نعم ... وفق هذا القانون الإلهي القويم ... وفق منظومة الصندوق الأسود الذي خلقه اللهُ فينا ، سوف يكون حسابنا يوم القيامة كما صوّره اللهُ سبحانه - حساباً دقيقا شاملا : من جهة الزمن : أي إخبار الإنسان بما قدّم وأخّر .
    - دقيقا من جهة استيفاء الحدث ، وتحرّي الشهادة والشهود : تنصيب بصيرة الإنسان شاهدا عليه ، ولو ...
    ألقى ...
    معاذيره ...
    ولو ...
    ألقى

    معاذيره
    ولو ...
    ألقى
    مـ عـ اااا ذيـره .......

    **لطول المقالة : اقرأ المزيد في مدونة " أدركتُ جلالَ القرآن"

    بقلم :جاميليا حفني



    ********
    http://greatestqoran.blogspot.com/20...blog-post.html





    [/RIGHT]

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    الدولة
    دار متى ما أضحكت في يومها... أبكت غدا.. قبحا لها من دار ..
    المشاركات
    19

    افتراضي رد: الصندوقُ الأسود : رحلة تأمليّة في شهادة الجوارح يوم القيامة

    اللهم اغفر لنا يوم نلقاك واجعلنا ممن أتاك بقلب سليم .... ، جزاك الله خيرا على هذا النقل القيم .
    ( تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ )

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Sep 2012
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    69

    افتراضي رد: الصندوقُ الأسود : رحلة تأمليّة في شهادة الجوارح يوم القيامة

    السلام عليكم ورحمةُ الله وبركاتُه
    الأختُ الكريمة ، بنت سبيل : نرجو من الله أن يستجيب لدعائك ويرزقنا خيرهذا الدعاء معك ، - نحنُ وجميع المسلمين -... عميق شكري لتقديرك ...
    أختي : من فضل ربّي - ليس غير - أنّ هذه المقالة من مدوّنتي " أدركتُ جلال القرآن "

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •