فآنَ أنْ تحملَ الأحلامُ هودجَـنـا...
..تَمضي الحياة , وما تُقضـى أمانينا
وأسهُم الـحـزن ترمينا فتُشجينـا
سماءُ آلامنا فـي الـدهــر تُمطرنا
بوابلٍ مُـدْنَـفٍ يُـدمـي مـآقينا
فلوعةُ الوجـدِ أشـجـانٌ نُكابدها
ولا أنيسٌ لنـا فـي الضّـنْك يُسلينا
وشجْوُ أعماقنـا نارٌ بـأضـلعـنا
تُحيل ذا القـلبَ جـمراً والشرايينا
كم امتطينا دموع الـبـؤس أجنحةً
تطيرُ ولـهـى لأفـلاكٍ تُـناجينا !
تسيلُ مُزنُ الجوى كالغيــثِ هاطلةً
لكنْ بتَـهْطـالـها جـفّت روابينا
سَـرابُ أمطـارهـا لم يـروِ غُلّتنا
بل أنبتتْ سِـدْرَ أشْـواكٍ بِـوَادينا
تنمو غراسُ الأسى حُمْراً, ولا عجبٌ
فمـن وريـدٍ لنـا تُسـقى فتسقينا
نهارنا, ما له يمضي كطيـفِ كرىً ؟
وليلُنـا بالشـقا دومـاً يُغـشِّـينا
وحالنا : أدمُعٌ فـي الخــد مُحرقةٌ
أما القلوبُ فـقـد فـاضت براكينا
يبكي لـحالتـنا نـجـمٌ يُساهرنا
وكم مسحـنـا لـه دمعاً بأيدينا !
جفوننا لـم تـذق نومـاً ولا وسناً
علامَ بالسـَّـهَـرِ الأقـدارُ تَرمينا ؟
سُنونُنا تنقضي ثكلى عـلى عجـلٍ
وكَـرُّ أيـامـنـا للمـوت يُدنينا
..فآن أن تحمل الأحلامُ هودجَـنـا
ونركبَ الشـعرَ كـي ننسى مآسينا
عسى الخيالُ الذي يَسري بـخاطرنا
لما نعـانيـه مـن هـمٍّ يُـنسّـينا
يا بدرَ تِمّ المسا: روحٌ لنـا تلـفَـت
فقـل لشــاعـرك الصدّاح يَرثينا
مداد أسفـارنا ينســاب مـن دمنا
وكلُّ حـرفٍ بـهـا يُبكي الملايينا
آهٍ لدهرٍ مضى حُلـواً بـلا كــدرٍ
تظلُّ ذكراهُ بعـد الـمـوتِ تُحيينا
إن زارنا طيفُه فـي الْـحُلْمِ نَحسـبُهُ
شُهداً , فنرشُـف للإشـراق ماضينا
...كنا نعيش به , والثـغرُ مـبتـسمٌ
وما أُحَيلى مـع الـنَّـجـوى ليالينا
لا الدمعُ يُغرقـنا , لا الـهمُّ يُقـلقنا
لا الهجرُ يقتُلُنا , لا الشَّـوقُ يُـضنينا
وكان حبـلُ الهـوى بالوصل مُتّصلاً
وقد حـوى روضُـه ورداً ونسـرينا
نُسقى زُلال الـهـنا , عذباً مواردُهُ
وأنْهُرُ الـحـب بالتّحـنـان تَروينا
...حتى وردنا أُجـاجَ البينِ ذا غَصَصٍ
ولم نـجد فـي بحار الْحُزن شاطينا
..ما عاد نجمُ السّهـا للـصبح يُؤْنسنا
وأينَ مَن كان في الشكوى يُواسينا ؟
وما لِريحِ الصَّبـا تـجتـاز سـاحتنا
ولا سـلامٌ مـن الأحبابِ يأتينا ؟!
كانت تُبلّغـنـا عن حالـهم خبـَراً
...لكنْ نُحَـمِّـلهـا أخبارَ واشينا
وأدمعاً كم هَمَتْ شـوقـاً لرؤيتهم !
وخافقاً هـام فيـهـم مـن تلاقينا
ما للخمـائل تَبكيها حـمائـمُـها
ووهجُ حَرِّ البُكا يُذكـي الرّيـاحينا
هل ودّعـت يـا تُرى إلفاً تذوب به
أم أنها فوق غصـن البـان تَبكينا ؟
وما لأجفاننا تَهـمـي بـلا سَببٍ
أهكـذا دائـمـاً حـالُ المحبينا ؟!
هذا هو العـمرُ ,والـدنـيا مُوَلّيَـةٌ
يَمـضي ويَفنـى بِحـين يتبعُ الحينا
إذا تأملتَ في الدنيـا فـأنـت تَرى
أن السعـيـد الذي ما ضيّـع الدينا
لا ريبَ أن الدُّنـى ظِلٌّ يـزول إذا
ما ضمّنا اللحـدُ .. والأهـواءُ تُغرينا
حقاً سيأتي لنا يـومٌ نـصـيـر به
في جوفِ رمسٍ نرى من حولنا الطّينا
فاحفظ لنا ربَّنا نـفـساً تُسـاعدنا
على الفضائل والإحسان , آمـيـنـا
الشاعر الأديب مصطفى قاسم عباس

منقول