لما كنت فى الصف الثالث بالكلية حدثت جفوةٌ بينى وبين أستاذى الدكتور/ أحمد تيمور الشاعر المشهور وكان يدرس مادة الفسيولوجيا للصف الثانى بالكلية والحمد لله فقد كنت اجتزت مادته بل والسنةَ الدراسية كلها فلما حدثت هذه الجفوة ولم أكن أخشى منه شيئا قلت لنفسى : إذا كنتِ لاتخشَيْن منه شيئا وهو أكبر منكِ سنا وقد أُمِرْنا بتوقير الكبير فلو اعتذرت إليه لم تنقص من قدرك شيئا، فذهبت يومًا إليه فى مكتبه وكان معه أناس آخرون فقابلنى هاشًّا باشًّا كعادته فى وجود أناس آخرين، فتحدث معهم قليلا ثم مَالَ إلىَّ وقال: خيرا. ( والغيظ يملؤه أنى هجمت عليه ومعه من لا يستطيع أمامهم أن يتجهم فى وجهى ) فقلت له: خيرا لقد كتبتُ لك قصيدةً وأرجو أن تقبلها منى فقال: نعم ونِعْمَتُ عين، ولكن ائتنى بها يوم الأربعاء القادم هنا. فشكرته وخرجت من عنده وأنا لم أكتب شيئا ولا أظن أنه يمكننى كتابة شئ وذلك أنى لا أحسن المدح ولا الاعتذار، وصدق حدسى فلم أكتب إلا بيتين ونصف على بحر المديد أذكر منها:

أَبْقِ لِى بعض القصيدِ رَضِيَّا *** يا أميرا للبيان علِيَّا
يا شَجِىَّ اللحْنِ فى كل أُذْنٍ *** ..................
وصار خلع ضرس أهون علىَّ من كتابة شطر بيت بَلْه إكمال القصيدة فتركت القاهرة وعدت إلى بلدى (طنطا) فلم يُغْنِ شيئا ومرت الأيام وجاء اليوم الموعود يوم الأربعاء وكنت ما زلت فى طنطا ولم أكتب شيئا وخرجت من بيتى حائرا أترقب وركبت قطار التاسعة صباحا ووصلت القاهرة ثم المدينة الجامعية وتجاوزت الساعةُ الحاديةَ عشرَ صباحا وكان لابد من الذهاب إلى الدكتور تيمور وإلا ... ثم خرجت حائرا لا أَلْوِى على أحدٍ ولا أدرى ما أفعل وقد كنت زعمت له أنى كتبت فعلا قصيدة اعتذار فأخذت القلم والقرطاس وكتبت هذه القصيدة فى نحو نصف ساعة أو أقل والحمد لله فإنها مع ضعفها قد أعجبته وجعل يبتسم وهو يقرؤها ويقول: لا بل أنت حبيبى. وهى من منهوك الرجز وهذه هى:
مَهْلا علَـى *** هــذا الفتــى
لا تبتئـس *** إِنْ أخطــــأَ
أو تبتعـد *** إِنْ أذنبــــا
أو تحتجب *** إمَّــا نــأَى
يا من لـه *** منـى الوَفَــا
قُل لِّى لِمَ *** هـذا الجفــا
هل حاسدٌ *** منـى اشتفَـى
أم ظِنَّــةٌ *** فيمـن صفـا
يا سيـدى *** إن الفــتَـى
لا ما عصى ***لا مــا عتَـى
***
إن الأبَــا *** قبـلٌ ثـوى
فـى جَنَّـةٍ *** ثـم هـوى
من ذنبِــهِ *** ثــم احتمَى
فى توبَــةٍ *** كـانت حِمَى
لـو لمْ يَتُبْ *** مـا ثُــوِّبَا
ثـم الفتـى *** بعـضُ الورَى
فى نـزوةٍ *** ضـاع الحِجـا
ثم الجفـا *** منـه اكتــفى
هاك الفتى *** هـا قد أتَــى
هل غافِرٌ *** أم مـا تــرَى
أرجو ألا أكون أثقلت عليكم بالمقدمة النثرية ولا بما بعدها، والسلام.