ولا تدع مع الله إلها آخر
قال تعالى: ﴿ وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنزِلَتْ إِلَيْكَ ۖ وَادْعُ إِلَىٰ رَبِّكَ ۖ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (87) وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ ۘ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ۚ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (88) ﴾ (القصص: 87-88)
وفي تفسير ابن كثير رحمه الله:
(87) "ولا يصدنك عن آيات الله بعد إذ أنزلت إليك" أي لا تتأثر لمخالفتهم لك وصدهم الناس عن طريقك لا تلوي على ذلك ولا تباله فإن الله معل كلمتك ومؤيد دينك ومظهر ما أرسلك به على سائر الأديان ولهذا قال "وادع إلى ربك" أي إلى عبادة ربك وحده لا شريك له "ولا تكونن من المشركين".
(88) قوله: "ولا تدع مع الله إلها آخر لا إله إلا هو" أي لا تليق العبادة إلا له ولا تنبغي الإلهية إلا لعظمته.
وقوله "كل شيء هالك إلا وجهه" إخبار بأنه الدائم الباقي الحي القيوم الذي تموت الخلائق ولا يموت كما قال تعالى "كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام" فعبر بالوجه عن الذات وهكذا قوله ههنا "كل شيء هالك إلا وجهه" أي إلا إياه وقد ثبت في الصحيح من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أصدق كلمة قالها الشاعر لبيد ألا كل شيء ما خلا الله باطل" وقال مجاهد والثوري في قوله: "كل شيء هالك إلا وجهه" أي إلا ما أريد به وجهه وحكاه البخاري في صحيحه كالمقرر له قال ابن جرير: ويستشهد من قال ذلك بقول الشاعر: استغفر الله ذنبا لست محصيه رب العباد إليه الوجه والعمل وهذا القول لا ينافي القول الأول فإن هذا إخبار عن كل الأعمال بأنها باطلة إلا ما أريد به وجه الله تعالى من الأعمال الصالحة المطابقة للشريعة والقول الأول مقتضاه أن كل الذوات فانية وزائلة إلا ذاته تعالى وتقدس فإنه الأول الآخر الذي هو قبل كل شي وبعد كل شيء.
قال أبو بكر عبدالله بن محمد بن أبي الدنيا في كتاب التفكر والاعتبار حدثنا أحمد بن محمد بن أبي بكر حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا عمر بن سليم الباهلي حدثنا أبو الوليد قال: كان ابن عمر إذا أراد أن يتعاهد قلبه يأتي الخربة فيقف على بابها فينادي بصوت حزين فيقول: أين أهلك؟ ثم يرجع إلى نفسه فيقول "كل شيء هالك إلا وجهه" وقوله: "له الحكم" أي الملك والتصرف ولا معقب لحكمه "وإليه ترجعون" أي يوم معادكم فيجزيكم بأعمالكم إن كان خيرا فخير وإن شرا فشر.