أين ( صنائعُنا!)-غفر الله لنا- مِن ( أخلاقهم )-رحمهم الله- ؟!





وَفَّقني اللهُ – تعالى – والحمدُ كلُّه له – لافتتاحِ درسٍ علميٍّ في بعض مساجد العاصمة الأُرْدُنِّيَّة ِ ( عمّان ) – حرسها اللهُ - : وذلك في كتاب " منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين" - للشيخ العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعديِّ – تغمّده اللهُ برحمتهِ - .
وهو كتابٌ مفِيدٌ جداً , ونافعٌ جدّاً – على اختصاره, ويُسْر عبارتهِ , ووُضوحِ أدلتهِ - .

وقد كان الدرسُ الأولُ – كما هو الشأنُ والعادةُ – ترجمةً للمؤلِّفِ , وتعريفًا بالمؤلَّف – والموفِّق اللهُ- .

ولقد استرعى انتباهيَ – في ترجمةِ المؤلِّف – كلمتانِ عزيزتانِ قِيلَتَا فيه مِن قِبَلِ عالِمَيْنِ جليلَيْنِ – رحم اللهُ الجميعَ - :

الكلمة الأولى : للشيخ العلامة عبدالرزّاق عفيفي ؛ حيث قال في وصف الشيخ – رحمهما الله - :
" مَن قرأ مصنّفاتِ الشيخ عبدالرحمن بن ناصر بن سِعْدي – رحمه الله - , وتتبّع مؤلفاتِه , وخالَطَهُ , وسَبَرَ حَالَه – أيام حياته -, عرف منه الدَّأْبَ في خِدْمةِ العلمِ اطّلاعًا وتعليمًا , وَوَقَف منه على حُسْنِ السيرةِ , وسَمَاحة الخُلُقِ , واستقامةِ الحال , وإنصافِ إخوانهِ وطُلاَّبهِ من نفسهِ , وطََلَبِ السلامةِ فيما يَجُرُّ إلى شَرٍّ , أو يُفْضي إلى نزاعٍ أو شِقاق.
فرحمه الله رحمة واسعة " .

والكلمةُ الثانية : لأستاذنا الشيخ العلامة محمد بن صالح العُثَيمين – رحمه الله – وهو تلميذهُ الأكبر , وخِرِّيجُهُ الأشهرُ - ؛ قال :
" إنَّ الرجل قَلَّ أن يُوجَدَ مثلُه في عصرهِ – في عبادتهِ , وعلمه , وأخلاقه - ؛ حيث كان يُعامِل كُلاًّ مِن الصغيرِ والكبيرِ بحَسَبِ مَا يليقُ بحالهِ , ويتفقَّدُ الفقراءَ , فَيُوصِلُ إليهم ما يَسُدُّ حاجَتَهُم بنفسهِ .

وكان صَبُورًا على ما يُلِمُّ به مِن أذى الناسِ.
وكان يُحِبُّ العُذْرَ ممّن حَصَلَتْ منه هفوةٌ , حيث يُوَجِّهُها توجيهًا يحصلُ به عُذْرُ مَن هَفَا ".

قلتُ :
والمتأمِّلُ في هاتَيْنِ الكلمتَيْنِ العظيمتَيْنِ – المُتَضَّمنتَيْ نِ لِوَصْفِ خُلُقَيْنِ نادِرَيْن (!) – يرى – بوضوحٍ وجِلاءٍ – فَرْقَ ما بينهما وما نعيشُهُ ونُعايشُهُ مِن صنائعَ مريرة , وفعائلَ خطيرة ؛ تُؤْذي النفوسَ السليمةَ , وتُؤْلِمُ العقولَ القويمة - :
ففي الوقت الذي يحرصُ فيه هذا العالمُ الكبيرُ – رحمه الله – على ( طلب السلامة فيما يَجُرُّ إلى شرٍّ , أو يُفْضي إلى نزاعٍ أو شِقاقٍ ) نرى من لا يَهْدَأُ له بال ! ولا يستقرُّ له حال : إلاّ بِإحداث النِّزاع تِلْوَ النِّزاع , وإيقاع الشِّقاقِ إِثْرَ الشِّقاق!!!

فأَين هؤلاء مِن ذاك ؟!

وفي الآنِ الَّذي يَجِدُّ هذا العالِمُ الكبيرُ – فيه – على (حُبِّ العُذْر مِمّن حَصَلَتْ منه هَفْوَةٌ ؛ حيثُ يُوَجِّهُها توجيهاً يحصُلُ به عُذْرُ مَن هفا ) : نرى مَن يَحُكُّهُ جِلْدُهُ ! ولا ينقطعُ جَلَدُهُ : في تتبُّعِ الهَفَوَات , والتربُّصِ بالزلاّت , والتصيُّد للعَثَرات - بالعَشَرات - !!! والنَّفْخِ فيها , والتَثوير بها ! ! !

فأين هؤلاء مِن ذاك ؟!
إنّها أخلاقُ العُلَماء ؟!
وآدابُ الفُضَلاء ؟!
ومسالكُ الشُّرَفاء ؟!
وما أجمل ما قيل :



فحسبكُمُ هذَا التفاوتُ بَيْنَنَا ****** وكُلُّ إناءٍ بالذي فيه ينضحُ

فالعَوْدَ العَوْدَ ...
والرجوعَ الرجوعَ ...
فلا يزالُ للإصلاح موضعٌ ...
ولا يزالُ لِلْوِئام مكانٌ ...

هذا هو ( الأَمَلُ ) الصادقُ الذي نعيشُ به – وله - ...
وهو الظَّفَرُ ( القادمُ ) الذي نأمَلُهُ ونتأمَّلُهُ :
( نُصْرَةً ) لمنهج السَّلَف الأبرار ...
و( انتصاراً ) لأئمّتهِ الكبار ...
و ( تناصُراً ) مع دُعاتهِ والأنصار...

{ واللهُ وليُّ المُتَّقين} ...
منقول من أبي الحارث .