جناحي: النظام الاقتصادي الإسلامي قادر على أن يحرك اقتصادا عالمياً يُبنى على العدل وتكافؤ الفرص
لقد برزت العديد من المؤسسات المالية الإسلامية وساهمت بجدارة في حل كثير من التحديات وبقى التركيز الآن على توجيه نظر الحكومات لتنهج نهجاً اقتصاديا ينطلق من تراث ديني عالمي أرسل للناس كافة؛ من هنا اعتنت دراسة بحثية للباحث: عبد اللطيف عبد الرحيم جناحي ببحث ذلك الأمر في دراسة له بعنوان: " الصكوك الإسلامية بدائل للسندات التقليدية ".وبيّنت الدراسة أن النظام الاقتصادي الإسلامي لقادر على أن يقدم صيغاً تمويلية متعددة ، ومما لفت إليه المؤلف أنه لا تنمية متوازنة بدون عدالة في التوزيع، فإفرازات الاقتصاد الوضعي جاءت متسمة بالجور إلى حد كبير وغلبّـت مصلحة فئة على أخرى بحيث أصبح 80% من ثروات العالم في يد 20% من البشر تقريباً وأصبح ثلث سكان العالم يتعيش الفرد منهم على دولار واحد في اليوم، وأن نمط الطرح الاقتصادي الإسلامي يدل على أن مناخه سيكون بعيداً عن التضخم الجموح على الأقل لسبب بسيط وهو أنه لا يتجـر في النقود وينصب النشاط الاقتصادي إما على جهد أو موجودات.وأوضحت الدراسة ماهية السندات الحكومية، وأنها لا تعدو أن تكون وثيقة مالية لها قيمة وزمن محددان وتستحق فائدة دورية، فهي وثيقة إقراض بفائدة وهذا ما يدخله في الربا المحرم، وهي استثمار متوسط أو طويل الأجل يصل استحقاقه إلى ثلاثين سنة أحيانا، وأن من مميزات السندات أنها قابلة للتسييل في السوق الثانوية وقابلة للاستدعاء من قبل الجهة المصدرة قبل استحقاقها، وأنه نظراً لإقبال المستثمرين على السندات بسبب انخفاض مخاطرها فقد ظهرت مؤسسات مالية في السوق تشتري هذه السنداتبالملايين ثم تعرضها على صغار المستثمرين مقابل عائد تحققه وهناك سندات أخرى مثل السندات الخاصة والسندات لحاملها وأذونات الخزانة وغيرها.وذكرت الدراسة أن سندات الخزانة تحمل عناصر الربا وعليه فهي غير جائزة شرعاً، وأنه في إطار التدرج لرفع بلوى الربا عن الجمهور والحكومات بدأ المهتمون بالاقتصاد الإسلامي يطرحون البدائل الشرعية لسندات الخزانة، وأنه في الوقت الذي تظهر فيه حاجة دولنا الإسلامية الماسة إلى تمويل مشاريع البنية التحتية مما يجعلها تخضع لشروط مذله من صندوق النقد الدولي والبنوك الربوية في العالم فتقع تحت الهيمنة الغربية، والأدهى من ذلك أنه في الوقت الذي تتعطش فيه مشاريعنا الوطنية إلى السيولة نجد أن أموال كثير من الميسورين تودع في البنوك العالمية مقابل مردود زهيد، وكذلك الحال لدى البنوك الإسلامية التي لديها الفائض النقدي فإننا نراها تستثمر ذلك الفائض في صناديق تحت مسميات مختلفة في الغرب أو في السلع الدولية، وكل هذه الاستثمارات لا تخدم الأمة الإسلامية وتعرض أموال المستثمرين للضياع في كثير من الحالات إذ ثبت بالإحصاء أن حوالي 60% من صناديق الاستثمار في الخارج مخسرة.وأبرزت الدراسة أن العمل على ابتكار أدوات سلم تخلص المسلمين من ريقة الربا أمر تمليه الضرورة وترخيص السلم فيه عبرة وفائدة كبيرة ورفق بالناس نستشعرها في عصرنا الحاضر وقد وهبنا الله الثروات الطبيعية ولكن نعجز عن استغلالها والاستفادة منها، وأنه في بيع السلم ما يحقق حاجة المستثمر والدولة معاً، فالمستثمر المنتج الذي يريد أن يخطط لأعماله بحصوله على التمويل يمكن أن يلجأ إلى بيع السلم ليقبض قيمة السلعة نقداً ويقوم بالإنفاق على العمال والمنتجين وعلى أسرته حتى فترة الحصاد أواستخراج النفط أو المعدن من باطن الأرض مثلاً، أما المشتري فإنه نظير دفعه للثمن معجلاً يستحصل على بضاعة أرخص قيمة وهذا يجعل لديه مجالاً جيداً لترتيب أعماله من الناحية السوقية ويأخذ بالمبادرة التنافسية، والدولة ببيعها منتجاتها سلماً يمكنها أن تعجل بمشاريعها وتخطط بشكل سليم لبناء البنية التحتية.وأشار المؤلف إلى أنه في جميع هذه الحالات أمان للأموال المستثمرة وتحريك للقطاعات المنتجة والمهم في هذا الأمر هو تخلص شعوبنا المسلمة من هيمنة الغير المالية عليها تلك الهيمنة التي أدت بالنتيجة إلى الهيمنة السياسية وأضعاف شعوبنا المسلمة اقتصادياً بحيث أصبحت بعض دولنا عاجزة حتى دفع خدمة الدين ناهيك عن أصله وذلك لما مرت به من صور الابتزاز الربوي.وأكدت الدراسة إلى أن بيع السلم في عصرنا الحاضر بديل عملي للاقتراض الربوي، فالمنتجون يحتاجون إلى النقد للتصنيع والإنتاج وذلك قبل فترة استكمال السلعة وتحضيرها للبيع ولا سبيل لهم في عصرنا هذا إلا الاقتراض من البنوك الربوية وذلك لدفع رواتب العمال وشراء المعدات والإنفاق المكتبي والأسرى ثم الانتظار لحين اكتمال الإنتاج حيث يباع المنتج ويسدد للبنك أصل القرض مع الفوائد، وقد يصل الأمر إلى إفلاسه إذا تمادى في الاقتراض غير المدروس إذا ارتفع سعر الفائدة حيث أن القرض الربوي تخضع فوائده للمراجعة من قبل المقرض بشكل دوري، والسلم وسيله تمويليه بها رفق أكبر وتوزيع للمخاطر على شريحة كبيرة من المستثمرين فالدفع المقدم يمكن المنتج من تمويل إنتاج السلعة وفي حالة عدم التمكن من تسليم المسلم فيه فإن أصل الثمن المدفوع من قبل البنك يبقى دون زيادة ويكون قد فات على البنك ربحه فقط أما أصل المبلغ فمضمون بالرهن؛ وهناتظهر أهمية الرهن والأخذ برأي الجمهور في إجازته ، وبما أن رأس مال السلم مضمون بالرهن فهذا ادعى للاطمئنان للبنك على أمواله، أما مقابل خسارته للربح فقد يتمكن من تعويض ذلك في تفاوتات الربح التي تقع عند البيع في الأسواق الاستهلاكية وهي عادة أعلى من أماكن الإنتاج، ثم أن بيع السلم يعمل عكس اتجاه الربا فالربا إضافة مالية تحمل على الإنتاج بينما السلم حسم من بيع مستقبلي تتحكم فيه احتساب أدوات العرض والطلب وهذا الأسلوب يحد من التضخم وادعى لاستقرار الأسعار في السوق.ورجحت الدراسة رأي المالكية وشيخ الإسلام وتلميذه في جواز التصرف في المسلم فيه قبل قبضه، وأنه يفتح نصراً جديداً للشريعة الإسلامية في مجال الاقتصاد ويظهر عدم عجزها في تلبية حاجة الأمة، وأن هذا رأي عملي يمكن تطبيقه في عصرنا الحاضر وفيه رفع لبلوى الربا عن كثير من الدول والمؤسسات ثم أن في الأخذ بهذا الرأي تحقيق للمصلحة ، وحاجة الدول في عصرنا الحاضر لإصدار سندات الخزانة بالأسلوب المقبول شرعاً حاجة ماسة.