تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 10 من 10

الموضوع: قوة الاستدلال العلمي في مسائل العقيدة: تحرير موقف ابن القيم من فناء النار مثالا.

  1. #1

    افتراضي قوة الاستدلال العلمي في مسائل العقيدة: تحرير موقف ابن القيم من فناء النار مثالا.

    اطرح هذه المسألة ، لهدف أخر غير هدف الوصول على الرأى الراجح في المسألة
    ولكني اطرحها لشيئ اخر ، وهو أنى حين كنت أقرأ في كتاب ( كشف الاستار لابطال ادعاء فناء النار ) للدكتور علي الحربي ، وجدت أنه كي يثبت أن كتابي ابن القيم ( شفاء العليل ) و (حادي الأرواح ) الموجود فيهما ميل ابن القيم الى القول بفناء النار ، متقدمان على كتابيه ( الوابل الصيب ) و ( طريق الهجرتين ) الموجود فيهما قوله بعدم فناء النار ، قد استدل بسبعة أوجه غريبة أظن أنها من أوهى الحجج التى قرأتها في حياتي ، وهى على النحو التالي :
    أولا : انه قال أن مناقشة ابن القيم كانت حادة وقوية فى كتابه ( حادى الارواح ) وهذه القوة تستلزم نشاط الشباب .
    قلت ( باختصار شديد جدا جدا ) : وقد تستلزم علم الكبار ( بعد التمكن من العلوم ) .
    ثانيا : أن أوجه الاستدلال عند ابن القيم في كتابه ( شفاء العليل ) أقل من كتاب ( حادى الأرواح ) مما يدل على ضعف تقويته لقول القائلين بفناء النار .
    قلت : أنه قد افترض فرضا غريبا أن ابن القيم قد ألف ( شفاء العليل ) بعد ( حادى الارواح ) وجعل هذا الفرض من المسلمات التى بنى عليها فيما بعد أن ابن القيم قد قلل من وجوه الاستدلال فى كتابه ( شفاء العليل ) لأنه قد بان له ضعف المذهب القائل بفناء النار .
    وأنا أقول أنه من المحتمل جدا أن يكون تأليفه ل ( شفاء العليل ) قد تم قبل تأليفه ل ( حادى الأرواح ) ، وبعد طول المدارسة للعلم ظهر لابن القيم أوجه أخرى زيادة على ما ذكره فى ( شفاء العليل ) ففندها ورد عليها فى كتابه ( حادى الأرواح ) .
    أما بالنسبة للوجهين الثالث والرابع ، فأنا لا أرى فيهما دلالة واضحة .
    خامسا : يقول الدكتور الفاضل بأن ابن القيم كان من المفترض أن يقول بأنه كان يذهب الى القول بأبدية النار في أواخر كتبه ، ولما لم يقل ذلك فيكون قوله بأبدية النار هو المتأخر .
    قلت : أظن أن العكس هو الأرجح ، اذ كيف يعيش الانسان طيلة حياته متبيناً مذهباً معيناً ، ويدافع عن هذا المذهب بكل ما أوتى من قوة ، ويذكر الشبهات ويرد عليها رداً مفصلاً فى كتبه ، وحين يرجع عن هذا المذهب لا يقول ( وكنت في بداية الطلب اميل الى القول بفناء النار ) ، وحين يرجع الى القول بأبدية النار ، يرجع من خلال بعض العبارات المجملة فى ثنايا كتبه .
    سادسا : أنه استدل بقولي أبى زرعة و أبي حاتم فى عدم فناء النار .
    قلت : كان من الممكن أن أقول أنه قد نقل هذا القول دون تأييد أو رفض ، وإن قال أحد أن نقله لهذا القول وسكوته عن الرد عليه إن كان خطأً ، دليل على ارتضائه به ، فأقول أنه من الممكن أن المقام لا يستدعى الرد خاصة وأنه فى النقل المذكور صفحة 50 كثير جداً من الأمور المتفق عليها عند أهل السنة والجماعة .
    للتنبيه : الرد السابق مني رد سخيف جداً جداً جداً جداً جداً ؛ وذلك لأني وكل من يقرأ الكتاب لا ينكر أن لابن القيم أقوال صريحة فى أبدية النار وعدم فنائها ، فما وجه الاستدلال هنا فى هذا الوجه على أن القول بأبدية النار قول متأخر لابن القيم .
    وأخيرا وضع وجهاً سابعاً ( ولست أدري كيف يكون وجهاً ) في أن الطاعن في هذه الأوجه عليه بقاطع يمنع هذا الاستدلال والتعليل .
    قلت : كان من الممكن أن لا يعد هذا وجهاً من الوجوه ويقول هكذا ( وأخيراً فالطاعن عليه الدليل ...... إلخ )
    وهنا تنبيهان مهمان جداً :
    أولا : يجب الرجوع الي النسخة الاصلية للكتاب صفحة 54_56 ، وهي بفضل الله متوفرة على الشبكة .
    ثانياً : قلت ابتداءً و أعيد أنني لست فى صدد مناقشة نسبة هذا القول الى ابن القيم (فأنا متوقف فى المسألة ) ، ولكني اتحدث عن قوة الحجة في الاستدلال التي لابد أن تتوفر عند طرح القضايا العلمية ( عسى أن يخرج من بيننا ابن تيمية اخر ) .
    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    3,278

    افتراضي رد: مسالة فناء النار

    عليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
    أخي الفاضل، جزاك الله خيرا على ما تفضلت به، ولكن أمامك الآن احتمالات ثلاثة لهذا الموضوع:
    إما أنك تريد المناقشة في أدلة المسألة (كما يوحي به العنوان)، أو في صحة نسبة أحد القولين إلى ابن القيم رحمه الله (وهو ما تفضلت بتحريره)، أو في قوة الاستدلال العلمي عموما في المسألة وفي غيرها (كما فهمت من ختام المشاركة). فإن كان الاحتمال الأول هو الصحيح، فقد أخطأت اختيار المحتوى. وإن كان الاحتمال الثاني هو الصحيح، فقد أخطأت اختيار العنوان، وإن كان الثالث (وهو ما يظهر أنك تريده) فالأمر يحتاج منك - على الأقل - إلى تعديل العنوان وتعديل مقدمة الموضوع ومدخل التناول بما يخدم تلك الغاية العامة.
    القصد أن هدف الطرح غير واضح، بارك الله فيك. وثمرة هذا الالتباس في المنتديات أنك قد تأتي إلى هذا الشريط بعد يومين أو ثلاثة فتنظر في المشاركة العاشرة فلا تدري كيف وصل النقاش إلى تلك النقطة أصلا!
    أبو الفداء ابن مسعود
    غفر الله له ولوالديه

  3. #3

    افتراضي رد: مسالة فناء النار

    جزاك الله خيرا شيخنا الكريم ّ
    بالفعل هو الاحتمال الثالث ، ولكن مع الاسف بسبب عدم مهارتى فى استخدام الحاسوب ، فقد شوش عليَّ الأمر ، فكان كل همي منصبا على اتمام الحوار ( الذي أخذت مني كتابته أكثر من نصف ساعة ) وكثيرا ما استعين بأحد الأصدقاء كي يكتب لي ، فلم أحسن التفكير فى انتقاء العنوان .
    كم أني الان لا اعرف كيفر أغير العنوان .
    ولكن على أية حال ما رأيكم فى عرض هذا المثال تمثيلاً لموضوع قوة الحجة فى الاستدلال .

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    3,278

    افتراضي رد: قوة الاستدلال العلمي في مسائل العقيدة: تحرير موقف ابن القيم من فناء النار مثالا.

    جزاك الله خيرا.
    عدلت العنوان إلى ما أراه أنسب.
    موضوع قوة الاستدلال هذا موضوع مهم في الحقيقة قلما يهتم به طلبة العلم. والاستدلال العلمي ملكة تحتاج إلى تدريب ومران، كما هو الشأن في جميع الملكات والمهارات البشرية. فعلى سبيل الرياضة الذهنية، اسمح لي أغتنم الفرصة وأن أنقد نقدك الذي تفضلت به آنفا، لعلنا نخرج من ذلك ببعض الفوائد، والله الموفق للرشاد.
    بداية فإنني لم أطلع على كتاب الدكتور "علي الحربي" المذكور، وعليه فأول قاعدة للنقد أحررها ههنا هي التسليم بصحة ما تفضلت بادعائه عن صنيع الدكتور في كتابه. فإن ثبت خلاف ما ذكرتَ فالعهدة عليك في ذلك. والأصل والصواب - في الحقيقة - ألا يشرع الناقد في نقد كتاب أو في الرد على نقد من نقده حتى يتم قراءته بنفسه أولا. ولكن كما ذكرت آنفا فالغرض مما نحن فيه ههنا ليس الوصول إلى تصويب الدكتور أو تخطئته أو إلى تصويبك أنت في نقده أو تخطئتك، وإنما الغرض أن نخرج ببعض الفوائد العامة فيما يتعلق بموازنة الأدلة العلمية وفحصها وتحليلها. لذا استجزت أن أستصحب التسليم بصحة ما تزعم أنت أنه صنيع الدكتور فيما كتب، كصورة من صور التنزل الجدلي لمصلحة البحث. فأنا أقرر هذه القاعدة الآن حتى أستغنى عن الحاجة إلى تكرار عبارة "على التسليم بصحة ما ذكرتَ" في كل مرة أنظر في ردك على ما تزعم أنه قول الدكتور. هذه العبارة يُضطر إليها الباحث عندما لا يكون قد وقف بنفسه على المصدر الذي يُنسب إليه الكلام المنقول. دعنا نفترض لسهولة التحليل أن صاحب الكلام المنقول اسمه (س)، سواء كان عالما أو باحثا أو غير ذلك. نقول لا شك أن هذا النقص في الاطلاع لا يجزئ الناقد عندما يكون مقصوده إثبات بطلان دعوى خصمه نسبة قول ما إلى (س) هذا، إلا إن افترضنا حالة هذه صورتها: "حتى على التسليم بصحة نسبة هذا الكلام إلى (س)، فإنه لا يلزم منه ما يزعمه المخالف، لأنه يحتمل أن يكون مراد (س) كذا وكذا، ونحن من سابق معرفتنا ب(س) نرجح أن يكون مراده خلاف ما يزعم المخالف". بمعنى أن ثمة فرقا بين أن يكون القول المنسوب إلى (س) مما يرد عليه اختلاف أوجه التأويل وأن يكون مما لا يقبل إلا تأويلا واحدا. فإن كانت الأولى فقد نستغني عن تحقيق صحة نسبة القول إلى (س)، إن ظهر إمكان حمله على محامل أخرى تكون في ميزان الأرجحية الظنية أثقل عندنا مما ذهب إليه الخصم (لأصل حسن الظن لدينا بشخص (س) هذا). أما إن كانت الثانية، وكان القول مما لا يحتمل إلا التأويل المنكر الذي يزعمه الخصم، فإن الموازنة الترجيحية تنتقل إلى تحقيق صحة نسبة هذا القول إلى (س) من الأساس.
    وثمة وجه آخر ههنا لا يقل أهمية، وهو أن ننظر هل المخالف يتأول كلام (س) على ظاهر لا يحتمل الكلام سواه، أم أنه يزعم له لازما يراه ظاهرا لا يمكن أن يخفى على (س). فإن كانت الثانية فالقاعدة أن لازم القول ليس بقول حتى يلتزمه قائله. ولكن في الحقيقة كثيرا ما يخفى الفرق بين حقيقة القول ولازمه المباشر على كثير من الباحثين، فترى الباحث يعد اللازم قولا وهو يعتقد أن من يقول بقول كهذا لا يعقل أن يخفى عليه لازمه، فما الضابط في هذا؟ الضابط هو النظر فيما إذا كان ما بين يدي الباحث هو حقيقة القول وتأويله الصريح أم لازمه المترتب عليه منطقيا. يعني مثلا، لو أن رجلا قال: "إن الشريعة الإسلامية لا تناسب هذا الزمان"، فلا يمكن أن نزعم أنه يشتبه عليه أو قد يخفى عليه حقيقة هذا القول، ألا وهو فساد الشريعة وافتقار صاحبها إلى الحكمة والعلم إلى حد الضرورة إلى تقديم تشريع البشر على تشريعه، سبحانه وتعالى علوا كبيرا! والسؤال هنا: هل هذا هو تأويل القول وحقيقته أم لازمه؟ هو تأويله المباشر وحقيقة معناه على اعتبار أن من قال إن الشريعة لا تناسب هذا الزمان فلا يمكن إلا أن يكون قصده (معنى كلامه) أنها ناقصة في نفسها، ومن ثم لا يمكن - عقلا - إلا أن يكون هذا القائل منتقصا من الذي أنزلها سبحانه. وعليه فليس هو داخلا تحت قاعدة (لازم القول ليس بقول)، لأن التأويل المباشر شيء واللازم شيء آخر (معنى خارجي إضافي).
    والقصد أن التدقيق في الفرق بين تأويل القول ولازم القول مسألة مهمة للغاية، كثيرا ما يغلط فيها الباحثون، فتراهم يعملون القواعد في غير محلها.
    والقصد من جميع ما تقدم أن تحرير بعض القواعد الأولى التي يؤسس عليها الناقد نقده قبل أن يشرع فيه، بما في ذلك بيان التعاريف والحدود التي يعتزم استعمالها مما قد يشتبه على القارئ أو قد يرد عليه الاشتراك المعنوي = يصون الناقد من الوقوع في كثير من الخلاف والتشعيب والتيه في بنيات الطريق، وقديما قال أئمتنا إن كثيرا من خلاف الناس إنما هو من اشتباه الألفاظ وضعف تحريرها عند النقاش فيما بينهم.
    أبو الفداء ابن مسعود
    غفر الله له ولوالديه

  5. #5

    افتراضي رد: قوة الاستدلال العلمي في مسائل العقيدة: تحرير موقف ابن القيم من فناء النار مثالا.

    جزاك الله خيراً .
    تحليل رائع جداً ، وايضاج جميل للقواعد الكلية التى يجب أن يلتزمها الناقد فى نقده .
    خاصة مسألة التفريق الدقيق بين تأويل القول ولازم القول .
    زدنا ، زادك الله علماً شيخنا الكريم .

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    3,278

    افتراضي رد: قوة الاستدلال العلمي في مسائل العقيدة: تحرير موقف ابن القيم من فناء النار مثالا.

    بعد هذه المقدمة الطويلة وما فيها من استطراد، دعنا نتأمل فيما تفضلت بكتابته.
    تقول وفقك الله.
    حين كنت أقرأ في كتاب ( كشف الاستار لابطال ادعاء فناء النار ) للدكتور علي الحربي ، وجدت أنه كي يثبت أن كتابي ابن القيم ( شفاء العليل ) و (حادي الأرواح ) الموجود فيهما ميل ابن القيم الى القول بفناء النار ، متقدمان على كتابيه ( الوابل الصيب ) و ( طريق الهجرتين ) الموجود فيهما قوله بعدم فناء النار، قد استدل بسبعة أوجه غريبة أظن أنها من أوهى الحجج التى قرأتها في حياتي ، وهى على النحو التالي
    هذا الكلام منك تستصحب فيه قاعدة مفادها أن ثبوت تأخر قول العالم بالمقالة (أ) على قوله بنقيض (أ) = دليل كاف على نسبته إلى (أ) دون نقيضها، على اعتبار أن العبرة في الأقوال بالمتأخر منها عند ظهور التعارض بين القديم والجديد، وهذا أصل صحيح ولا شك. ولكن لنا أن نتساءل فيما إذا كان ينطبق على حالة ابن القيم رحمه الله في هذه المسألة أم لا. فإن أردنا ذلك، فهذا مبحث آخر طويل لسنا ههنا بصدده، لأن غرضنا كما اتفقنا ليس الوصول إلى الترجيح بين القولين أو إلى النظر في نسبة ابن القيم إلى أحدهما، وإنما نريد النظر في استدلالات صاحب الكتاب وتعليقك أنت عليها. فقد استعرضت سبعة أوجه استدل بها الدكتور، سأقتبس كلامك في كل واحدة منها وأعقب عليه.
    أما الوجه الأول:
    أولا : انه قال أن مناقشة ابن القيم كانت حادة وقوية فى كتابه ( حادى الارواح ) وهذه القوة تستلزم نشاط الشباب .
    وكان تعقيبك:
    قلت ( باختصار شديد جدا جدا ) : وقد تستلزم علم الكبار ( بعد التمكن من العلوم ) .
    وهذا منك نقد جيد، بارك الله فيك.
    ووجه ذلك أن الحدة والقوة في الكتابة إن سلمنا بتغيرها في الإنسان بمر الزمان، فلا يلزم أن يكون سبب ذلك الانتقال من حال الشباب ونشاطه إلى حال الكبر ووهنه، بل قد يكون لأي سبب آخر كأن يكون ثمة داع للتشديد في العبارة في الكتاب المتأخر لم يظهر للمصنف نفسه في كتابه المتقدم، أو أن يكون الأمر كما ذكرت: رسوخ اليقين والثقة في القول المنتصر له بعد سنوات طويلة من البحث والدراسة والتحقيق! فيتحصل أنه إذا ورد الاحتمال بطل الاستدلال، والاحتمالات هنا أكثر مما ذكرنا.
    ولكن ليس الأمر مقصورا على هذا النقد في الحقيقة، ولكن لنا أن نتساءل: بأي مقياس زعم الدكتور أن كتابا من كتب ابن القيم أحدّ وأقوى في "مناقشته" من الآخر؟ أليس لنا أن نناقشه في هذه الدعوى نفسها؟ ما معيارها وما ضابطها عنده؟ هل هي بعض الألفاظ وجدها فيه ولم يجدها في غيره (أو العكس) أم أنها بعض الأساليب، وهل الأمر مقياسه لديه انتشار تلك الألفاظ والأساليب في كتاب دون الآخر، أم أنه وقف على لفظة هنا وأخرى هناك فخرج من ذلك بوصف الكتاب بأنه حاد و"قوي" في "مناقشته"؟ الأمر يحتاج إلى بيان، لا أدري هل أفاد به الدكتور في كتابه أم لا، فإن لم يفعل فليس له أن يطالبنا بقبول دعوى قد لا يكون لها أي أساس عنده سوى "الذوق"!
    أما الوجه الثاني:
    ثانيا : أن أوجه الاستدلال عند ابن القيم في كتابه ( شفاء العليل ) أقل من كتاب ( حادى الأرواح ) مما يدل على ضعف تقويته لقول القائلين بفناء النار .
    وكان تعقيبك:
    قلت : أنه قد افترض فرضا غريبا أن ابن القيم قد ألف ( شفاء العليل ) بعد ( حادى الارواح ) وجعل هذا الفرض من المسلمات التى بنى عليها فيما بعد أن ابن القيم قد قلل من وجوه الاستدلال فى كتابه ( شفاء العليل ) لأنه قد بان له ضعف المذهب القائل بفناء النار .
    وأنا أقول أنه من المحتمل جدا أن يكون تأليفه ل ( شفاء العليل ) قد تم قبل تأليفه ل ( حادى الأرواح ) ، وبعد طول المدارسة للعلم ظهر لابن القيم أوجه أخرى زيادة على ما ذكره فى ( شفاء العليل ) ففندها ورد عليها فى كتابه ( حادى الأرواح ) .
    أحسنت بارك الله فيك.
    وأقول للفائدة،
    إن العبرة في قوة الاستدلال ليست بعدد الأدلة وأوجه الاستدلال في نصرة قول ما أو في إبطاله، وإنما العبرة بقوة كل وجه من تلك الوجوه، وهل حقا يزداد الاستدلال قوة والظن رجحانا باجتماع بعضها إلى بعض أم أن الأمر على خلاف ذلك. فدونك ههنا على سبيل المثال الواضح وجهان للاستدلال في كلام الدكتور لا يبدو أنهما قد زادا استدلاله شيئا، بل إن فيهما إضعافا لحجته في عين الناقد البصير في الحقيقة. فعندما يقول القائل: لدي خمسون وجها من وجوه الاستدلال لصحة قولي، ثم إذا بدأ في سرد تلك الأوجه والأدلة، رأيته يبدأ بهذا الضعف والوهن، فلك أن تنفض يديك مما وراء ذلك، لأن العادة قد جرت عند المصنفين على البداءة بأقوى وأظهر الأدلة التي تنصر أقوالهم، ثم يكون آخر ما يوردونه أضعفها على سبيل الاستئناس والتكثر من الوجوه غالبا. فعلى أي أصل أو قاعدة يقوم الافتراض بأن كثرة الوجوه في الاستدلال = تفيد في حد ذاتها (بصرف النظر عن أحوال تلك الوجوه) القول المستدل له قوة أو ضعفا؟ هذا غلط ولا شك. وأنا في الحقيقة لم أر من قبل أحدا يستدل بما يسميه "ضعف تقوية فلان للقول بكذا"! ما معنى "ضعف التقوية" لقول من الأقوال؟
    ثم لا شك في أنك عندما تفترض صحة دعواك في الابتداء، ثم تتخذ ذلك الافتراض مقدمة مسلمة لتؤسس دليلا جديدا على صحة الدعوى نفسها، فهذا دور منطقي وخلف في النظر. ولكن ينبغي الانتباه إلى نوع من أنواع الاستدلال لا يدخل في الدور المنطقي مع كونه يستصحب افتراض صحة الدعوى المراد إثباتها بالأساس، وترتيبه المنطقي كالتالي:
    - إن صح القول (أ) لا خلافه، فإن لنا أن نتوقع أن نرى (س) و( ص) لا خلافهما.
    - الظاهر وقوع (س) و( ص) تحقيقا لا خلافهما.
    - إذن القول (أ) هو الصحيح.

    هذا الاستدلال عموما جيد وليس فيه دور، لأنه يفرق بين القول واللازم المفترض من صحته، فإن صح اللازم صح الملزوم.
    فدعنا نعتبر أن الدكتور يقول:
    - إن صح القول بأن ابن القيم قد ضعّف أدلة القائلين بفناء النار في آخر أمره لا بأبديتها، فإننا نتوقع أن تكون أوجه الاستدلال في كتابه (شفاء العليل) أقل منها في (حادي الأرواح) لا العكس.
    - الظاهر أنها كذلك.
    - إذن فالقول بتضعيفه أدلة فناء النار في آخر كتبه صحيح.
    فهل هذا الاستدلال منه مقبول على هذه الصورة؟ الجواب: كلا. لأننا لا نسلم له بصحة كل من (س) و( ص) في هذا الترتيب، وهي في حالتنا هذه: أسبقية كتاب كذا على كتاب كذا (دع عنك مسألة القلة والكثرة في أوجه الاستدلال)، وإنما هو في مقام محاججة لإثبات هذه الأسبقية نفسها بالأساس وجعلها - كما في الأوجه الأخرى من كلامه - دليلا على ما يريد. وبهذا ينكشف لك أين وقع الدور والاستدلال بمحل النزاع.
    أما الوجهان التاليان فتقول:
    أما بالنسبة للوجهين الثالث والرابع ، فأنا لا أرى فيهما دلالة واضحة .
    وأقول: هذا ولا شك ضعف منك في النقد. فقد يقال: وما يدرينا، لعل هذين الوجهين فيهما زبدة الأدلة عند خصمك، فلها تعمدت أن تخفيهما، فانتبه! ولكن عذرك عندي أنك لا تريد النقد لإبطال كلام الدكتور بقدر ما تريده للاستفادة من النقد نفسه.
    أما الوجه الخامس:
    خامسا : يقول الدكتور الفاضل بأن ابن القيم كان من المفترض أن يقول بأنه كان يذهب الى القول بأبدية النار في أواخر كتبه ، ولما لم يقل ذلك فيكون قوله بأبدية النار هو المتأخر
    وتقول معقبا:
    قلت : أظن أن العكس هو الأرجح ، اذ كيف يعيش الانسان طيلة حياته متبيناً مذهباً معيناً ، ويدافع عن هذا المذهب بكل ما أوتى من قوة ، ويذكر الشبهات ويرد عليها رداً مفصلاً فى كتبه ، وحين يرجع عن هذا المذهب لا يقول ( وكنت في بداية الطلب اميل الى القول بفناء النار ) ، وحين يرجع الى القول بأبدية النار ، يرجع من خلال بعض العبارات المجملة فى ثنايا كتبه .
    قلت: نقد وجيه، بارك الله فيك، ولكن دون ترجيح أحد الوجهين، فكلاهما متاسو في القوة فيما يظهر لي، وهو ما يكفي - عندي - لإسقاط هذا الوجه من جملة الأدلة. ذلك أنه قد يصح أن يكون ابن القيم مات على القول بفناء النار، ولم ير داعيا لمزيد من التحرير لمذهبه في هذه المسألة في آخر حياته، وأن ما كتبه فيها يكفي لبيان أن مذهبه ليس الأبدية كما ظهر في بعض كتبه. وقد يصح كذلك أن يكون مات على القول بأبدية النار، ولكنه اكتفى بما حرره في أواخر كتبه من انتصار للقول بالأبدية، فلم ير الحاجة إلى تحرير قول صريح في أن مذهبه في المسألة كذا أو كذا! في جميع الأحوال ليس في عدم تحريره القول الصريح في آخر كتبه بأن مذهبه الفناء أو الأبدية أي دليل على ما مال إليه في آخر حياته.

    أما الوجه السادس:
    سادسا : أنه استدل بقولي أبى زرعة و أبي حاتم فى عدم فناء النار.
    وجوابك:
    قلت : كان من الممكن أن أقول أنه قد نقل هذا القول دون تأييد أو رفض ، وإن قال أحد أن نقله لهذا القول وسكوته عن الرد عليه إن كان خطأً ، دليل على ارتضائه به ، فأقول أنه من الممكن أن المقام لا يستدعى الرد خاصة وأنه فى النقل المذكور صفحة 50 كثير جداً من الأمور المتفق عليها عند أهل السنة والجماعة .
    للتنبيه : الرد السابق مني رد سخيف جداً جداً جداً جداً جداً ؛ وذلك لأني وكل من يقرأ الكتاب لا ينكر أن لابن القيم أقوال صريحة فى أبدية النار وعدم فنائها ، فما وجه الاستدلال هنا فى هذا الوجه على أن القول بأبدية النار قول متأخر لابن القيم
    وأقول أحسنت النقد. ففي مجرد الاستدلال بقول فلان وفلان ليس فيه دليل على التقدم أو التأخر. فالنزاع ليس فيما إذا كان قد ورد عن ابن القيم قول بأبدية النار واستدلال له، ولكن فيما إذا كان هذا هو قوله الأخير.
    ومن الواضح كما ترى، أن أوجه الاستدلال قد انسبحت بالدكتور - وبنا معه - من الكلام في ترجيح أي الكتب كان هو المتقدم وأيها هو المتأخر، ومن ثمّ الوصول إلى ترجيح أي القولين هو الأسبق بناء على ما يغلب من ترجيح ابن القيم في كل كتاب، إلى الكلام فيما في تلك الكتب نفسها من استدلالات لكل من القولين، وهذا ضعف في تحرير محل البحث في الحقيقة. وكان الصواب أن يبدأ الدكتور بتحرير أسباب قوله بترجيح ابن القيم لأي من القولين في كل كتاب من الكتب المذكورة (وهو أمر من أصعب ما يكون في الحقيقة)، قبل أن ينظر فيما يراه قرينة لتقدم هذا الكتاب أو ذاك على الآخر! ولا أدري إن كان قد وقع منه ذلك في كتابه بالفعل، ولكن إن كان قد وقع، فلا نرى له أثرا واضحا في تلك السبعة التي سبق أن بينا أن العهدة فيها على نقالها.

    أما الوجه السابع:
    وأخيرا وضع وجهاً سابعاً ( ولست أدري كيف يكون وجهاً ) في أن الطاعن في هذه الأوجه عليه بقاطع يمنع هذا الاستدلال والتعليل .
    وتعقبته بقولك:
    قلت : كان من الممكن أن لا يعد هذا وجهاً من الوجوه ويقول هكذا ( وأخيراً فالطاعن عليه الدليل ...... إلخ )
    قلت وهو تعقب صحيح، لأن من المسلمات أن كل صاحب دعوى عليه أن يقدم البينة والبرهان على دعواه، فما معنى أن يقال إن من أدلة صحة قولي أن خصمي لا يسعه الطعن إلا بدليل؟ هذا ليس دليلا ولا شك.
    أبو الفداء ابن مسعود
    غفر الله له ولوالديه

  7. #7

    افتراضي رد: قوة الاستدلال العلمي في مسائل العقيدة: تحرير موقف ابن القيم من فناء النار مثالا.

    جزاك الله خيراً ، فقد أفدتنا كثيراً .
    أما بالنسبة للوجهين الثالث والرابع فلم اخفيهما ، بل أنى قلت فى التنبيه الأول أن على القارئ الرجوع الى الكتاب ، وهو موجود على الشبكة ، ولم أنقل هذين الوجهين نظراً لضعفي فى سرعة الكتابة ، كما أنني فى الأصل لم افهم الدلالة التي يقصدها المؤلف في هذين الوجهين ، بصرف النظر عن هذه الدلالة سواء كانت صحيحة أو خطأ فى حد ذاتها .
    نفعنا الله واياكم بصالح العلم .

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    3,278

    افتراضي رد: قوة الاستدلال العلمي في مسائل العقيدة: تحرير موقف ابن القيم من فناء النار مثالا.

    أما بالنسبة للوجهين الثالث والرابع فلم اخفيهما
    جزاك الله خيرا. قد قدمت أني لا أستنكر ذلك منك في سياقنا هذا، وإنما أردت إثبات الفائدة للقراء.
    وهنا فائدة أخرى، وهي أن النقد لا يساوي النقض. فكما ترى، قد خرجت من نقدي لكلامك بموافقتك وقبول ما تفضلت بتحريره. ولكن يتصور كثير من الإخوة أن الداعي لكتابة النقد العلمي إنما هو النقض والإبطال وحده، وهذا ليس بصحيح.
    أبو الفداء ابن مسعود
    غفر الله له ولوالديه

  9. #9

    افتراضي رد: قوة الاستدلال العلمي في مسائل العقيدة: تحرير موقف ابن القيم من فناء النار مثالا.

    جزاك الله خيراً .

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,352

    افتراضي رد: قوة الاستدلال العلمي في مسائل العقيدة: تحرير موقف ابن القيم من فناء النار مثالا.

    جزاكم الله خيرًا
    وأمتثل قول ربي: {فَسَتَذْكُرُون ما أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •