تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 7 من 7

الموضوع: قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الدولة
    فاس - المغرب
    المشاركات
    768

    Lightbulb قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين

    قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين
    قال تعالى: ﴿ وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130) إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (131) وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (132) ﴾ (البقرة: 130-132)

    وفي تفسير ابن كثير رحمه الله:
    (130) يقول تبارك وتعالى ردا على الكفار فيما ابتدعوه وأحدثوه من الشرك بالله المخالف لملة إبراهيم الخليل إمام الحنفاء فإنه جرد توحيد ربه تبارك وتعالى فلم يدع معه غيره ولا أشرك به طرفة عين وتبرأ من كل معبود سواه وخالف في ذلك سائر قومه حتى تبرأ من أبيه فقال يا قوم "إنى بريء مما تشركون إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين" وقال تعالى "وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه أنني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني فإنه سيهدين" وقال تعالى "وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم" وقال تعالى "إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين شاكرا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لمن الصالحين" ولهذا وأمثاله قال تعالى: "ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه" أي ظلم نفسه بسفهه وسوء تدبيره بتركه الحق إلى الضلال حيث خالف طريق من اصطفي في الدنيا للهداية والرشاد من حداثة سنه إلى أن اتخذه الله خليلا وهو في الآخرة من الصالحين السعداء فمن ترك طريقه هذا ومسلكه وملته واتبع طرق الضلالة والغي فأي سفه أعظم من هذا؟ أم أي ظلم أكبر من هذا كله قال تعالى: "إن الشرك لظلم عظيم" قال أبو العالية وقتادة: نزلت هذه الآية في اليهود أحدثوا طريقا ليست من عند الله وخالفوا ملة إبراهيم فيما أحدثوه ويشهد لصحة هذا القول قول الله تعالى "ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين".
    (131) أي أمره الله تعالى بالإخلاص والاستسلام والانقياد فأجاب إلى ذلك شرعا وقدا.
    (132) وقوله" ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب" أي وصى بهذه الملة وهي الإسلام لله أو يعود الضمير على الكلمة وهي قوله "أسلمت لرب العالمين" لحرصهم عليها ومحبتهم لها حافظوا عليها إلى حين الوفاة ووصوا أبناءهم بها من بعدهم كقوله تعالى "وجعلها كلمة باقية في عقبه" وقد قرأ بعض السلف ويعقوب بالنصب عطفا على بنيه كأن إبراهيم وصى بنيه وابن ابنه يعقوب بن إسحاق وكان حاضرا ذلك وقد أدعى القشيري فيما حكاه القرطبي عنه أن يعقوب إنما ولد بعد وفاة إبراهيم ويحتاج مثل هذا إلى دليل صحيح والظاهر والله أعلم أن إسحاق ولد له يعقوب فى حياة الخليل وسارة لأن البشارة وقعت بهما في قوله "فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب" وقد قرئ بنصب يعقوب ههنا على نزع الخافض فلو لم يوجد يعقوب في حياتهما لما كان لذكره من بين ذرية إسحاق كبير فائدة وأيضا فقد قال الله تعالى في سورة العنكبوت "ووهبنا له إسحاق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب" الآية وقال في الآية الأخرى ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة وهذا يقتضي أنه وجد في حياته وأيضا فإنه باني بيت المقدس كما نطقت بذلك الكتب المتقدمة وثبت في الصحيحين من حديث أبي ذر قلت: يا رسول الله أي مسجد وضع أول؟ قال "المسجد الحرام" قلت ثم أي؟ قال "بيت المقدس" قلت كم بينهما: قال "أربعون سنة" الحديث فزعم ابن حبان أن بين سليمان الذي اعتقد أنه باني بيت المقدس - وإنما كان جدده بعد خرابه وزخرفه - وبين إبراهيم أربعين سنة وهذا مما أنكر على ابن حبان فإن المدة بينهما تزيد على ألوف سنين والله أعلم وأيضا فإن وصية يعقوب لبنيه سيأتي ذكرها قريبا وهذا يدل على أنه ههنا من جملة الموصين وقوله يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون أي أحسنوا في حال الحياة والزموا هذا ليرزقكم الله الوفاة عليه فإن المرء يموت غالبا على ما كان عليه ويبعث على ما مات عليه وقد أجرى الله الكريم عادته بأن من قصد الخير وفق له ويسر عليه ومن نوى صالحا ثبت عليه وهذا لا يعارض ما جاء في الحديث الصحيح "إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا باع أو ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا باع أو ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها" لأنه قد جاء في بعض روايات هذا الحديث "فيعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وبعمل أهل النار فيما يبدو للناس" وقد قال الله تعالى "فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى".

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الدولة
    فاس - المغرب
    المشاركات
    768

    Lightbulb رد: قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين

    2) قال تعالى: ﴿ وَقَالُواْ كُونُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُواْ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (135) قُولُواْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136) فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَّإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُ مُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (137) صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ (138) ﴾ (البقرة: 135-138)
    وفي تفسير ابن كثير رحمه الله:
    (135) قال محمد بن إسحاق: حدثني محمد بن أبي محمد حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة عن ابن عباس قال: قال عبدالله بن صوريا الأعور لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ما الهدى إلا ما نحن عليه فاتبعنا يا محمد تهتد.
    وقالت النصارى مثل ذلك فأنزل الله عز وجل" وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا" وقوله "قل بل ملة إبراهيم حنيفا" أي لا نريد ما دعوتمونا إليه من اليهودية والنصرانية بل نتبع "ملة إبراهيم حنيفا" أي مستقيما قاله محمد بن كعب القرظي وعيسى ابن جارية وقال خصيف عن مجاهد مخلصا وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس حاجا وكذا روى عن الحسن والضحاك وعطية والسدي وقال أبو العالية: الحنيف الذي يستقبل البيت بصلاته ويرى أن حجه عليه إن استطاع إليه سبيلا وقال مجاهد والربيع بن أنس: حنيفا أي متبعا وقال أبو قلابة: الحنيف الذي يؤمن بالرسل كلهم من أولهم إلى آخرهم وقال قتادة: الحنيفية شهادة أن لا إله إلا الله يدخل فيها تحريم الأمهات والبنات والخالات والعمات وما حرم الله عز وجل والختان.
    (136) أرشد الله تعالى عباده المؤمنين إلى الإيمان بما أنزل إليهم بواسطة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم مفصلا وما أنزل على الأنبياء المتقدمين مجملا ونص على أعيان من الرسل وأجمل ذكر بقية الأنبياء وأن لا يفرقوا بين أحد منهم بل يؤمنوا بهم كلهم ولا يكونوا كمن قال الله فيهم "ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا أولئك هم الكافرون حقا" الآية وقال البخاري: حدثنا محمد بن بشار أخبرنا عثمان بن عمره أخبرنا علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبدالرحمن عن أبي هريرة قال: كان أهل الكتاب يقرءون التوراة بالعبرانية ويفسرونهـا بالعربية لأهل الإسلام فقال رسـول الله صلى الله عليه وسلم "لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالله وما أنزل الله" وقد روى مسلم وأبو داود والنسائي من حديث عثمان بن حكيم عن سعيد بن يسار عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر ما يصلي الركعتين اللتين قبل الفجر ب "آمنا بالله وما أنزل إلينا" الآية والأخرى ب "آمنا بالله واشهد بأننا مسلمون" وقال أبو العالية والربيع وقتادة: الأسباط بنو يعقوب اثنا عشر رجلا ولد كل رجل منهم أمة من الناس فسموا الأسباط وقال الخليل بن أحمد وغيره: الأسباط في بني إسرائيل كالقبائل في بني إسماعيل وقال الزمخشري في الكشاف: الأسباط حفدة يعقوب ذراري أبنائه الاثنى عشر وقد نقله الرازي عنه وقرره ولم يعارضه وقال البخاري: الأسباط قبائل في بني إسرائيل وهذا يقتضي أن المراد بالأسباط ههنا شعوب بني إسرائيل وما أنزل الله من الوحي على الأنبياء الموجودين منهم كما قال موسى لهم "اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا" الآية وقال تعالى "وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطا" قال القرطبي: وسموا الأسباط من السبط وهو التتابع فهم جماعة وقيل أصله من السبط بالتحريك وهو الشجر أي في الكثرة بمنزلة الشجر الواحدة سبطة قال الزجاج: ويبين لك هذا ما حدثنا محمد بن جعفر الأنباري حدثنا أبو نجيد الدقاق حدثنا الأسود بن عامر حدثنا إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال: كل الأنبياء من بني إسرائيل إلا عشرة نوح وهود وصالح وشعيب وإبراهيم وإسحاق ويعقوب وإسماعيل ومحمد عليهم الصلاة والسلام قال القرطبي: والسبط الجماعة والقبيلة والراجعون إلى أصل واحد وقال قتادة: أمر الله المؤمنين أن يؤمنوا به ويصدقوا بكتبه كلها وبرسله وقال سليمان بن حبيب: إنما أمرنا أن نؤمن بالتوراة والإنجيل ولا نعمل بما فيهما.
    وقال ابن أبي حاتم: أخبرنا محمد بن محمد بن مصعب الصوري أخبرنا مؤمل أخبرنا عبيد الله بن أبي حميد عن أبي المليح عن معقل بن يسار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "آمنوا بالتوراة والزبور والإنجيل وليسعكم القرآن".
    (137) يقول تعالى فإن آمنوا يعني الكفار من أهل الكتاب وغيرهم بمثل ما آمنتم به يا أيها المؤمنون من الإيمان بجميع كتب الله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم "فقد اهتدوا" أي فقد أصابوا الحق وأرشدوا إليه "وإن تولوا" أي عن الحق إلى الباطل بعد قيام الحجة عليهم "فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله" أي فسينصرك عليهم ويظفرك بهم "وهو السميع العليم".
    قال ابن أبي حاتم قرئ علي يونس بن عبد الأعلى أخبرنا ابن وهب أخبرنا زياد بن يونس حدثنا نافع بن أبي نعيم قال: أرسل إلى بعض الخلفاء مصحف عثمان ليصلحه قال زياد فقلت له إن الناس ليقولون إن مصحفه كان في حجره حين قتل فوقع الدم على "فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم" فقال نافع: بصرت عيني الدم على هذه الآية وقد تقدم.
    (138) قوله "صبغة الله" قال الضحاك عن ابن عباس دين الله وكذا روى عن مجاهد وأبي العالية وعكرمة وإبراهيم والحسن وقتادة والضحاك وعبدالله بن كثير وعطية العوفي والربيع بن أنس والسدي نحو ذلك وانتصاب صبغة الله إما على الإغراء كقوله "فطرة الله" أي الزموا ذلك عليكموه وقال بعضهم بدلا من قوله "ملة إبراهيم" وقال سيبويه هو مصدر مؤكد انتصب عن قوله "آمنا بالله" كقوله "وعد الله" وقد ورد في حديث رواه ابن أبي حاتم وابن مردويه من رواية أشعث بن إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن بني إسرائيل قالوا: يا رسول الله هل يصبغ ربك؟ فقال اتقوا الله.
    فناداه ربه يا موسى سألوك هل يصبغ ربك؟ فقل نعم: أنا أصبغ الألوان الأحمر والأبيض والأسود والألوان كلها من صبغي" وأنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم" صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة" كذا وقع في رواية ابن مردويه مرفوعا وهو في رواية ابن أبي حاتم موقوف وهو أشبه إن صح إسناده والله أعلم.

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الدولة
    فاس - المغرب
    المشاركات
    768

    Lightbulb رد: قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين

    3) قال تعالى: ﴿ فَمَنِ افْتَرَىَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (94) قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (95) ﴾ (آل عمران: 94-95)
    وفي تفسير ابن كثير رحمه الله:
    (94) أي فمن كذب على الله وادعى أنه شرع لهم السبت والتمسك بالتوراة دائما وإنه لم يبعث نبيا آخر يدعو إلى الله تعالى بالبراهين والحجج بعد هذا الذي بيناه من وقوع النسخ وظهور ما ذكرنا "فأولئك هم الظالمون".
    (95) قال تعالى "قل صدق الله" أي قل يا محمد صدق الله فيما أخبر به وفيما شرعه في القرآن "فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين" أي اتبعوا ملة إبراهيم التي شرعها الله في القرآن على لسان محمد صلى الله عليه وسلم فإنه الحق الذي لا شك فيه ولا مرية وهي الطريقة التي لم يأت نبي بأكمل منها ولا أبين ولا أوضح ولا أتم كما قال تعالى "قل إنني هدانى ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين" وقال تعالى "ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين".

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الدولة
    فاس - المغرب
    المشاركات
    768

    Lightbulb رد: قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين

    4) قال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّه وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً (125) ﴾ (النساء: 125)
    وفي تفسير ابن كثير رحمه الله:
    ثم قال تعالى "ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله" أي أخلص العمل لربه عز وجل فعمل إيمانا واحتسابا " وهو محسن" أي اتبع في عمله ما شرعه الله له وما أرسل به رسوله من الهدى ودين الحق وهذان الشرطان لا يصح عمل عامل بدونهما أي يكون خالصا صوابا والخالص أن يكون لله والصواب أن يكون متابعا للشريعة فيصح ظاهره بالمتابعة وباطنه بالإخلاص فمتى فقد العمل أحد هذين الشرطين فسد فمتى فقد الإخلاص كان منافقا وهم الذين يراءون الناس ومن فقد المتابعة كان ضالا جاهلا ومتى جمعهما كان عمل المؤمنين "الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم" الآية.
    ولهذا قال تعالى "واتبع ملة إبراهيم حنيفا" وهم محمد وأتباعه إلى يوم القيامة كما قال تعالى "إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي" الآية وقال تعالى "ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين" والحنيف هو المائل عن الشرك قصدا أي تاركا له عن بصيرة ومقبل على الحق بكليته لا يصده عنه صاد ولا يرده عنه راد وقوله "واتخذ الله إبراهيم خليلا" وهذا من باب الترغيب في اتباعه لأنه إمام يقتدى به حيث وصل إلى غاية ما يتقرب به العباد له فإنه انتهى إلى درجة الخلة التي هي أرفع مقامات المحبة وما ذاك إلا لكثرة طاعته لربه كما وصفه به في قوله وإبراهيم الذي وفى قال كثير من علماء السلف أي قام بجميع ما أمر به وفي كل مقام من مقامات العبادة فكان لا يشغله أمر جليل عن حقير ولا كبير عن صغير وقال تعالى وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن الآية وقال تعالى إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين الآية والآية بعدها وقال البخاري: حدثنا سليمان بن حرب حدثنا شعبة عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن عمرو بن ميمون قال: إن معاذا لما قدم اليمن صلى بهم الصبح فقرأ واتخذ الله إبراهيم خليلا فقال رجل من القوم لقد قرت عين أم إبراهيم.
    وقد ذكر ابن جرير في تفسيره عن بعضهم أنه إنما سماه الله خليلا من أجل أنه أصاب أهل ناحيته جدب فارتحل إلى خليل له من أهل الموصل وقال بعضهم من أهل مصر ليمتار طعاما لأهله من قبله فلم يصب عنده حاجته فلما قرب من أهله بمفازة ذات رمل فقال: لو ملأت غرائري من هذا الرمل لئلا يغتم أهلي برجوعي إليهم بغير ميرة وليظنوا أني أتيتهم بما يحبون ففعل ذلك فتحول ما في الغرائر من الرمل دقيقا فلما صار إلى منزله نام وقام أهله ففتحوا الغرائر فوجدوا دقيقا فعجنوا منه وخبزوا فاستيقظ فسألهم عن الدقيق الذي منه خبزوا فقالوا من الدقيق الذي جئت به من عند خليلك فقال نعم هو من عند خليلي الله فسماه الله بذلك خليلا وفي صحة هذا ووقوعه نظر وغايته أن يكون خبرا إسرائيليا لا يصدق ولا يكذب وإنما سمي خليل الله لشدة محبته لربه عز وجل لما قام له به من الطاعة التي يحبها ويرضاها ولهذا ثبت في الصحيحين من رواية أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خطبهم في آخر خطبة خطبها قال " أما بعد أيها الناس فلو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لاتخذت أبا بكر بن أبي قحافة خليلا ولكن صاحبكم خليل الله " وجاء من طريق جندب بن عبدالله البجلي وعبدالله بن عمرو بن العاص وعبدالله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إن الله اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا " وقال أبو بكر بن مردويه: حدثنا عبدالرحيم بن محمد بن مسلم حدثنا إسماعيل بن أحمد بن أسيد حدثنا إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني بمكة حدثنا عبدالله الحنفي حدثنا زمعة أبو صالح عن سلمة بن وهرام عن عكرمة عن ابن عباس قال: جلس ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرونه فخرج حتى إذا دنا منهم سمعهم يتذاكرون فسمع حديثهم وإذا بعضهم يقول: عجب إن الله "اتخذ من خلقه خليلا" فإبراهيم خليله وقال آخر ماذا بأعجب من أن الله كلم موسى تكليما وقال آخر فعيسى روح الله وكلمته وقال آخر آدم اصطفاه الله فخرج عليهم فسلم وقال "قد سمعت كلامكم وتعجبكم أن ابراهيم خليل الله وهو كذلك وموسى كليمه وعيسى روحه وكلمته وآدم اصطفاه الله وهو كذلك وكذلك محمد صلى الله عليه وسلم قال: ألا وإني حبيب الله ولا فخر وأنا أول شافع وأول مشفع ولا فخر وأنا أول من يحرك حلقة الجنة فيفتح الله ويخلنيها ومعي فقراء المؤمنين ولا فخر وأنا أكرم الأولين والآخرين يوم القيامة ولا فخر " وهذا حديث غريب من هذا الوجه ولبعضه شواهد في الصحاح وغيرها وقال قتادة عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال: أتعجبون من أن تكون الخلة لإبراهيم والكلام لموسى والرؤية لمحمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
    رواه الحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه وكذا روي عن أنس بن مالك وغير واحد من الصحابة والتابعين والأئمة من السلف والخلف.
    وقال ابن أبي حاتم حدثنا يحيى بن عبدك القزويني حدثنا محمد يعني ابن سعيد بن سابق حدثنا عمرو يعنى ابن أبى قيس عن عاصم عن أبي راشد عن عبيد بن عمير قال: كان إبراهيما عليه السلام يضيف الناس فخرج يوما يلتمس أحدا يضيفه فلم يجد أحدا يضيفه فرجع إلى داره فوجد فيها رجلا قائما فقال: يا عبدالله ما أدخلك داري بغير إذني قال: دخلتها بإذن ربها قال ومن أنت قال أنا ملك الموت أرسلني ربى إلى عبد من عباده أبشره بأن الله قد اتخذه خليلا قال من هو فوالله إن أخبرتني به ثم كان بأقصى البلاد لآتينه ثم لا أبرح له جارا حتى يفرق بيننا الموت قال: ذلك العبد أنت قال أنا قال نعم قال فبم اتخذني ربي خليلا ؟ قال إنك تعطي الناس ولا تسألهم.
    وحدثنا أبي حدثنا محمود بن خالد السلمي حدثنا الوليد عن إسحاق بن يسار قال لما اتخذ الله إبراهيم خليلا ألقى في قلبه الوجل حتى أن خفقان قلبه ليسمع من بعيد كما يسمع خفقان الطير في الهواء وهكذا جاء في صفة رسول الله صلى أنه كان يسمع لصدره أزيز كأزيز المرجل إذا اشتد غليانها من البكاء.

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الدولة
    فاس - المغرب
    المشاركات
    768

    Lightbulb رد: قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين

    5) قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (161) قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (164) ﴾ (الأنعام: 161-164)
    وفي تفسير ابن كثير رحمه الله:
    (161) يقول تعالى آمرا نبيه صلى الله عليه وسلم سيد المرسلين أن يخبر بما أنعم به عليه من الهداية إلى صراطه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف "دينا قيما" أي قائما ثابتا "ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين" كقوله "ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه" وقوله "وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم" وقوله "إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين شاكرا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لمن الصالحين ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين" وليس يلزم من كونه صلى الله عليه وسلم أمر باتباع ملة إبراهيم الحنيفية أن يكون إبراهيم أكمل منه فيها لأنه عليه السلام قام بها قياما عظيما وأكملت له إكمالا تاما لم يسبقه أحد إلى هذا الكمال ولهذا كان خاتم الأنبياء وسيد ولد آدم على الإطلاق وصاحب المقام المحمود الذي يرغب إليه الخلق حتى الخليل عليه السلام وقد قال ابن مردوية حدثنا محمد بن عبد الله بن حفص حدثنا أحمد بن عصام حدثنا أبو داود الطيالسي حدثنا شعبة أنبأنا سلمة بن كهيل سمعت ذر بن عبد الله الهمداني يحدث عن ابن أبزى عن أبيه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أصبح قال أصبحنا على ملة الإسلام وكلمة الإخلاص ودين نبينا محمد وملة أبينا إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين وقال الإمام أحمد حدثنا يزيد أخبرنا محمد بن إسحاق عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أى الأديان أحب إلى الله تعالى ؟ قال الحنيفية السمحة وقال أحمد أيضا حدثنا سليمان بن داود حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: وضع رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ذقني على منكبه لأنظر إلى زفن الحبشة حتى كنت التي مللت فانصرفت عنه.
    قال عبد الرحمن عن أبيه قال: قال لي عروة إن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ لتعلم يهود أن فى ديننا فسحة إني أرسلت بحنيفة سمحة أصل الحديث مخرج في الصحيحين والزيادة لها شواهد من طرق عدة وقد استقصيت طرقها في شرح البخاري ولله الحمد والمنة.
    (162) وقوله تعالى "قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين" يأمره تعالى أن يخبر المشركين الذين يعبدون غير الله ويذبحون لغير اسمه أنه مخالف لهم في ذلك فإن صلاته لله ونسكه على اسمه وحده لا شريك له وهذا كقوله تعالى "فصل لربك وانحر" أي أخلص له صلاتك وذبحك فإن المشركين كانوا يعبدون الأصنام ويذبحون لها فأمره الله تعالى بمخالفتهم والانحراف عما هم فيه والإقبال بالقصد والنية والعزم على الإخلاص لله تعالى قال مجاهد في قوله "إن صلاتي ونسكي" النسك الذبح في الحج والعمرة.
    وقال الثوري عن السدي عن سعيد بن جبير "ونسكي" قال ذبحي.
    وكذا قال السدي والضحاك وقال ابن أبي حاتم حدثنا محمد بن عوف حدثنا أحمد بن خالد الذهبي حدثنا محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن ابن عباس عن جابر بن عبد الله قال: ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم عيد النحر بكبشين وقال حين ذبحهما وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين.
    (163) إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين وقوله عز وجل "وأنا أول المسلمين" قال قتادة أي من هذه الأمة وهو كما قال فإن جميع الأنبياء قبله كلهم كانت دعوتهم إلى الإسلام وأصله عبادة الله وحده لا شريك له كما قال "وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون" وقد أخبرنا تعالى عن نوح أنه قال لقومه "فإن توليتم فما سألتكم من أجر إن أجري إلا على الله وأمرت أن أكون من المسلمين" وقال تعالى "ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الأخرة لمن الصالحين إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون" وقال يوسف عليه السلام "رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السموات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين" وقال موسى "يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين فقالوا على الله توكلنا ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين ونجنا برحمتك من القوم الكافرين" وقال تعالى "إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار" الآية.
    وقال تعالى "وإذا أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون" فأخبر تعالى أنه بعث رسله بالإسلام ولكنهم متفاوتون فيه بحسب شرائعهم الخاصة التي ينسخ بعضها بعضا إلى أن نسخت بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم التي لا تنسخ أبد الآبدين ولا تزال قائمة منصورة وأعلامها منشورة إلى قيام الساعة ولهذا قال عليه السلام نحن معاشر الأنبياء أولاد علات ديننا واحد فإن أولاد العلات هم الأخوة من أب واحد وأمهات شتى فالدين واحد وهو عبادة الله وحده لا شريك له وإن تنوعت الشرائع التي هي بمنزلة الأمهات كما أن إخوة الأخياف عكس هذا بنو الأم الواحدة من آباء شتى والأخوة الأعيان الأشقاء من أب واحد وأم واحدة والله أعلم وقد قال الإمام أحمد حدثنا أبو سعيد حدثنا عبد العزيز بن عبد الله الماجشون حدثنا عبد الله بن الفضل الهاشمي عن الأعواج عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا كبر استفتح ثم قال وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي الله رب العالمين ـ إلى آخر الآية ـ "اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت ربي وأنا عبدك ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعا لا يغفر الذنوب إلا أنت واهدني لأحسن الأخلاق ولا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت. تباركت وتعاليت أستغفرك وأتوب إليك ثم ذكر تمام الحديث فيما يقوله في الركوع والسجود والتشهد وقد رواه مسلم في صحيحه.
    (164) يقول تعالى "قل" يا محمد لهؤلاء المشركين بالله في إخلاص العبادة له والتوكل عليه "أغير الله أبغي ربا" أي أطلب ربا سواه "وهو رب كل شيء" يربيني ويحفظني ويكلؤني ويدبر أمري أي لا أتوكل إلا عليه ولا أنيب إلا إليه لأنه رب كل شيء ومليكه وله الخلق والأمر ففي هذه الآية الأمر بإخلاص التوكيل تضمنت التي قبلها إخلاص العباده لله وحده لا شريك له وهذا المعنى يقرن بالآخر كثيرا في القرآن كقوله تعالي مرشدا لعباده أن يقولوا له "إياك نعبد وإياك نستعين" وقوله "فاعبده وتوكل عليه" وقوله "قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا" وقوله "رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا" وأشباه ذلك من الآيات وقوله تعالي "ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى" إخبار عن الواقع يوم القيامة في جزاء الله تعالي وحكمه وعدله أن النفوس إنما تجازى بأعمالها إن خيرا فخير وإن شرا فشر وأنه لا يحمل من خطيئة أحد على أحد وهذا من عدله تعالى كما قال "وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى" وقوله تعالي "فلا يخاف ظلما ولا هضما" قال علماء التفسير: أي فلا يظلم بأن يحمل عليه سيئات غيره ولا تهضم بأن ينقص من حسناته وقال تعالى "كل نفس بما كسبت رهينه إلا أصحاب اليمين" معناه كل نفس مرتهنة بعملها السيء إلا أصحاب اليمين فإنه قد يعود بركة أعمالهم الصالحة على ذرياتهم وقراباتهم كما قال في سورة الطور "والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء" أي ألحقنا بهم ذريتهم في المنزلة الرفيعة في الجنة وإن لم يكونوا قد شاركوهم في الأعمال بل في أصل الإيمان وما ألتناهم أي أنقصنا أولئك السادة الرفعاء من أعمالهم شيئا حتى ساويناهم وهؤلاء الذين هم أنقص منهم منزلة بل رفعهم تعالى إلى منزلة الآباء ببركة أعمالهم بفضله ومنته ثم قال "كل امرئ بما كسب رهين" أي من شر وقوله "ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون" أي اعملوا علي مكانتكم إنا عاملون على ما نحن عليه فستعرضون ونعرض عليه وينبئنا وإياكم بأعمالنا وأعمالكم وما كنا نختلف فيه في الدار الدنيا كقوله "قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم".

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الدولة
    فاس - المغرب
    المشاركات
    768

    Lightbulb رد: قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين

    6) قال تعالى: ﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (121) وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (122) ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (123) ﴾ (النحل: 120-123)
    وفي تفسير ابن كثير رحمه الله:
    (120) يمدح تعالى عبده ورسوله وخليله إبراهيم إمام الحنفاء ووالد الأنبياء ويبرئه من المشركين ومن اليهودية والنصرانية فقال "إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا" فأما الأمة فهو الإمام الذي يقتدى به والقانت هو الخاشع المطيع والحنيف المنحرف قصدا عن الشرك إلى التوحيد ولهذا قال "ولم يك من المشركين" قال سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل عن مسلم البطين عن أبي العبيدين أنه سأل عبدالله بن مسعود عن الأمة القانت فقال الأمة معلم الخير والقانت المطيع لله ورسوله وعن مالك قال: قال ابن عمر: الأمة الذي يعلم الناس دينهم وقال الأعمش عن يحيى بن الجزار عن أبي العبيدين أنه جاء إلى عبدالله فقال من نسأل إذا لم نسألك؟ فكأن ابن مسعود رق له فقال أخبرني عن الأمة فقال الذي يعلم الناس الخير وقال الشعبي حدثني فروة بن نوفل الأشجعي قال: قال ابن مسعود إن معاذا كان أمة قانتا لله حنيفا فقلت في نفسي غلط أبو عبدالرحمن وقال إنما قال الله "إن إبراهيم كان أمة" فقال تدري ما الأمة وما القانت؟ قلت الله أعلم.
    فقال الأمة الذي يعلم الخير والقانت المطيع لله ورسوله وكذلك كان معاذ.
    وقد روي من غير وجه عن ابن مسعود أخرجه ابن جرير وقال مجاهد أمة أي أمة وحده والقانت المطيع وقال مجاهد أيضا كان إبراهيم أمة أي مؤمنا وحده والناس كلهم إذ ذاك كفار وقال قتادة كان إمام هدى والقانت المطيع لله.
    (121) وقوله "شاكرا لأنعمه" أي قائما بشكر نعم الله عليه كقوله تعالى "وإبراهيم الذي وفى" أي قام بجميع ما أمره الله تعالى به وقوله "اجتباه" أي اختاره واصطفاه كقوله "ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين" ثم قال "وهداه إلى صراط مستقيم" وهو عبادة الله وحده لا شريك له على شرع مرضي.
    (122) وقوله "وآتيناه في الدنيا حسنة" أي جمعنا له خير الدنيا من جميع ما يحتاج المؤمن إليه في إكمال حياته الطيبة "وإنه في الآخرة لمن الصالحين".
    وقال مجاهد في قوله "وآتيناه في الدنيا حسنة" أي لسان صدق.
    (123) وقوله "ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا" أي ومن كماله وعظمته وصحة توحيده وطريقه أنا أوحينا إليك يا خاتم الرسل وسيد الأنبياء" أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين " كقوله في الأنعام "قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين".

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Sep 2012
    المشاركات
    31

    افتراضي رد: قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين

    جزاكم الله خيرا - اللهم أجعلنا على ملة سيدنا ابراهيم عليه السلام.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •