5- يزيد بن أبي مسلم كان قيسيا فصار يمنيا
ويقول الدكتور حسين مؤنس، وحديثه لا يزال عن سياسة يزيد بن عبد الملك في اختيار الولاة:
" وأقام على أفريقية يزيد بن أبي مسلم هذا، وكان من كبار القيسية، ولما قتل أقام مكانه بشر بن صفوان، وقوى جانب القيسية في بلاد الدولة الإسلامية كلها[1]"
والسؤال: إذا كان هذا الوالي ( يزيد بن أبي مسلم ) من كبار القيسية، فهل هذا دليل على أن يزيد بن عبد الملك، كان متعصبا للقيسية المضرية؟! وماذا عن بقية ولاة الولايات الأخرى؟ مع العلم أنه بعد مقتل يزيد بن أبي مسلم والذي لم يلبث في الولاية سوى أشهر معدودة، ومن ثم تعيين بشر بن صفوان، بدلا عنه في ولاية المغرب، صارت ولايات الجناح الغربي للدولة الإسلامية، والممتدة من العريش في نهاية الحدود الشامية، إلى جنوب فرنسا، مرورا بمصر وأفريقية والمغرب والأندلس، كلها تحت حكم اليمنية، وهذا حدث في خلافة يزيد بن عبد الملك، وعن أمره.
فكانت ولاية مصر تحت حكم حنظلة بن صفوان الكلبي،
وكانت أفريقية تحت حكم أخيه بشر بن صفوان الكلبي،
وكانت الأندلس وجنوب فرنسا، تحت حكم عنبسة بن سحيم الكلبي.
فهل في هذا ما يدل على أن يزيد بن عبد الملك كان مضري الميول؟ أو يمكن لمؤرخ واع ومنصف أن يقول أنه قوى جانب القيسية في ولايات الدولة كلها؟
ومع كل ذلك فياليت الدكتور حسين مؤنس، قد ثبت على قوله حول قيسية يزيد بن أبي مسلم.
ذلك أننا ما أن نقلب هذه الصفحة، والصفحة التي بعدها، حتى نجده ينسبه للعصبية المضادة، أي يلبسه عباءة اليمنية، فيقول:
" كانت ولاية يزيد بن أبي مسلم، وبشر بن صفوان في أفريقية كلبية يمنية صرفة، وقد عرف اليمنيون بإسرافهم في العصبية على الموالي في كل ناحية، وحسبنا من ذلك الإشارة إلى سياسة الحجاج وعسفه موالي فارس، وكان يزيد بن أبي مسلم، تلميذه وكاتبه فحسب أنه يستطيع أن يسير في البربر بسيرة الحجاج في أهل العراق وفارس، وأخذ يعسف البربر ويشتد في جمع أموالهم وسبي نسائهم[2]".
فيا سبحان الله! الآن رجع يزيد بن أبي مسلم كلبيا، وقد كان قبل قليل من كبار القيسية.
بيد أن هذا التناقض الصارخ سيتضح لنا، إذا عدنا إلى العنوان الفرعي، الذي جاء هذا الكلام الأخير تحته، وهو " فترة سيادة الكلبية اليمنية على أفريقية" هكذا قال "سيادة " وكأنهم كانوا دولة مستقلة، وليس عمالا تابعين للخليفة، صاحب الأمر والحل والعقد، في دمشق.
لقد جعله في البداية من كبار القيسية، لكي يبرهن على سياسة يزيد بن عبد الملك المتعصبة للقيسية المضرية. فلما قتل يزيد بن أبي مسلم، وعين يزيد بن عبد الملك محله كلبيا يمنيا على ولاية المغرب، هو بشر بن صفوان، صير يزيد بن أبي مسلم يمنيا، وضم فترة ولايته القصيرة إلى ما أسماه " فترة سيادة الكلبية اليمنية.."
وكأنه نسي كلامه السابق حول تعصب زيد بن عبد الملك، للمضرية وتقويته للقيسية في ولايات الدولة كلها، كما قال
ومهما كان من أمر، فإن يزيد بن أبي مسلم، من الآن فصاعدا سيصير كلبيا يمنيا، بل ومتعصبا للكلبية اليمنية، وهذا ما يشير إليه حسين مؤنس ذاته، قال: بعد أن امتدح سياسة إسماعيل بن عبيد الله، بن أبي المهاجر، أثناء ولايته على المغرب ( 100- 101هـ):
"وكان من سوء الحظ أن خليفته..لم يكن يقاربه في شيء من ذلك، بل كان رجلا يمنيا جافيا شديد العصبية، قليل الكياسة، هو يزيد بن أبي مسلم، كاتب الحجاج، ولاه يزيد بن عبد الملك، سنة 101هـ[3]".
أما بالنسبة لسياسة يزيد بن أبي مسلم إزاء البربر، فليست بمحل بحث، لأن المصادر تذكر بالفعل بأنه كان ظلوما غشوما، وهو على أي حال، قد دفع حياته ثمنا لظلمه وسوء تصرفه.
الهوامش: