تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 8 من 8

الموضوع: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الدولة
    فاس - المغرب
    المشاركات
    768

    Lightbulb يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته

    يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته
    ورد الأمر الإلهي بتقوى الله في القرآن الكريم في عدة آيات نخص منها بالذكر والشرح المواطن التي صيغتها جاءت خطابا مباشرا للذين آمنوا على هذا النحو "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله" ؛ وهي سبع آيات ... وفيها كما ترى صيغة الأمر في حق المؤمنين. وفيها الأمر بدون مواربة "اتقوا" أيها المؤمنون إن كنتم مؤمنين حقاً... أمر محكم بدون لبس ولا شبهة. والأمر صادر عن الله جل وعلا، رب العالمين... وهو إلزامي بدون نقاش... ومثله مثل ما جاء في الآية الكريمة: ﴿وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين﴾ (البقرة 34)
    وعصيان أمر رب العالمين كفر ولا شك... فهذا إبليس اللعين "أبى واستكبر وكان من الكافرين" على حد ما جاء في الآية هذه (من البقرة 34) التي بين أيدينا. وكذلك في الآية التالية، 131 من سورة النساء: ﴿ وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللَّهَ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا ﴾ (النساء 131). وتأكد هذه الآية (ومثلها كثير) أن عدم طاعة الله هو كفر والعياذ بالله منه، وقانا الله شره.
    على هذه الصفحة، إن شاء الله، نتناول تباعا الآيات التالية: الآية 102 من سورة آل عمران ؛ الآية 28 من سورة الحديد ؛ الآية 18 من سورة الحشر ؛ 119 من سورة التوبة ؛ 70 من سورة الأحزاب ؛ 35 من سورة المائدة ؛ 278 من سورة البقرة.

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الدولة
    فاس - المغرب
    المشاركات
    768

    Lightbulb رد: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته

    مع الآية 102 من سورة آل عمران
    قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (102) وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) ﴾ (آل عمران: 102-103)
    الشرح اللفظي:
    ( 102 ) يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله، وعملوا بشرعه، خافوا الله حق خوفه: وذلك بأن يطاع فلا يُعصى، ويُشكَر فلا يكفر، ويُذكَر فلا ينسى، وداوموا على تمسككم بإسلامكم إلى آخر حياتكم؛ لتلقوا الله وأنتم عليه.
    ( 103 ) وتمسَّكوا جميعًا بكتاب ربكم وهدي نبيكم، ولا تفعلوا ما يؤدي إلى فرقتكم. واذكروا نعمة جليلة أنعم الله بها عليكم: إذ كنتم -أيها المؤمنون- قبل الإسلام أعداء، فجمع الله قلوبكم على محبته ومحبة رسوله، وألقى في قلوبكم محبة بعضكم لبعض، فأصبحتم -بفضله- إخوانا متحابين، وكنتم على حافة نار جهنم، فهداكم الله بالإسلام ونجَّاكم من النار. وكما بيَّن الله لكم معالم الإيمان الصحيح فكذلك يبيِّن لكم كل ما فيه صلاحكم؛ لتهتدوا إلى سبيل الرشاد، وتسلكوها، فلا تضلوا عنها. (تفسير السعدي)
    في تفسير ابن كثير رحمه الله: قال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سنان، حدثنا عبد الرحمن عن سفيان وشعبة عن زبيد اليامي، عن مرة، عن عبد الله، هو ابن مسعود: { ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ } قال: أن يطاع فلا يعصى، وأن يذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر، وهذا إسناد صحيح موقوف، وقد تابع مرة عليه عمرو بن ميمون عن ابن مسعود، وقد رواه ابن مردويه من حديث يونس بن عبد الأعلى عن ابن وهب، عن سفيان الثوري، عن زبيد، عن مرة، عن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " { ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ }: أن يطاع فلا يعصى، ويشكر فلا يكفر، ويذكر فلا ينسى " ، وكذا رواه الحاكم في مستدركه من حديث مسعر عن زبيد، عن مرة، عن ابن مسعود مرفوعاً، فذكره، ثم قال: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، كذا قال، والأظهر أنه موقوف، والله أعلم. ثم قال ابن أبي حاتم: وروي نحوه عن مرة الهمداني والربيع بن خُثيم وعمرو بن ميمون وإبراهيم النخعي وطاوس والحسن وقتادة وأبي سنان والسدي، نحو ذلك. وروي عن أنس أنه قال: لا يتقي العبدُ اللّهَ حق تقاته حتى يخزن لسانه. وقد ذهب سعيد بن جبير وأبو العالية، والربيع بن أنس وقتادة ومقاتل بن حيان وزيد بن أسلم والسدي وغيرهم إلى أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى: { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسْتَطَعْتُمْ } وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى: { ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ } قال: لم تنسخ، ولكن { حَقَّ تُقَاتِهِ } أن يجاهدوا في سبيله حق جهاده، ولا تأخذهم في الله لومة لائم، ويقوموا بالقسط ولو على أنفسهم وآبائهم وأبنائهم. وقوله تعالى: { وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } أي: حافظوا على الإسلام في حال صحتكم وسلامتكم لتموتوا عليه، فإن الكريم قد أجرى عادته بكرمه أنه من عاش على شيء مات عليه، ومن مات على شيء بعث عليه، فعياذاً بالله من خلاف ذلك.
    قال الإمام أحمد: حدثنا روح، حدثنا شعبة، قال: سمعت سليمان عن مجاهد: أن الناس كانوا يطوفون بالبيت، وابن عباس جالس معه محجن، فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } ، ولو أن قطرة من الزقوم قُطِرت في دار الدنيا لأفسدت على أهل الأرض معايشهم، فكيف بمن ليس له طعام إلا الزقوم؟ " وهكذا رواه الترمذي والنسائي، وابن ماجه، وابن حبان في صحيحه، والحاكم في مستدركه، من طرق عن شعبة، به، وقال الترمذي: حسن صحيح، وقال الحاكم: على شرط الشيخين، ولم يخرجاه.
    وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع، حدثنا الأعمش عن زيد بن وهب، عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة، عن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من أحب أن يزحزح عن النار، ويدخل الجنة، فلتدركه منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، ويأتي إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه ". وقال الإمام أحمد أيضاً: حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش عن أبي سفيان، عن جابر، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قبل موته بثلاث: " لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل " ورواه مسلم من طريق الأعمش به. وقال الإمام أحمد: حدثنا حسن بن موسى، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا أبو يونس عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن الله قال: أنا عند ظن عبدي بي، فإن ظن بي خيراً فله، وإن ظن شراً فله " ، وأصل هذا الحديث ثابت في الصحيحين من وجه آخر عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يقول الله: أنا عند ظن عبدي بي ". وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا محمد بن عبد الملك القرشي، حدثنا جعفر بن سليمان عن ثابت، وأحسبه عن أنس، قال: كان رجل من الأنصار مريضاً، فجاءه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده، فوافقه في السوق، فسلم عليه، فقال له: " كيف أنت يا فلان " ؟ قال: بخير يا رسول الله، أرجو الله وأخاف ذنوبي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يجتمعان في قلب عبد في هذا الموطن، إلا أعطاه الله ما يرجو، وآمنه مما يخاف " ، ثم قال: لا نعلم رواه عن ثابت غير جعفر بن سليمان، وهكذا رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه من حديثه، ثم قال الترمذي: غريب، وقد رواه بعضهم عن ثابت مرسلاً، فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد: حدثنا محمد ابن جعفر، حدثنا شعبة عن أبي بشر، عن يوسف بن ماهك، عن حكيم بن حزام، قال: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لا أخر إلا قائماً، ورواه النسائي في سننه عن إسماعيل بن مسعود عن خالد بن الحارث عن شعبة به، وترجم عليه فقال: (باب كيف يخر للسجود)، ثم ساقه مثله، فقيل: معناه: على أن لا أموت إلا مسلماً، وقيل: معناه: أن لا أقتل إلا مقبلاً غير مدبر، وهو يرجع إلى الأول.
    وقوله تعالى: وَٱعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ } قيل: { بِحَبْلِ ٱللَّهِ } أي: بعهد الله، كما قال في الآية بعدها:
    { ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوۤاْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ ٱللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ ٱلنَّاسِ } [آل عمران: 112] أي: بعهد وذمة، وقيل: { بِحَبْلٍ مِّنْ ٱللَّهِ } يعني: القرآن؛ كما في حديث الحارث الأعور عن علي مرفوعاً في صفة القرآن: " هو حبل الله المتين، وصراطه المستقيم ".
    وقد ورد في ذلك حديث خاص بهذا المعنى، فقال الإمام الحافظ أبو جعفر الطبري: حدثنا سعيد بن يحيى الأموي، حدثنا أسباط بن محمد، عن عبد الملك بن أبي سليمان العَرْزَمي، عن عطية، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كتاب الله هو حبل الله الممدود من السماء إلى الأرض ". وروى ابن مردويه من طريق إبراهيم بن مسلم الهجري عن أبي الأحوص، عن عبد الله رضي الله عنه، قال: قال رسول الله: " إن هذا القرآن هو حبل الله المتين، وهو النور المبين، وهو الشفاء النافع، عصمة لمن تمسك به، ونجاة لمن اتبعه " ، وروى من حديث حذيفة وزيد بن أرقم نحو ذلك. وقال وكيع: حدثنا الأعمش عن أبي وائل قال: قال عبد الله: إن هذا الصراط محتضر يحضره الشياطين، يا عبد الله هذا الطريق، هلم إلى الطريق، فاعتصموا بحبل الله؛ فإن حبل الله القرآن.
    وقوله: { وَلاَ تَفَرَّقُواْ } أمرهم بالجماعة، ونهاهم عن التفرقة، وقد وردت الأحاديث المتعددة بالنهي عن التفرق، والأمر بالاجتماع والائتلاف، كما في صحيح مسلم من حديث سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله يرضى لكم ثلاثاً، ويسخط لكم ثلاثاً، يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم، ويسخط لكم ثلاثاً: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال " وقد ضمنت لهم العصمة عند اتفاقهم من الخطأ؛ كما وردت بذلك الأحاديث المتعددة أيضاً، وخيف عليهم الافتراق والاختلاف، وقد وقع ذلك في هذه الأمة، فافترقوا على ثلاث وسبعين فرقة، منها فرقة ناجية إلى الجنة ومسلمة من عذاب النار، وهم الذين على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
    وقوله تعالى: وَٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُم أَعْدَآءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً } إلى آخر الآية، وهذا السياق في شأن الأوس والخزرج، فإنه قد كان بينهم حروب كثيرة في الجاهلية، وعدواة شديدة، وضغائن وإحن وذحول، طال بسببها قتالهم والوقائع بينهم، فلما جاء الله بالإسلام، فدخل فيه من دخل منهم، صاروا إخواناً متحابين بجلال الله، متواصلين في ذات الله، متعاونين على البر والتقوى، قال الله تعالى: { هُوَ ٱلَّذِىۤ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِٱلْمُؤْمِنِ نَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً مَّآ أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ } [الأنفال: 62 ـ63] إلى آخر الآية، وكانوا على شفا حفرة من النار بسبب كفرهم، فأنقذهم الله منها أن هداهم للإيمان، وقد امتن عليهم بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قسم غنائم حنين، فعتب من عتب منهم؛ بما فضل عليهم في القسمة، بما أراه الله، فخطبهم فقال: " يا معشر الأنصار ألم أجدكم ضلالاً فهداكم الله بي. وكنتم متفرقين فألفكم الله بي، وعالة فأغناكم الله بي " ؟ فكلما قال شيئاً قالوا: الله ورسوله أمنّ. وقد ذكر محمد بن إسحاق بن يسار وغيره: أن هذه الآية نزلت في شأن الأوس والخزرج، وذلك أن رجلاً من اليهود مَرَّ بملأ من الأوس والخزرج، فساءه ما هم عليه من الاتفاق والألفة، فبعث رجلاً معه أمره أن يجلس بينهم، ويذكرهم ما كان من حروبهم يوم بعاث وتلك الحروب، ففعل، فلم يزل ذلك دأبه، حتى حميت نفوس القوم، وغضب بعضهم على بعض، وتثاوروا، ونادوا بشعارهم، وطلبوا أسلحتهم، وتوعدوا إلى الحرة، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فأتاهم، فجعل يسكنهم ويقول: " أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم " ؟ وتلا عليهم هذه الآية، فندموا على ما كان منهم، واصطلحوا وتعانقوا، وألقوا السلاح، رضي الله عنهم. وذكر عكرمة أن ذلك نزل فيهم حين تثاوروا في قضية الإفك، والله أعلم.

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الدولة
    فاس - المغرب
    المشاركات
    768

    Lightbulb رد: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته

    مع الآية 28 من سورة الحديد
    قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (28) لِئَلا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّن فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29) ﴾ (الحديد 28-29)
    الشرح اللفظي:
    ( 28 ) يا أيها الذين آمنوا، امتثلوا أوامر الله واجتنبوا نواهيه وآمنوا برسوله، يؤتكم ضعفين من رحمته، ويجعل لكم نورًا تهتدون به، ويغفر لكم ذنوبكم، والله غفور لعباده، رحيم بهم.
    ( 29 ) أعطاكم الله تعالى ذلك كله؛ ليعلم أهل الكتاب الذين لم يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، أنهم لا يقدرون على شيء مِن فضل الله يكسبونه لأنفسهم أو يمنحونه لغيرهم، وأن الفضل كله بيد الله وحده يؤتيه مَن يشاء من عباده، والله ذو الفضل العظيم على خلقه.
    في تفسير ابن كثير رحمه الله: قد تقدم في رواية النسائي عن ابن عباس: أنه حمل هذه الآية على مؤمني أهل الكتاب، وأنهم يؤتون أجرهم مرتين؛ كما في الآية التي في القصص، وكما في حديث الشعبي عن أبي بردة عن أبيه عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بي فله أجران، وعبد مملوك أدى حق الله وحق مواليه فله أجران، ورجل أدب أمته فأحسن تأديبها، ثم أعتقها وتزوجها فله أجران " أخرجاه في الصحيحين. ووافق ابن عباس على هذا التفسير الضحاك وعتبة بن أبي حكيم وغيرهما، وهو اختيار ابن جرير. وقال سعيد بن جبير: لما افتخر أهل الكتاب بأنهم يؤتون أجرهم مرتين، أنزل الله تعالى عليه هذه الآية في حق هذه الأمة: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَءَامِنُواْ بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ } أي: ضعفين { مِّن رَّحْمَتِهِ } وزادهم: { وَيَجْعَل لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ } يعني: هدى يتبصر به من العمى والجهالة، ويغفر لكم، ففضلهم بالنور والمغفرة. رواه ابن جرير عنه.
    وهذه الآية كقوله تعالى: { يِـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوۤاْ إَن تَتَّقُواْ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ } [الأنفال:29] وقال سعيد بن عبد العزيز: سأل عمر بن الخطاب حبراً من أحبار يهود: كم أفضل ما ضعفت لكم حسنة؟ قال: كفل: ثلاثمائة وخمسين حسنة، قال: فحمد الله عمر على أنه أعطانا كفلين، ثم ذكر سعيد قول الله، عز وجل: { يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ } قال سعيد: والكفلان في الجمعة مثل ذلك، رواه ابن جرير. ومما يؤيد هذا القول ما رواه الإمام أحمد: حدثنا إسماعيل، حدثنا أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " مثلكم ومثل اليهود والنصارى كمثل رجل استعمل عمالاً، فقال: من يعمل لي من صلاة الصبح إلى نصف النهار على قيراط قيراط؟ ألا فعملت اليهود، ثم قال: من يعمل لي من صلاة الظهر إلى صلاة العصر على قيراط قيراط؟ ألا فعملت النصارى، ثم قال: من يعمل لي من صلاة العصر إلى غروب الشمس على قيراطين قيراطين؟ ألا فأنتم الذين عملتم، فغضب النصارى واليهود، وقالوا: نحن أكثر عملاً، وأقل عطاءً، قال: هل ظلمتكم من أجركم شيئاً؟ قالوا: لا، قال: فإنما هو فضلي أوتيه من أشاء ". قال أحمد: وحدثناه مؤمل عن سفيان عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر نحو حديث نافع، عنه. انفرد بإخراجه البخاري، فرواه عن سليمان بن حرب عن حماد عن نافع به، وعن قتيبة عن الليث عن نافع بمثله.
    وقال البخاري: حدثني محمد بن العلاء، حدثنا أبو أسامة عن بريد عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " مثل المسلمين واليهود والنصارى، كمثل رجل استعمل قوماً يعملون له عملاً يوماً إلى الليل على أجر معلوم، فعملوا إلى نصف النهار، فقالوا: لا حاجة لنا في أجرك الذي شرطت لنا، وما عملنا باطل، فقال لهم: لا تفعلوا، أكملوا بقية عملكم، وخذوا أجركم كاملاً، فأبوا وتركوا، واستأجر آخرين بعدهم، فقال: أكملوا بقية يومكم، ولكم الذي شرطت لهم من الأجر، فعملوا حتى إذا كان حين صلوا العصر، قالوا: ما عملنا باطل، ولك الأجر الذي جعلت لنا فيه، فقال: أكملوا بقية عملكم؛ فإنما بقي من النهار شيء يسير، فأبوا. فاستأجر قوماً أن يعملوا له بقية يومهم، فعملوا له بقية يومهم حتى غابت الشمس، فاستكملوا أجرة الفريقين كليهما، فذلك مثلهم ومثل ما قبلوا من هذا النور " انفرد به البخاري. ولهذا قال تعالى: { لِّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ ٱلْكِتَـٰبِ أَلاَّ يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَىْءٍ مِّن فَضْلِ ٱللَّهِ } أي: ليتحققوا أنهم لا يقدرون على رد ما أعطاه الله، ولا إعطاء ما منع الله { وَأَنَّ ٱلْفَضْلَ بِيَدِ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ }.
    قال ابن جرير: { لِّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ ٱلْكِتَـٰبِ } أي: ليعلم. وقد ذكر عن ابن مسعود أنه قرأها: (لكي يعلم) وكذا عطاء بن عبد الله وسعيد بن جبير. قال ابن جرير: لأن العرب تجعل (لا) صلة في كل كلام دخل في أوله أو آخره جحد غير مصرح، فالسابق كقوله:
    { مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ } [الأعراف: 12] { وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَآ إِذَا جَآءَتْ لاَ يُؤْمِنُونَ } [الأنعام: 109] بالله { وَحَرَامٌ عَلَىٰ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَـٰهَآ أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ } [الأنبياء: 95].

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الدولة
    فاس - المغرب
    المشاركات
    768

    Lightbulb رد: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته

    مع الآية 18 من سورة الحشر
    قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (19) لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ (20)﴾ (الحشر 18-20)
    الشرح اللفظي:
    ( 18 ) يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعَملوا بشرعه، خافوا الله، واحذروا عقابه بفعل ما أمركم به وترك ما نهاكم عنه، ولتتدبر كل نفس ما قدمت من الأعمال ليوم القيامة، وخافوا الله في كل ما تأتون وما تَذَرون، إن الله سبحانه خبير بما تعملون، لا يخفى عليه شيء من أعمالكم، وهو مجازيكم عليها.
    ( 19 ) ولا تكونوا- أيها المؤمنون- كالذين تركوا أداء حق الله الذي أوجبه عليهم، فأنساهم بسبب ذلك حظوظ أنفسهم من الخيرات التي تنجيهم من عذاب يوم القيامة، أولئك هم الموصوفون بالفسق، الخارجون عن طاعة الله وطاعة رسوله.
    ( 20 ) لا يستوي أصحاب النار المعذَّبون، وأصحاب الجنة المنعَّمون، أصحاب الجنة هم الظافرون بكل مطلوب، الناجون من كل مكروه. (تفسير السعدي)
    في تفسير ابن كثير رحمه الله: قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة عن عون بن أبي جحيفة عن المنذر بن جرير عن أبيه قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدر النهار، قال: فجاءه قوم حفاة عراة، محتابي النمار أو العباء، متقلدي السيوف، عامتهم من مضر، بل كلهم من مضر، فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى بهم من الفاقة، قال: فدخل ثم خرج، فأمر بلالاً فأذن وأقام الصلاة، فصلى ثم خطب فقال: " { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ } إلى آخر الآية: { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } [النساء:1] وقرأ الآية التي في الحشر: { وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ } تصدَّق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع بره، من صاع تمره ــــ حتى قال ــــ ولو بشق تمرة " قال: فجاء رجل من الأنصار بصرة كادت كفه تعجز عنها، بل قد عجزت، ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب، حتى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلل وجهه كأنه مذهبة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من سن في الإسلام سنة حسنة، فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة، كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أن ينقص من أوزارهم شيء " انفرد بإخراجه مسلم من حديث شعبة، بإسناده مثله. فقوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } أمر بتقواه، وهو يشمل فعل ما به أمر، وترك ما عنه زجر.
    وقوله تعالى: { وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ } أي: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وانظروا ماذا ادخرتم لأنفسكم من الأعمال الصالحة ليوم معادكم وعرضكم على ربكم، { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } تأكيد ثان { إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } أي: اعلموا أنه عالم بجميع أعمالكم وأحوالكم، لا تخفى عليه منكم خافية، ولا يغيب عنه من أموركم جليل ولا حقير. وقوله تعالى: { وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ نَسُواْ ٱللَّهَ فَأَنسَـٰهُمْ أَنفُسَهُمْ } أي: لا تنسوا ذكر الله تعالى، فينسيكم العمل لمصالح أنفسكم التي تنفعكم في معادكم، فإن الجزاء من جنس العمل، ولهذا قال تعالى: { أُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَـٰسِقُون } أي: الخارجون عن طاعة الله، الهالكون يوم القيامة، الخاسرون يوم معادهم؛ كما قال تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تُلْهِكُمْ أَمْوَٰلُكُمْ وَلاَ أَوْلَـٰدُكُمْ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَـٰسِرُون } [المنافقون: 9].
    وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني: حدثنا أحمد بن عبد الوهاب بن نجدة الحوطي، حدثنا المغيرة، حدثنا جرير بن عثمان عن نعيم بن نمحة قال: كان في خطبة أبي بكر الصديق رضي الله عنه: أما تعلمون أنكم تغدون وتروحون لأجل معلوم؟ فمن استطاع أن يقضي الأجل، وهو في عمل الله عز وجل، فليفعل، ولن تنالوا ذلك إلا بالله عز وجل، إن قوماً جعلوا آجالهم لغيرهم، فنهاكم الله عز وجل أن تكونوا أمثالهم، { وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ نَسُواْ ٱللَّهَ فَأَنسَـٰهُمْ أَنفُسَهُمْ } ، أين من تعرفون من إخوانكم؟ قدموا على ما قدموا في أيام سلفهم، وخلوا بالشقوة والسعادة، وأين الجبارون الأولون الذي بنوا المدائن وحصنوها بالحوائط؟ قد صاروا تحت الصخر والآبار، هذا كتاب الله، لا تفنى عجائبه، فاستضيئوا منه ليوم ظلمة، واستضيئوا بسنائه وبيانه، إن الله تعالى أثنى على زكريا وأهل بيته فقال تعالى: { إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِى ٱلْخَيْرَٰتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُواْ لَنَا خـٰشِعِينَ } [الأنبياء: 90] لا خير في قول لا يراد به وجه الله، ولا خير في مال لا ينفق في سبيل الله، ولا خير فيمن يغلب جهله حلمه، ولا خير فيمن يخاف في الله لومة لائم. هذا إسناد جيد، ورجاله كلهم ثقات، وشيخ حريز بن عثمان، وهو نعيم بن نمحة، لا أعرفه بنفي ولا إثبات، غير أن أبا داود السجستاني قد حكم بأن شيوخ حريز كلهم ثقات، وقد روي لهذه الخطبة شواهد من وجوه أخر، والله أعلم.
    وقوله تعالى: { لاَ يَسْتَوِىۤ أَصْحَـٰبُ ٱلنَّارِ وَأَصْحَـٰبُ ٱلْجَنَّةِ } أي: لا يستوي هؤلاء وهؤلاء في حكم الله تعالى يوم القيامة؛ كما قال تعالى: { أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ ٱجْتَرَحُواْ ٱلسَّيِّئَـٰت أَن نَّجْعَلَهُمْ كَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰت ِ سَوَآءً مَّحْيَـٰهُمْ وَمَمَـٰتُهُمْ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ } [الجاثية: 21] وقال تعالى: { وَمَا يَسْتَوِى ٱلأَعْـمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰت ِ وَلاَ ٱلْمُسِىۤءُ قَلِيـلاً مَّا تَتَذَكَّرُونَ } [غافر: 58] وقال تعالى: { أَمْ نَجْعَلُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰت ِ كَٱلْمُفْسِدِين فِى ٱلأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ ٱلْمُتَّقِينَ كَٱلْفُجَّارِ } [ص: 28]. في آيات أخر دالات على أن الله تعالى يكرم الأبرار، ويهين الفجار، ولهذا قال تعالى ههنا: { أَصْحَـٰبُ ٱلْجَنَّةِ هُمُ ٱلْفَآئِزُونَ } أي: الناجون المسلمون من عذاب الله، عز وجل.

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الدولة
    فاس - المغرب
    المشاركات
    768

    Lightbulb رد: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته

    مع الآية 119 من سورة التوبة
    قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ (التوبة: 119)
    الشرح اللفظي:
    ( 119 ) يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه، امتثلوا أوامر الله واجتنبوا نواهيه في كل ما تفعلون وتتركون، وكونوا مع الصادقين في أَيمانهم وعهودهم، وفي كل شأن من شؤونهم. (تفسير السعدي)
    في تفسير ابن كثير رحمه الله: ولما ذكر تعالى ما فرج به عن هؤلاء الثلاثة من الضيق والكرب؛ من هجر المسلمين إياهم نحواً من خمسين ليلة بأيامها، وضاقت عليهم أنفسهم، وضاقت عليهم الأرض بما رحبت، أي: مع سعتها، فسدت عليهم المسالك والمذاهب، فلا يهتدون ما يصنعون، فصبروا لأمر الله، واستكانوا لأمر الله وثبتوا حتى فرج الله عنهم بسبب صدقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في تخلفهم، وأنه كان عن غير عذر، فعوقبوا على ذلك هذه المدة، ثم تاب الله عليهم، فكان عاقبة صدقهم خيراً لهم، وتوبة عليهم، ولهذا قال: { يَـٰۤأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّـٰدِقِين } أي: اصدقوا، والزموا الصدق، تكونوا من أهله، وتنجوا من المهالك، ويجعل لكم فرجاً من أموركم ومخرجاً، وقد قال الإمام أحمد: حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش، عن شقيق عن عبد الله، هو ابن مسعود رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
    " عليكم بالصدق؛ فإِن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، وإياكم والكذب؛ فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً " أخرجاه في الصحيحين، وقال شعبة: عن عمرو بن مرة، سمع أبا عبيدة يحدث عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: الكذب لا يصلح منه جد ولا هزل، اقرؤوا إن شئتم { يَـٰۤأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّـٰدِقِين } هكذا قرأها، ثم قال: فهل تجدون لأحد فيه رخصة؟ وعن عبد الله بن عمرو في قوله: { ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّـٰدِقِين } قال: مع محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وقال الضحاك: مع أبي بكر وعمر وأصحابهما، وقال الحسن البصري: إن أردت أن تكون مع الصادقين، فعليك بالزهد في الدنيا، والكف عن أهل الملة.

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الدولة
    فاس - المغرب
    المشاركات
    768

    Lightbulb رد: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته

    مع الآية 70 من سورة الأحزاب
    قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)﴾ (الأحزاب: 70-71)
    الشرح اللفظي:
    ( 70 ) يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه، اعملوا بطاعته، واجتنبوا معصيته؛ لئلا تستحقوا بذلك العقاب، وقولوا في جميع أحوالكم وشؤونكم قولا مستقيمًا موافقًا للصواب خاليًا من الكذب والباطل.
    ( 71 ) إذا اتقيتم الله وقلتم قولا سديدًا أصلح الله لكم أعمالكم، وغفر ذنوبكم. ومن يطع الله ورسوله فيما أمر ونهى فقد فاز بالكرامة العظمى في الدنيا والآخرة. (تفسير السعدي)
    في تفسير ابن كثير رحمه الله: يقول تعالى آمراً عباده المؤمنين بتقواه، وأن يعبدوه عبادة من كأنه يراه، وأن يقولوا { قَوْلاً سَدِيداً } أي: مستقيماً لا اعوجاج فيه ولا انحراف، ووعدهم أنهم إذا فعلوا ذلك، أثابهم عليه بأن يصلح لهم أعمالهم، أي: يوفقهم للأعمال الصالحة، وأن يغفر لهم الذنوب الماضية. وما قد يقع منهم في المستقبل يلهمهم التوبة منها. ثم قال تعالى: { وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً } وذلك أنه يجار من نار الجحيم، ويصير إلى النعيم المقيم. قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا عمرو بن عوف، حدثنا خالد عن ليث عن أبي بردة، عن أبي موسى الأشعري قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الظهر، فلما انصرف، أومأ إلينا بيده، فجلسنا فقال: " إن الله تعالى أمرني أن آمركم أن تتقوا الله، وتقولوا قولاً سديداً " ثم أتى النساء فقال: " إن الله أمرني أن آمركن أن تتقين الله، وتقلن قولاً سديداً ". وقال ابن أبي الدنيا في كتاب " التقوى ": حدثنا محمد بن عباد بن موسى، حدثنا عبد العزيز بن عمران الزهري، حدثنا عيسى بن سبرة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر إلا سمعته يقول: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً } الآية، غريب جداً، وروى من حديث عبد الرحيم بن زيد العمي عن أبيه عن محمد ابن كعب عن ابن عباس موقوفاً: من سره أن يكون أكرم الناس، فليتق الله، قال عكرمة: القول السديد: لا إله إلا الله. وقال غيره: السديد: الصدق. وقال مجاهد: هو السداد. وقال غيره: هو الصواب. والكل حق.

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الدولة
    فاس - المغرب
    المشاركات
    768

    Lightbulb رد: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته

    مع الآية 35 من سورة المائدة
    قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (35)﴾ (المائدة: 35)
    الشرح اللفظي:
    ( 35 ) يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه، خافوا الله، وتَقَرَّبوا إليه بطاعته والعمل بما يرضيه، وجاهدوا في سبيله؛ كي تفوزوا بجناته.
    في تفسير ابن كثير رحمه الله : يقول تعالى آمراً عباده المؤمنين بتقواه، وهي إذا قرنت بطاعته، كان المراد بها الانكفاف عن المحارم وترك المنهيات، وقد قال بعدها: { وَٱبْتَغُوۤاْ إِلَيهِ ٱلْوَسِيلَةَ } قال سفيان الثوري، عن طلحة عن عطاء، عن ابن عباس: أي: القربة، وكذا قال مجاهد وأبو وائل والحسن وقتادة وعبد الله بن كثير والسدي وابن زيد وغير واحد. وقال قتادة: أي: تقربوا إليه بطاعته والعمل بما يرضيه، وقرأ ابن زيد: { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ ٱلْوَسِيلَةَ } وهذا الذي قاله هؤلاء الأئمة لا خلاف بين المفسرين فيه. وأنشد عليه ابن جرير قول الشاعر:
    إذا غَفَل الواشونَ عُدْنا لِوَصْلِنا وعادَ التَّصافي بَيْنَنا والوَسائِلُ
    والوسيلة: هي التي يتوصل بها إلى تحصيل المقصود، والوسيلة أيضاً: عَلَم على أعلى منزلة في الجنة، وهي منزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وداره في الجنة، وهي أقرب أمكنة الجنة إلى العرش، وقد ثبت في صحيح البخاري من طريق محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من قال حين يسمع النداء: اللهم ربَّ هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته، إلا حلت له الشفاعة يوم القيامة " (حديث آخر) في صحيح مسلم من حديث كعب بن علقمة، عن عبد الرحمن بن جبير، عن عبد الله ابن عمرو بن العاص: أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " إذا سمعتم المؤذن، فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي، فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه عشراً، ثم سلوا لي الوسيلة، فإنها منزلة في الجنة، لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة " (حديث آخر) ـ قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا سفيان عن ليث، عن كعب، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا صليتم علي، فسلوا لي الوسيلة " قيل: يا رسول الله، وما الوسيلة؟ قال: «أعلى درجة في الجنة، لا ينالها إلا رجل واحد، وأرجو أن أكون أنا هو». ورواه الترمذي عن بندار، عن أبي عاصم، عن سفيان الثوري، عن ليث بن أبي سليم، عن كعب قال: حدثني أبو هريرة، ثم قال: غريب، وكعب ليس بمعروف، لا نعرف أحداً روى عنه غير ليث بن أبي سليم.
    (حديث آخر) ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه. قال أبو بكر بن مردويه: حدثنا عبد الباقي بن قانع، حدثنا محمد بن نصر الترمذي، حدثنا عبد الحميد بن صالح، حدثنا ابن شهاب عن ليث، عن المعلى، عن محمد بن كعب، عن أبي هريرة، رفعه، قال: " صلوا علي صلاتكم، وسلوا الله لي الوسيلة " فسألوه، أو أخبرهم: أن الوسيلة درجة في الجنة، ليس ينالها إلا رجل واحد، وأرجو أن أكون هو.
    (حديث آخر) قال الحافظ أبو القاسم الطبراني: أخبرنا أحمد بن علي الأبار، حدثنا الوليد بن عبدالملك الحراني، حدثنا موسى بن أعين عن ابن أبي ذئب، عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " سلوا الله لي الوسيلة؛ فإنه لم يسألها لي عبد في الدنيا، إلا كنت له شهيداً أو شفيعاً يوم القيامة " ، ثم قال الطبراني: لم يروه عن ابن أبي ذئب إلا موسى بن أعين، كذا قال. وقد رواه ابن مردويه:حدثنا محمد بن علي بن دحيم، حدثنا أحمد بن حازم، حدثنا عبيد الله بن موسى، حدثنا موسى ابن عبيدة، عن محمد بن عمرو بن عطاء، فذكر بإسناده نحوه.
    (حديث آخر) روى ابن مردويه بإسناده عن عمارة بن غزية، عن موسى بن وردان: أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الوسيلة درجة عند الله، ليس فوقها درجة، فسلوا الله أن يؤتيني الوسيلة على خلقه " (حديث آخر) - روى ابن مردويه أيضاً من طريقين عن عبد الحميد بن بحر، حدثنا شريك، عن أبي إسحاق، عن الحارث عن علي، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " في الجنة درجة تدعى الوسيلة، فإذا سألتم الله، فسلوا لي الوسيلة " قالوا: يا رسول الله، من يسكن معك؟ قال: " علي وفاطمة والحسن والحسين " هذا حديث غريب منكر من هذا الوجه، وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين، حدثنا الحسن الدشتكي، حدثنا أبو زهير، حدثنا سعيد بن طريف عن علي بن الحسين الأزدي مولى سالم بن ثوبان، قال: سمعت علي بن أبي طالب ينادي على منبر الكوفة: يا أيها الناس، إن في الجنة لؤلؤتين: إحداهما بيضاء، والأخرى صفراء، أما البيضاء، فإنها إلى بطنان العرش، والمقام المحمود من اللؤلؤة البيضاء سبعون ألف غرفة، كل بيت منها ثلاثة أميال، وغرفها وأبوابها وأسرتها وسكانها من عرق واحد، واسمها الوسيلة، هي لمحمد صلى الله عليه وسلم وأهل بيته، والصفراء فيها مثل ذلك، هي لإبراهيم عليه السلام وأهل بيته، وهذا أثر غريب أيضاً.
    وقوله: { وَجَـٰهِدُواْ فِى سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } لما أمرهم بترك المحارم وفعل الطاعات، أمرهم بقتال الأعداء من الكفار والمشركين الخارجين عن الطريق المستقيم، والتاركين للدين القويم، ورغبهم في ذلك بالذي أعده للمجاهدين في سبيله يوم القيامة من الفلاح، والسعادة العظيمة الخالدة المستمرة التي لا تبيد ولا تحول ولا تزول في الغرف العالية الرفيعة الآمنة، الحسنة مناظرها، الطيبة مساكنها، التي من سكنها ينعم لا يبأس، ويحيا لا يموت، لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه.

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الدولة
    فاس - المغرب
    المشاركات
    768

    Lightbulb رد: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته

    مع الآية 278 من سورة البقرة:
    قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (278) فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ (279)﴾ (البقرة 278-279)
    الشرح اللفظي :
    ( 278 ) يا من آمنتم بالله واتبعتم رسوله خافوا الله، واتركوا طلب ما بقي لكم من زيادة على رؤوس أموالكم التي كانت لكم قبل تحريم الربا، إن كنتم محققين إيمانكم قولا وعملا.
    ( 279 ) فإن لم ترتدعوا عما نهاكم الله عنه فاستيقنوا بحرب من الله ورسوله، وإن رجعتم إلى ربكم وتركتم أَكْلَ الربا فلكم أَخْذُ ما لكم من ديون دون زيادة، لا تَظْلمون أحدًا بأخذ ما زاد على رؤوس أموالكم، ولا يظلمكم أحد بنقص ما أقرضتم. (تفسير السعدي)
    أسباب النزول :
    قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا 278 . أخبرنا محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن جعفر قال: أخبرنا أبو عمرو بن حمدان قال: أخبرنا أبو يعلى قال: حدثنا أحمد بن الأخنس قال: حدثنا محمد بن فضيل قال: حدثنا الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس: بلغنا والله أعلم أن هذه الآيـة نـزلت في بني عمرو بن عمير بن عوف من ثقيف، وفي بني المغيرة من بني مخزوم، وكانت بنو المغيرة يربون لثقيف، فلما أظهر الله تعالى رسوله على مكة، وضع يومئذ الربا كله، فأتى بنو عمرو بن عمير وبنو المغيرة إلى عتاب بن أَسِيد وهو على مكة، فقال بنو المغيرة: ما جعلنا أشقى الناس بالربا وضع عن الناس غيرنـا، فقال بنو عمرو بن عمير: صولحنا على أن لنا ربانا، فكتب عتاب في ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنـزلت هذه الآية والتي بعدها: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فعرف بنو عمرو أن لا يدان لهم بحرب من الله ورسوله يقول الله تعالى: وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ فتأخذون أكثر وَلا تُظْلَمُونَ فتبخسون منه.
    وقال عطاء وعكرمه: نـزلت هذه الآيـة في العباس بن عبد المطلب وعثمان بن عفان وكانا قد أسلفا في التمر، فلما حضر الجَذاذ قـال لهما صاحب التمر: لا يبقى لي ما يكفي عيالي إذا أنتما أخذتما حظكما كله، فهل لكما أن تأخذا النصف وتؤخرا النصف وأضعف لكما ففعلا؛ فلما حلّ الأجل طلبا الزيادة، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنهاهما وأنـزل الله تعالى هذه الآية، فسمعا وأطاعا وأخذا رؤوس أموالهما.
    وقال السدي: نـزلت في العباس وخالد بن الوليد وكانا شريكين في الجاهلية يسلفان في الربا فجاء الإسلام ولهما أموال عظيمة في الربا فأنـزل الله تعالى هذه الآية فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ألا إن كل ربا من ربا الجاهلية موضوع وأول ربا أضعه ربا العباس بن عبد المطلب".
    في تفسير ابن كثير : يقول تعالى آمراً عباده المؤمنين بتقواه، ناهياً لهم عما يقربهم إلى سخطه، ويبعدهم عن رضاه، فقال: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } أي: خافوه وراقبوه فيما تفعلون { وَذَرُواْ مَا بَقِىَ مِنَ ٱلرِّبَوٰاْ } أي: اتركوا ما لكم على الناس من الزيادة على رؤوس الأموال، بعد هذا الإنذار { إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } أي: بما شرع الله لكم من تحليل البيع وتحريم الربا وغير ذلك، وقد ذكر زيد بن أسلم، وابن جريج، ومقاتل بن حيان، والسدي، أن هذا السياق نزل في بني عمرو بن عمير من ثقيف، وبني المغيرة من بني مخزوم، كان بينهم ربا في الجاهلية، فلما جاء الإسلام، ودخلوا فيه، طلبت ثقيف أن تأخذه منهم، فتشاوروا وقالت بنو المغيرة: لا نؤدي الربا في الإسلام بكسب الإسلام، فكتب في ذلك عتاب بن أسيد نائب مكة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية، فكتب بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِىَ مِنَ ٱلرِّبَوٰاْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } فقالوا: نتوب إلى الله، ونذر ما بقي من الربا، فتركوه كلهم، وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد لمن استمر على تعاطي الربا بعد الإنذار. قال ابن جريج: قال ابن عباس: { فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ } ، أي: استيقنوا بحرب من الله ورسوله، وتقدم من رواية ربيعة ابن كلثوم، عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، قال: يقال يوم القيامة لآكل الربا: خذ سلاحك للحرب، ثم قرأ: { فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: { فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } فمن كان مقيماً على الربا لا ينزع عنه، كان حقاً على إمام المسلمين أن يستتيبه، فإن نزع، وإلا ضرب عنقه. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين، حدثنا محمد بن بشار، حدثنا عبد الأعلى، حدثنا هشام بن حسان، عن الحسن وابن سيرين، أنهما قالا: والله إن هؤلاء الصيارفة لأكلة الربا، وإنهم قد أذنوا بحرب من الله ورسوله، ولو كان على الناس إمام عادل لاستتابهم، فإن تابوا، وإلا وضع فيهم السلاح. وقال قتادة: أوعدهم الله بالقتل كما يسمعون، وجعلهم بهرجاً أين ما أتوا، فإياكم ومخالطة هذه البيوع من الربا، فإن الله قد أوسع الحلال وأطابه، فلا يلجئنكم إلى معصيته فاقة، رواه ابن أبي حاتم. وقال الربيع بن أنس: أوعد الله آكل الربا بالقتل، رواه ابن جرير. وقال السهيلي: ولهذا قالت عائشة لأم محبة مولاة زيد بن أرقم في مسألة العينة: أخبريه أن جهاده مع النبي صلى الله عليه وسلم قد بطل إلا أن يتوب، فخصت الجهاد؛ لأنه ضد قوله: { فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } قال: وهذا المعنى ذكره كثير، قال: ولكن هذا إسناده إلى عائشة ضعيف.
    ثم قال تعالى: { وَإِن تُبتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَٰلِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ } أي: بأخذ الزيادة { وَلاَ تُظْلَمُونَ } أي: بوضع رؤوس الأموال أيضاً، بل لكم ما بذلتم من غير زيادة عليه، ولا نقص منه. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن الحسين بن أشكاب، حدثنا عبيد الله بن موسى عن شيبان، عن شبيب بن غرقدة البارقي، عن سليمان بن عمرو بن الأحوص، عن أبيه، قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، فقال: " ألا إن كل رباً كان في الجاهلية موضوع عنكم كله، لكم رؤوس أموالكم، لا تظلمون ولا تظلمون، وأول ربا موضوع ربا العباس بن عبد المطلب، موضوع كله " كذا وجده سليمان بن الأحوص، وقد قال ابن مردويه: حدثنا الشافعي، حدثنا معاذ بن المثنى، أخبرنا مسدد، أخبرنا أبو الأحوص، حدثنا شبيب بن غرقدة، عن سليمان بن عمرو، عن أبيه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ألا إن كلَّ رباً من ربا الجاهلية موضوع، فلكم رؤوس أموالكم، لا تظلمون ولا تُظلمون " وكذا رواه من حديث حماد بن سلمة عن علي بن زيد، عن أبي حرّة الرقاشي عن عمر، وهو ابن خارجة، فذكره.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •