تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: الابتعاد عن الجدال

  1. #1

    افتراضي الابتعاد عن الجدال

    بسم الله الرحمن الرحيم
    يقول بعضهم منافحاً عن انتشار الجدال كما تراه : إنّ الخصام مطلوب , لإنّ به يدافع المتسنن عن الحق , ولا سيما مع انتشار الطوائف المبتدعة , والفرق الضالّة , والصواب أن الجدال عن الحق إن احتيج اليه كان مشروعاً , وقد يجب على القادر عليه إن تعيّن ذلك دفاعاً عن الحقّ , فإنّه من جملة الجهاد , وقد جاء في الحديث :" جاهدوا الشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم ( أحمد وأبوداود عن أنس , وهو في صحيح الجامع الصغير للألباني رحمه الله ) ,
    بل جاء ذكر الجهاد بالقلب أيضاً في الحديث الصحيح , وهو على كل حال من درجات تغيير المنكر , وحكى الله تعالى جدال خليله إبراهيم , وكليمه موسى , وخطيب الأنبياء شعيب , وغيرهم, لقومهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين .
    فالأمر متوقف على الحاجة , وقال الليث بن سعد رحمه الله :" بلغت الثمانين وما نازعت صاحب هوى قط " , وقال الذهبي في السير في ترجمته معلقاً :" كانت الأهواء والبدع خاملة في زمن الليث ,ونالك والأوزاعي , والسنن ظاهرة عزيزة , فأمّا في زمن أحمد بن حنبل وإسحاق وأبي عبيد فظهرت البدعة , وامتحن أهل الاثر , ورفع أهل الأهواء رؤوسهم بدخول الدولة معهم , فاحتاج العلماء إلى مجادلتهم بالكتاب والسنة , ثم كثر ذلك , واحتجّ عليهم العلماء إيضاً بالمعقول , فطال الجدال , واشتدّ النزاع وتولّدت الشُبه ".
    فالخصام إنّما يكون في الله ,كما قال تعالى :" هذان خصمان اختصموا في ربّهم " , قيل اختصموا في ذاته أو صفاته أو في دينه , أو في جميع ذلك , وهذا أعلى درجات الإختصام في الحقّ , ومن دعاء النبي صلّى الله عليه وسلم :" اللهمّ لك أسلمت , وبك آمنت , وعليك توكلت , وإليك أنبت ,وبك خاصمت , وإليك حاكمت ,,, " , في هذه المقاطع كلّها قُدّمت حروف الجر ومجروراتها على الأفعال , وهذا مُشعر بإرادة التّخصيص , وإفادة الحصر , أي لا أخاصم إلاّ فيك , ومن أجلك , أو إنّما أخاصم بما أعطيتني من البرهان , ولقنتني من الحجّة .
    فراجع نفسك قبل الخصام في أشياء : هل تعرف ما تُخاصم عنه أو فيه معرفة شرعية جيدة , حتى يكون خصامك قائماً على الحجّة والبرهان ? , أم أنت مُجرّد متعصّب لقولٍ سمعته , أو شخص أحببته ? , وهل هذا الأمر ممّا يسوغ فيه الخصام ? , فإنّنا كثيراً ما نرى ذلك من غير سبب مشروع , وذلك كالجدال في المسائل العلمية التي اختلف النّاس فيها لاختلاف أهل العلم , بل لاختلاف الصّحابة فيها , والمجزوم به أنّ النزاع فيها لا ينتهي , وما المصلحة الشرعية المترتّبة على هذا الخصام الذي أقدمتَ عليه ? , وهل هناك مفسدة تترتّب عليه ? , وما قياس المصلحة إليها ? , حتى إذا تزاحمتا نظرت في الأمر فأقدمت على إحداهما وتركت الأخرى حسب قانون تزاحم المصالح والمفاسد الذي يعرفه العلماء , وما الدّافع لك إلى الخصام ? , فهل خصامك في الله ?, وهل تريد الوصول إلى الحق ? , أم أن الباعث لك على ذلك إنّما هو الهوى والشُبهة ?, ومن هذا الذي تخاصمه ?, إذ كثيراً ما لا يُثمر ذلك نفعاً , إن لم يكن من تُجادله من أقرانك علماً , ومن أترابك سناً .
    وأنت إذا رجعت إلى كتاب الله ألفيت الجدال منهياً عنه , أو مأذوناً فيه بقيد التي هي أحسن , والشيئ إذا أذن فيه مقيّداً دلّ ذلك والله أعلم على أن الأصل فيه عدم المشروعية , وإنما أجيز للحاجة , قال الله تعالى :" ولا تُجادلوا أهل الكتاب إلاّ بالتي هي أحسن إلاّ الذين ظلموا منهم " , فالجدال وإن احتيج إليه أحياناً , فليس عليه المعول , ومن تفقّه في الأحكام نفر من الخصام ومسبباته , وتشوّف إلى الوفاق ومقتضياته , فإن اضطرّ إليه خاصم في الله , ولا يكون ذلك إلاّ بعد العلم بأحكام الله , وقد قيل لمالك بن أنس : يا أبا عبد الله , الرجل يكون عالماً بالسنة أيجادل عنها ? , قال : لا , ولكن يخبر بالسنّة , فإن قبلت منه وإلاّ سكت "( جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر 2/94
    وخير ما نختم به أبيات لأبي مصعب بن عبد الله الزبيري :
    اأقعد بعدما رجفت عظامي ** وكان الموت أقرب ما يليني ?
    أجادل كل معترض خصيم ** وأجعل دينه غرضاً لديني ?
    فأترك ما علمت لرأي غيري ** وليس الرّأي كالعلم اليقيني !!
    وما أنا والخصومة وهي لبس ** تصرف في الشّمال واليمين ?

    والله أعلم.

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Mar 2007
    المشاركات
    7,909

    افتراضي رد: الابتعاد عن الجدال

    جزاك الله خيرًا أخانا عبد القادر .
    وللفائدة من البحاث الجيدة المتعلقة بهذا الموضوع :
    - منهج الجدل والمناظرة في تقرير مسائل الاعتقاد . للدكتور عثمان بن علي حسن .
    وهو في الأصل رسالة علمية تقدم بها المؤلف لنيل درجة الدكتوراة من قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة في كلية أصول الدين - جامعة الإمام محمد بن سعود - الرياض .
    وقد طبع بدار إشبيليا - الرياض سنة 1420هـ = مجلدين (1275 صفحة).

    - أصول الجدل في الكتاب والسنة . تأليف الدكتور حمد بن إبراهيم العثمان .
    طبع بمكتبة ابن القيم - الكويت سنة 1422هـ = مجلد واحد (604 صفحة ).
    قال أبو عبدِ الله ابنِ الأعرابي:
    لنا جلـساء مـا نــمَلُّ حـدِيثَهم *** ألِبَّاء مأمونون غيبًا ومشهدا
    يُفيدوننا مِن عِلمهم علمَ ما مضى *** وعقلًا وتأديبًا ورأيا مُسدَّدا
    بلا فتنةٍ تُخْشَى ولا سـوء عِشرَةٍ *** ولا نَتَّقي منهم لسانًا ولا يدا
    فإن قُلْتَ أمـواتٌ فلـستَ بكاذبٍ *** وإن قُلْتَ أحياءٌ فلستَ مُفَنّدا


  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jul 2007
    المشاركات
    196

    افتراضي رد: الابتعاد عن الجدال

    جزاكما الله خيرا.
    وهناك كتاب رائع بعنوان : أيها الأصدقاء تعالوا نختلف ! نظرات إسلامية في فقه الائتلاف. للدكتور : أحمد البراء الأميري.
    ومامن كاتب إلا ويفـنى ... ويُبقي الدهر ماكتبت يداه
    فلا تكتب بكفك غير شيء ... يسرك في القيامة أن تراه

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    124

    افتراضي رد: الابتعاد عن الجدال

    جزاكم الله خيراً ..
    " فاطر السموات و الأرض أنت وليّ في الدنيا و الآخرة توفني مسلما و ألحقني بالصالحين "

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •