تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 14 من 14 الأولىالأولى ... 4567891011121314
النتائج 261 إلى 270 من 270

الموضوع: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله

  1. #261
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,584

    افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله


    كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
    محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
    المجلد السادس

    الحلقة (261)
    صــــــــــ 161 الى صـــــــــــ 166



    والبيوت المغلقة حرز لما فيها فإن سرق سارق من بيت مغلق فتح الغلق أو نقب البيت أو قلع الباب فأخرج المتاع من حرزه قطع وإن كان البيت مفتوحا فدخل فسرق منه لم يقع فإن كان على الباب المفتوح حجرة مغلقة أو دار مغلقة فسرق منها قطع وقد قيل إن كانت دونه حجرة أو دار فهذا حرز وإن لم يكن مغلقا، وكذلك بيوت السوق ما كانت مفتوحة فدخلها داخل فسرق منها لم يقطع وإن كان فيها صاحبها وهذه خيانة؛ لأن ما في البيوت لا يحرزها قعود عنها (قال الربيع) إلا أن يكون بصره يحيط بها كلها أو يكون يحرسها فأغفله فأخذ منها ما يسوى ربع دينار قطع (قال الشافعي): ولو كان بيت عليه حجرة ثم دار فأخرج السرقة من البيت والحجرة إلى الدار والدار للمسروق وحده لم يقطع حتى يخرجه من جميع الدار وذلك أن الدار حرز لما فيها فلا يقطع حتى يخرج السرقة من جميع الحرز ولكن لو كانت الدار مشتركة وأخرج السرقة من البيت والحجرة إلى الدار قطع؛ لأن المشتركة ليست بحرز لواحد من السكان دون الآخر ولو نقب رجل البيت فأخرج المتاع من النقب كله قطع ولو وضعه في بعض النقب ثم أخذه رجل من خارج لم يقطع؛ لأن الداخل لم يخرجه من جميع حرزه ولا الخارج (قال): وإخراج الداخل إياه من النقب وغيره إذا صيره في غير حرز مثله ورميه به إلى الفج يوجب عليه القطع.


    (قال الشافعي): ولو أن نفرا حملوا متاعا من بيت والمتاع الذي حملوه معا فإن كانوا ثلاثة فبلغ ثلاثة أرباع دينار قطعوا وإن لم يبلغ ذلك لم يقطعوا ولو حملوه متفرقا فمن أخرج منه شيئا يسوى ربع دينار قطع، ومن أخرج ما لا يسوى ربع دينار لم يقطع، وكذلك لو سرق سارق ثوبا فشقه أو حليا فكسره أو شاة فذبحها في حرزها، ثم أخرج ما سرق من ذلك قوم ما أخرج ما أخرجه الثوب مشقوق والحلي مكسور والشاة مذبوحة فإذا بلغ ذلك ربع دينار قطع ولا ينظر إلى قيمته في البيت إنما ينظر إلى قيمته في الحال التي أخرجه به فيها من الحرز فإن كان يسوى ربع دينار قطع وإن لم يسو ربع دينار في الحال التي أخرجه بها لم يقطع وعليه قيمته صحيحا قبل أن يشقه إن كان أتلفه وإلا فعليه رده ورد ما نقصه الخرق ولو دخل جماعة البيت ونقبوه معا ثم أخرج بعضهم السرقة ولم يخرجها دون الذي لم يخرجها، وكذلك لو كانوا جماعة فوقف بعضهم على الباب أو في موضع يحميهم فمن أخذ المتاع منهم قطع الذي أخرج المتاع من جوف البيت ولم يقطع من لم يخرجه من جوف البيت فعلى هذا الباب كله.

    ومن سرق عبدا صغيرا أو أعجميا من حرز قطع، ومن سرق من يعقل أو يمتنع لم يقطع وهذه خديعة وإن سرق الصغير من غير حرز لم يقطع ويقطع النباش إذا أخرج الكفن من جميع القبر؛ لأن هذا حرز مثله. وإن أخذ قبل أن يخرجه من جميع القبر لم يقطع ما دام لم يفارق جميع حرزه. .

    قطع المملوك بإقراره وقطعه وهو آبق

    (قال الشافعي) - رحمه الله - أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن عمرة بنت عبد الرحمن أنها قالت خرجت عائشة إلى مكة ومعها مولاتان لها وغلام لبني عبد الله بن أبي بكر الصديق فبعثت مع المولاتين ببرد مراجل قد خيط عليه خرقة خضراء قالت فأخذ الغلام البرد ففتق عنه فاستخرجه وجعل مكانه لبدا أو فروة وخاط عليه فلما قدمت المولاتان المدينة دفعتا ذلك إلى أهله فلما فتقوا عنه وجدوا فيه اللبد ولم يجدوا فيه البرد فكلموا المولاتين فكلمتا عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أو كتبتا إليها واتهمتا العبد فسئل العبد عن ذلك فاعترف فأمرت به عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - فقطعت يده وقالت عائشة - رضي الله عنها - القطع في ربع دينار فصاعدا (قال الشافعي): وهذا عندنا كان محرزا مع المولاتين فسرق من حرزه وبهذا فأخذ بإقرار العبد على نفسه فيما يضره في بدنه وإن نقص بذلك ثمنه ونقطع العبد؛ لأنه سرق وقد أمر الله عز وجل بقطع السارق ونقطعه وإن كان آبقا ولا تزيده معصية الله بالإباق خيرا (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع أن عبدا سرق لابن عمر وهو آبق، فأرسل به عبد الله إلى سعيد بن العاص وهو أمير المدينة ليقطع يده فأبى سعيد أن يقطع يده وقال لا تقطع يد الآبق إذا سرق فقال له ابن عمر في أي كتاب الله وجدت هذا؟ فأمر به ابن عمر فقطعت يده.

    (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن رزيق بن حكيم أنه أخذ عبدا آبقا قد سرق فكتب فيه إلى عمر بن عبد العزيز إني كنت أسمع أن العبد الآبق إذا سرق لم يقطع فكتب عمر إن الله عز وجل يقول {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم} فإن بلغت سرقته ربع دينار أو أكثر فاقطعه.

    قطع الأطراف كلها

    (قال الشافعي) - رحمه الله - أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن رجلا من أهل اليمن أقطع اليد والرجل قدم على أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - فشكا إليه أن عامل اليمن ظلمه فكان يصلي من الليل فيقول أبو بكر وأبيك ما ليلك بليل سارق ثم إنهم افتقدوا حليا لأسماء بنت عميس امرأة أبي بكر فجعل الرجل يطوف معهم ويقول: اللهم عليك بمن بيت أهل هذا البيت الصالح فوجدوا الحلي عند صائغ زعم أن الأقطع جاء به فاعترف به الأقطع أو شهد عليه فأمر به أبو بكر فقطعت يده اليسرى وقال أبو بكر والله لدعاؤه على نفسه أشد عندي من سرقته.

    (قال الشافعي): - رحمه الله -: فبهذا نأخذ فإذا سرق السارق أولا قطعت يده اليمنى من مفصل الكف ثم حسمت بالنار فإذا سرق الثانية قطعت رجله اليسرى من المفصل ثم حسمت بالنار ثم إذا سرق الثالثة قطعت يده اليسرى من مفصل الكف ثم حسمت بالنار فإذا سرق الرابعة قطعت رجله اليمنى من المفصل ثم حسمت بالنار فإذا سرق الخامسة حبس وعزر ويعزر كل من سرق إذا كان سارقا، من جنى يدرأ فيه القطع فإذا درئ

    عنه القطع عزر (قال الشافعي): ويقطع ما يقطع به من خفة المؤنة عليه وأقر به من السلامة وكان الذي أعرف من ذلك أن يجلس ويضبط ثم تمد يده بخيط حتى يبين مفصلها ثم يقطع بحديدة حديدة ثم يحسم وإن وجد أرفق وأمكن من هذا قطع به؛ لأنه إنما يراد به إقامة الحد لا التلف. .

    من يجب عليه القطع

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولا يقطع السارق ولا يقام حد دون القتل على امرأة حبلى ولا مريض دنف ولا بين المرض ولا في يوم مفرط البرد ولا الحر ولا في أسباب التلف ومن أسباب التلف التي يترك إقامة الحدود فيها إلى البرء أن تقطع يد السارق فلا يبرأ حتى يسرق فيؤخر حتى تبرأ يده ومن ذلك أن يجلد الرجل فلا يبرأ جلده حتى يصيب حدا فيترك حتى يبرأ جلده، وكذلك كل قرح أو مرض أصابه. .

    ما لا يقطع فيه من جهة الخيانة

    (قال الشافعي) - رحمه الله -: أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد أن عبد الله بن عمرو الحضرمي جاء بغلام له إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فقال اقطع يد هذا فإنه سرق فقال له عمر " ماذا سرق قال " سرق مرآة لامرأتي ثمنها ستون درهما فقال عمر أرسله فليس عليه قطع، خادمكم سرق متاعكم.

    (قال الشافعي): فبهذا كله نقول والعبد إذا سرق من متاع سيده مما اؤتمن عليه أو لم يؤتمن أحق أن لا يقطع من قبل أن ماله أخذ بعضه بعضا (قال الشافعي) وقد قال صاحبنا إذا سرق الرجل من امرأته أو المرأة من زوجها من البيت الذي هما فيه لم يقطع واحد منهما وإن سرق غلامه من امرأته أو غلامها منه وهو يخدمهما لم يقطع؛ لأن هذه خيانة فإذا سرق من امرأته أو هي منه من بيت محرز فيه لا يسكنانه معا أو سرق عبدها منه أو عبده منها وليس بالذي يلي خدمتهما قطع أي هؤلاء سرق (قال الشافعي): وهذا مذهب وأراه يقول إن قول عمر خادمكم ومتاعكم أي الذي يلي خدمتكم ولكن قول عمر خادمكم يحتمل عبدكم فأرى - والله تعالى أعلم - على الاحتياط أن لا يقطع الرجل لامرأته ولا المرأة لزوجها ولا عبد واحد منهما سرق من متاع الآخر شيئا للأثر والشبهة فيه (قال): وكذلك الرجل يسرق متاع أبيه وأمه وأجداده من قبلهما أو متاع ولده أو ولد ولده لا يقطع واحد منهم وإذا كان في بيت واحد ذوو رحم أو غير ذوي رحم فسرق بعضهم من بعض لم يقطع؛ لأنها خيانة وكذلك أجراؤهم معهم في منازلهم ومن يخدمهم بلا أجر؛ لأن هذا كله من جهة الخيانة، وكذلك من استعار متاعا فجحده أو كانت عنده وديعة فجحدها لم يكن عليه فيها قطع وإنما القطع على من أخرج متاعا من حرز بغير شبهة وهذا وجه قطع السرقة (قال الشافعي): والخلسة ليست كالسرقة فلا قطع فيها؛ لأنها لم تؤخذ من حرز وليست بقطع للطريق (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن ابن شهاب أن مروان بن الحكم أتي بإنسان قد اختلس متاعا فأراد قطع يده فأرسل إلى زيد بن ثابت يسأله عن ذلك فقال زيد ليس في الخلسة قطع.

    (قال الشافعي): ولو أسكن رجل رجلا في بيت أو أكراه إياه فكان يغلقه دونه ثم سرق رب البيت منه قطع وهو مثل الغريب يسرق منه. .

    غرم السارق

    (قال الشافعي): - رحمه الله - وإذا وجدت السرقة في يد السارق قبل يقطع ردت إلى صاحبها وقطع وإن كان أحدث في السرقة شيئا ينقصها ردت إليه وما نقصها ضامن عليه يتبع به وإن أتلف السلعة قطع أيضا وكانت عليه قيمتها يوم سرقها ويضمن قيمتها إذا فاتت. وكذلك قاطع الطريق وكل من أتلف لإنسان شيئا مما يقطع فيه أو لا يقطع فلا فرق بين ذلك ويضمنه من أتلفه والقطع لله لا يسقط غرمه ما أتلف للناس.

    حد قاطع الطريق

    (قال الشافعي): - رحمه الله -: قال الله تبارك وتعالى {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا} الآية (قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم عن صالح مولى التوأمة عن ابن عباس في قطاع الطريق إذا قتلوا وأخذوا المال، قتلوا وصلبوا وإذا قتلوا ولم يأخذوا المال، قتلوا ولم يصلبوا وإذا أخذوا المال ولم يقتلوا، قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف وإذا هربوا طلبوا حتى يوجدوا فتقام عليهم الحدود وإذا أخافوا السبيل ولم يأخذوا مالا نفوا من الأرض.

    (قال الشافعي): وبهذا نقول وهو موافق معنى كتاب الله تبارك وتعالى وذلك أن الحدود إنما نزلت فيمن أسلم فأما أهل الشرك فلا حدود فيهم إلا القتل أو السباء والجزية واختلاف حدودهم باختلاف أفعالهم على ما قال ابن عباس - رضي الله عنهما - إن شاء الله تعالى {إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم} فمن تاب قبل أن يقدر عليه سقط حق الله عنه وأخذ بحقوق بني آدم. ولا يقطع من قطاع الطريق إلا من أخذ قيمة ربع دينار فصاعدا قياسا على السنة في السارق (قال الشافعي): - رحمه الله - والمحاربون الذين هذه حدودهم القوم يعرضون بالسلاح للقوم حتى يغصبوهم مجاهرة في الصحاري والطرق (قال): وأرى ذلك في ديار أهل البادية وفي القرى سواء إن لم يكن من كان في المصر أعظم ذنبا فحدودهم واحدة فإذا عرض اللصوص لجماعة أو واحد مكابرة بسلاح فاختلف أفعال العارضين فكان منهم من قتل وأخذ المال ومنهم من قتل ولم يأخذ مالا ومنهم من أخذ مالا ولم يقتل ومنهم من كثر الجماعة وهيب ومنهم من كان ردءا للصوص يتقوون بمكانه أقيمت عليهم الحدود باختلاف أفعالهم على ما وصفت. وينظر إلى من قتل منهم وأخذ مالا فيقتله ويصلبه وأحب إلي أن يبدأ بقتله قبل صلبه؛ لأن في صلبه وقتله على الخشبة تعذيبا له يشبه المثلة وقد قال غيري: يصلب ثم يطعن فيقتل. وإذا قتل ولم يأخذ مالا قتل ودفع إلى أوليائه فيدفنوه أو يدفنه غيرهم، ومن أخذ مالا ولم يقتل قطعت يده اليمنى ثم حسمت ثم رجله اليسرى ثم حسمت في مكان واحد وخلي، ومن حضر وكثر وهيب أو كان ردءا يدفع عنهم عزر وحبس وسواء افترقت أفعالهم كما وصفت في مقام واحد أو كانت جماعة كابرت ففعلت فعلا واحدا مثلا: قتل وحده أو قتل وأخذ مال أو أخذ مال بلا قتل حد كل واحد منهم حد مثله بقدر فعله ولو هيبوا ولم يبلغوا قتلا ولا أخذ مال عزروا ولو هيبوا وجرحوا أقص منهم بما فيه القصاص وعزروا وحبسوا ولو كان القاتل قتل منهم رجلا وجرح آخر أقص صاحب الجرح منه ثم قتل وكذلك لو كان أخذ المال وجرح أقص صاحب الجرح ثم قطع لا تمنع حقوق الله حقوق الآدميين في الجراح وغيرها ولو كانت الجراح مما لا قصاص فيه

    وهي عمد فأرشها كلها في مال الجارح يؤخذ دينا من ماله. وإن قتل أو قطع فأراد أهل الجراح عفو الجراح فذلك لهم. وإن أراد أولياء المقتولين عفو دماء من قتلوا لم يكن ذلك يحقن دماء من عفوا عنه وكان على الإمام أن يقتلهم إذا بلغت جنايتهم القتل

    (قال الشافعي): - رحمه الله - وأحفظ عن بعض أهل العلم قبلنا أنه قال: يقتلون وإن قتلوا عبدا أو ذميا على مال يأخذونه وهذا مخالف للقتل على غير الغيلة (قال): ولقوله هذا وجه؛ لأن الله عز وجل ذكر القتل والصلب فيمن حارب وسعى في الأرض فسادا فيحتمل أن يكون إذا نيل هذا من عبد أو ذمي من المحاربة أو الفساد ويحتمل أن يكونوا إذا فعلوا ما في مثله القصاص. وإن كنت أراه قد خالف سبيل القصاص في غيره؛ لأن دم القاتل فيه لا يحقن بعفو الولي عنه ولا يصلحه. لو صالح فيه كان الصلح مردودا وفعل المصالح؛ لأنه حد من حدود الله عز وجل ليس فيه خبر يلزم فيتبع ولا إجماع أتبعه ولا قياس بتفرق فيصح وإنما أستخير الله فيه. .

    الشهادات والإقرار في السرقة وقطع الطريق وغير ذلك

    (قال الشافعي): - رحمه الله -: ولا يقام على سارق ولا محارب حد إلا بواحد من وجهين: إما شاهدان عدلان يشهدان عليه بما في مثله الحد، وإما باعتراف يثبت عليه حتى يقام عليه الحد، وعلى الإمام أن يقف الشاهدين في السرقة حتى يقولا سرق فلان " ويثبتاه بعينه، وإن لم يثبتاه باسمه ونسبه " متاعا لهذا يسوى ربع دينار وحضر المسروق منه يدعي ما قال الشاهدان فإن كذب الشاهدين لم يقطع السارق وإن لم يحضر حبس السارق حتى يحضر فيدعي أو يكذب الشاهدين. وإذا ادعى مرة كفاه ما لم يرجع بعدها. فإذا لم يعرفا القيمة شهدا على المتاع بعينه أو صفة يثبتانها أنها أكثر ثمنا من ربع دينار ويقولان سرق من حرز ويصفان الحرز لا يقبل منهما غير صفته؛ لأنه قد يكون عندهما حرزا. وليس عند العلماء بحرز فإذا اجتمع هذا أقيم عليه الحد، وكذلك يشهد الشاهدان على قطاع الطريق بأعيانهم وإن لم يسموا أسماءهم وأنسابهم أنهم عرضوا بالسلاح لهؤلاء أو لهذا بعينه وأخافوه بالسلاح ونالوه به ثم فعلوا ما فيه حد. فإن شهدوا على أخذ المتاع شهدوا كما يشهد شهود السارق على متاع بعينه أو بقيمته أو بصفته كما وصفت في شهادة السارق، ويحضر أهل المتاع وأولياء المقتول وإن شهد شاهدان من أهل رفقته أن هؤلاء عرضوا لنا فنالونا وأخذوا منا أو من بعضنا لم تجز شهادتهما؛ لأنهما خصمان ويسعهما أن يشهدا أن هؤلاء عرضوا لهؤلاء ففعلوا وفعلوا ونحن ننظر وليس على الإمام عندي أن يقفهم فيسألهم هل كنتم فيهم؛ لأن أكثر الشهادة عليهم هكذا، فإن شهدوا أن هؤلاء عرضوا ففعل بعضهم لا يثبت أيهم فعل من أيهم لم يفعل لم يحدوا بهذه الشهادة حتى يثبت الفعل على فاعل بعينه، وكذلك السرقة (قال الشافعي): - رحمه الله -: ولا يجوز في الحدود شهادة النساء ولا يقبل في السرقة ولا قطع الطريق أقل من شاهدين ولا يقبل فيه شاهد ويمين، وكذلك حتى يبينوا الجارح والقاتل وآخذ المتاع بأعيانهم. فإن لم يوجد شاهدان فجاء رب السرقة بشاهد حلف مع شاهده وأخذ سرقته بعينها أو قيمتها يوم سرقت إن فاتت؛ لأن هذا مال يستحقه ولم يقطع السارق، وإن جاء بشاهد وامرأتين أخذ سرقته بعينها أو قيمتها يوم سرقها فإن هذا مال وتجوز شهادة النساء فيه ولا يختلف، وهكذا يفعل من طلب قطاع الطريق بكل مال أخذوه وإن طلب جرحا يقتص منه وجاء بشاهد لم يقسم في الجراح وأحلف

    المدعى عليه وبرئ وإن طلب جرحا لا قصاص فيه وجاء بشاهد أحلف مع شاهده وأخذ الأرش، وإن جاء بشاهد على سرقته من حرز أو غير حرز أحلف مع شاهده وأخذ السرقة أو قيمتها إن لم توجد.

    ولا يقطع أحد بشاهد ويمين ولا يقتص منه من جرح ولا بشاهد وامرأتين وإن أقر السارق بالسرقة ووصفها وقيمتها وكانت مما يقطع به قطع " قال الربيع " يقطع إلا أن يرجع فلا يقطع، وتؤخذ منه قيمة السلعة التي أتلف على ما أقر به أولا (قال الشافعي): - رحمه الله -: وقاطع الطريق كذلك ولو أقرا بقتل فلان وجرح فلان وأخذ مال فلان أو بعض ذلك فيكفي كل واحد منهما الإقرار مرة ويلزم كل واحد منهما ما أقر به على ما أقر به فيحدان معا حدهما ويقتص ممن عليه القصاص منهما ويغرم كل واحد منهما ما يلزمه كما يفعل به لو قامت به عليه بينة عادلة. فإن أقرا بما وصفت ثم رجعا قبل أن يقام عليهما الحد لم يقم عليهما حد القطع ولا القتل ولا الصلب بقطع الطريق ولزمهما حقوق الناس، وأغرم السارق قيمة ما سرق وأغرم قاطع الطريق قيمة ما أقر أنه أخذ لأصحابه، وإن كان في إقراره أنه قتل فلانا دفع إلى وليه فإن شاء قتله وإن شاء أخذ منه الدية وإن شاء عفا عنه؛ لأنه ليس بالحد يقتل إنما يقتل باعتراف قد رجع عنه ولو ثبت على الاعتراف قتل ولم يحقن دمه عفو الولي عنه وإن كان أقر بجرح وكان يقتص منه اقتص منه وإن كان لا يقتص منه أخذ أرشه من ماله، ولو قال أصبته بذلك الجرح خطأ أخذ من ماله لا تعقل منه عاقلته عنه اعترافا، ولو قطعت بعض يد السارق بالإقرار ثم رجع كف عن قطع ما بقي من يده إلا أن يأمر هو بها على أنه لا يصلحه إلا ذلك فإن شاء من أمره قطعه وإن شاء فلا، هو حينئذ يقطع على العيب. ولو قطعت يد المعترف بقطع الطريق ثم رجع لم تقطع رجله إذا كان لا يقام عليه إلا باعترافه إلا أن تثبت بينة عليه فسواء تقدم رجوعه أو تأخر أو وجد ألما للحد خوفا منه أو لم يجده وتؤخذ منهما حقوق الناس كما وصفت قبل هذه المسألة.

    (قال الشافعي): ذكر الله تبارك وتعالى حد استتابة المحارب فقال عز وجل {إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم} فمن أخاف في المحاربة الطريق وفعل فيها ما وصفت من قتل أو جرح وأخذ مال أو بعضه فاختلف أصحابنا فيه فقال: بعضهم كل ما كان لله عز وجل من حد يسقط فلا يقطع وكل ما كان للآدميين لم يبطل يجرح بالجرح ويؤخذ منه أرشه إن لم يكن فيه قصاص ويؤخذ منه قيمة ما أخذ وإن قتل دفع إلى أولياء القتيل فإن شاءوا قتلوا وإن شاءوا عفوا ولا يصلب. وإن عفا جاز العفو؛ لأنه إنما يصير قصاصا لا حدا. وبهذا أقول. وقال بعضهم: يسقط عنه ما لله عز وجل وللناس كله إلا أن يوجد عنده متاع رجل بعينه فيدفعه إليه (قال الشافعي): - والله أعلم - السارق مثله قياسا عليه فيسقط عنه القطع ويؤخذ بغرم ما سرق، وإن فات ما سرق. .

    حد الثيب الزاني

    (قال الشافعي) - رحمه الله تعالى -: أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني أنهما أخبراه «أن رجلين اختصما إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال أحدهما يا رسول الله اقض بيننا بكتاب الله عز وجل. وقال الآخر - وهو أفقههما - أجل يا رسول الله اقض بيننا بكتاب الله عز وجل وأذن لي في أن أتكلم، قال: تكلم قال إن ابني كان عسيفا

    على هذا فزنى بامرأته فأخبرت أن على ابني الرجم فافتديت منه بمائة شاة وجارية ثم إني سألت أهل العلم فأخبروني إنما على ابني جلد مائة وتغريب عام وإنما الرجم على امرأته فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أما والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله. أما غنمك وجاريتك فرد عليك وجلد ابنه مائة وغربه عاما، وأمر أنيسا الأسلمي أن يأتي امرأة الآخر فإن اعترفت رجمها فاعترفت فرجمها» قال مالك والعسيف الأخير.

    (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس أنه قال سمعت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول: الرجم في كتاب الله حق على من زنى من الرجال والنساء إذا أحصن إذا قامت عليه البينة أو كان الحبل أو الاعتراف.

    (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجم يهوديا ويهودية زنيا».





    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #262
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,584

    افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله


    كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
    محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
    المجلد السادس

    الحلقة (262)
    صــــــــــ 167 الى صـــــــــــ 172



    (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار عن أبي واقد الليثي أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أتاه رجل وهو بالشام فذكر له أنه وجد مع امرأته رجلا فبعث عمر بن الخطاب أبا واقد الليثي إلى امرأته يسألها عن ذلك فأتاها وعندها نسوة حولها فذكر لها الذي قال زوجها لعمر بن الخطاب وأخبرها أنها لا تؤخذ بقوله وجعل يلقنها أشباه ذلك لتنزع فأبت أن تنزع وثبتت على الاعتراف فأمر بها عمر بن الخطاب فرجمت.


    (قال الشافعي): فبكتاب الله ثم سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم فعل عمر نأخذ في هذا كله وإذا تزوج الرجل حرة مسلمة أو يهودية أو نصرانية أو لم يجد طولا فتزوج أمة ثم أصابها بعد بلوغه فهو محصن وإذا تزوجت الحرة المسلمة أو الذمية زوجا حرا أو عبدا فأصابها بعد بلوغها فهي محصنة وأيهما زنى أقيم عليه حد المحصن بمحصنة أو بكر أو أمة أو مستكرهة وسواء زنت المحصنة بعبد أو حر أو معتوه يقام على كل واحد منهما حده. وحد المحصن والمحصنة أن يرجما بالحجارة حتى يموتا ثم يغسلا ويصلى عليهما ويدفنا.

    ولا يحضر الإمام المرجومين ولا الشهود؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد رجم رجلا وامرأة ولم يحضرهما ولم يحضر عمر ولا عثمان أحدا رجماه علمنا ولا يحضر ذلك الشهود على الزاني. أقل ما يحضر حد الزاني في الجلد والرجم أربعة لقول الله عز وجل {وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين}. .

    وشهود الزنا أربعة (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): فإن زنى بكر بامرأة ثيب رجمت المرأة وجلد البكر مائة ونفي سنة. ثم يؤذن له في البلد الذي خرج منه وينفي المرأة والرجل الحران معا إذا زنيا ولا يقام الحد على الزاني إلا بأن يشهد عليه أربعة شهداء عدول.

    ثم يقفهم الحاكم حتى يثبتوا أنهم رأوا ذلك منه يدخل في ذلك منها دخول المرود في المكحلة فإذا أثبتوا ذلك حد الزاني والزانية حدهما أو باعتراف من الزاني والزانية فإذا اعترف مرة وثبت عليها حد حده، وكذلك هي وإن اعترف هو وجحدت هي أو اعترفت هي وجحد هو أقيم الحد على المعترف منهما ولم يقم على الآخر. ولو قال رجل قد زعمت أنها زنت بي أو المرأة قد زعم أني زنيت به فاجلده لي لم يجلده؛ لأن كل واحد منهما أقر بحد على غيره نفسه يؤخذ به وإن كان فيه قذف لغيره.

    (قال الشافعي): فمتى رجع المعترف منهما عن الإقرار بالزنا قبل منه ولم يرجم ولم يجلد. وإن رجع بعدما أخذته الحجارة أو السياط كف عن الرجم والجلد ذكر علة أو لم يذكرها وقال الله عز وجل في الإماء فيمن أحصن {فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب}.

    (قال الشافعي) فقال من أحفظ عنه من أهل العلم إحصانها إسلامها فإذا زنت الأمة المسلمة جلدت خمسين؛ لأن العذاب في الجلد يتبعض ولا يتبعض في الرجم. وكذلك العبد وذلك أن حدود الرجال والنساء لا تختلف في كتاب الله عز وجل ولا سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - ولا عامة المسلمين وهما مثل الحرين في أن لا يقام عليهما الحد إلا بأربعة كما وصفت في الحرين أو باعتراف يثبتان عليه لا يخالفان في هذا الحرين واختلف أصحابنا في نفيهما فمنهم من قال لا ينفيان كما لا يرجمان ولو نفيا نفيا نصف سنة وهذا مما أستخير الله عز وجل فيه (قال الربيع) قول الشافعي أنه ينفي العبد والأمة نصف سنة (قال الشافعي): ولسيد العبد والأمة أن يقيما عليهما حد الزنا فإذا فعلا لم يكن للسلطان أن يثني عليهما الحد ولا نحكم بين أهل الكتاب في الحدود إلا أن يأتونا راغبين فإن فعلوا فلنا الخيار أن نحكم أو ندع فإن حكمنا حكمنا بحكم الإسلام فرجمنا الحرين المحصنين في الزنا وجلدنا البكرين والحرين مائة ونفيناهما سنة وجلدنا العبد والأمة في الزنا خمسين خمسين مثل حكم الإسلام. .

    ما يدرأ فيه الحد في الزنا وما لا يدرأ

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): إذا استكره الرجل المرأة أقيم الحد ولم يقم عليها؛ لأنها مستكرهة ولها مهر مثلها حرة كانت أو أمة فإذا كانت الأمة نقصت الإصابة من ثمنها شيئا قضي عليه مع المهر بما نقص من ثمنها، وكذلك إن كانت حرة فجرحها جرحا له أرش قضي عليه بأرش الجرح مع المهر، المهر بالوطء والأرش بالجناية، وكذلك لو ماتت من وطئه كانت عليه دية الحرة وقيمة الأمة والمهر ولو أن رجلا أخذ مع امرأة فجاء ببينة أنه نكحها وقال نكحتها وأنا أعلم أن لها زوجا أو أنها في عدة من زوج أو أنها ذات محرم وأنا أعلم أنها محرمة في هذه الحال أقيم عليه حد الزاني، وكذلك إن قالت هي ذلك فإن ادعى الجهالة بأن لها زوجا أو أنها في عدة أحلف ودرئ عنه الحد وإن قالت قد علمت أني ذات زوج ولا يحل لي النكاح أقيم عليها الحد ولكن إن قالت بلغني موت زوجي واعتددت ثم نكحت درئ عنها الحد وفي كل ما درأنا فيه الحد ألزمه المهر بالوطء. .

    باب المرتد الكبير

    (أخبرنا الربيع بن سليمان) قال (أخبرنا محمد بن إدريس الشافعي) قال: قال الله تبارك وتعالى {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله} وقال عز وجل {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} إلى قوله {فخلوا سبيلهم} وقال الله تبارك اسمه {ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم} الآية وقال تعالى {ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين} أخبرنا الثقة عن حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن أبي أمامة بن سهل عن عثمان بن عفان أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان وزنا بعد إحصان وقتل نفس بغير نفس» (قال الشافعي): فلم يجز في قول النبي - صلى الله عليه وسلم - «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث»: إحداهن الكفر بعد الإيمان إلا أن تكون كلمة الكفر تحل الدم كما يحله الزنا بعد الإحصان أو تكون كلمة الكفر تحل الدم إلا أن

    يتوب صاحبه فدل كتاب الله عز وجل ثم سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن معنى قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «كفر بعد إيمان» إذا لم يتب من الكفر وقد وضعت هذه الدلائل مواضعها وحكم الله عز وجل في قتل من لم يسلم من المشركين وما أباح جل ثناؤه من أموالهم ثم حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في القتل بالكفر بعد الإيمان يشبه - والله تعالى أعلم - أن يكون إذا حقن الدم بالإيمان ثم أباحه بالخروج منه أن يكون حكمه حكم الذي لم يزل كافرا محاربا وأكبر منه؛ لأنه قد خرج من الذي حقن به دمه ورجع إلى الذي أبيح الدم فيه والمال والمرتد به أكبر حكما من الذي لم يزل مشركا؛ لأن الله عز وجل أحبط بالشرك بعد الإيمان كل عمل صالح قدم قبل شركه وأن الله - جل ثناؤه - كفر عمن لم يزل مشركا ما كان قبله وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبان أن من لم يزل مشركا ثم أسلم كفر عنه ما كان قبل الشرك «وقال لرجل كان يقدم خيرا في الشرك أسلمت على ما سبق لك من خير» وأن من سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيمن ظفر به من رجال المشركين أنه قتل بعضهم، ومن على بعضهم وفادى ببعض وأخذ الفدية من بعض فلم يختلف المسلمون أنه لا يحل أن يفادى بمرتد بعد إيمانه ولا يمن عليه ولا تؤخذ منه فدية ولا يترك بحال حتى يسلم أو يقتل. والله أعلم.

    باب ما يحرم به الدم من الإسلام

    (قال الشافعي): - رحمه الله -: قال الله تبارك وتعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم - {إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون} إلى " يفقهون " (قال الشافعي): فبين أن إظهار الإيمان ممن لم يزل مشركا حتى أظهر الإيمان وممن أظهر الإيمان ثم أشرك بعد إظهاره ثم أظهر الإيمان مانع لدم من أظهره في أي هذين الحالين كان وإلى أي كفر صار كفر يسره أو كفر يظهره وذلك أنه لم يكن للمنافقين دين يظهر كظهور الدين الذي له أعياد وإتيان كنائس إنما كان كفر جحد وتعطيل وذلك بين في كتاب الله عز وجل ثم في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأن الله عز وجل أخبر عن المنافقين بأنهم اتخذوا أيمانهم جنة يعني والله أعلم من القتل ثم أخبر بالوجه الذي اتخذوا به أيمانهم جنة فقال {ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا} فأخبر عنهم بأنهم آمنوا ثم كفروا بعد الإيمان كفرا إذا سئلوا عنه أنكروه وأظهروا الإيمان وأقروا به وأظهروا التوبة منه وهم مقيمون فيما بينهم وبين الله على الكفر قال الله جل ثناؤه {يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم} فأخبر بكفرهم وجحدهم الكفر وكذب سرائرهم بجحدهم وذكر كفرهم في غير آية وسماهم بالنفاق إذ أظهروا الإيمان وكانوا على غيره قال جل وعز " {إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا} فأخبر عز وجل عن المنافقين بالكفر وحكم فيهم بعلمه من أسرار خلقه ما لا يعلمه غيره بأنهم في الدرك الأسفل من النار وأنهم كاذبون بأيمانهم وحكم فيهم جل ثناؤه في الدنيا بأن ما أظهروا من الإيمان وإن كانوا به كاذبين لهم جنة من القتل وهم المسرون الكفر المظهرون الإيمان وبين على لسانه - صلى الله عليه وسلم - مثل ما أنزل في كتابه من أن إظهار القول بالإيمان جنة من القتل أقر من شهد عليه بالإيمان بعد الكفر أو

    لم يقر إذا أظهر الإيمان فإظهاره مانع من القتل وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا حقن الله تعالى دماء من أظهر الإيمان بعد الكفر أن لهم حكم المسلمين من الموارثة والمناكحة وغير ذلك من أحكام المسلمين. فكان بينا في حكم الله عز وجل في المنافقين ثم حكم رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن ليس لأحد أن يحكم على أحد بخلاف ما أظهر من نفسه وأن الله عز وجل إنما جعل للعباد الحكم على ما أظهر لأن أحدا منهم لا يعلم ما غاب إلا ما علمه الله عز وجل فوجب على من عقل عن الله أن يجعل الظنون كلها في الأحكام معطلة فلا يحكم على أحد بظن. وهكذا دلالة سنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث كانت لا تختلف. أخبرنا يحيى بن حسان عن الليث بن سعد عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد عن عبيد الله بن عدي بن الخيار «عن المقداد بن الأسود أنه أخبره أنه قال يا رسول الله أرأيت إن لقيت رجلا من الكفار فقاتلني فضرب إحدى يدي بالسيف فقطعها ثم لاذ مني بشجرة فقال أسلمت لله أفأقتله يا رسول الله بعد أن قالها؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا تقتله فقلت يا رسول الله إنه قطع يدي ثم قال ذلك بعد أن قطعها أفأقتله يا رسول الله؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا تقتله فإنك إن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قالها» (قال الشافعي): - رحمه الله -: فأخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الله حرم دم هذا بإظهاره الإيمان في حال خوفه على دمه ولم يبحه بالأغلب أنه لم يسلم إلا متعوذا من القتل بالإسلام (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي عن عبيد الله بن عدي بن الخيار «أن رجلا سار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم ندر ما ساره به حتى جهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا هو يستأذنه في قتل رجل من المنافقين فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أليس يشهد أن لا إله إلا الله؟ قال بلى. ولا شهادة له. قال: أليس يصلي؟ قال بلى ولا صلاة له فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - أولئك الذين نهاني الله عنهم» (قال الشافعي): فأخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المستأذن في قتل المنافق إذا أظهر الإسلام أن الله نهاه عن قتله وهذا موافق كتاب الله عز وجل بأن الإيمان جنة وموافق سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحكم أهل الدنيا. وقد أخبر الله عنهم أنهم في الدرك الأسفل من النار. أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «لا أزال أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله».

    (قال الشافعي): - رحمه الله -: وهذا موافق ما كتبنا قبله من كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - وبين أنه إنما يحكم على ما ظهر وأن الله تعالى ولي ما غاب لأنه عالم بقوله وحسابهم على الله وكذلك قال الله عز وجل فيما ذكرنا وفي غيره فقال {ما عليك من حسابهم من شيء} وقال عمر - رضي الله عنه - لرجل كان يعرفه بما شاء الله في دينه " أمؤمن أنت؟ " قال نعم قال " إني لأحسبك متعوذا " قال أما في الإيمان ما أعاذني؟ فقال عمر بلى «وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في رجل هو من أهل النار فخرج أحدهم معه حتى أثخن الذي قال من أهل النار فآذته الجراح فقتل نفسه». ولم يمنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما استقر عنده من نفاقه وعلم إن كان علمه من الله فيه من أن حقن دمه بإظهار الإيمان.

    تفريع المرتد

    (قال الشافعي): - رحمه الله -: فأي رجل غم لم يزل مشركا ثم أظهر الإيمان في أي حال كان لا يمتنع فيها بقهر من لقيه فغلبه له أو إيسار أو حبس أو غيره حقن الإيمان دمه وأوجب له حكم الإيمان ولم يقتل بظن أنه لم يؤمن إلا مضطرا خائفا وفي مثل حاله من أنه يحقن دمه ويوجب له حكم الإيمان في الدنيا من آمن ثم كفر ثم أظهر الإيمان فسواء شهد عليه بالكفر فجحد وأقر بالإيمان أو شهد شهادة الحق بعد الشهادة عليه أو لم يشهد عليه فأقر بالكفر ثم أظهر الإيمان فمتى أظهر الإيمان لم يحلف على ما تقدم منه من القول بالكفر شهد عليه أو لم يشهد وحقن دمه بما أظهر من الإيمان (قال الشافعي): - رحمه الله -: وسواء كثر ذلك منه حتى يكون مرة بعد مرة أو مرارا أو قل في حقن الدم وإيجاب حكم الإيمان له في الظاهر إلا أني أرى إذا فعل هذا مرة بعد أخرى أن يعزر وسواء كان مولودا على الإسلام ثم ارتد بعد عن الإسلام أو كان مشركا فأسلم ثم ارتد بعد الإسلام وسواء ارتد إلى يهودية أو نصرانية أو مجوسية أو جحد وتعطيل ودين لا يظهره فمتى أظهر الإسلام في أي هذه الأحوال كان وإلى أي هذه الأديان صار حقن دمه وحكم له حكم الإسلام ومتى أقام على الكفر في أي هذه الأحوال كان وإلى هذه الأديان صار استتيب فإن أظهر التوبة حكم له حكم الإسلام وإن امتنع منها وأقام على الكفر قتل مكانه ساعة يأبى إظهار الإيمان

    ولو ترك قتله إذا استتيب فامتنع ثلاثة أيام أو ستة أو أكثر ثم أظهر الإيمان حقن ذلك دمه وحكم له حكم الإسلام. ولو ارتد وهو سكران ثم تاب وهو سكران لم يخل حتى يفيق فيتوب مفيقا، وكذلك لا يقتل لو أبى الإسلام سكران حتى يفيق فيمتنع من التوبة مفيقا فيقتل وإذا أفاق عرض عليه الإيمان فإذا امتنع من التوبة مفيقا قتل، ولو ارتد مغلوبا على عقله بغير السكر لم يحبسه الوالي ولو مات بتلك الحال لم يمنع ورثته المسلمون ميراثه لأن ردته كانت في حال لا يجري فيها عليه القلم وهو مخالف للسكران في هذا الموضع والسكران لو ارتد سكران ثم مات قبل أن يتوب كان ماله فيئا ولو تاب سكران ثم مات ورثه ورثته من المسلمين، ولو تاب سكران لم أعجل بتخليته حتى يفيق فيتوب مفيقا وأجعل توبته توبة أحكم له بها حكم الإسلام حتى يفيق فإن ثبت عليها فهو الذي أطلب منه وإن رجع بعد الإفاقة إلى الكفر ولم يتب قتل (قال الشافعي): ولو ارتد مفيقا ثم أغمي عليه أو برسم أو خبل بعد الردة لم يقتل حتى يفيق فيستتاب فإن امتنع من التوبة وهو يعقل قتل ولو مات مغلوبا على عقله ولم يتب كان ماله فيئا (قال): وسواء في الردة والقتل عليها الرجل والمرأة والعبد والأمة وكل بالغ ممن أقر بالإيمان ولد على الإيمان أو الكفر ثم أقر بالإيمان

    (قال الشافعي): والإقرار بالإيمان وجهان: فمن كان من أهل الأوثان ومن لا دين له يدعي أنه دين نبوة ولا كتاب فإذا شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله فقد أقر بالإيمان ومتى رجع عنه قتل.

    (قال): ومن كان على دين اليهودية والنصرانية فهؤلاء يدعون دين موسى وعيسى صلوات الله وسلامه عليهما وقد بدلوا منه وقد أخذ عليهم فيهما الإيمان بمحمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكفروا بترك الإيمان به واتباع دينه مع ما كفروا به من الكذب على الله قبله فقد قيل لي إن فيهم من هو مقيم على دينه يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ويقول لم يبعث إلينا فإن كان فيهم أحد هكذا فقال أحد منهم أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده

    ورسوله لم يكن هذا مستكمل الإقرار بالإيمان حتى يقول وإن دين محمد حق أو فرض وأبرأ مما خالف دين محمد - صلى الله عليه وسلم - أو دين الإسلام فإذا قال هذا فقد استكمل الإقرار بالإيمان فإذا رجع عنه استتيب فإن تاب وإلا قتل وإن كان منهم طائفة تعرف بأن لا تقر بنبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - إلا عند الإسلام أو تزعم أن من أقر بنبوته لزمه الإسلام فشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله فقد استكملوا الإقرار بالإيمان فإن رجعوا عنه استتيبوا فإن تابوا وإلا قتلوا (قال): وإنما يقتل من أقر بالإيمان إذا أقر بالإيمان بعد البلوغ والعقل (قال): فمن أقر بالإيمان قبل البلوغ وإن كان عاقلا ثم ارتد قبل البلوغ أو بعده ثم لم يتب بعد البلوغ فلا يقتل لأن إيمانه لم يكن وهو بالغ ويؤمر بالإيمان ويجهد عليه بلا قتل إن لم يفعله وإن أقر بالإيمان وهو بالغ سكران من خمر ثم رجع استتيب فإن تاب وإلا قتل ولو كان مغلوبا على عقله بسوى السكر لم يستتب ولم يقتل إن أبى التوبة ولو أن رجلا وامرأته أقرا بالإيمان ثم ارتدا فلم يعرف من ردتهما إقرارهما كان بالإيمان أو عرف وتركا على الشرك ببلاد الإسلام أو بلاد الشرك ثم ولد لهما ولد قبل الإقرار بالإيمان أو بعد الردة أو بعدما رجعا عن الردة فذلك كله سواء إذا شهد على إقرارهما بالإيمان بديئا شاهدان فإن نشأ أولادهما الذين لم يبلغوا قبل إسلامهما على الشرك لا يعرفون غيره ثم ظهر عليهم قبل البلوغ وبعد العقل أمروا بالإيمان وجبروا عليه ولا يقتلون إن امتنعوا منه فإذا بلغوا أعلموا أنهم إن لم يؤمنوا قتلوا لأن حكمهم حكم الإيمان فإذا لم يؤمنوا قتلوا وهكذا إذا لم يظهر عليهم إلا بعد البلوغ وسواء أي أبويهم أسلم ثم ارتد أو ولد بعد إقرار أحد الأبوين بالإسلام والمقر بالإسلام منهما على الإقرار به أو مرتد فحكمه حكم الإسلام وهكذا إذا أسلم قبل بلوغ الولد أحد الأبوين أو هما (قال): ويقتل المريض المرتد عن الإسلام والعبد والأمة والمكاتب وأم الولد والشيخ الفاني إذا كانوا يعقلون ولم يتوبوا ولا تقتل المرأة الحامل حتى تضع ما في بطنها ثم تقتل إن لم تتب فإذا أبى الرجل أو المرأة المرتدان الرجوع إلى الإيمان قتل مكانه لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما قال «من بدل دينه فاقتلوه» وقال فيما يحل الدم «كفر بعد إيمان» كانت الغاية التي دل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أن يقتل فيها المرتد أن يمتنع من الإيمان ولم يكن إذا تؤني به ثلاثا أو أكثر أو أقل إلا في حال واحدة هي الامتناع من الإيمان لأنه قد يمتنع من التوبة بعد ثلاثة ويتوب مكانه قبل ما يؤخذ وبعدما يؤخذ ومن كان إسلامه بإسلام أبويه أو أحدهما فأبى الإسلام هكذا يعلم أنه إن لم يسلم قتل ولو تؤني به ساعة ويوما كان أحب إلي أن يتأنى به من المرتد بعد إيمان نفسه.

    الشهادة على المرتد

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولو شهد شاهدان أن رجلا ارتد عن الإيمان أو امرأة سئلا فإن أكذبا الشاهدين قيل لهما اشهدا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتبرآ مما خالف الإسلام من الأديان فإن أقرا بهذا لم يكشفا عن أكثر منه وكان هذا توبة منهما ولو أقرا وتابا قبل منهما.

    مال المرتد وزوجة المرتد

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا ارتد الرجل عن الإسلام وله زوجة، أو امرأة عن الإسلام ولها

    زوج فغفل عنه أو حبس فلم يقتل أو ذهب عقله بعد الردة أو لحق بدار الحرب أو هرب عن بلاد الإسلام فلم يقدر عليه فسواء ذلك كله فيما بينه وبين زوجته لا تقع الفرقة بينهما حتى تمضي عدة الزوجة قبل يتوب ويرجع إلى الإسلام فإذا انقضت عدتها قبل يتوب فقد بانت منه ولا سبيل له عليها وبينونتها منه فسخ بلا طلاق ومتى ادعت انقضاء العدة في حال يمكن فيها أن تكون صادقة بحال فهي مصدقة ولا سبيل له عليها إن رجع إلى الإسلام فإن قالت بعد يوم أو أقل أو أكثر قد أسقطت ولدا قد بان خلقه أو شيء من خلقه ورجع إلى الإسلام فجحد كان القول قولها مع يمينها قال الربيع وفيه قول آخر أنها إذا قالت أسقطت سقطا بان خلقه أو بعض خلقه لم يقبل قولها إلا بأن تأتي بأربع نسوة يشهدن على ما قالت لأن هذا موضع يمكن أن تراه النساء فيشهدن عليه.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #263
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,584

    افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله


    كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
    محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
    المجلد السادس

    الحلقة (263)
    صــــــــــ 173 الى صـــــــــــ 178



    (قال الشافعي): وإن قالت قد انقضت عدتي بأن حضت ثلاث حيض في مدة لا يمكن أن تحيض فيها ثلاث حيض لم يقبل منها وإذا ادعت ذلك بعد مدة يمكن أن تحيض فيها ثلاث حيض كان القول قولها مع يمينها (قال الشافعي): ولو ماتت ولم تدع انقضاء العدة قبل أن يرجع إلى الإسلام ثم رجع إلى الإسلام لا يرثها لأنها ماتت وهو مشرك ولو رجع إلى الإسلام قبل انقضاء عدتها كانا على النكاح ولا يترك قبل أن يرجع إلى الإسلام يصيبها حتى يسلم. ولو ماتت بعد رجوعه إلى الإسلام ولم تذكر انقضاء العدة ورثها ولو كانت هي المرتدة كان القول فيما تحل به وتحرم عليه وتبين منه وتثبت معه كالقول لو كان هو المرتد وهي المؤمنة لا يختلف في شيء إلا أنها إذا ارتدت عن الإيمان فلا نفقة لها في ماله في عدة ولا غيرها لأنها هي التي حرمت فرجها عليه.


    وكذلك لو ارتدت إلى نصرانية أو يهودية لم تحلل له لأنها لا تترك عليها وإن ارتد هو أنفق عليها في عدتها لأنها لم تبن منه إلا بمضي عدتها وأنه متى أسلم وهي في العدة كانت امرأته وإذا كان يلزمه في التي يملك رجعتها بعد طلاق نفقتها لأنه متى شاء راجعها كانت هكذا في مثل حالها في مثل هذه الحال أو أكثر وإذا ارتد أحد الزوجين ولم يدخل بالمرأة فقد بانت منه والبينونة فسخ بلا طلاق لأنه لا عدة عليها وإن كان هو المرتد فعليه نصف المهر لأن الفسخ جاء من قبله وإن كانت هي المرتدة فلا شيء لها لأن الفسخ جاء من قبلها. ولو ارتد وامرأته يهودية أو نصرانية كانت فيما يحل له منها ويحرم عليه ويلزمه لها كالمسلمة ولو كانت المسألة بحالها غير أنها المرتدة وهو المسلم لم تحل له حتى تسلم أو ترجع إلى دينها الذي حلت به من اليهودية أو النصرانية ولم تبن منه إلا بانقضاء عدتها ولم تقتل هي لأنها خرجت من كفر إلى كفر وسواء في هذا الحر المسلم أو العبد والحرة المسلمة أو الأمة لا يختلفون فيه.

    ولو ارتد الزوج فطلقها في حال ردته أو آلى منها أو تظاهر أو قذفها في عدتها أو كانت هي المرتدة ففعل ذلك وقف على ما فعل منه فإن رجع إلى الإسلام وهي في العدة وقع ذلك كله عليها وكان بينهما اللعان وإن لم يرجع حتى تمضي عدتها أو تموت لم يقع شيء من ذلك عليها والتعن ليدرأ الحد، وهكذا إذا كانت هي المرتدة وهو المسلم إلا أنه لا حد على من قذف مرتدة.

    ولو طلقها مسلمة ثم ارتد أو ارتدت ثم راجعها في عدتها لم يثبت عليها رجعة لأن الرجعة إحداث تحليل له فإذا أحدثه في حال لا يحل له فيه لم يثبت عليها ولو أسلمت أو أسلم في العدة بعد الرجعة لم تثبت الرجعة عليها ويحدث لها بعده رجعة إن شاء فتثبت عليها ولو اختلفا بعد انقضاء العدة فقال رجعت إلى الإسلام أمس وإنما انقضت عدتك اليوم وقالت رجعت اليوم فالقول

    قولها مع يمينها وعليه البينة أنه رجع أمس، ولو تصادقا أنه رجع أمس وقالت انقضت قبل أمس كان القول قولها مع يمينها ولو رجع إلى الإسلام فقالت لم تنقض عدتي إلا بعد رجوعه ثم قالت بعدها قد كانت انقضت عدتي كانت زوجته ولا تصدق بعد إقرارها أنها لم تخرج من ملكه ولو لم يسمع منها في ذلك شيء قبل رجوعه فلما رجع قلت مكانها قد انقضت عدتي كان القول قولها مع يمينها.

    مال المرتد

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): إذا ارتد الرجل وكان حاضرا بالبلد وله أمهات أولاد ومدبرات ومدبرون ومكاتبات ومكاتبون ومماليك وحيوان ومال سوى ذلك وقف ذلك كله عنه ومنع إصابة أم ولده وجارية له غيرها، والوقف أن يوضع ماله سوى إناث الرقيق على يدي عدل ورقيقه من النساء على يدي عدلة من النساء ويؤمر من بلغ من ذكور رقيقه بالكسب وينفق عليه من كسبه ويؤخذ فضل كسبه وتؤمر ذوات الصنعة من جواريه وأمهات أولاده وغيرهم بذلك ويؤاجر من لا صنعة له منهن من امرأة ثقة ومن مرض من رجالهم ونسائهم ومن لم يبلغ كسبا أنفق عليه من ماله حتى يفيق فيقوى على الكسب أو يبلغ الكسب ثم يؤمر بالكسب كما وصفنا وإن كان المرتد هاربا إلى دار الحرب أو غير دار الحرب أو متغيبا لا يدري أين هو؟ فسواء ذلك كله ويوقف ماله ويباع عليه الحيوان كله إلا ما لا يوجد السبيل إلى بيعه من أمهات أولاده أو مكاتبيه أو مرضع لولده أو خادم يخدم زوجة له وينفق على زوجته وصغار ولده وزمناهم ومن كان هو مجبورا على نفقتهم من خدمة وأمهات أولاده من ماله ويؤخذ كتابة مكاتبيه ويعتقون إذا أدوا وله ولاؤهم ومتى رجع إلى الإسلام رد ماله عليه ولم يرد ما بيع من ماله لأنه بيع والبيع نظر لمن يصير إليه المال وفي حال لا سبيل له فيها على المال وإذا انقضت عدة امرأته قطعت عنها النفقة ولم يكن له عليها سبيل إذا رجع بعد انقضاء عدتها ولو برسم أو غلب على عقله بعد الردة تربص به يومين أو ثلاثة فإن أفاق وإلا بيع عليه كما يباع على الغائب الهارب وما كسب في ردته فهو كما ملك قبل الردة إذا قدر عليه فإذا رجع إلى الإسلام دفع إليه ماله كله وإن مات أو قتل قبل أن يرجع إلى الإسلام خمس ماله فكان الخمس لأهل الخمس والأربعة الأخماس لجماعة المسلمين.

    وهكذا نصراني مات لا وارث له يخمس ماله فيكون الخمس لأهله وأربعة أخماسه لجماعة المسلمين، ولو قال ورثة المرتد من المسلمين قد أسلم قبل أن يموت كلفوا البينة فإذا جاءوا بها دفع إليهم ماله على مواريثهم وإن لم يأتوا بها فهو على الردة حتى تعلم توبته وإن كانت البينة ممن يرثه لم تقبل وكذلك لو كان أوصى بوصية فقال متى مت فلفلان وفلان كذا، ثم مات فشهد الموصى لهما بأنه رجع إلى الإسلام لم يقبلا لأنهما يجران إلى أنفسهما جواز الوصية التي قد أبطلت بردته.

    ولو كان تاب ثم مات فقيل ارتد ثم مات مرتدا فهو على التوبة حتى تقوم بينة بأنه ارتد بعد التوبة لأن من عرف بشيء فهو عليه حتى تقوم بينة بخلافه. ولو قسم الحاكم ماله في الحالين حين مات وقد عرفت ردته فقامت بينة على توبته رجع بها الحاكم على من دفعها إليه حيث كانوا حتى يردها إلى ورثته وكذلك لو قسمها في موته بعد توبته ثم قامت البينة على ردته بعد التوبة وموته مرتدا رجع الحاكم على ورثته حيث كانوا وأهل وصاياه وأخذ منهم ما أعطاهم من ماله حتى يصير لأهل الخمس والمسلمين.

    المكره على الردة

    قال الله تبارك وتعالى {من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب}.

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولو أن رجلا أسره العدو فأكرهه على الكفر لم تبن منه امرأته ولم يحكم عليه بشيء من حكم المرتد، قد أكره بعض من أسلم في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - على الكفر فقاله ثم جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر له ما عذب به فنزل فيه هذا ولم يأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - باجتناب زوجته ولا بشيء مما على المرتد ولو مات المكره على الكفر ولم تظهر له توبة ببلاد الحرب ورثه ورثته المسلمون، ولو انفلت فرجع إلى بلاد الإسلام قيل له أظهر الإسلام فإن فعل وإلا كان مرتدا بامتناعه من إظهار الإسلام يحكم عليه الحكم على المرتد وإذا أسر الرجل أو كان مستأمنا ببلاد العدو فشهد شاهدان على أنه كان يأكل الخنزير ويشرب الخمر ولم يشهدا على نفس الردة ولا على كلام كفر بين ثم مات ورث ماله ورثته من المسلمين إلا أن يقروا بأنه مرتد فيكون ماله فيئا فإن أقر بعضهم بردته ولم يقر بها بعضهم ورث الذين لم يقروا نصيبهم من ميراثه ويوقف نصيب الذين أقروا بردته حتى تستبان ردته وفيها قول آخر أنه يغنم لأنهم يصدقون على ما يملكون ولا يوقف، ولو شهد عليه شاهدان أنهما سمعاه يرتد وقالا ارتد مكرها أو ارتد محدودا أو ارتد محبوسا لم يغنم ماله وورثه ورثته من المسلمين ولو قالا كان محليا آمنا حين ارتد كانت تلك ردة وغنم ماله ولو ادعى ورثته أنه رجع إلى الإسلام لم يقبل منهم إلا ببينة ولو أقاموا بينة على أنهم رأوه في مدة بعد الشهادة بالردة يصلي صلاة المسلمين قبلت ذلك منهم وورثتهم ماله ولو كان هذا في بلاد الإسلام والمرتد ليس في حال ضرورة لم أقبل هذا منهم حتى يشهد عليه شاهدان بالتوبة بعد الردة ولم أقبل من ورثته أنه ارتد مسجونا ولا محدودا إذا لم تقطع البينة أنه سجن وحد ليرتد.

    ما أحدث المرتد في حال ردته في ماله

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا ارتد الرجل عن الإسلام فلم يوقف ماله فما صنع فيه فهو جائز كما يجوز له في ماله ما صنع قبل الردة فإذا وقف فلا سبيل له على إتلاف شيء من ماله بعوض ولا غيره ما كان موقوفا فإن أعتق أو كاتب أو دبر أو اشترى أو باع فذلك كله موقوف لا ينفذ منه شيء في حال ردته فإن رجع إلى الإسلام لزمه ذلك كله إلا البيع فإذا فسخ بيعه فقد انفسخ لأنه لم يكن محولا بينه وبين ماله في الحال الذي أحدث ذلك فيه حول الحجر إنما كان موقوفا عنه ليقتل فيعلم أن ملكه كان زائلا عنه بالردة إن لم يتب حتى يموت فيصير فيئا أو يسلم فيكون على ما كان في ملكه أولا فلما أسلم علمنا أن فعله فيما يملك.

    (قال الشافعي): ولو كان في ردته في يديه شيء يدعي أنه ملك له ثم أقر بذلك الشيء بعينه لغيره كان لغيره أخذه منه في حال ردته وكذلك يلزمه ما أقر به من الدين لأجنبي وكذلك يؤخذ من ماله ما لزم الرجل غير المرتد في ماله ولو قال في عبد من عبيده في حال ردته هذا عبد اشتريته أو وهب لي وهو حر كان حرا ولم ينتظر إسلامه بما أقر به لغيره إنما أرد ما أحدث إتلافه بلا سبب متقدم يقربه احتياطا عليه لا حجرا عنه (وفيها قول آخر) أنه إذا حجر عليه فهو كالمحجور في جميع حالاته حتى يرجع إلى الإسلام فيفك عنه الحجر.

    جناية المرتد

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا جنى المرتد في حال ردته على آدمي جناية عمدا في مثلها قصاص فالمجني عليه بالخيار في أن يقتص منه أو يأخذ قدر الجناية من ماله الذي كان له قبل الردة وما اكتسب بعدها وذلك كله سواء وكذلك إن كانت عمدا لا قصاص فيها وكذلك ما أحرق وأفسد لآدمي كان في ماله لا تسقطه عنه الردة (قال): وإن كانت الجناية خطأ فهي في ماله كما تكون على عاقلته إلى أجلها فإذا مات فهي حالة ولا تعقل العاقلة عنه شيئا جناه في حال ردته فإن كانت الجناية نفسا فهي في ماله في ثلاث سنين فإن قتل أو مات على الردة فهي حالة. ولو كانت الجناية وهو مسلم ثم ارتد فإن كانت عمدا فهي كجنايته وهو مرتد وإن كانت خطأ فهي على عاقلته لأن الجناية لزمتهم إذ جنى وهو مسلم. ولو ارتد وقتل فأراد ولي القتيل القتل كان ذلك له وإذا قتله وهو على الردة فماله لمن وصفته من المسلمين وكذلك لو قطع أو جرح أقصصنا منه ثم قتلناه على الردة فإن عجل الإمام فقتله على الردة أو مات عليها قبل القصاص فلولي الدم والجرح عمدا عقل النفس والجراح في مال الجاني المرتد، ولو كان الجاني المرتد عبدا أو أمة فجنى على من بينه وبينه القود كان لولي المجني عليه الخيار في القود أو أخذ العقل فإن أراد القود فهو له وإن أراد العقل فهو له في رقبة الجاني إلا أن يفديه سيده فإن فداه قتل على الردة وإن لم يفده قتل على الردة إلا أن يتوب فيباع ويعطى ولي المجني عليه قيمة جنايته ويرد الفضل إن كان فيه فضل عن الجناية على سيده ولو جنى وهو مرتد عبد ثم عته فاختار ولي الدم العقل ولم يتطوع مولاه بأن يفديه بيع مرتدا معتوها فأعطي ولي الجناية قيمة جنايته ورد فضل إن كان في ثمنه على سيده فإذا أفاق ولم يتب قتل على الردة ولا يباع إلا بالبراء من الردة والعته وما أحدث العبد من الجناية في الردة مخالفة ما أحدث من الذين من قبل أن الجناية لا تسقط عن صبي ولا محجور عليه ولا عبد لأنها بغير إذن المجني عليه والدين يسقط عن المحجور عليه وعن العبيد ما كانوا في الرق لأنه بإذن رب الدين.

    الجناية على المرتد

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا ارتد الرجل عن الإسلام فجنى عليه رجل جناية فإن كانت قتلا فلا عقل ولا قود ويعزر لأن الحاكم الوالي للحكم عليه وليس للحاكم قتله حتى يستتاب وإن كانت دون النفس فكذلك. ولو جنى عليه مرتدا ثم أسلم ثم مات من الجناية فالجناية هدر لأنها كانت غير ممنوعة بأن يحكم فيها بعقل أو قود ولو جنى عليه مرتدا فقطع يده ثم تاب ثم قطع رجله كان له القود في الرجل إن شاء لأنه جنى عليه مسلما ولو مات كانت لهم نصف الدية لأنه مات من جنايتين جناية ممنوعة وجناية غير ممنوعة.

    الدين على المرتد

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا كان على المرتد دين ببينة قبل الردة ثم ارتد قضي عنه دينه إن كان حالا وإن كان إلى أجل فهو إلى أجله إلا أن يموت فيحل بموته وكذلك كل ما أقر به قبل الردة

    لأحد (قال): وإن لم يعرف الدين ببينة تقوم ولا بإقرار منه متقدم للردة ولم يعرف إلا بإقرار منه في الردة فإقراره جائز عليه وما دان في الردة قبل وقف ماله لزمه وما دان بعد وقف ماله فإن كان من بيع رد البيع وإن كان من سلف وقف فإن مات على الردة بطل وإن رجع إلى الإسلام لزمه لأنا نعلم برجوعه إلى الإسلام أن ماله لم يكن خرج من يده (قال الربيع) وللشافعي قول آخر أنه إذا ضربه مرتدا ثم أسلم ثم مات أنه يدرأ عنه القود بالشبهة ويغرم الدية وله أيضا قول آخر أنه لا شيء عليه لأن الحق قتله كما أنه لو قطع يدي رجل فقطعنا يده قصاصا ثم مات من القصاص لم يكن على آخذ القصاص شيء والحق قتله وكذلك المرتد إذا جرحه مرتد ثم أسلم فمات فلا شيء على من جرحه لأن الجرح منه كان مباحا في وقته ذلك فالحق قتله فلا شيء على من جرح.

    الدين للمرتد

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا كان للمرتد دين حال أخذ ممن هو عليه ويوقف في ماله وإن كان إلى أجل فهو إلى أجله فإذا حل وقف إلا أن يموت المرتد قبل ذلك أو يقتل على ردته فيكون الدين إلى أجله فإذا قبض كان فيئا

    (قال الربيع) في رجل جرح مرتدا ثم أسلم ثم مات ففيها قولان أحدهما أن يكون عليه الدية لأنه مات مسلما والقول الثاني أنه لا شيء على من جرحه وإن أسلم فمات من قبل أن الضربة كانت وهو مرتد فيها فالحق الذي قتله ولا شيء على من جرحه.

    ذبيحة المرتد

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): لا تؤكل ذبيحة المرتد إلى أي دين ما ارتد لأنه إنما رخص في ذبائح أهل الكتاب الذين يقرون على أديانهم (قال): فلو عدا على شاة رجل فذبحها بغير إذنه ضمن قيمتها حية، وهكذا كل ما استهلك، ولو أمره أن يذبحها له وهو يعلمه مرتدا أو لا يعلمه لم يضمن شيئا لأنه لم يتعد ولا يأكلها صاحب الشاة (قال): ولو ذبح لنفسه أو استهلك متاعا لنفسه أو قتل عبدا لنفسه لم يضمن لأنه إن قتل أو مات على ردته فكل مال وجدناه له فهو فيء، وإن رجع إلى الإسلام علمنا برجوعه أنه إنما جنى على ماله ولا يضمن لنفسه مال نفسه.

    نكاح المرتد

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولا يجوز للمرتد أن ينكح قبل الحجر ولا بعده مسلمة لأنه مشرك ولا وثنية لأنه لا يحل له إلا ما يحل للمسلمين ولا كتابية لأنه لا يقر على دينه فإن نكح فأصاب واحدة منهن فلها مهر مثلها والنكاح مفسوخ ولا يكون للمرتد أن يزوج ابنته ولا أمته ولا امرأة هو وليها مسلمة أو مشركة ولا مسلما ولا مشركا وإذا أنكح فإنكاحه باطل والله الموفق.

    الخلاف في المرتد

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): فخالفنا بعض أهل ناحيتنا في المرتد بوجهين. أحدهما: أن قائلا منهم قال من ولد على الإسلام فارتد قتلته إلى أي دين ارتد وقتلته وإن تاب. وقال آخر منهم: من رجع إلى دين يظهره كاليهودية والنصرانية استتبته فإن تاب قبلت منه وإن لم يتب قتلته، وإن رجع إلى دين يستخفي به كالزندقة وما يستخفي به قتلته وإن أظهر التوبة لم أقبلها وأحسبه سوى بين من ولد على الإسلام ومن لم يولد عليه (قال الشافعي): فوافقنا بعض أصحابنا من المدنيين والمكيين والمشرقيين وغيرهم من أهل العلم في أن لا يقتل من أظهر التوبة وفي أن يسوي بين من ولد على الإسلام ومن لم يولد عليه ودان دينا يظهره أو دينا يستخفي به لأن كل ذلك كفر (قال الشافعي): والحجة على من فرق بين من ولد على الإسلام ومن لم يولد عليه أن الله أنزل حدوده فلم نعلم كتابا نزل ولا سنة مضت ولا أحدا من المسلمين خالف في الحدود بين أحد من المسلمين ولد على الكفر فأحدث إسلاما أو ولد على الإسلام والقتل على الردة حد ليس للإمام أن يعطله ولا يجوز لأحد إلا من فرضت طاعته أن يفرق بين الحدود والله أعلم.

    تكلف الحجة على قائل القول الأول وعلى من قال أقبل إظهار التوبة إذا كان رجع إلى دين يظهره ولا أقبل ذلك إذا رجع إلى دين لا يظهره

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولولا غفلة في بعض السامعين الذين لعل من نوى الأجر في تبيينهم أن يؤجر ما تكلفت لأنه إنما يكتفي في هذين القولين بأن يحكيا فيعلم أن ليس فيهما مذهب يجوز أن يغلط به عالم بحال وأن كتاب الله تعالى ثم سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - ثم المعقول والقياس يدل على غير ما قال من قال هذا والله أعلم. ومن أوجز ما بين به أن الأمر على غير ما قيل أن يقال قد روي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من بدل دينه فاضربوا عنقه» فهل يعد وهذا القول أبدا واحدا من معنيين؟ أن يكون من بدل دينه وأقام على تبديله ضربت عنقه كما تضرب عناق أهل الحرب. أو تكون كلمة التبديل توجب القتل وإن تاب كما يوجبه الزنا بعد الإحصان وقتل النفس بغير النفس فليس قولك واحدا منهما وأن يقال له لم قبلت إظهار التوبة من الذي رجع إلى النصرانية واليهودية ودين أظهره؟ ألأنك على ثقة من أنه إذا أظهر التوبة فقد صحت توبته أو قد يكون يظهرها وهو مشتمل على الكفر ودين النصرانية أو منتقل عنه إلى دين يخفيه؟ ولم أبيت قبول من أظهر التوبة وقد كان مستخفيا بالشرك؟ أعلى علم أنت من أن هذا لا يتوب توبة صحيحة أم قد يتوب توبة صحيحة؟ فلا يجوز لأحد أن يدعي علم هذا لأنه لا يعلم حقيقة علم هذا أحد من الآدميين غير المؤمن نفسه وإنما تولى الله عز ذكره علم الغيب، أو رأيت لو قال رجل من استسر بالكفر قبلت توبته لضعفه في استسراره ومن أعلنه لم تقبل توبته لما انكشف به من الكفر بالله وإن المنكشف بالمعصية أولى أن تنفر القلوب منه ويكاد أن يؤيس من صحة توبته لأنا رأينا من انكشف بالمعاصي سوى الشرك كان أحرى أن لا يتوب ما الحجة عليه؟ هل هي إلا أن هذا مما لا يعلمه إلا الله عز وجل وأن حكم الله تعالى في الدنيا قبول ظاهر الآدميين وأنه تولى سرائرهم ولم يجعل لنبي مرسل ولا لأحد من خلقه أن يحكم إلا على الظاهر وتولى دونهم السرائر لانفراده بعلمها وهكذا الحجة على من قال هذا القول. وأخبر الله عز وجل عن قوم من الأعراب فقال {قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم} فأعلم أنه لم يدخل الإيمان في قلوبهم وأنهم أظهروه وحقن به دماءهم قال مجاهد في قوله " أسلمنا "، قال أسلمنا مخافة القتل والسباء (قال الشافعي): وأخبر الله جل ثناؤه عن المنافقين في عدد آي من كتابه بإظهار الإيمان والاستسرار بالشرك وأخبرنا بأن قد جزاهم بعلمه عنهم بالدرك الأسفل من النار فقال {إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا} فأعلم أن حكمهم في الآخرة النار بعلمه أسرارهم وأن حكمه عليهم في الدنيا إن أظهروا الإيمان جنة لهم، وأخبر عن طائفة غيرهم فقال {وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا} وهذه حكاية عنهم وعن الطائفة معهم مع ما حكى من كفر المنافقين منفردا وحكى من أن الإيمان لم يدخل قلوب من حكى من الأعراب وكل من حقن دمه في الدنيا بما أظهر مما يعلم جل ثناؤه خلافه من شركهم لأنه أبان أنه لم يول الحكم على السرائر غيره وأن قد ولى نبيه الحكم على الظاهر وعاشرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يقتل منهم أحدا ولم يحبسه ولم يعاقبه ولم يمنعه سهمه في الإسلام إذا حضر القتال ولا مناكحة المؤمنين وموارثتهم والصلاة على موتاهم وجميع حكم الإسلام وهؤلاء من المنافقين والذين في قلوبهم مرض والأعراب لا يدينون دينا يظهر بل يظهرون الإسلام ويستخفون بالشرك والتعطيل قال الله عز وجل {يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول} فإن قال قائل فلعل من سميت لم يظهر شركا سمعه منه آدمي وإنما أخبر الله أسرارهم فقد سمع من عدد منهم الشرك وشهد به عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فمنهم من جحده وشهد شهادة الحق فتركه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما أظهر ولم يقفه على أن يقول أقر ومنهم من أقر بما شهد به عليه وقال تبت إلى الله وشهد شهادة الحق فتركه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما أظهر. ومنهم من عرف النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه (أخبرنا) سفيان بن عيينة عن الزهري عن أسامة بن زيد وقال شهدت من نفاق عبد الله بن أبي ثلاثة مجالس فإن قال قائل فقد قال الله عز وجل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - {ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله} إلى قوله {وهم كافرون} قيل فهذا يبين ما قلنا وخلاف ما قال من خالفنا، فأما أمره أن لا يصلي عليهم فإن صلاته بأبي هو وأمي مخالفة صلاة غيره وأرجو أن يكون قضى إذ أمره بترك الصلاة على المنافقين أن لا يصلي على أحد إلا غفر له وقضى أن لا يغفر للمقيم على شر فنهاه عن الصلاة على من لا يغفر له.




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #264
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,584

    افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله


    كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
    محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
    المجلد السادس

    الحلقة (264)
    صــــــــــ 179 الى صـــــــــــ 184





    فإن قال قائل ما دل على هذا؟ قيل لم يمنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الصلاة عليهم مسلما ولم يقتل منهم بعد هذا أحدا وترك الصلاة مباح على من قامت بالصلاة عليه طائفة من المسلمين فلما كان جائزا أن يترك الصلاة على المسلم إذا قام بالصلاة عليه بعض المسلمين لم يكن في ترك الصلاة معنى يغير ظاهر حكم الإسلام في الدنيا. وقد

    عاشرهم حذيفة فعرفهم بأعيانهم ثم عاشرهم مع أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - وهم يصلون عليهم وكان عمر - رضي الله عنه - إذا وضعت جنازة فرأى حذيفة فإن أشار إليه أن اجلس جلس وإن قام معه صلى عليها عمر ولا يمنع هو ولا أبو بكر قبله ولا عثمان بعده المسلمين الصلاة عليهم ولا شيئا من أحكام الإسلام ويدعها من تركها بمعنى ما وصفت من أنها إذا أبيح تركها من مسلم لا يعرف إلا بالإسلام كان أجوز تركها من المنافقين.


    فإن قال فلعل هذا للنبي - صلى الله عليه وسلم - خاصة. قيل فلم لم يقتل أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي - رضي الله عنهم - ولا غيرهم منهم أحدا ولم يمنعه حكم الإسلام وقد أعلمت عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما توفي اشرأب النفاق بالمدينة.


    (قال الشافعي): ويقال لأحد إن قال هذا ما ترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أحد من أهل دهره لله حدا بل كان أقوم الناس بما افترض الله عليه من حدوده - صلى الله عليه وسلم - حتى قال في امرأة سرقت فشفع لها «إنما أهلك من كان قبلكم أنه كان إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الوضيع قطعوه» وقد آمن بعض الناس ثم ارتد ثم أظهر الإيمان فلم يقتله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقتل من المرتدين من لم يظهر الإيمان. وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله» فأعلم أن حكمهم في الظاهر أن تمنع دماؤهم بإظهار الإيمان وحسابهم في المغيب على الله وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «إن الله عز وجل تولى منكم السرائر ودرأ عنكم بالبينات فتوبوا إلى الله واستتروا بستر الله فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله عز وجل» وقال - صلى الله عليه وسلم - «إنما أنا بشر مثلكم وإنكم تختصمون إلي فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع منه فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذنه فإنما أقطع له قطعة من النار» فأعلم أن حكمه كله على الظاهر وأنه لا يحل ما حرم الله وحكم الله على الباطن لأن الله عز وجل تولى الباطن وقال عمر بن الخطاب لرجل أظهر الإسلام كان يعرف منه خلافه إني لأحسبك متعوذا فقال أما في الإسلام ما أعاذني؟ فقال أجل إن في الإسلام ما أعاذ من استعاذ به قال ولو لم يعلم قائل هذا القول شيئا مما وصفنا إلا أنه وافقنا على قتل المرتد وأن يجعل ماله فيئا فكان حكمه عنده حكم المحارب من المشركين وكان أصل قوله في المحارب أنه إذا أظهر الإيمان في أي حال ما كان إسار أو تحت سيف أو غيرها أو على أي دين كان حقن دمه كان ينبغي أن يمنع من أن يقتل من أظهر الإيمان بأي حال كان وإلى أي دين كان رجع (قال الربيع) إذا قال بعض الناس فهم المشرقيون وإذا قال بعض أصحابنا أو بعض أهل بلدنا فهو مالك.


    خلاف بعض الناس في المرتد والمرتدة


    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وخالفنا بعض الناس في غير ما خالفنا فيه بعض أصحابنا من المرتد والمرتدة فقال إذا ارتدت المرأة الحرة عن الإسلام حبست ولم تقتل وإن ارتدت الأمة تخدم القوم دفعت إليهم وأمروا بأن يجبروها على الإسلام قال وكانت حجته في أن لا تقتل المرأة على الردة شيئا رواه عن عاصم عن أبي رزين عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - في المرأة ترتد عن الإسلام تحبس ولا تقتل

    وكلمني بعض من يذهب هذا المذهب وبحضرتنا جماعة من أهل العلم بالحديث فسألناهم عن هذا الحديث فما علمت واحدا منهم سكت عن أن قال هذا خطأ والذي روى هذا ليس ممن يثبت أهل العلم حديثه فقلت له قد سمعت ما قال هؤلاء الذين لا شك في علمهم بحديثك وقد روى بعضهم عن أبي بكر أنه قتل نسوة ارتددن عن الإسلام فكيف لم تصر إليه؟ قال إني إنما ذهبت في ترك قتل النساء إلى القياس على السنة لما نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن قتل النساء من أهل دار الحرب كان النساء ممن ثبتت له حرمة الإسلام أولى - عندي - أن لا يقتلن.


    وقلت له أو جعلتهن قياسا على أهل دار الحرب لأن الشرك جمعهن؟ قال لا قلت ونهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما زعمت عن قتل الشيخ الفاني والأجير مع نهيه عن قتل النساء فإن قلت نعم قلت أفرأيت شيخا فانيا وأجيرا ارتدا أتقتلهما أم تدعهما لعلتك بالقياس على أهل دار الحرب؟ فقال بل أقتلهما قلت فرجل ارتد فترهب قال فأقتله قلت وأنت لا تقتل الرهبان من أهل دار الحرب قال لا قلت وتغنم مال الشيخ والأجير والراهب ولا تغنم مال المرتد؟ قال نعم قلت لم؟ ألأن المرتد لا يشبه أهل دار الحرب قال ما يشبهه قلت أجل ولئن كنت علمت أنه لا يشبهه فأردت أن تشبه على أهل الجهالة ليشرع قولك فإذا لم أقتل النساء من أهل دار الحرب لم أقتلهن ممن ثبتت له حرمة الإسلام يسرع هذا إلى قلوبهم بجهلهم والغباء الذي فيهم وأنت تعلم أن ليس في هذا القول أكثر من تعقلهم أن هذه المنزلة قريبة من المأثم إلا أن يعفو الله عز وجل ولئن كان هذا اجتهادا أن من نسبك إلى العلم بالقياس لجاهل بالقياس أرأيت إذا كان حكم المرتدة عندك أن لا تقتل كيف حبستها وأنت لا تحبس الحربية إنما تسبيها وتأخذ مالها وأنت لا تستأمن هذه ولا تأخذ مالها.


    أرأيت لو كان الحبس حقا عليها كيف عطلت الحبس عن الأمة المرتدة إذا احتاج إليها أهلها؟ أو رأيت أهل الأمة إذا احتاجوا إليها وقد سرقت أتقطعها إذا سرقت وتقتلها إذا قتلت ولا تدفعها إليهم لحاجتهم إليها؟.


    قال نعم قلت لأن الحق لا يعطل عن الأمة كما لا يعطل عن الحرة؟ قال نعم قلت فكيف عطلت عنها الحبس إن كان حقا في هذا الموضع؟ أو حبست الحرة إن لم يكن الحبس حقا؟ قال وقلت له هل تعدو الحرة أن تكون في معنى ما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «من بدل دينه فاقتلوه» فتكون مبدلة دينها فتقتل؟ أو يكون هذا على الرجل دونها فمن أمرك بحبسها؟ وهل رأيت حبسا قط هكذا؟ إنما الحبس ليبين لك الحد فقد بان لك كفرها فإن كان عليها قتل قتلها وإن لم يكن فالحبس لها ظلم قال فتقول ماذا؟.


    قلت أقول إن قتلها نص في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقوله «من بدل دينه فاقتلوه» وقوله «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث كفر بعد إيمان أو زنا بعد إحصان أو قتل نفس بغير نفس» كانت كافرة بعد إيمان فحل دمها كما إذا كانت زانية بعد إحصان أو قاتلة نفس بغير نفس قتلت ولا يجوز أن يقام عليها حد ويعطل الآخر وأقول القياس فيها على حكم الله تبارك وتعالى لو لم يكن هذا أن تقتل وذلك أن الله تعالى لم يفرق بينها وبين الرجل في حد قال الله تبارك وتعالى {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} وقال جل ذكره {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة} وقال {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة} فقال المسلمون في اللاتي يرمين المحصنات يجلدن ثمانين جلدة ولم يفرقوا بينها وبين الرجل يرمي إذ رمت فكيف فرقت بينها وبين الرجل في الحد؟.


    (قال الشافعي): عفا الله عنه فقلنا له النص عليك والقياس عليك وأنت تدعي القياس حيث تخالفه فقال أما إن أبا يوسف قد قال قولكم فزعم أن المرتدة تقتل فقلت أرجو أن يكون ذلك خيرا له


    (قال الشافعي): ما يزيد قوله قولنا قوة ولا خلافه وهنا وقلت لبعض من قال هذا القول قد خالفتم في المرتد أيضا الكتاب والسنة في موضع آخر قلت أليس الأحياء مالكين أموالهم؟ قال بلى قلت وإنما نقل الله ملك الأحياء إلى ورثتهم بعد موتهم لأن الميت لا يملك؟ قال بلى قلت فالحي خلاف الميت قال نعم قلت أفرأيت المرتد معنا في دار الإسلام أسيرا أو هاربا أو معتوها بعد الردة أليس على ملك ماله لا يورث لأنه حي ولا يحل دينه المؤجل؟ قال بلى قلت أفرأيت إذا ارتد بطرسس ولحق بدار الحرب نراه فترهب أو كان يقاتل ونحن نراه أيشك أنه حي؟ قال لا قلت وإنما ورث الله عز وجل الأحياء من الموتى قال {إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد} وقال عز وجل {ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن} قال نعم قلت فكيف زعمت أن المرتد يورث كما يورث الميت ويحل دينه المؤجل وتعتق أمهات أولاده ومدبريه في لحوقه بدار الحرب ونحن على يقين من حياته أيشكل عليك أن هذا خلاف كتاب الله عز وجل أن ورثت من حي وإنما ورث الله الموتى، والموتى خلاف الأحياء وفي توريثك من حي خلاف حكم الله عز وجل والدخول فيما عبت علي من سجل أنك تتبع حكمه؟ قال ومن هو؟ قلت عمر وعثمان قضيا في امرأة المفقود تتربص أربع سنين ثم تعتد عدة المتوفى ثم تنكح والمفقود من لا يسمع له بذكر وقد يكون الأغلب من هذا أنه مات وقد يفرق بين المرأة وزوجها بأشياء من عجز عن جماعها وغير ذلك نفيا للضرر وفي ذهابه مفقودا ضرر قد يغلب على الظن موته فقلت لا يجوز أن يؤذن لها تنكح بعد مدة وإن طالت حتى تكون على يقين من موته لأن الله عز وجل إنما جعل عليها العدة بعد موته ثم قلت برأيك لا متقدم لك فيه وقضيت قولك وحدك تورث من الحي في ساعة من نهار وإنما ورث الله عز وجل من الموتى فلو لم ترد علي هذا كنت لم تعب من قول الإمامين شيئا إلا دخلت في أعظم منه وأولى بالعيب وقلت له أنت تزعم أن القول الذي لا كتاب فيه ولا سنة لا يجوز إلا خبرا لازما أو قياسا فقولك في المرأة لا تقتل خبر؟ قال لا إلا أنه إذا لحق بدار الحرب لم أقدر على قتله ولا استتابته.


    قلت أفرأيت إذا هرب في بلاد الإسلام أتقدر في حال هربه على قتله أو استتابته؟ قال لا قلت وكذلك لو عته بعد الردة أو غلب على عقله بمعنى لم تكن قادرا على قتله ولا استتابته؟ قال نعم قلت فالعلة التي اعتللت بها من أنك لا تقدر على قتله ولا استتابته في هذين المعنيين ولا نراك قسمت ميراثه فيهما وحكمت عليه حكم الموتى فلا أسمع قولك مع خلافه الكتاب إلا يتناقص وهذا الذي عبت على غيرك أقل منه.


    (قال): وقلت له أرأيت لو كانت ردته ولحوقه بدار الحرب توجب عليه حكم الموتى أما كان يلزمك لو رجع بعد لحوقه بدار الحرب تائبا أن تمضي عليه حكم الموتى؟ قال لا أمضي ذلك عليه وقد رجع قلت فردته إذا عته ولحوقه لا يوجبان حكم الموتى عليه.


    (قال الشافعي): وقلت لبعضهم أرأيت إذا حكمت عليه وهو بدار الحرب حكم الموتى فأعتقت أمهات أولاده ومدبريه وأحللت ديته البعيد الأجل وقسمت ميراثه بين ورثته ثم رجع تائبا وذلك كله قائم في أيدي من أخذه وأمهات أولاده والمدبرون حضور هل يجوز في حكم مضى إلا أن ترده أو تنفذه؟ قال لا قلت فقل في هذا أيهما شئت إن شئت فهو نافذ وإن شئت فهو مردود قال بل نافذ في مدبريه وأمهات أولاده ولا يرجعون رقيقا وفي

    دينه فلا يرجع إلى أجله وإن وجدته قائما بعينه لأن الحكم نفذ فيه وما وجدت في أيدي ورثته رددته لأنه ماله وهو حي فقلت له إنما حكمت في جميع ماله الحكم في مال الميت فكيف أنفذت بعضا ورددت بعضا؟ أرأيت لو قال قائل بل أنفذ لورثته لأنهم يعودون عليه في حاجته ويرثهم ولا أنفذ لغرمائه ولا مدبريه ولا أمهات أولاده ألا يكون أقرب إلى أن يكون أعقل بشيء منك وإن كان هذا مما لا يجوز لأحد أن يفتي به؟.


    (قال): وقلت له أيعدو المرتد أن يكون كافرا أو مؤمنا؟ قال بل كافر قلت فقد أخبرنا ابن عيينة عن الزهري عن علي بن حسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم» فكيف ورثت المسلم من الكافر؟ قال قد كانت ثبتت له حرمة الإسلام قلت أفرأيت لو مات بعض ولده وهو مرتد أتورثه منه؟ قال لا لأنه كافر قلت ما أبعدك والله يصلحنا وإياك من أن تقف على تصحيح قول نفسك أو تتبع السنة إن زعمت أن إن ثبتت له حرمة الإسلام حال المسلمين في أن يورث بعد ذلك فكذلك ينبغي له أن يرث وإن زعمت أن انتقاله عن الإسلام منعه ذلك ثم حول حكمه حتى صرت تقتله وتجعله في أسوأ من حال المشركين والمحاربين لأن لك أن تدعهم من القتل وليس لك تركه منه فكيف ورثت منه مسلما وهو كافر؟


    (قال الشافعي): - رحمه الله - فقال أو قال بعض من حضره ممن يقول بقوله أو هما إنما أخذنا بهذا أن عليا - رضي الله عنه - قتل مرتدا وأعطى ورثته من المسلمين ميراثه فقلت له سمعت من أهل العلم بالحديث منكم من يزعم أن الحفاظ لم يحفظوا عن علي - رضي الله عنه - قسم ماله بين ورثته من المسلمين ونخاف أن يكون الذي زاد هذا غلط وقلت له أرأيت أصل مذهب أهل العلم أليس إذا ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شيء لم يكن في أحد معه حجة؟ قال بلى قلت فقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - «لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم» فكيف خالفته؟ (قال الشافعي): - رحمه الله - فقال فلعله أراد الكافر الذي لم يكن أسلم فقلت له أفترى في الحديث دلالة على ذلك؟ قال قد يحتمل قلت فإن جاز هذا لك لم يجز إلا بأن يكون المرتد يرث ولده وزوجته لو ماتوا مسلمين وهو في ردته ويكون حكمه حكم المسلمين في الميراث قال ما أقول بهذا قلت أجل ولا أن تحول الحديث عن ظاهره بغير دلالة فيه ولا في غيره عمن الحديث عنه. ولو جاز جاز أن يقال هذا في أهل الأوثان من المشركين خاصة.


    فأما أهل الكتاب فيرثهم المسلمون كما ينكحون نساءهم قال فإنما قلت ذلك لشيء رويته عن علي - رضي الله عنه - ولعل عليا قد علم قول النبي - صلى الله عليه وسلم -. قلت أفعلمت عليا - رضي الله عنه - روى ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فنقول قد رواه ولم تقل ذلك إلا بعلم؟ قال ما علمت قلت فيمكن أن يكون علي - رضي الله عنه - لم يسمعه؟ قال نعم وهو يشبه أن لا يكون ذهب عليه (قال الشافعي): - رحمه الله - فقيل له ليس بثابت عن علي - رضي الله عنه - وقد كلمتمونا على أنه ثابت فلم يكن لك فيه حجة ويعاد عليك بأكثر من حجتك فإن كانت فيها حجة لزمك ما زعمت أنه يلزمك وغيرك وإن لم يكن فيها حجة استدللت على أنك لم تحتج بشيء تجوز الحجة به قال وما هو؟ قلت روي عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - أنه ورث مسلما من كافر أحسبه ذميا وروي عن معاوية أنه ورث المسلم من الكافر ولم يورث الكافر من المسلم لأنه بلغه أن رجالا منعهم من الإسلام أن يحرموا مواريث آبائهم وأعجب مسروق بن الأجدع وقاله غيره فقال نرثهم ولا يرثونا كما يحل لنا نساؤهم ولا يحل لهم نساؤنا وروي عن محمد بن علي يرث المسلم الكافر وعن سعيد بن المسيب. وفي هذا المعنى قول معاذ بن جبل وهو يجوز عليك أن يقال لم يذهب عليه قول النبي - صلى الله عليه وسلم - وفيه معه من سمينا وغيرهم

    وحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - يحتمل ما زعمت أنه يحتمل من أن يكون الحكم على بعض الكافرين دون بعض فنورث المسلم من الكافر الكتابي كما يحل لنا نساؤهم.


    قال لا يجوز إذا جاء الشيء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا أن يؤخذ بجملته ولا يترك إلا بدلالة عنه أو من يروي الحديث عنه وقد يذهب على معاذ وغيره بعض حديثه (قال الشافعي): - رحمه الله -: فقيل له لقلما رأيتك ترى أن لك الحجة في شيء إلا لزمك مثله أو أكثر منه ثم زعمت أنه ليس بحجة ثم لا يمنعك ذلك من العودة لمثله فإن كان هذا غباء فلو أمسكت عن أن تحتج وإن كان هذا عمدا أن تلبس على جاهل فهذا أسوأ لحالك فيما بينك وبين الله عز وجل ولعله لا يسعك ذلك. وقد أدخلت عالما كثيرا من أهل الغفلة والاستعجال بأن يكونوا مفتين في خلاف كثير من الكتاب والسنة فقال منهم قائل فهل رويت في ميراث المرتد شيئا عن أحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت إذ أبان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الكافر لا يرث المسلم وكان كافرا ففي السنة كفاية من أن ماله مال كافر ولا وارث له فإنما هو فيء وقد روي أن معاوية - رضي الله عنه - كتب إلى ابن عباس - رضي الله عنهما - وزيد بن ثابت - رضي الله عنه - يسألهما عن ميراث المرتد فقالا لبيت المال.


    (قال الشافعي): يعنيان أنه فيء (قال الشافعي): - رحمه الله - فقال فكيف خمسته؟ قلت المال ثلاثة أصناف صدقة وغنيمة قوتل عليها وليس بواحد من هذين وفيء قسمته في سورة الحشر بأن كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمسه والأربعة الأخماس لجماعة أهل الفيء قال فقال بعضهم فإن من أصحابكم من زعم «أن ابن خطل ارتد فقتله النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم تسمع أنه غنم ماله» فقلت له أنتم تنسبون أنفسكم إلى الصبر على المناظرة والنصفة وتنسبون أصحابنا إلى الغفلة وأنهم لا يسلكون طريق المناظرة فكيف صرت إلى الحجة بقول واحد هو وأصحابه عندك كما تصف؟ قال أفعلمت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - غنم مال ابن خطل قلت ولا علمته ورث ورثته المسلمين ولا علمت له مالا، أفرأيت إن جاز لك أن توهم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يغنمه لأنه لم يرو عنه أنه غنمه أيجوز لأحد أن يتوهم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - غنمه قال نعم ولا يجوز لواحد منهما ثم يجوز لثالث أن يقول لم يكن له مال ثم لو أجزت التوهم جاز أن يقال كان له مال فغنم بعضه قال لا يجوز هذا. قال فقد زعم بعض أصحابك أن رجلا ارتد في عهد عمر - رضي الله عنه - ولحق بدار الحرب فلم يتعرض عمر لماله ولا عثمان بعده قلنا لا نعرف هذا ثابت عن عمر ولا عن عثمان ولو كان خلاف قولك وبما قلنا أشبه قال فكيف؟ قلت أنت تزعم أنه إذا لحق بدار الحرب قسم ماله وتروون عن عمر وعثمان أنهما لم يقسماه وتقول لم يتعرض له وقد يكون بيدي من وثق به أو يكون ضمنه من هو في يده ولم يبلغه موته فيأخذه فيئا؟


    (قال الشافعي): فقال منهم قائل فكيف قلت إذا ارتد أحد الزوجين لم ينفسخ النكاح إلا بمضي العدة؟ قلت قلته أنه في معنى حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال وأين؟ قلت إذا كان الزوجان الوثنيان متناكحين فأسلم أحدهما فحرم على الآخر قال فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - منتهى بينونة المرأة من الزوج أن تمضي عدتها قبل أن يسلم الآخر منهما إسلاما بدلالة عنه ممن روى الحديث كان هكذا المسلمان متناكحين ثم أحدث أحدهما ما حرم به على الآخر فإن رجع قبل مضي عدة الزوجة كانا على أصل النكاح كما كان الحربيان قال فهل خالف هذا من أصحابك أحد؟ فقلت إن أحدا يكون قوله حجة فلا أعلمه وأصحابي عندك كما علمت فما مسألتك عن قول من لا تعتد بقوله وافقك أو خالفك اصطدام السفينتين والفارسين (أخبرنا) الربيع قال (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا اصطدم الفارسان لم يسبق أحدهما صاحبه بأن يكون صادما فماتا معا وفرساهما فنصف دية كل واحد منهما على عاقلة صادمه من قبل أن كل واحد منهما في الظاهر مات من جناية نفسه وجناية غيره فترفع عنه جناية نفسه ويؤخذ له بجناية غيره وهكذا فرساهما إلا أن نصف قيمة فرس كل واحد منهما في مال صادمه دون عاقلته، وهكذا لو أن عشرة يرمون بالمنجنيق أو عرادة فوقع الحجر عليهم معا فقتل كل واحدا ضمن عواقل التسعة تسعة أعشار دية الميت من قبل أنه مات من فعلهم وفعله فلا يعقلون فعله ويعقلون فعل أنفسهم قال: وهكذا لو كان اثنان فرميا بمنجنيق فرجع الحجر عليهما فمات أحدهما ضمنت عاقلة الباقي منهما نصف دية الميت كالمسألة فيه قبلها، قال ولو ماتا معا ضمنت عاقلة كل واحد منهما نصف دية الآخر وهكذا هذا الباب كله وقياسه.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #265
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,584

    افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله


    كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
    محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
    المجلد السادس

    الحلقة (265)
    صــــــــــ 185 الى صـــــــــــ 190



    قال وإذا اشترك في الجناية من عليه عقل ومن لا عقل عليه ضمن من عليه العقل وطرح حصة من لا عقل عليه كما وصفنا في الإنسان يجني على نفسه هو وغيره فترفع حصته ويقضى على غيره ومثل الإنسان والسبع يجنيان على الإنسان فيموت والجناية خطأ من الجاني فنصف عقل المجني عليه على عاقلة الجاني وحصة السبع منها هدر

    (قال الشافعي): فإن كانت سفينتان اصطدمتا فانكسرتا فكان لا يمكن كل واحد من أهل السفينتين المصطدمتين صرفها عن صدم الأخرى بوجه من الوجوه ولا حال من الأحوال لا بإضرار بها وبركبانها أو بلا إضرار بها ولا بركبانها فالقول فيها كالقول في الفارسين يصطدمان فإن كان لا يمكنهم ذلك بحال من الأحوال أبدا فما صنعا هدر. قال وإذا كان في السفينة أجراء يعملون فيها عملا غرقت بسببه فإن كان رب السفينة معهم فأمرهم بذلك العمل ولا شيء فيها إلا لرب السفينة فلا شيء على الذين مدوها ولا على رب السفينة فإن كان فيها شيء لغيره فإن كان ما أمرهم به عند أهل العلم بالبحر من صلاح السفينة ونجاتها لم يضمن ولم يضمنوا وإن كان من غير صلاحها ضمن في قول من يضمن الأجير ومن ضمن الأجير ضمن صاحب السفينة إذا كان أخذ عليها أجرا ولم يضمن الأجراء لصاحب السفينة ما هلك له من قبل أنهم بأمره فعلوا. ولو كان رب الطعام مع الطعام فأمرهم بذلك الفعل لم يضمنوا لأنهم فعلوه بأمره في واحد من القولين قال: وإن كان في السفينة أجراء وليس فيها ربها ففعلوا هذا الفعل فمن ضمن الأجير ضمنهم ومن لم يضمن الأجير لم يضمنهم إلا فيما فعلوا مما ليس فيه صلاح لها فيكون ذلك جناية يضمنونها.
    مسألة الحجام والخاتن والبيطار
    (أخبرنا الربيع) قال (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا أمر الرجل أن يحجمه أو يختن غلامه أو يبيطر دابته فتلفوا من فعله فإن كان فعل ما يفعل مثله مما فيه الصلاح للمفعول به عند أهل العلم بتلك الصناعة فلا ضمان عليه وإن كان فعل ما لا يفعل مثله من أراد الصلاح وكان عالما به فهو ضامن

    وله أجر ما عمل في الحالين في السلامة والعطب قال أبو محمد " وفيه قول آخر: إذا فعل ما لا يفعل فيه مثله فليس له من الأجر شيء لأنه متعد والعمل الذي عمله لم يؤمر به فهو ضامن ولا أجر له وهذا أصح القولين وهو معنى قول الشافعي (قال الشافعي): ولا أعلم أحدا ممن ضمن الصناع يضمن هؤلاء وإن في تركهم تضمين هؤلاء لما وجه به من لا يضمن الصناع الحجة عليهم لأنهم إذا ألغوا الضمان عمن لم يبعد من هؤلاء لزمهم إلغاؤه عمن لم يبعد من الصناع وما علمت أني سألت أحدا منهم ففرق بينهما بأكثر من أن قال هذا أذن للصانع قلما وكذلك ذاك أذن للصانع وما وجدت بينهما فرقا إلا فرقا خطر ببالي فقد يفرق الناس بما هو أبعد منه وأغمض وما هو بالفرق البين. وذلك أن ما كان فيه روح قد يموت بقدر الله عز وجل لا من شيء عرفه الآدميون فلما عالج هؤلاء فيه شيئا فمات لم يكن الظاهر أنه مات من علاجهم لأنه يمكن أن يموت من غيره فلم يضمن من قبل أنه مأذون له فيما فعل وغير ذوي الأرواح مما صنع إنما جعل إتلافه بشيء يحدثه فيه الآدميون أو بحدث يرى. ومن فرق بهذا الفرق دخل عليه أن يقال فأنت لو كان هؤلاء متعدين جعلتهم ماتوا بهذا الفعل وإن كان يمكن غيره فكذلك كان ينبغي أن تقول في الصناع كلهم
    (قال): وإذا استأجر الرجل الرجل أن يخبز له خبزا معلوما في تنور أو فرن فاحترق الخبز سئل أهل العلم به فإن كان خبزه في حال لا يخبز في مثلها باستيقاد التنور أو شدة جمرته أو تركه تركا لا يترك مثله فهذا كله تعد يضمن فيه بكل حال عند من يضمن الأجير ومن لم يضمنه وإن قالوا الحال التي خبز فيها والتي تركه فيها والعمل الذي عمل فيه إصلاح لا إفساد لم يضمن عند من لا يضمن الأجير ضمن عند من يضمن الأجير
    (قال): وإذا استودع الرجل الرجل إناء من قوارير فأخذه المستودع في يده ليحرزه في منزله فأصابه شيء من غير فعله فانكسر لم يضمن وإن أصابه بفعله مخطئا أو عامدا قبل أن يصير إلى البيت أو بعد ما صار إليه فهو له ضامن.
    مسألة الرجل يكتري الدابة فيضربها فتموت
    (أخبرنا الربيع) قال (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا اكترى الرجل من الرجل الدابة فضربها أو كبحها بلجام أو ركضها فماتت سئل أهل العلم بالركوب فإن كان فعل من ذلك ما يفعل العامة فلا يكون فيه عندهم خوف تلف أو فعل في الكبح والضرب مثل ما يفعل بمثلها عندما فعله فلا أعد ذلك خرقة ولا شيء عليه وإن كان فعل ذلك عند الحاجة إليه بموضع يكون بمثله تلفا أو فعله في الموضع الذي لا يفعل في مثله ضمن في كل حال من قبل أن هذا تعد. والمستعير هكذا إن كان صاحبه لا يريد أن يضمنه فإن أراد صاحبه أن يضمنه العارية فهو ضامن تعدى أو لم يتعد.
    فأما الرائض فإن من شأن الرواض الذي يعرف به إصلاحهم الدواب الضرب على حملها من السير والحمل عليها من الضرب أكثر مما تفعل الركاب غيرهم فإذا فعل من ذلك ما يكون عند أهل العلم بالرياضة إصلاحا وتأديبا للدابة بلا إعنات بين لم يضمن إن عيبت وإن فعل خلاف هذا كان متعديا وضمن والمستعير الدابة هكذا كالمكتري في ركوبها إذا تعدى ضمن وإذا لم يتعد لم يضمن (قال

    الربيع) قوله الذي نأخذ به في المستعير أنه يضمن تعدى أو لم يتعد لحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - «العرية مضمونة» مؤداة وهو آخر قوليه (قال الشافعي): والراعي إذا فعل ما للرعاء أن يفعلوه مما لا صلاح للماشية إلا به ومما يفعله أهل الماشية بمواشي أنفسهم على استصلاحها وما إذا رأوا من يفعله بمواشيهم ممن يلي رعيتها كان عندهم صلاحا لا تلفا ولا خرقة يفعله الراعي لم يضمن وإن تلف وإن فعل ما يكون عندهم خرقة فتلف منه شيء ضمنه عند من لا يضمن الأجير ومن ضمن الأجير ضمنه في كل حال.
    جناية معلم الكتاب
    (أخبرنا الربيع) قال (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ومعلم الكتاب والآدميين كلهم مخالف لراعي البهائم وصناع الأعمال فإذا ضرب أحد من هؤلاء في استصلاح المضروب أو غير استصلاحه فتلف المضروب كانت فيه ديته على عاقلة ضاربه ولا يرفع عن أحد أصاب الآدميين العقل والقود في دار الإسلام إلا الإمام يقيم الحد فإن هذا أمر لازم ولا يحل له تعطيله، ولو عزر فتلف على يديه كانت فيه الدية والكفارة وإن كان يرى أن التعزير جائز له وذلك أن التعزير أدب لا حد من حدود الله تعالى. وقد كان يجوز تركه ولا يأثم من تركه فيه. ألا ترى أن أمورا قد فعلت على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانت غير حدود فلم يضرب فيها، منها الغلول في سبيل الله وغير ذلك ولم يؤت بحد قط فعفاه.

    والموضع الثاني: الذي يبطل فيه العقل والقود رجل يعطي الختان فيختنه والطبيب فيفتح عروقه أو يقطع العرق من عروقه خوف أكلة أو داء فيموت في ذلك فلا نجعل فيه عقلا ولا قودا من قبل أنه فعله بصاحبه بإذنه ففعله كفعله بنفسه إذا كان الذي فعل به ذلك بالغا حرا أو مملوكا بإذن سيده فإن كان مملوكا بغير إذن سيده ضمن قيمته.
    فإن قال قائل: كيف يسقط عن الإمام أن يقتص في الجرح ويقطع في السرقة ويجلد في الحد فلا يكون فيه عقل ولا قود ويكون الإمام إذا أدب وله أن يؤدب ضامنا تلف المؤدب. قيل: الحد والقصاص فرض من الله عز وجل على الوالي أن يقيمه فلا يحل له ترك إقامته والتعزير كما وصفت إنما هو شيء وإن رأى بعض الولاة أن يفعله على التأديب لا يأثم بتركه. وقد قيل بعث عمر إلى امرأة في شيء بلغه عنها فأسقطت فاستشار فقال له قائل أنت مؤدب فقال له علي - رضي الله عنه - إن كان اجتهد فقد أخطأ وإن كان لم يجتهد فقد غش، عليك الدية. فقال عزمت عليك لا تجلس حتى تضربها على قومك وبهذا ذهبنا إلى هذا وإلى أن خطأ الإمام على عاقلته دون بيت المال وقال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ما أحد يموت في حد فأجد في نفسي منه شيئا لأن الحق قتله إلا من مات في حد الخمر فإنه شيء رأيناه بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - فمن مات فيه فديته إما قال على بيت المال وإما قال على الإمام وكان معلم الكتاب والعبيد وأجراء الصناعات في أضعف وأقل عذرا بالضرب من الإمام يؤدب الناس على المعاصي التي ليست فيها حدود وكانوا أولى أن يضمنوا ما تلف من الإمام
    فأما البهائم فإنما هي أموال حكمها غير حكم الأنفس. ألا ترى أن الرجل يرمي الشيء فيصيب آدميا فيكون عليه فيه تحرير رقبة لم يقصد قصد معصية والمأثم مرفوع عنه في الخطأ ويكون عليه دية وأن الله عز وجل وعد قاتل العمد النار وليس البهائم في شيء من هذا المعنى والآدميون يؤدبون على الصناعات بالكلام فيعقلونه وليس هكذا مؤدب البهائم فإذا خلى رب البهيمة

    بينها وبين الرجل بما يجوز له ففعله فإنما يفعله عن أمره أو بأمر الحاكم فيه أنه كأمره إذا كان ذلك غير تعد وهو لو أمره في البهيمة بعدوان فأمره بقتلها فقتلها لم يضمن له شيئا من قبل أنه إنما فعله عن أمره فلا يضمن له ماله عن أمره ولو كان آثما ولو أمره بقتل أبيه فقتله لم يسقط عنه ذلك كما يسقط عنه في البهيمة.
    مسألة الأجراء
    " أخبرنا الربيع " قال أخبرنا الشافعي - رحمه الله تعالى - قال الأجراء كلهم سواء فإذا تلف في أيديهم شيء من غير جنايتهم فلا يجوز أن يقال فيه إلا واحد من قولين أحدهما أن يكون كل من أخذ الكراء على شيء كان له ضامنا حتى يؤديه على السلامة أو يضمنه أو ما نقصه ومن قال هذا القول فينبغي أن يكون من حجته أن يقول الأمين هو من دفعت إليه راضيا بأمانته لا معطى أجرا على ما دفعت إليه وإعطائي هذا الأجر تفريق بينه وبين الأمين الذي أخذ ما استؤمن عليه بلا جعل أو يقول قائل لا ضمان على أجير بحال من قبل أنه إنما يضمن من تعدى فأخذ ما ليس له أو أخذ الشيء على منفعة له فيه إما مسلط على إتلافه كما يأخذ سلفا فيكون مالا من ماله فيكون إن شاء ينفقه ويرد مثله وإما مستعير سلط على الانتفاع بما أعير فيضمن لأنه أخذ ذلك لمنفعة نفسه لا لمنفعة صاحبه فيه وهذان معا نقص على المسلف والمعير أو غير زيادة له والصانع والأجير من كان ليس في هذا المعنى فلا يضمن بحال إلا ما جنت يده كما يضمن المودع ما جنت يده وليس بهذا سنة علمتها ولا أثر يصح عند أهل الحديث عن أحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد روي فيه شيء عن عمر وعلي - رضي الله عنهما - ليس يثبت عند أهل الحديث عنهما ولو ثبت عنهما لزم من يثبته أن يضمن الأجراء من كانوا فيضمن أجير الرجل وحده والأجير المشترك والأجير على الحفظ والرعية وحمل المتاع والأجير على الشيء يصنعه لأن عمر - رضي الله عنه - إن كان ضمن الصناع فليس في تضمينه لهم معنى إلا أن يكون ضمنهم بأنهم أخذوا أجرا على ما ضمنوا فكل من أخذ أجرا فهو في معناهم وإن كان علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ضمن القصار والصابغ فكذلك كل صانع وكل من أخذ أجرا وقد يقال للراعي صناعته الرعية وللحمال صناعته الحمل للناس ولكنه ثابت عن بعض التابعين ما قلت أولا من التضمين أو ترك التضمين ومن ضمن الأجير بكل حال فكان مع الأجير ما قلت مثل أن استحمله الشيء على ظهره أو استعمله لشيء في بيته أو غير بيته وهو حاضر لماله أو وكيل له بحفظه فتلف ماله بأي وجه ما تلف به إذا لم يجن عليه جان فلا ضمان على الصانع ولا الأجير وكذلك إن جنى عليه غيره فلا ضمان عليه والضمان على الجاني ولو غاب عنه أو تركه يغيب عليه كان ضامنا له من أي وجه ما تلف وإن كان حاضرا معه فعمل فيه عملا فتلف بذلك العمل وقال الأجير هكذا يعمل هذا فلم أتعد بالعمل وقال المستأجر ليس هكذا يعمل وقد تعديت، وبينهما بينة أو لا بينة بينهما فإذا كانت البينة سئل عدلان من أهل تلك الصناعة فإن قالا هكذا يعمل هذا فلا يضمن وإن قالا هذا تعدى في عمل هذا ضمن كان التعدي ما كان قل أو كثر وإذا لم يكن بينة كان القول قول الصانع مع يمينه ثم لا ضمان عليه وإذا سمعتني أقول القول قول أحد فلست أقوله إلا على معنى ما يعرف إذا ادعى الذي أجعل القول قوله ما يمكن بحال من الحالات جعلت القول قوله وإذا ادعى ما لا يمكن بحال من الحالات لم أجعل القول قوله ومن ضمن

    الصانع فيما يغيب عليه فجنى جان على ما في يديه فأتلفه فرب المال بالخيار في تضمين الصانع لأنه كان عليه أن يؤديه إليه على السلامة فإن ضمنه رجع به الصانع على الجاني أو تضمين الجاني فإن ضمنه لم يرجع به الجاني على الصانع وإذا ضمنه الصانع فأفلس به الصانع كان له أن يأخذه من الجاني وكان الجاني في هذا الموضع كالحميل وكذلك لو ضمنه الجاني فأفلس به الجاني رجع به على الصانع إلا أن يكون أبرأ كل واحد منهما عند تضمين الآخر فلا يرجع به وللصانع في كل حال أن يرجع به على الجاني إذا أخذ من الصانع وليس للجاني أن يرجع به على الصانع إذا أخذ منه بحال.
    قال وإذا تكارى الرجل من الرجل على الوزن المعلوم والكيل المعلوم والبلد المعلوم فزاد الوزن أو الكيل أو نقصا وتصادقا على أن رب المال ولي الوزن والكيل قلنا في الزيادة والنقصان لأهل العلم بالصناعة هل يزيد ما بين الوزنين وينقص ما بينهما وبين الكيلين هكذا فيما لم تدخله آفة فإن قالوا نعم قد يزيد وينقص قلنا في النقصان لرب المال قد يمكن النقص كما زعم أهل العلم بلا جناية ولا آفة فلما كان النقص يكون ولا يكون قلنا إن شاء أحلفنا لك الحمال ما خانك ولا تعدى بشيء أفسد متاعك ثم لا ضمان عليه وقلنا للحمال في الزيادة كما قلنا لرب المال في النقصان إن كانت الزيادة قد تكون لأمر حادث ولا زيادة ويكون النقصان وكانت ههنا زيادة فإن لم تدعها فهي لرب المال ولا كراء لك فيها وإن ادعيتها أوفينا رب المال ماله تاما ولم نسلم لك الفضل إلا بأن تحلف ما هو من مال رب المال وتأخذه وإن كانت زيادة لا يزيد مثلها أوفينا رب المال ماله وقلنا الزيادة لا يدعيها رب المال فإن كانت لك فخذها وإن لم تكن لك جعلناها كمال في يديك لا مدعى له وقلنا الورع أن لا تأكل ما ليس لك فإن ادعاها رب المال وصدقته كانت الزيادة له وعليه كراء مثلها وإن كنت أنت الكيال للطعام بأمر رب الطعام ولا أمين له معك قلنا لرب الطعام هو مقر بأن هذه الزيادة لك فإن ادعيتها فهي لك وعليك في المكيلة التي اكتريت عليها ما سميت من الكراء وعليك اليمين ما رضيت أن يحمل لك الزيادة ثم هو ضامن لأن يعطيك مثل قمحك ببلدك الذي حمله منه لأنه متعد إلا أن ترضى بأن تأخذه في موضعك فلا يحال بينك وبين عين مالك ولا كراء عليك بالعدوان. وإن قلت رضيت بأن يحمل لي مكيلة بكراء معلوم وما زاد فبحسابه فالكراء في المكيلة جائز وفي الزيادة فاسد الطعام لك وله كراء مثله في كله فإن كان نقصان لا ينقص مثله فالقول فيه كالقول في المسألة الأولى فمن رأى تضمين الحمال ضمنه ما نقص عن المكيلة لا يدفع عنه شيئا ومن لم ير تضمينه لم يضمنه وطرح عنه من الكراء بقدر النقصان، والله أعلم.
    باب خطأ الطبيب والإمام يؤدب
    أخبرنا الربيع بن سليمان قال قلت للشافعي - رضي الله عنه - فما تقول في الرجل يضرب امرأته الناشزة فتؤتى على يديه فتموت والإمام يضرب الرجل في الأدب أو في حد فيموت أو الخاتن يؤتى على يديه فيموت أو الرجل يأمر الرجل يقطع شيئا من جسده فيموت أحد من هؤلاء في شيء من ذلك أو المعلم يؤدب الصبي والرجل يؤدب يتيمه فيموت وما أشبه ذلك؟ (قال الشافعي): أصل هذه الأشياء من وجهين يكون عليه في أحدهما العقل ولا يكون عليه في الآخر العقل فأما ما لا يكون فيه من ذلك عقل فما كان لا يحل للإمام إلا أخذه ممن عاقبه به فإن تلف المعاقب به منه لم يكن على الذي عاقبه به

    شيء والمقيم عليه مأجور فيه وذلك مثل أن يزني وهو بكر فيجلده أو يسرق ما يجب فيه القطع فيقطعه أو يجرح جرحا فيقتص منه أو يقذف فيجلد حد القذف فكل ما كان في هذا المعنى من حد أنزله الله تعالى في كتابه أو سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - فإن مات فيه فالحق قتله فلا عقل ولا كفارة على الإمام فيه والوجه الثاني الذي يسقط فيه العقل أن يأمر الرجل به الداء الطبيب أن يبط جرحه أو الأكلة أن يقطع عضوا يخاف مشيها إليه أو يفجر له عرقا، أو الحجام أن يحجمه أو الكاوي أن يكويه أو يأمر أبو الصبي أو سيد المملوك الحجام أن يختنه فيموت من شيء من هذا ولم يتعد المأمور ما أمره به فلا عقل ولا مأخوذية إن حسنت نيته إن شاء الله تعالى وذلك أن الطبيب والحجام إنما فعلاه للصلاح بأمر المفعول به أو والد الصبي أو سيد المملوك الذي يجوز عليهما أمره في كل نظر لهما كما يجوز عليهما أمر أنفسهما لو كانا بالغين فأما ما عاقب به السلطان في غير حد وجب لله وتلف منه المعاقب فعلى السلطان عقل المعاقب وعليه الكفارة ثم اختلف في العقل الذي يلزم السلطان فأما الذي أختار والذي سمعت ممن أرضى من علمائنا أن العقل على عاقلة السلطان وقد قال غيرنا من المشرقيين العقل على بيت المال لأن السلطان إنما يؤدب لجماعة المسلمين فيما فيه صلاحهم فالعقل عليهم في بيت مالهم وهكذا الرجل يؤدب امرأته فتؤتى على يديه فتتلف العقل على عاقلته وهكذا كل أمر لا يلزم السلطان أن يقوم به لله تعالى من حد أو قتل ولم يبحه المرء من نفسه على معنى المنفعة له فناله منه سلطان أو غيره فلا يبطل العقل به.
    فإن قال قائل لم زعمت أن للسلطان أن يؤدب وأن يحد ثم أبطلت ما تلف بالحد وألزمته ما تلف بالأدب؟ قلنا فإن الحد فرض على السلطان أن يقوم به وإن تركه كان عاصيا لله بتركه والأدب أمر لم يبح له إلا بالرأي وحلال له تركه ألا ترى «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد ظهر على قوم أنهم قد غلوا في سبيل الله فلم يعاقبهم.» ولو كانت العقوبة تلزم لزوم الحد ما تركهم كما قال - صلى الله عليه وسلم - وقطع امرأة لها شرف فكلم فيها فقال: «لو سرقت فلانة لامرأة شريفة لقطعت يدها» وقد قال الله تبارك وتعالى {وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله} والذي يعرف أن الخطأ أن يرمي الشيء فيصيب غيره وقد يحتمل معنى غيره.
    (قال الشافعي): ولم أعلم من أهل العلم مخالفا في أن للرجل أن يرمي الصيد وأن يرمي الغرض وأنه لو رمى واحدا منهما ولا يرى إنسانا ولا شاة لإنسان فأصابت الرمية إنسانا أو شاة لإنسان ضمن دية المصاب إذا مات وثمن الشاة إذا ماتت فوجدت حكمهم له بإباحة الرمية إذا تعقب فمعناه معنى أن يرمي على أن لا يتلف مسلما ولا حق مسلم ووجدته يحل له أن يترك الرمي كما وجدته يحل للإمام أن يترك العقوبة وكان الشيء الذي يفعله الإمام وله تركه بالرمية يرميها الرجل مباحة له وله تركها فيتلف شيئا فيضمنه الرامي أشبه به منه بالحد الذي فرض الله عز وجل أن يأخذه بل العقوبة أولى أن تكون مضمونة إن جاء فيها تلف من الرمية لأنه لا يختلف أحد في أن الرمية مباحة وقد يختلف الناس في العقوبات فيكره بعضهم العقوبة ويقول بعضهم لا يبلغ بالعقوبة كذا ويقول بعضهم لا يزاد فيها على كذا وفي مثل معنى الرامي الرجل يؤدب امرأته لأنه كان له أن يدعها وكان الترك خيرا له لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال بعد الإذن بضربهن

    «لن يضرب خياركم» وكان الضارب إذا كان الترك خيرا له أولى أن يضمن إن كان تلف على المضروب لأنه عامد للضرب الذي به التلف في الحكم من الرامي الذي لم يعمد قط أن يصيب المرمي.
    (قال الشافعي): فإن قال قائل فهل من شيء يعنيه سوى هذا؟ فهذا مكتفى به وقد قال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ما من أحد يموت في حد فأجد في نفسي منه شيئا لأن الحق قتله إلا المحدود في الخمر فإنه شيء أحدثناه بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - فإن مات منه فديته لا أدري قال في بيت المال أو على الذي حده، شك الشافعي.
    (قال الشافعي): وبلغنا أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بعث إلى امرأة في شيء بلغه عنها فذعرها ففزع






    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  6. #266
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,584

    افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله


    كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
    محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
    المجلد السادس

    الحلقة (266)
    صــــــــــ 191 الى صـــــــــــ 196



    (قال الشافعي): وبلغنا أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بعث إلى امرأة في شيء بلغه عنها فذعرها ففزعت فأسقطت فاستشار عمر في سقطها فقال له علي - رضي الله عنهما - كلمة لا أحفظها أعرف أن معناها أن عليه الدية فأمر عمر عليا - رضي الله عنهما - أن يضربها على قومه وقد كان لعمر أن يبعث وللإمام أن يحد في الخمر عند العامة فلما كان في البعثة تلف على المبعوث إليها أو على ذي بطنها فقال علي وقال عمر إن عليه مع ذلك الدية كان الذي نراهم ذهبوا إليه مثل الذي وصفنا من أن لي أن أرمي على أن لا يتلف أحد برميتي فذهبوا - والله أعلم - إلى أنه وإن كانت له الرسالة فعليه أن لا يتلف بها أحدا فإن تلف ضمن وكان المأثم مرفوعا.


    الجمل الصئول

    أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا الشافعي قال حكى محمد بن الحسن قال قال أهل المدينة إذا صال الجمل على الرجل أقام بينة بصياله عليه وأنه ضربه عند صياله فقتله أو عقره فلا ضمان عليه وإن لم يكن بينة إلا قوله ضمن وقال أبو حنيفة يضمن في الحالين لأنه لا جناية لبهيمة تحل دمها ولا جرحها. وقال محمد بن الحسن وغيره ممن يقول قوله فيه قولا قد جمعته وحكيت ما حضرني فيه وكله قالاه لي أو أحدهما وقلته لهما فقال ما تقول فيما اختلف فيه؟ قلت أقول بما حكيت عن أصحابنا أنهم قالوه قال فما حجتك فيه؟ قلت إن الله عز وجل منع دماء المسلمين إلا بحقها وإن المسلمين لم يختلفوا فيما علمت أو من علمت قوله منهم في أن مسلما لو أرادني في الموضع الذي لا يمنعني منه باب أغلقه ولا قوة لي بمنعه ولا مهرب أمتنع به منه وكانت منعتي منه التي أدفع عني إرادته لي إنما بضربه بسلاح فحضرني سيف أو غيره كان لي ضربه بالسيف لأمنع حرمتي التي حرم الله تعالى عليه انتهاكها فإن أتى الضرب على نفسه فلا عقل علي ولا قود ولا كفارة لأني فعلت فعلا مباحا لي فلما كان هذا في المسلم هكذا كان البعير أقل حرمة وأصغر قدرا وأولى أن يجوز هذا فيه قال إن البعير لا يقتل إن قتل والمسلم إن قتل قتل قلت ما خالفتك في هذا فأين زعمت أنهما يجتمعان فيه؟.

    وإنما جمعت بينهما حيث اجتمعا وفرقت بينهما حيث افترقا وإنما قلت المسلم في الحال التي وصفت أراد فيها الجناية فقال ما قتلته إلا بجناية ولولا الجناية ما حل لك دمه قلت فهل تكون الإرادة جناية؟ قال نعم قلت فما تقول فيما لو أرادني فحال بيني وبينه نهر أو خندق أو انكسرت رجله أو يده أو حبسه حابس وهو يريدني إلا أنه لم ينلني حيث هو بيد ولا بسلاح أكان يحل لي قتله؟ قال لا قلت ولو كان بحيث ينالني فظفرت بسلاحه حتى صار غير قادر علي أيحل لي قتله؟ قال لا قلت ولو جرحته جرحا يمنعه من قتلي وهو يريدني أكان يحل لي قتله قال لا، قلت ولو أرادني ولم يكن في يده ما يقتلني به كان يحل لي قتله؟ قال لا قلت وأسمعك مزيدا إلى

    حالات تزعم أن دمه فيها كلها محرم فلو كنت إنما أبحت دمه بالإرادة فقط انبغى أن تبيح دمه في هذه الحالات كلها. قال فبأي شيء أبحت دمه؟ قلت يمنع الله تعالى ما حرم الله تعالى أن ينتهك مني فلما لم أجد مانعا لدمي إلا ضربه ضربته فإذا صار إلى الحال التي لا يقدر فيها على قتلي فدمه محرم لأنه لم يفعل فعلا يحل دمه إنما فعل فعلا يحل منعه لا دمه فإن كان في منعه حتفه فهو أحله بنفسه وإن لم يكن فيه حتفه لم يحل لي قتله بعد أماني من أن يقتلني.

    وكذلك في الحالات التي وصفت لك قبل أن أضربه فلو صار إلى حال امتنع فيها منه بغير ضربه لم يحل لي ضربه. وكذلك الجمل إذا لم أقدر على دفعه إلا بما دفعت به المسلم من الضرب ضربته وإن أتت الضربة على نفسه وإن صار إلى الحال التي آمنه فيها على نفسي لم يحل لي ضربه ولو ضربته فقتلته غرمت ثمنه فلم أبحها بجناية إنما الجناية الفعل لا الإرادة ولكن أبحتها لمنع حرمتي، وكذلك المجنون، وكذلك الصبي والله أعلم.

    الاستحقاق

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا اعترف الرجل دابة في يدي رجل والمعترفة في يديه ينكر أو لا ينكر ولا يعترف كلف المعترف البينة فإن جاء بالبينة أنها دابته لا يعلمون أنه باع ولا وهب أو قالوا لم يبع ولم يهب فليس ذلك مما ترد به شهادتهم وإنما ذلك على العلم أحلف صاحب الدابة بالله إن هذه الدابة ما خرجت من ملكه بوجه من الوجوه ثم دفعت إليه وإذا أسلف الرجل عبدا في طعام أو ثوبا أو عرضا أو دنانير أو دراهم أو ما كان فاستحق ما سلف من ذلك بطل البيع لأن الثمن العين الذي أسلفه ولا تختلف في ذلك الدنانير والدراهم باعها وهو لا يملكها وهذا في بيوع الأعيان فمن باع عينا أو اشترى بعين وشراؤه بالعين بيع للعين فاستحقت تلك العين انتقض البيع، وإذا باع صفة من الصفات مضمونة فقبضها المشتري فاستحقت لم ينتقض البيع. وذلك أن البيع لم يقع على تلك العين وإنما وقع على شيء مضمون بصفة في ذمة البائع كالدين عليه ولا يبرأ منه هو أبدا إلا بأن يسلم لصاحبه فكلما استحق شيء بصفة رجع عليه حتى يستوفي تلك الصفة، وإذا صرف دنانير بأعيانها بدراهم بأعيانها فاستحقت الدراهم أو الدنانير لا فرق بين الدنانير والدراهم وغيرها بطل البيع فيها.

    (قال الربيع) من اشترى شيئا بعينه بشيء بعينه فاستحق أحد الشيئين بطل البيع كله لأن الصفقة جمعت حلالا وحراما فبطلت كلها وهو قول الشافعي

    (قال الشافعي): وإذا اشترى الرجل جارية فأولدها من سوق من أسواق المسلمين أو غير أسواق المسلمين أو نكحته على أنها حرة فولدت له ثم استحقها سيدها فعليه مهر مثلها لسيدها وعليه قيمة أولادها منه يوم سقطوا لأن ذلك أول ما كان لهم حكم الدنيا ويأخذها سيدها مملوكة وإنما أعتق الولد بالغرور، ولو كانت أقرت بالرق فنكح على ذلك فإن ولده مماليك، ولو كان أمتان بين رجلين فاقتسماهما وصارت إحداهما لأحدهما فولدت منه ثم استحقها رجل آخر أخذها ومهر مثلها وقيمة ولدها وولدها أحرار وانتقض القسم بينهما وصارت الجارية باقية بينهما، وإذا ابتاع الرجل جارية فماتت في يديه فالموت فوت ثم استحقها رجل كان له أن يرجع بالقيمة على الذي ماتت في

    يديه وللذي ماتت في يديه أن يرجع على البائع بالثمن الذي أخذ منه وإن كانت ولدت له أولادا فهم أحرار وعليه قيمتهم يوم سقطوا، ولو كانت المسألة بحالها ولم تمت غير أنها زادت في يديه أو نقصت بجناية أصابتها منه أو من غيره أو بشيء من السماء ردها بعينها ولا يقال لهذا فوت إنما يقال لهذا زيادة أو نقص فيردها زائدة ولا شيء له في الزيادة وناقصة وعليه ما نقصها إلا أن يكون أخذ لها أرشا أكثر مما نقصها فعليه رده ويرد النقص الذي من غيره جنايته لأنه كان ضامنا لها لأنها ملك لغيره فأما زيادة الأسواق ونقصانها فليست من الأبدان بسبيل لأنه قد يغصبها ثمن مائة بالغلاء ثم تزيد في بدنها وتنقص أسواقها فتكون ثمة خمسين أفيقال لهذا الذي زادت في يده الذي يشهد رب الجارية وأهل العلم أنها اليوم خير منها يوم أخذها بالضعف في بدنها أغرم نصف قيمتها من قبل أنها رخصت ليس هذا بشيء إنما يغرم نقص بدنها لأنه نقص عين سلعة المغصوب فأما نقص الأسواق فليس من جنايته ولا بسببها.

    وإذا باع الرجل الرجل الأرض فبنى فيها أو غرس ثم استحق رجل نصفها واختار المشتري أن يكون له النصف بنصف الثمن قسمت الأرض فما وقع للمستحق فعلى المشتري قلع البناء والغراس منه، وكذا حمله ويرجع بما نقص الغراس والبناء على البائع وبنصف الثمن، وكذلك الأرض بين الرجلين فيقسمانها.

    (قال الربيع) آخر قول الشافعي أنه إذا استحق بعض ما اشترى فإن البيع كل باطل من قبل أن الصفقة جمعت حلالا وحراما فبطلت كلها.

    (قال الربيع) ويأخذ رب الأرض أرضه ويقلع بناءه منها وغراسه ويرجع رب البناء والغراس على البائع بما غرم لأنه غره فيأخذ منه ما أخذ منه.

    الأشربة

    (أخبرنا الربيع بن سليمان) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة - رضي الله عنها - قالت قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «كل شراب أسكر فهو حرام» وأخبرنا مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت «سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن البتع فقال كل شراب أسكر فهو حرام» وأخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عن الغبيراء فقال لا خير فيها» ونهى عنها. قال مالك عن زيد بن أسلم هي السكركة، أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها حرمها في الآخرة».

    أخبرنا مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس - رضي الله عنه - قال كنت أسقي أبا طلحة الأنصاري وأبي بن كعب وأبا عبيدة بن الجراح شرابا من فضيخ وتمر فجاءهم آت فقال إن الخمر قد حرمت فقال أبو طلحة يا أنس قم إلى هذه الجرار فاكسرها فقال أنس فقمت إلى مهراس لنا فضربتها بأسفله حتى تكسرت أخبرنا سفيان بن عيينة عن محمد بن إسحاق عن معبد بن كعب بن مالك عن أمه وقد كانت صلت القبلتين «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الخليطين وقال انتبذوا كل واحد منهما على حدته» أخبرنا سفيان بن عيينة عن أبي إسحاق عن ابن أبي أوفى قال «نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن نبيذ الجر الأخضر والأبيض والأحمر».

    أخبرنا سفيان بن عيينة عن سليمان الأحول عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال «لما نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الأوعية قيل

    له ليس كل الناس يجد سقاء فأذن لهم في الجر غير المزفت». أخبرنا سفيان عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «لا تنبذوا في الدباء والمزفت» قال ثم يقول أبو هريرة واجتنبوا الحناتم والنقير، أخبرنا سفيان قال: سمعت الزهري يقول: سمعت أنسا يقول: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الدباء والمزفت أن ينتبذ فيه. أخبرنا سفيان عن ابن طاوس عن أبيه «أن أبا تميم الجيشاني سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن البتع فقال: كل مسكر حرام أخبرنا سفيان بن عيينة عن أبي الزبير عن جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان ينبذ له في سقاء فإن لم يكن فتور من حجارة» أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطب الناس في بعض مغازيه قال عبد الله بن عمر فأقبلت نحوه فانصرف قبل أن أبلغه فسألت ماذا قال؟ قالوا نهى أن ننتبذ في الدباء والمزفت» أخبرنا مالك عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى أن ينتبذ في الدباء والمزفت» أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى أن ينبذ التمر والبسر جميعا والتمر والزهو جميعا» أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن ابن وعلة المصري أنه سأل ابن عباس عما يعصر من العنب فقال ابن عباس - رضي الله عنهما - «أهدى رجل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - راوية من خمر فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - أما علمت أن الله تعالى ذكره حرمها؟» قال: لا، فسار إنسانا إلى جنبه، فقال: بم ساررته؟ فقال أمرته أن يبيعها فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «إن الذي حرم شربها حرم بيعها» ففتح فم المزادتين حتى ذهب ما فيهما أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس قال بلغ عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن رجلا باع خمرا فقال قاتل الله فلانا باع الخمر أو ما علم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «قاتل الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها وباعوها؟» أخبرنا سفيان عن أبي الجويرية الجرمي قال ألا إني لأول العرب سأل ابن عباس وهو مسند ظهره إلى الكعبة فسألته عن الباذق فقال سبق محمد - صلى الله عليه وسلم - الباذق وما أسكر فهو حرام أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رجالا من أهل العراق قالوا له: إنا نبتاع من ثمر النخيل والعنب فنعصره خمرا فنبيعها فقال عبد الله إني أشهد الله عليكم وملائكته ومن سمع من الجن والإنس إني لا آمركم أن تبيعوها ولا تبتاعوها ولا تعصروها ولا تسقوها فإنها رجس من عمل الشيطان.

    أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه قال كل مسكر خمر وكل مسكر حرام، أخبرنا مالك عن داود بن الحصين عن واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ وعن سلمة بن عوف بن سلامة أخبراه عن محمود بن لبيد الأنصاري أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - حين قدم الشام شكا إليه أهل الشام وباء الأرض وثقلها وقالوا لا يصلحنا إلا هذا الشراب فقال عمر اشربوا العسل فقالوا لا يصلحنا العسل فقال رجال من أهل الأرض هل لك أن نجعل لك من هذا الشراب شيئا لا يسكر فقال نعم فطبخوه حتى ذهب منه الثلثان وبقي الثلث فأتوا به عمر فأدخل فيه عمر أصبعه ثم رفع يده فتبعها يتمطط فقال هذا الطلاء هذا مثل طلاء الإبل فأمرهم عمر أن يشربوه فقال له عبادة بن الصامت أحللتها والله فقال عمر كلا والله اللهم إني لا أحل لهم شيئا حرمته عليهم ولا أحرم عليهم شيئا أحللته لهم، أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد أنه أخبره أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - خرج عليهم فقال إني وجدت من فلان ريح شراب فزعم أنه شرب الطلاء وإني سائل عما شرب فإن كان يسكر جلدته فجلده عمر الحد تاما. أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج قال قلت لعطاء أتجلد في ريح الشراب؟ فقال عطاء إن الريح لتكون من الشراب الذي ليس به بأس، فإذا اجتمعوا جميعا على شراب واحد فسكر أحدهم جلدوا جميعا الحد تاما.

    (قال الشافعي): وقول عطاء مثل قول عمر لا يخالفه لا يعرف الإسكار في الشراب حتى يسكر منه واحد فيعلم منه أنه مسكر ثم

    يجلد الحد على شربه وإن لم يسكر صاحبه قياسا على الخمر أخبرنا سفيان عن الزهري عن السائب بن يزيد أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - خرج يصلي على جنازة فسمعه السائب يقول إني وجدت من عبيد الله وأصحابه ريح شراب وأنا سائل عما شربوا فإن كان مسكرا حددتهم قال سفيان فأخبرني معمر عن الزهري عن السائب بن يزيد أنه حضره يحدهم، أخبرنا سفيان عن الزهري عن قبيصة بن ذؤيب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «إن شرب فاجلدوه ثم إن شرب فاجلدوه ثم إن شرب فاجلدوه ثم إن شرب فاقتلوه» لا يدري الزهري أبعد الثالثة أو الرابعة فأتي برجل قد شرب فجلده ثم أتي به قد شرب فجلده ثم أتي به قد شرب فجلده ووضع القتل فصارت رخصة قال سفيان قال الزهري لمنصور بن المعتمر ومخول كونا وافدي أهل العراق بهذا الحديث أخبرنا سفيان عن معمر عن الزهري عن عبد الرحمن بن أزهر قال «رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - عام حنين سأل عن رحل خالد بن الوليد فجريت من بين يديه أسأل عن رحل خالد حتى أتاه جريحا وأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - وسلم بشارب فقال اضربوه فضربوه بالأيدي والنعال وأطراف الثياب وحثوا عليه التراب ثم قال النبي - صلى الله عليه وسلم - بكتوه فبكتوه ثم أرسله» فلما كان أبو بكر - رضي الله تعالى عنه - سأل من حضر ذلك الضرب فقومه أربعين فضرب أبو بكر في الخمر أربعين حياته ثم عمر - رضي الله تعالى عنه - حتى تتابع الناس في الخمر فاستشار عمر عليا - رضي الله تعالى عنه - فضربه ثمانين. أخبرنا مالك عن ثور بن زيد الديلي أن عمر بن الخطاب استشار في الخمر يشربها الرجل فقال علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - نرى أن تجلده ثمانين فإنه إذا شرب سكر وإذا سكر هذى وإذا هذى افترى أو كما قال قال فجلد عمر ثمانين في الخمر.

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وبلغنا عن الحسين بن أبي الحسن أن علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - قال ليس أحد نقيم عليه حدا فيموت فأجد في نفسي منه شيئا فإن الحق قتله إلا حد الخمر فإنه شيء رأيناه بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - فمن مات فيه ففيه دية إما قال في بيت المال وإما قال على الإمام أخبرنا ابن أبي يحيى عن جعفر بن محمد عن أبيه أن علي بن أبي طالب قال لا أوتى بأحد شرب خمرا ولا نبيذا مسكرا إلا جلدته الحد أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن أبي جعفر محمد بن علي أن علي بن أبي طالب جلد الوليد بسوط له طرفان أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن أبي جعفر أن عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - قال إن يجلد قدامة اليوم فلن يترك أحد بعده وكان قدامة بدريا. سمعت الشافعي وهو يحتج في ذكر المسكر فقال كلاما قد تقدم لا أحفظه فقال أرأيت إن شرب عشرة ولم يسكر؟ فإن قال حلال قيل أفرأيت إن خرج فأصابته الريح فسكر؟ فإن قال حرام قيل له أفرأيت شيئا قط شربه رجل وصار في جوفه حلالا ثم صيرته الريح حراما؟ وقول الشافعي إن ما أسكر كثيره فقليله حرام؟ أخبرنا مالك عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى أن ينبذ في الدباء والمزفت».

    الوليمة

    أخبرنا الربيع بن سليمان قال حدثنا الشافعي إملاء قال إتيان دعوة الوليمة حق والوليمة التي تعرف وليمة العرس وكل دعوة كانت على إملاك أو نفاس أو ختان أو حادث سرور دعي إليها رجل فاسم الوليمة يقع عليها ولا أرخص لأحد في تركها ولو تركها لم يبن لي أنه عاص في تركها كما يبين في وليمة العرس. فإن قال قائل وهل يفترقان وكلاهما يكلف عند حادث سرور ومن حق المسلم على المسلم أن يسره؟ قيل قد

    يجتمعان في هذا ويجتمع في هذا أن يعمل الرجل عند غير حادث الطعام فيدعو عليه فلا أحب أن يتخلف عنه ويفترقان في أني لم أعلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ترك الوليمة على عرس ولم أعلمه أولم على غيره. وأن «النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر عبد الرحمن بن عوف أن يولم ولو بشاة» ولم أعلمه أمر بذلك أظنه قال أحدا غيره حتى «أولم النبي - صلى الله عليه وسلم - على صفية لأنه كان في سفر بسويق وتمر».

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإن كان المدعو صائما أجاب الدعوة وبارك وانصرف ولم نحتم عليه أن يأكل وأحب إلي أن لو فعل وأفطر إن كان صومه غير واجب إلا أن يأذن قبل وبعد له رب الوليمة.

    (قال الشافعي): أخبرنا عبد الوهاب عن أيوب عن ابن سيرين أن أباه دعا نفرا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فأتاه فيهم أبي بن كعب وأحسبه قال فبارك وانصرف.

    (قال الشافعي) - رحمه الله تعالى -: أخبرنا سفيان بن عيينة سمع عبد الله بن أبي يزيد يقول دعا أبي عبد الله بن عمر فأتاه فجلس ووضع الطعام فمد عبد الله بن عمر يده وقال خذوا بسم الله وقبض عبد الله يده وقال إني صائم.

    (قال الشافعي) - رحمه الله تعالى - أخبرنا مسلم عن جريج (قال الشافعي) لا أدري عن عطاء أو غيره قال جاء رسول ابن صفوان إلى ابن عباس وهو يعالج زمزم يدعوه وأصحابه فأمرهم فقاموا واستعفاه وقال إن لم يعفني جئته.

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا قدر الرجل على إتيان الوليمة بحال لم يكن له عذر في تركها اشتد الزحام أو قل لا أعلم الزحام يمنع من الواجب والذي يجب ذلك عليه من قصد صاحب الوليمة قصده بالدعوة فأما من قال له رسول صاحب الوليمة قد أمرني أن أوذن من رأيت فكنت ممن رأيت أن أوذنك فليس عليه أن يأتي الوليمة لأن صاحب الوليمة لم يقصد قصده وأحب إلي أن لا يأتي. ومن لم يدع. ثم جاء فأكل لم يحل له ما أكل إلا بأن يحل له صاحب الوليمة

    وإذا دعي الرجل إلى الوليمة وفيها المعصية من المسكر أو الخمر أو ما أشبه ذلك من المعاصي الظاهرة نهاهم فإن نحوا ذلك عنه وإلا لم أحب له أن يجلس فإن علم قبل أن ذلك عندهم فلا أحب له أن يجيب ولا يدخل مع المعصية وإن رأى صورا في الموضع الذي يدعى فيه ذوات أرواح لم يدخل المنزل الذي تلك الصور فيه إن كانت تلك منصوبة لا توطأ فإن كانت توطأ فلا بأس أن يدخله، وإن كانت صورا غير ذوات أرواح مثل صور الشجر فلا بأس إنما المنهي عنه أن يصور ذوات الأرواح التي هي خلق الله، وإن كانت المنازل مستترة فلا بأس أن يدخلها وليس في الستر شيء أكرهه أكثر من السرف وأحب للرجل إذا دعاه الرجل إلى الطعام أن يجيبه.

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): بلغنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «لو أهدي إلي ذراع لقبلتها ولو دعيت إلى كراع لأجبت».

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): أخبرنا مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتى أبا طلحة وجماعة معه فأكلوا عنده وكان ذلك في غير وليمة».

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): «ودعت امرأة سعد بن الربيع النبي - صلى الله عليه وسلم - ونفرا من أصحابه فأتاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن دعت فأكلوا عندها».

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإني لأحفظ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أجاب إلى غير دعوة في غير وليمة.

    صدقة الشافعي - رضي الله عنه

    - هذا كتاب كتبه محمد بن إدريس بن العباس الشافعي في صحة منه وجواز من أمره وذلك في صفر سنة ثلاث ومائتين أن الله عز وجل رزق أبا الحسن بن محمد بن إدريس مالا فأخذ محمد بن إدريس من مال ابنه أبي الحسن بن محمد أربعمائة دينار جيادا صحاحا مثاقيل وضمنها محمد بن إدريس لابنه أبي الحسن بن محمد بن إدريس وأشهد محمد بن إدريس شهود هذا الكتاب أنه تصدق على ابنه أبي الحسن بن محمد بن إدريس بثلاثة أعبد منهم وصيف أشقر خصي يقال له صالح ووصيف نوبي خباز يقال له بلال وعبد فراني قصار يدعى سالما وبأمة شقراء تدعى فلانة وقبضهم محمد بن إدريس لابنه أبي الحسن من نفسه وصاروا من مال ابنه أبي الحسن وخرجوا من ملك محمد بن إدريس وأشهد محمد بن إدريس شهود هذا الكتاب أنه تصدق على ابنه أبي الحسن بن محمد بن إدريس بجميع حليه وهو مسكنان ودملجان وخلخالان وقلادة كل ذلك من الذهب وبمثل هذا حلي من الورق وقبضه له من نفسه ودفعه إلى أمه تقبضه له وتحفظه عليه وصار كل ما تصدق به محمد بن إدريس على أبي الحسن بن محمد مالا من مال أبي الحسن بن محمد وأشهد محمد بن إدريس شهود هذا الكتاب أنه تصدق بمسكنه الذي بمهبط ثنية كدى من مكة قبالة دار منيرة على يسار الخارج من مكة في شعب محمد بن إدريس وهما المسكنان اللذان أحدهما المسكن الذي بفناء دار محمد بن إدريس العظمى أحد هذين المسكنين المسكن الذي بناه محمد بن إدريس إلى جنب المنزل الذي يعرف بجابر بن محمد.





    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  7. #267
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,584

    افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله


    كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
    محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
    المجلد السادس
    الحلقة (267)
    صــــــــــ 197 الى صـــــــــــ 202



    وذلك المنزل أحد حدوده كدى وحده الثاني الرحبة التي بفناء دار محمد بن إدريس العظمى والحد الثالث طريق شعب محمد بن إدريس والحد الرابع طريق الشعب العظمى إلى ذي طوى والمسكن الثاني سقائف حجارة نجيرتها وحجرتها على رأس الجبل الذي فيه الخزانة الصغيرة وهذا المنزل الذي يعرف بفلان بن عبد الجبار والمنزل الذي يعرف بعمرو المؤذن تصدق محمد بن إدريس بهذين المسكنين بجميع حقوقهما وأرضهما وبنائهما وعامرهما وطرقهما وكل حق هو لهما داخل فيهما وخارج منهما على ابنه أبي الحسن بن محمد بن إدريس صدقة محرمة لا تباع ولا تورث حتى يرثها الله الذي يرث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين يملك أبو الحسن من منافعهما ما يملك من منافع الصدقات المحرمات ما عاش أبو الحسن بن محمد بن إدريس لا حق فيها لأحد معه حتى تعتق أم أبي الحسن بن محمد فإذا عتقت أم أبي الحسن بن محمد بن إدريس كانت أسوته في هذين المسكنين فإذا انقرض أبو الحسن فهذان المسكنان لولد أبي الحسن بن محمد وولده الذكور والإناث الذين عمود نسب آبائهم إليه ما تناسلوا وجدتهم أم أبي الحسن بن محمد معهم لها كحظ واحد منهم حتى تموت فإذا انقرض أبو الحسن وولد ولده فهذان المسكنان لأم أبي الحسن حتى تنقرض فإذا انقرضت فهذان المسكنان لفاطمة وزينب ابنتي محمد بن إدريس وولده إن ولد لمحمد بن إدريس بعد هذا الكتاب شرعا فيه سواء ما تناسلوا ولا يكون هذان المسكنان لأحد من ولد محمد بن إدريس ولا ولد ولده ولا ولد أبي الحسن بن محمد ولا ولد ولده من الإناث إلا بنتا عمود نسب أبيها إلى محمد بن إدريس أو إلى أبي الحسن محمد بن إدريس فإذا انقرضوا فهذان المنزلان صدقة على آل شافع بن السائب فإذا انقرضوا فعلى من حضر مكة من بني المطلب بن عبد مناف فإذا انقرضوا فعلى الفقراء والمساكين وابن السبيل والحاج والمعتمر وقد دفع محمد بن إدريس هذين المسكنين إلى أحمد بن محمد بن الوليد الأزرقي فهما

    بيده لأبي الحسن بن محمد ثم لمن سمى معه وبعده وأخرجهما محمد بن إدريس من ملكه وجعلهما على ما شرط في هذا الكتاب لأبي الحسن بن محمد ومن سمى معه وبعده شهد على إقرار محمد بن إدريس بما في هذا الكتاب وعلى أن أبا الحسن بن محمد المولود بمصر متصدق عليه بما في هذا الكتاب على ما شرط فيه صغير يلي محمد بن إدريس أبوه القبض له والإعطاء منه وما يلي الأب من ولده الصغار

    البحيرة والوصيلة والسائبة والحام


    (أخبرنا الربيع بن سليمان) قال. (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): قال الله تبارك وتعالى {ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام} فلم يحتمل إلا ما جعل الله ذلك نافذا على ما جعلتموه وهذا إبطال ما جعلوا منه على غير طاعة الله عز وجل.

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): كانوا يبحرون البحيرة ويسيبون السائبة ويوصلون الوصيلة ويحمون الحام على غير معان سمعت كثيرا من طوائف العرب يحكون فيه فتجتمع حكايتهم على أن ما حكوا منه عندهم من العلم العام الذي لا يشكون فيه ولا يمكن في مثله الغلط لأن فيما ذكروا أنهم سمعوا عوامهم يحكونه عن عوام من كان قبلهم فكان مما حكوا مجتمعين على حكايته أن قالوا البحيرة الناقة تنتج بطونا فيشق مالكها أذنها ويخلي سبيلها ويحلب لبنها في البطحاء ولا يستجيزون الانتفاع بلبنها ثم زاد بعضهم على بعض فقال بعضهم تنتج خمسة بطون فتبحر وقال بعضهم وذلك إذا كانت تلك البطون كلها إناثا، والسائبة العبد يعتقه الرجل عند الحادث مثل البرء من المرض أو غيره من وجوه الشكر أو أن يبتدئ عتقه فيقول قد أعتقتك سائبة يعني سيبتك فلا تعود إلي ولا لي الانتفاع بولائك كما لا يعود إلي الانتفاع بملكك وزاد بعضهم فقال السائبة وجهان هذا أحدهما والسائبة أيضا يكون من وجه آخر وهو البعير ينجح عليه صاحبه الحاجة أو يبتدئ الحاجة أن يسيبه فلا يكون عليه سبيل.

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ورأيت مذاهبهم في هذا كله فيما صنعوا أنه كالعتق. قال والوصيلة الشاة تنتج الأبطن فإذا ولدت آخر بعد الأبطن التي وقتوا لها قيل وصلت أخاها وزاد بعضهم تنتج الأبطن الخمسة عناقين عناقين في كل بطن فيقال هذه وصيلة تصل كل ذي بطن بأخ له معه وزاد بعضهم فقال قد يوصلونها في ثلاثة أبطن ويوصلونها في خمسة وفي سبعة. قال: والحام الفحل يضرب في إبل الرجل عشر سنين فيخلى ويقال قد حمى هذا ظهره فلا ينتفعون من ظهره بشيء وزاد بعضهم فقال يكون لهم من صلبه وما أنتج مما خرج من صلبه عشر من الإبل فيقال قد حمى هذا ظهره. قال: وأهل العلم من العرب أعلم بهذا ممن لقيت من أهل التفسير وقد سمعت من أهل التفسير من يحكي معنى ما حكيت عن العرب وفيما سمعت حكايتهم نصا ودلالة من أخبارهم أنهم كانوا يبحرون البحيرة ويسيبون السائبة ويوصلون الوصيلة ويحمون الحام على وجوه جماعها أن يكونوا مؤدين بما يصنعون من ذلك حقا عليهم من نذر نذروه فوفوا به أو فعلوه بلا نذرهم أو بحق وجب عليهم عندهم فأدوه، وكان عندهم إذا فعلوه خارجا من أموالهم بما فعلوا فيه مثل خروج ما أخرجوا إلى غيرهم من المالكين وكانوا يرجون بأدائه البركة في أموالهم وينالون به عندهم مكرمة مع التبرر بما صنعوا فيه.

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وكان فعلهم يجمع أمورا منها أمر واحد بر في الأخلاق وطاعة لله عز وجل في منفعته ثم شرطوا في ذلك الشيء شرطا ليس من البر فأنفذ البر ورد الشرط الذي ليس من البر وهو أن أحدهم كان يعتق عبده سائبة ومعنى يعتقه سائبة هو أن يقول أنت حر سائبة فكما أخرجتك من ملكي وملكتك نفسك فصار ملكك لا يرجع إلي بحال أبدا فلا يرجع إلي

    ولاؤك كما لا يرجع إلي ملكك فكان العتق جائزا في كتاب الله عز وجل بدأ فيه ثم في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم عند عوام المسلمين وكان الشرط بأن العتق سائبة لا يثبت ولاؤه لمعتقه شرطا مبطلا في كتاب الله تبارك وتعالى بقوله عز وجل {ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام} والله تعالى أعلم لأنا بينا أن قول الله عز وجل وعلا {ولا سائبة} لا يحتمل إلا معنيين أحدهما أن العبد إذا أعتق سائبة لم يكن برا كما لم تكن البحيرة والوصيلة والحام على ما جعل مالكها من تبحيرها وتوصيلها وحماية ظهورها فلما أبطل الله جل ذكره شرط مالكها فيها كانت على أصل ملك مالكها قبل أن يقول مالكها ما قال.

    (قال الشافعي): فإن قال قائل أفتوجدني في كتاب الله عز وجل في غير هذا بيانا لأن الشرط إذا بطل في شيء أخرجه إنسان من ماله بغير عتق بني آدم رجع إلى أصل ملكه؟ قيل نعم قال الله عز ذكره {اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا} وقال عز وجل {وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون} وفي الإجماع أن من باع بيعا فاسدا فالبائع على أصل ملكه لا يخرج من ملكه إلا والبيع فيه صحيح والمرأة تنكح نكاحا فاسدا هي على ما كانت عليه لا زوج لها

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ويحتمل لقائل لو قال بظاهر الآية إذا لم يكن من أهل العلم أبطل الشرط في السائبة كما أبطله في البحيرة والوصيلة والحام وكلها على أصل ملكها لمالكها لم تخرج منه ولا عتق للسائبة لأن سياق الآية فيها واحد.

    (قال): وهذا قول وإن احتملته الآية لا يقوم ولا أعلم قائلا يقول به والآية محتملة المعنى الأول قبله الذي ذكرت أنه أحد المعنيين وهو أن قوله عز وجل {ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام} يعني والله أعلم على ما جعلتم فأبطل في البحيرة والوصيلة والحام لأن العتق لا يقع على البهائم ولا تكون إلا مملوكة للآدميين ولا تخرج من ملك مالكها منهم إلا إلى مالك منهم وأكثر السائبة إذا كان من الإبل والبهائم قبل التسييب وبعده سواء لا تملك أنفسها كهي وإذا كان من الناس من يخرج من ملك مالكه للآدمي إلى أن يصير مثله في الحرية وأن يكون مالكا كما يكون معتقه مالكا وكان الذي أبطل الله تعالى والله أعلم من السائبة أن يكون كما قال خارجا من ولائه بشرطه ذلك في عتقه وأقر ولاءه لمعتقه كما أقر ملك البحيرة والسائبة والوصيلة لمالكه.

    (قال الشافعي): فإن قال قائل هل على ما وصفت دلالة من كتاب الله عز وجل تبين ما قلت من خلاف بني آدم للبهائم وغير بني آدم من الأموال أو سنة أو إجماع؟ قيل نعم فإن قال قائل فأين هي؟ قيل قال الله عز وجل {فلا اقتحم العقبة} إلى قوله {ذا متربة} ودل على أن تحرير الرقبة والإطعام ندب الله إليه حين ذكر تحرير الرقبة وقال الله عز وجل في المظاهرة {فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا} وقال تبارك اسمه في القاتل خطأ {فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة} وقال في الحالف {فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة} وكان حكمه تبارك وتعالى فيما ملكه الآدميين من الآدميين أنهم يخرجونهم من ملكهم بمعنيين أحدهما فك الملك عنهم بالعتق طاعة لله عز وجل برا جائزا ولا يملكهم آدمي بعده والآخر أن يخرجهم مالكهم إلى آدمي مثله ويثبت له الملك عليهم كما يثبت للمالك الأول بأي وجه صيرهم إليه قال فكان حكم الله - والله تعالى أعلم - في البهائم ما وصفت من أن العتق لا يقع عليها ولا تزايل ملك صاحبها ما كان حيا إلا إلى مالك من الآدميين يقول فيه قد أخرجتها من م
    بيان معنى البحيرة السائبة الوصيلة والحام

    أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه «عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها قالت جاءتني بريرة فقالت: إني كاتبت أهلي على تسع أواق في كل عام أوقية فأعينيني فقالت لها عائشة: إن أحب أهلك أن أعدها لهم عددتها ويكون ولاؤك لي فعلت فذهبت بريرة إلى أهلها فقالت لهم ذلك فأبوا عليها فجاءت من عند أهلها ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس فقال إني قد عرضت ذلك عليهم فأبوا إلا أن يكون الولاء لهم فسمع بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسألها؟ فأخبرته عائشة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خذيها واشترطي لهم الولاء فإن الولاء لمن أعتق ففعلت عائشة - رضي الله عنها - ثم قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد فما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله عز وجل ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط قضاء الله أحق وشرط الله أوثق وإنما الولاء لمن أعتق».

    (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر «عن عائشة - رضي الله عنها - أنها أرادت أن تشتري جارية تعتقها فقال أهلها نبيعكها على أن ولاءها لنا فذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال لا يمنعنك ذلك فإن الولاء لمن أعتق».

    (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك قال حدثني يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن «أن بريرة جاءت تستعين عائشة فقالت عائشة إن أحب أهلك أن أصب لهم ثمنك صبة واحدة وأعتقك فعلت فذكرت ذلك بريرة لأهلها فقالوا لا إلا أن يكون ولاؤك لنا قال مالك قال يحيى فزعمت عمرة أن عائشة ذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال لا يمنعنك ذلك فاشتريها وأعتقيها فإن الولاء لمن أعتق» أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك وابن عيينة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الولاء وعن هبته» (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا محمد بن الحسن عن يعقوب بن إبراهيم أبي يوسف عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب».

    (قال الشافعي): - رحمه الله - فكان في حديث عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في بريرة في إبطال شرط مالكيها الذين باعوها على عائشة على أن الولاء لهم وإثباته لبريرة العتق دلالة على مثل معنى قول الله عز وجل {ولا سائبة} فإن الله جل وعلا أبطل التسييب إذا شرط مالكه أن لا يكون له ولاء المعتق المسيب وأبطل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شرط مالك بريرة الذي باعها أن له الولاء دون معتقها وثبت الولاء لمن أعتق فكان في قوله «إنما الولاء لمن أعتق» معنيان أن لا يكون معتق أبدا يزول عنه الولاء بإزالته إياه عن نفسه مع عتق ولا قبله ولا بعده ولا بحال من الحالات اختلاف دينين ولا غيره ولو زال عن أحد زال عن عائشة إذا لم تملك بريرة إلا بشرط تعتقها وولاؤها للذي ملكها إياها فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «إنما الولاء لمن أعتق» وكان معتق السائبة معتقا وإنما شرط أن لا يكون له ولاء وكان ولاؤه ثبت بحكم الله عز وجل، ثم حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا ينتقل عنه. والمعنى الثاني أن لا يكون الولاء إلا للمعتق فمن أعتق من خلق الله عز وجل ممن يقع العتق عليه كان الولاء للمعتق ولا يجوز غير هذا أبدا بدلالة الكتاب والسنة.

    باب تفريع العتق

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا عتق الرجل عبده سائبة فهو حر وله ولاؤه وإذا أعتق الكافر عبدا له مؤمنا فهو حر وله ولاؤه، وكذلك لو أعتق مؤمن كافرا ولا عذر لأحد من أهل العلم في الشك في هذا والله تعالى أعلم. لأن الذي أعتق عبده سائبة والكافر يسلم عبده فيعتقه والمؤمن يعتق عبده الكافر لا يعدون أبدا أن يكونوا مالكين يجوز عتقهم ففي كتاب الله عز وجل دلالة في إبطال التسييب أن الولاء لمن أعتق وفي قوله {ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم} فنسبهم لشيئين إلى الآباء وإلى الولاء كما نسبهم إلى الآباء نسبهم إلى الولاء. وفي قول الله عز وجل {وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه} ولو غرب على أحد علم هذا من كتاب الله عز وجل كان في قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «إنما الولاء لمن أعتق» دليل على أن المسيب والمؤمن يعتق الكافر والكافر يعتق المؤمن لا يعدون أن يكونوا معتقين فيكون في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «أن الولاء لمن أعتق» أو يكونوا غير مالكين فلا يختلف المسلمون في أن من أعتق ما لا يملك لم يكن حرا ولا يكون هؤلاء معتقين.

    الخلاف في السائبة والكافر يعتق المؤمن

    (قال الشافعي): - رحمه الله -: ولا أحفظ عن أحد لقيته من فقهاء المكيين والمشرقيين خلافا فيما قلت من أن ولاء السائبة والمؤمن يعتقه الكافر لمن أعتقهما. وقد حفظت عن بعض المدنيين من أهل الحديث هذا وخالفنا بعض أصحابنا في ميراث السائبة: فقال أحدهم: يوالي من شاء. وقال آخر: لا يوالي من شاء وولاؤه للمسلمين وقال قائل: هذا وإذا أعتق الكافر عبده والعبد مسلم فولاؤه للمسلمين وإذا أسلم سيده الذي أعتقه لم يرجع إليه ولاؤه ولو أعتق رجل كافر عبدا كافرا ثم أسلم العبد المعتق قبل المولى المعتق كان ولاؤه للمسلمين إذا مات ورثوه فإن أسلم السيد المعتق قبل أن يموت رجع إليه ولاؤه لأنه قد كان ثبت له الولاء ولو أسلم العبد المعتق قبل المولى المعتق وللمولى المعتق بنون مسلمون كان ولاؤه لبنيه المسلمين.

    (قال الشافعي): - رحمه الله -: وقد وصفت موضع الحجة على هذا القول من الكتاب والسنة ووصفت بعد هذا الحجة عليه وهذا قول ينقض بعضه بعضا. أرأيت إن زعم أن الكافر يعتق الكافر فيكون الولاء ثابتا للكافر على الكافر ثم أسلم العبد المعتق والمولى كافر يخرج الولاء زعم من يديه بإسلامه أرأيت إذا زعم أيضا أن الكافر إذا أعتق عبدا مسلما لم يكن له ولاؤه وإن أسلم وإن كان للكافر ولد مسلمون كان لهم ولاؤه فكيف يرثه ولد المولى المعتق بأن كان ولد المولى المعتق مسلمين إذا لم يكن الولاء لأبيهم فكيف يرثونه بولاء أبيهم إنما ينبغي أن يكونوا في قوله كأسوة المسلمين في ولائه.

    وكيف إذا ورثوه بالولاء ثم أسلم المولى المعتق إذا كان كافرا والذي أعتق كافرا رجع إليه الولاء وقد أحرزه بنوه دونه فإن كانوا أحرزوه دونه لم يرجع إليه. وإن كانوا أحرزوه بسببه فالولاء له ولكنه لا يرث لاختلاف الملتين.

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وما وصفت يدخل على من قال من أهل ناحيتنا ما حكيت وأكثر منه. ومن مختصر ما يدخل عليه في قول الله عز وجل {ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة} أنه لا بد بحكم الله تبارك وتعالى أن يبطل أمر السائبة كله أو بعض أمره دون بعض لأن الله تبارك وتعالى

    قد ذكره مبطلا مع ما أبطل قبله وبعده من البحيرة والوصيلة والحام. فإن قال يبطل أمر السائبة كله فلا يجعل عتقه عتقا كما لا تجعل البحيرة والوصيلة والحام خارجة عن ملك مالكيها فهذا قول قد يحتمله سياق الآية ولكن الله عز وجل قد فرق بين إخراج الآدميين من ملك مالكيهم وإخراج البهائم فأجزنا العتق في السائبة بما أجاز الله تبارك وتعالى من العتق وأمر به منه ولما أجزنا العتق في السائبة كنا مضطرين إلى أن نعلم أن الذي أبطل الله عز وجل من السائبة التسييب وهو إخراج المعتق للسائبة ولاء السائبة من يديه فلما أبطله الله تبارك وتعالى كان ولاؤه للمعتق مع دلائل الآي في كتاب الله عز وجل فيما ينسب فيه أصل الولاء إلى من أعتقهم.

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ويلزم قائل هذا القول أن يسأل عن السائبة أعتقها مالك؟ فإن قال نعم: قيل له فقد «قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الولاء لمن أعتق» وإن قال: لا قيل له فلم تعتق السائبة؟ ولو لم يعتقها مالكها لم تعتق ويلزمه في الشبه هذا في النصراني مالك يعتق المسلم فإن قال النصراني مالك معتق قيل: فقد «قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الولاء لمن أعتق» وإن قال لا يكون مالكا لمسلم فليس المسلم المعتق يجوز عتقه لأنه أعتقه غير مالك فإن قال ألا ترى أن المولى لا يرثه؟ قيل له وما للميراث والولاء والنسب؟ فإن قال فأبن أنه إذا منع ميراثه ثبت له الولاء؟ قيل نعم: أرأيت لو قتله مولاه أيرثه؟ فإن قال لا. قيل له أفيزول ولاؤه عنه؟ فإن قال: لا قيل فما أزال الميراث لا يزيل الولاء فإن قال أما ها هنا فلا قيل فكيف قلت هناك ما قلت ما أزال الميراث أزال الولاء؟ وقيل له: أنه رأيت إذ نسب الله عز وجل إبراهيم خليله - عليه الصلاة والسلام - إلى أبيه وأبوه كافر ونسب ابن نوح وهو كافر إلى أبيه نوح - عليه السلام - أرأيته قطع الأبوة باختلاف الملتين؟ فإن قال: لا قيل أفيرث الأب ابنه والابن أباه؟ فإن قال لا قيل فتنقطع الأبوة بانقطاع الميراث؟ فإن قال لا قيل فكيف قطعت الولاء ولم تقطع النسب وهما معا سبب؟ إنما منع الميراث باختلاف الدينين. وقد يمنع بأن يكون دونه من يحجبه وذلك لا يقطع ولاء ولا نسبا والحجة تمكن على قائل هذا القول بأكثر من هذا وفي أقل من هذا كفاية إن شاء الله تعالى.

    الخلاف في الموالي


    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ووافقنا بعض الناس في السائبة والمشرك يعتق المسلم فقال هذا القول نص الكتاب والسنة وخالفنا هؤلاء من المشرقيين فقالوا إذا أسلم الرجل على يدي الرجل فله ولاؤه وللمسلم على يديه أن ينتقل بولائه ما لم يعقل عنه فإذا عقل عنه لم يكن له أن ينتقل بولائه، وهكذا اللقيط وكل من لا ولاء له يوالي من شاء وينتقل بولائه ما لم يعقل عنه فإذا عقل عنه لم يكن له أن ينتقل بولائه.

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): فقيل لبعض من يقول هذا القول إلى أي شيء ذهبتم فيه؟ فقال ذهبنا إلى أن عبد العزيز بن عمر حدث عن ابن موهب عن تميم الداري «أن رجلا أسلم على يدي رجل فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - أنت أحق الناس بحياته وموته» فقيل له إن كان هذا الحديث ثابتا كنت قد خالفته. فقال وأين؟ قلت زعمت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «أنت أحق الناس بحياته ومماته» قال نعم قلت فما زعمت لا يدل على أن إسلام المرء على يدي المرء يثبت له

    عليه ما يثبت العتق على المعتق للمعتق أفيكون له إذا أعتق أن ينتقل بولائه؟ قال لا قلت فقد خالفت الحديث فزعمت أنه إنما يثبت له الولاء ما رضي به ولم ينتقل وإذا انتقل انتقل الولاء عنه حتى يعقل عنه. أو رأيت إذا والى فكان لو مات ورث المولى الولاء كيف كان له أن ينتقل بولائه وقد ثبت الولاء عليه وثبت له على عاقلة الذي والاه أن يعقلوا عنه أو يجوز أن يكون في إسلام المرء على يدي غيره أو موالاته إياه إلا واحد من قولين أحدهما أن يثبت بالإسلام والموالاة ما يثبت بالعتق وما يثبت من ولاء عندنا وعندك لم يتحول كما لا يتحول النسب أو يكون الإسلام والموالاة لم يثبتا شيئا لأنهما ليسا من معاني النسب ولا الولاء.
    لكي وكان هكذا كل ما سوى بني آدم مما يملك بنو آدم نصا في كتاب الله عز وجل ودلالة بما ذكرت فيما سوى الآدميين من بهيمة ومتاع ومال ولا أعلم مخالفا في أن امرأ لو قال لمماليكه من الآدميين أنتم أحرار عتقوا ولو قال لملكه من البهائم أنتم أحرار لم تعتق بهيمة ولا غير آدمي.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  8. #268
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,584

    افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله


    كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
    محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
    المجلد السادس
    الحلقة (268)
    صــــــــــ 203 الى صـــــــــــ 208




    فأما ما ذهبت إليه فليس واحدا من القولين وزعمت أنه ثابت وللمولى أن ينتقل حتى يعقل عنه أو رأيت إن قالت العاقلة لا نعقل عن هذا شيئا لأن هذا لا ذو نسب ولا مولى وله الخيار في أن ينتقل عنه فاجعل لنا ولصاحبنا الذي والاه الخيار في أن ندفع ولاءه فالمولى من أعلى أولى أن يكون هذا له من المولى من أسفل ما تقول له؟ وإن جاز هذا لك جاز لغيرك أن يجعل الخيار للأعلى ولا يجعله للأسفل وهذا لا يجوز لواحد منكما. أرأيت ولدا إن كانوا للمسلم على يدي الرجل وكانوا لا ولاء لهم أيجر ولاؤهم كما يجره المعتق للأب إذا أعتق؟ قال: فإن قلت نعم قلت فقله قال فإذا يتفاحش على فأزعم أنه إذا أسلم جر الولاء وإذا انتقل به انتقل ولاؤه ويتفاحش في أن أقول قد كان لهم في أنفسهم مثل الذي له فإن قلت: يجر الأب ولاءهم قطعت حقوقهم في أنفسهم وإن قلت بل لهم في أنفسهم مثل ما له زعمت أنه لا يجر ولاءهم ولذلك أقول لا يجر ولاءهم قلت ويدخل عليك فيه أفحش من هذا قال قد أرى ما يدخل فيه أثابت الحديث؟ قلت لا وأنت تعلم أنه ليس بثابت وأن ابن موهب رجل ليس بالمعروف بالحديث ولم يلق تميما الداري وهو غير ثابت من وجهين.

    وقد قلت في اللقيط بأن عمر قال لمن التقطه هو حر ولك ولاؤه قلت أنت تقول في اللقيط أنه يوالي من شاء؟ قال نعم إن لم يوال عنه السلطان وإذا والى عنه السلطان فهذا حكم عليه قلت أفتثبت عليه موالاة السلطان فلا يكون له إذا بلغ أن ينتقل بولائه أو يكون له الانتقال بولائه إذا بلغ قال فإن قلت بل له الانتقال بولائه كما يكون له أن يوالي ثم ينتقل بولائه ما لم يعقل عنه؟ قلت له فموالاة السلطان إذا عنه غير حكم عليه قال نعم وكيف يجوز أن تكون حكما عليه؟ قلت المسألة عليك لأنك بها تقول قال ما يصلح الحكم إلا على المتقدم من الخصومة وما ها هنا متقدم من خصومه قلت فقل ما شئت قال فإذا قلت فهو حكم قلت فقد رجعت إلى أن قلت بما أنكرت أن يكون يصلح الحكم إلا على المتقدم من خصومة وما ههنا متقدم من خصومة.

    قال فلا أقوله وأقول له أن ينتقل بولائه قلت فقد خالفت ما رويت عن عمر ولا أسمعك تصير إلى شيء إلا خالفته قال فيم تركت الحديثين قلت بالدلالة في السائبة أن حكم الله عز وجل أن يبطل التسييب ويثبت العتق ويكون الولاء لمن أعتق وما جامعتنا عليه؟ في النصراني بمعنى كتاب الله عز وجل ونص سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولما يلزمك فيما جامعتنا عليه في النصراني يعتق المسلم لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «إنما الولاء لمن أعتق» وهذا معتق فلزمت فيهما معنى الكتاب والسنة. ثم اضطرب قولك فزايلت معناهما قال ذهبت إلى حديث ثبت قلت أما الذي رويت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يثبت عندنا.

    وأما الذي رويت عن عمر فلو ثبت لم يكن في أحد حجة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع أنه ليس بين أن يثبت، وفي قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «فإنما الولاء لمن أعتق» معنيان بينان أن الولاء لا يزول عمن أعتق ولا يثبت إلا لمعتق لأن قوله «فإنما الولاء لمن أعتق» نفي أن يكون الولاء لغير معتق. وذلك أن من قال إنما أردت كذا فقد بين ما أراد ونفى أن يكون أراد غيره. وكذلك إنما وقعت بهذا المعنى فأخذت بأحد معنيي الحديث وتركت الثاني.

    وهذا ليس لك ولا لأحد مع إنا وإياك لا نختلف في أن الولاء نسب من الأنساب لا يزول قال: أجل قلت أفرأيت رجلا لا أب له ولا ولاء أله أن ينتسب إلى رجل بتراض منهما قال لا يجوز النسب إلا بفراش أو في معنى فراش من الشبه فإذا لم يكن فراش ولا معنى فراش وذكرا أنهما يتراضيان بالنسب فلا نسب. قلت وكذلك لو أراد رجل أن ينفي من ولد فراشه ورضي بذلك المنفي قال لا يكون ذلك لهما قلت وذلك أن إثبات النسب من الفراش ونفيه من الفراش للنافي وللمنفي وغيرهما سيان فيكون للولد المنفي ولعشيرته فيه حق لأنهم يرثونه ويعقلون عنه ويعقل عنهم ولو جاز إقراره على نفسه لم يجز على غيره ممن له حق في ميراثه وعقله.

    قال: نعم قلت أفكذلك تجد المولى المعتق؟ قال سواء قلت فكيف لم تقل هذا في المولى الموالي فلا تثبته إلا بما يثبت له به الحق عشيرته ممن والاه أن يعقلوا عنه وكما لم يزل عنهم ولاء المعتق أو يثبت لهم عليه ميراث فلا تعطيهم ولا تمنع منهم إلا بأمر ثابت لأن في ذلك حكما عليهم وعلى غيرهم ممن كان ولم يكن ولهم ولغيرهم ممن كان ولم يكن. قال وذكرت له غير هذا مما في هذا كفاية عنه قال فإن من أصحابك من وافقك في الذي خالفناك فيه من اللقيط والموالي وقال فيه قولك وخالفك في الذي وافقناك فيه من السائبة والذمي يعتق المسلم قلت أجل وحجتنا عليه كهي عليك أو أوضح لأنك قد ذهبت إلى شبهة لا يعذرك بها أهل العلم ويعذرك بها الجاهل وهم لم يذهبوا إلى شبهة يعذر بها جاهل ولا عالم وموافقتك حيث وافقتنا حجة عليك وموافقتهم حيث وافقونا حجة عليهم وليس لأحد أن يخرج من معنى كتاب الله عز وجل ثم سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا من واحد منهما في أصل ولا فرع وإنما فرقنا بين العالمين والجاهلين بأن العالمين علموا الأصول فكان عليهم أن يتبعوها الفروع فإذا زيلوا بين الفروع والأصول فأخرجوا الفروع من معاني الأصول كانوا كمن قال بلا علم أو أقل عذرا منه لأنهم تركوا ما يلزمهم بعد علم به والله يغفر لنا ولكم معا، فإن قال قد يغبون فعلهم قلت ومن غبي عنه مثل هذا الواضح كان حقه عليه أن لا يعالج الفتيا لأن هذا مما لا يجوز أن يخطئ فيه أحد لوضوحه.

    تفريع البحيرة والسائبة والوصيلة والحام


    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولما قال الله عز وجل {ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام} فكان في قول الله عز وجل {ما جعل الله من بحيرة} الآية دلالة على ما جعل الله لا على ما جعلتم وكان دليلا على أن قضاء الله جل وعز أن لا ينفذ ما جعلتم وكانت البحيرة والوصيلة والحام من البهائم التي لا يقع عليها عتق وكان مالكها أخرجها من ملكه إلى غير ملك آدمي مثله وكانت الأموال لا تملك شيئا إنما يملك الآدميون كان المرء إذا أخرج من ملكه شيئا إلى غير مالك من الآدميين بعينه أو غير عينه كمن لم يخرج من ملكه شيئا وكان ثابتا عليه كما كان قبل إخراجه وكان أصل هذا القول فيما ذكرنا من كتاب الله عز وجل فكل من أخرج من ملكه شيئا من بهيمة أو متاع أو غيره غير الآدميين فقال قد أعتقت هذا أو قد قطعت ملكي عن هذا أو وهبت هذا أو بعته أو تصدقت به ولم يسم من وهبه له ولا باعه إياه ولا تصدق به عليه بعين ولا صفة كان قوله باطلا وكان في ملكه كما كان قبل أن يقول ما قال ولم يخرج من ملكه ما كان حيا بحال إلا أن يخرجه إلى آدمي يعينه أو يصفه حين أخرجه من ملكه ولا يكون خارجا من ملكه إلا ومالك له مكانه لا بعد ذلك بطرفة عين.

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): والسائبة إذا كانت من الإبل كالبحيرة وهكذا الرقيق إذ أخرجهم مالكهم من ملكه

    إلى غير ملك كالبهائم والمتاع إلا أن يخرجهم بعتق أو كتابة فإنها من أسباب العتق وما كان من سبب عتق كان مخالفا

    (قال الشافعي): وإذا كانت البحيرة والوصيلة والسائبة والحام نذرا فأبطلها الله عز وجل ففي هذا لغيره دلالة أن من نذر ما لا طاعة لله فيه لم يبر نذره ولم يكفره لأن الله تبارك وتعالى أبطله ولم يذكر أن عليه فيه كفارة والسنة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد جاءت بمثل الذي جاء به كتاب الله تبارك وتعالى.

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): أخبرنا مالك عن طلحة بن عبد الملك الأيلي عن القاسم بن محمد عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه» (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن عيينة وعبد الوهاب بن عبد المجيد عن أيوب بن أبي تميمة عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «لا نذر في معصية ولا فيما لا يملك ابن آدم» وكان الثقفي ساق هذا الحديث فقال: «نذرت امرأة من الأنصار انقلبت على ناقة للنبي - صلى الله عليه وسلم - أن تنحرها فذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال لا نذر في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم».

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولم يأمر الله تعالى ثم لم يأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في واحد من الأمرين بكفارة إذا بطل النذر والمعصية في هذا الحديث أن تنحر المرأة ناقة غيرها وذلك أنها مما لا تملك فلو أن امرأ نذر أن يعتق عبد رجل لم يكن عليه عتقه، وكذلك أن يهدي شيئا من ماله، وكذلك كل ما نذر أن يفعله مما لا طاعة في فعله لم يكن عليه أن يفعله ولا عليه كفارة بتركه.

    (قال الشافعي) أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن طاوس «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر بأبي إسرائيل وهو قائم في الشمس فقال ما له؟ فقالوا نذر أن لا يستظل ولا يقعد ولا يكلم أحدا ويصوم فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يستظل ويقعد ويكلم الناس ويتم صومه ولم يأمره بكفارة».

    الخلاف في النذر في غير طاعة الله عز وجل.


    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): فقال قائل في رجل نذر أن يذبح نفسه قال يذبح كبشا وقال: آخر ينحر مائة من الإبل واحتجا فيه معا بشيء يروى عن بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فيقال لقائل هذا وكيف يكون في مثل هذا كفارة؟ فقال: الله عز وجل يقول في المتظاهر {وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا} وأمر فيه بما رأيت من الكفارة.

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): فقيل لبعض من يقول هذا أرأيت إذا كان كتاب الله عز وجل يدل على إبطال ما جعل لا طاعة لله فيه من البحيرة ولم يأمر بكفارة وكانت السنن من النبي - صلى الله عليه وسلم - تدل على مثل ذلك من إبطال النذر بلا كفارة وكان في قوله لا نذر دلالة على أن النذر لا شيء إذا كان في معصية وإذا كان لا شيء كان كما لم يكن. وليس في أحد من بني آدم قال قولا يوجد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - خلاف ذلك القول حجة. قال وقلت له كان من طلاق أهل الجاهية الظهار والإيلاء فحكم الله عز وجل في الإيلاء بتربص أربعة أشهر ثم يفيئوا أو يطلقوا وحكم في الظهار بكفارة وجعلها مؤقتة ولم يحكم بكفارة إلا وقتها ووقت من يعطاها أو دل عليها ثم جعل الكفارات كما شاء فجعل في الظهار والقتل مكان عتق الرقبة صوم شهرين وزاد في الظهار إطعام ستين مسكينا وجعل ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الذي يصيب أهله في رمضان وحكم الله عز وجل في كفارة اليمين بإطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو

    تحرير رقبة وقال عز وجل {فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام} وقال الله تبارك وتعالى: {فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك} فبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الله عز وجل بأن الصوم ثلاث والإطعام ستة مساكين فرقا من طعام والنسك شاة فكانت الكفارات تعبدا وخالف الله عز وجل بينها كما شاء لا معقب لحكمه أفتجد ما ذهبت إليه من الرجل ينذر أن ينحر نفسه في شيء من معنى باب الله عز وجل أو سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - فيكون مؤقتا في كتاب الله أو سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - أو تجد بأن مائة بدنة أو كبشا كفارة لشيء إلا في المثل الذي يكون فيه الكبش مثلا، وكذلك البعير والجدي والبقرة من الصيد يصيبه المحرم أفتجد الكبش ثمنا لإنسان أو كفارة إلا وهو مثل ما أصيب.

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): فإن قال قائل: لما رأيت الظهار منكرا من القول وجعل فيه كفارات قست المنكر والزور من كل شيء فجعلت فيه كفارة قيل له إن شاء الله تعالى فما تقول فيمن شهد بزور أيكفر؟ وما تقول فيمن أربى في البيع أو باع حراما أيكفر؟ وما تقول فيمن ظلم مسلما أيكفر؟ فإن قال: نعم فهذا خلاف ما لقينا من أهل العلم وإن قال لا قيل قد تركت أصل مذهبك وقولك فإذا جعلته قياسا فيلزمك أن تقيسه على شيء من الكفارة ثم تجعل فيه من الكفارة كما تجعل في الذي قسته وأنت لم تجعله أصلا ولا قياسا. فإن قال قائل: فاجعله أصلا القول الذي قاله قيل له إن شاء الله تعالى فقد اختلف قوله فيه فأيها الأصل والسنة موجودة بإبطاله كما وصفنا ولا حجة مع السنة.

    إقرار بنكاح مفسوخ.

    (قال الربيع) من ها هنا أملى علينا الشافعي - رحمه الله تعالى - هذا الكتاب شهد شهود هذا الكتاب أن فلان ابن فلان الفلاني وفلانة بنت فلان الفلانية أشهداهم في صحة من أبدانهما وعقولهما وجواز من أمورهما وذلك في شهر كذا من سنة كذا أن فلان ابن فلان الزوج ملك عقدة نكاح فلانة بنت فلان في شهر كذا من سنة كذا وكان الذي ولي عقدة نكاحها من ولاتها فلان بن فلان الفلاني الذي زوجها وكان من شهود هذه العقدة فلان ابن فلان وفلان ابن فلان وكان الصداق كذا وكذا ومن شهوده فلان وفلان وأن الزوج فلان ابن فلان وفلانة بنت فلان تصادقا وأقرا عند شهود هذا الكتاب أنهما قد أثبتا أن هذه العقدة من النكاح الذي وصفت في هذا الكتاب وشهودها وشهود مهرها كانت يوم وقعت وفلانة في عدة من وفاة زوجها فلان بن فلان لم تنقض عدتها منه فكان نكاحها مفسوخا فلا نكاح بين فلان وفلانة حتى يجددا نكاحا بعد انقضاء عدة فلانة ولا تباعة لواحد منهما على صاحبه في صداق ولا نفقة شهد على ذلك.

    وضع كتاب عتق عبد.

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): هذا كتاب كتبه فلان بن فلان الفلاني في صحة من بدنه وعقله وجواز من أمره وذلك في شهر كذا من سنة كذا لمملوكه المولد الذي يدعى فلان ابن فلان أني أعتقتك رجاء رضا الله تبارك وتعالى وطلب ثوابه فأنت حر لا سبيل لي ولا لأحد في رق عليك ولي

    ولعقبي ولاؤك وولاء عقبك بعدك شهد وإن كان أعجميا وصفه بصفته وصناعته وإن كان خصيا كتب هذا كتاب كتبه فلان بن فلان الفلاني في صحة من بدنه وعقله وجواز أمره وذلك في شهر كذا من سنة كذا لمملوكه الخصي الذي يدعى فلانا ويصفه بجنسه وهيئته إني أعتقتك وأخرجتك من مالي ومن ملكي رجاء ثواب الله تعالى ومرضاته فأنت حر لا سبيل لي ولا لأحد في رق عليك ولي ولاؤك ولعقبي من بعدي شهد وذلك أنه لا يكون له عقب، وإن كانت جارية كتبت لها كما كتبت للخصي وإن كان ولاء عقبها يكون له من المملوك فلا يجوز أن يكتب ولي ولاؤك وولاء عقبك من بعدك وقد لا يكون له ولاء عقبها إنما يجوز أن يكتب هذا في الرجل الذي له ولاء عقبه بكل حال ولو لم يكتب هذا في الرجل كان له وكذلك يكون له في الجارية من المملوك فإن شح على هذا فأحب أن يكتب كتابا يجوز منه في قول كل أحد كتب هذا كتاب كتبه فلان بن فلان الفلاني في صحة من بدنه وعقله وجواز من أمره وذلك في شهر كذا من سنة كذا لمملوكته فلانة بنت فلان ويصفها إني أعتقتك طلب ثواب الله تبارك وتعالى فأنت حرة ولا سبيل لي ولا لأحد في رق عليك ولي ولعقبي من بعدي ولاؤك وولاء كل عقب كان لك من مملوك " قال وقد اختلف الناس فقال بعضهم إذا ولدت من مملوك ثم عتق جر الولاء وبهذا نقول وقال غيرنا الولاء ثابت لأهل الأم ولا يضره أن لا يزيد في الكتاب على الأم على ما وصفت والله أعلم.

    كراء الدور.

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): " هذا كتاب كتبه فلان بن فلان الفلاني: إني آجرتك الدار التي بالفسطاط من مصر في موضع كذا من قبيلة كذا أحد حدود هذه الدار التي أجرتك ينتهي إلى كذا والثاني والثالث والرابع أجرتك جميع هذه الدار بأرضها وبنائها ومرافقها اثني عشر شهرا أول هذه الشهور المحرم من سنة كذا وآخرها ذو الحجة من سنة كذا بكذا وكذا دينارا صحاحا مثاقيل خلقان جيادا وازنة أفرادا ودفعت إلي هذه الدنانير كلها وافية وبرئت إلي منها ودفعت إليك هذه الدار الموصوفة في هذا الكتاب في هلال المحرم من سنة كذا بعدما عرفت أنا وأنت جميع ما فيها ولها من بناء ومرافق ووقفنا عليه فهي بيدك بهذا الكراء إلى أن تنقضي هذه المدة تسكنها بنفسك وأهلك وغيرهم وتسكنها من شئت وليس لك أن تسكنها رحا دابة ولا عمل حداد ولا قصار ولا سكنى تضر بالبناء ولا بضرر بين ولك المعروف من سكن الناس واستأجرتك أن تخرج جميع ما في ثلاثة آبار مغتسلات في هذه الدار وهي البئر التي في موضع كذا من الدار والبئر التي في موضع كذا والبئر التي في موضع كذا بعدما رأيت أنا وأنت تلك الآبار وعرفنا أن طول البئر التي في موضع كذا ذاهبة في الأرض عشرة أذرع وعرضها ثلاثة أذرع ممدودة وأن في تلك البئر محل مجتمع آبار مغتسلات من خلاء وماء وشيء إن خالطه عبرة ثمان أذرع وأن في البئر التي في موضع كذا وكذا وتصفه كما وصفت هذا وفي البئر التي في

    موضع كذا وكذا فتخرج جميع ما في هذه الآبار الموصوفة بما ذكرنا في هذا الكتاب منها وتنحي عن داري حتى توفينيها أرضا لا شيء فيها مما في آبار المغتسلات بكذا وكذا دينارا وازنة وجيادا ودفعتها إليك وبرئت إليك منها وضمنت لي ما وصفت في هذا الكتاب حتى توفينيها كما ضمنت لي في انسلاخ ذي الحجة من سنة كذا وكذا شهد " وإن خفت أن ينتقض الكراء فإن العراقيين ينقضونه بالعدد فإذا أجرته سنة كتبت " أجرته سنة أولها شهر كذا وآخرها شهر كذا بخمسين دينارا منها شهر كذا أول الشهور بأربعين دينارا وأحد عشر شهرا وتسميها بعشرة دنانير " والله سبحانه وتعالى الموفق.

    باب إذا أراد أن يكتب شراء عبد

    هذا ما اشترى فلان بن فلان الفلاني من فلان بن فلان الفلاني وفلان وفلان صحيحا الأبدان لا علة بهما من مرض ولا غيره جائزا الأمر في أموالهما وذلك في شهر كذا من سنة كذا اشترى منه غلاما مربوعا أبيض حسن الجسم جعدا أعين أفرق الثنايا أزج حلوا يسمى فلانا بكذا وكذا دينارا خلقان وازنة أفرادا بعدما عرف فلان وفلان هذا العبد بعينه ورأياه معا وقبض فلان هذا العبد من فلان وقبض فلان هذا الثمن من فلان وافيا بعدما تبايعا وتفرقا بعد البيع حتى غاب كل واحد منهما عن صاحبه من الموضع الذي تبايعا فيه بعد التراضي منهما جميعا بالبيع ولفلان على فلان في هذا العبد بيع الإسلام وعهدته لا داء ولا غائلة ولا عيب ظاهر ولا باطن ولا شين فما أدرك فلانا في هذا العبد أو في شيء منه من تباعة فعلى فلان خلاص ذلك لفلان حتى يسلمه له كما باعه إياه أو يرد إليه ثمنه الذي قبض منه وافيا وهو كذا وكذا دينارا جيادا مثاقيل أفرادا خلقان. شهد على إقرار فلان وفلان، ومعرفتهما بأعيانهما وأنسابهما فلان وفلان.

    شراء عبد آخر

    هذا ما اشترى فلان بن فلان الفلاني من فلان بن فلان الفلاني اشترى منه غلاما أمرد بربريا مربوعا حسن الجسم جعدا أفرق الثنايا أعين أزج حلوا يدعى فلانا بكذا وكذا دينارا مثاقيل أفرادا خلقان جيادا ودفع فلان بن فلان هذا العبد الموصوف في هذا الكتاب إلى فلان وقبضه فلان منه ودفع فلان إلى فلان هذا الثمن الموصوف في هذا الكتاب وبرئ إليه منه وتفرقا بعد تبايعهما وتقابضهما ومعرفة كل واحد منهما بما باع واشترى شهد على إقرار فلان وفلان ومعرفتهما بأسمائهما وأنسابهما وأنهما صحيحا العقل والأبدان جائزا الأمر يوم تبايعا هذا العبد وأشهداهما في هذا الكتاب في شهر كذا من سنة كذا شهد على ذلك فلان وفلان.


    (قال الشافعي): هذا أقل ما أعرفه بينا من كتب العهدة.

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ومن اشترى فله عهدة الإسلام وليس له شين ولا عيب ولا داء ولا شيء ينقص من ثمن العبد قليل ولا كثير وله الخلاص أو يرد عليه الثمن وافيا وسواء شرط هذا أو لم يشرطه إنما الشرط احتياطا لجهالة الحكام ولو ترك أيضا إشهادهما بصحتهما في أبدانهما وعقولهما وإجازة أمورهما في أموالهما كان هذا على الصحة حتى يعلم غيرها وليس مما يحب تركه ولو ترك وتفرقا بعد البيع والقبض عن تراض

    منهما جميعا ما ضره لأنهما إذا جاءا بعد البيع بيوم أو أكثر فقد تفرقا بعد البيع والبيع تام على التراضي حتى ينقضاه ولو ترك وبرئ إليه من الثمن ما ضره إذا كتب دفع ولو ترك التاريخ في البيع ما ضره غير أني لا أحب في كتاب العهدة شيئا تركه احتياطا للبائع والمشتري معا وأقل ما يجزئ في كتاب العهدة ذكر صفة المشتري وذكر الثمن وقبضهما ثم للمشتري على البائع كل شرط سميناه وإن لم يشرطه.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  9. #269
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,584

    افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله


    كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
    محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
    المجلد السادس
    الحلقة (269)
    صــــــــــ 209 الى صـــــــــــ 214





    وهكذا يكتب شراء الأمة وسواء صغير العبيد وإمائهم وكبيرهم وسبيهم ومولدهم يوصف كل واحد منهم بجنسه وحليته ويقال مولد إن كان مولدا وهكذا في شراء الحيوان كله الإبل والبقر والغنم والخيل عرابها وهجنها وبراذينها والبغال والحمير وغير ذلك من الحيوان ويصف الفرس بشيته ويقال اشترى منه فرسا كميتا أحمر أغر سائل الغرة محجلا إلى الركب مربوعا وثيق الخلق نهد المشاش حديد الأساطين مستدير الكفل مشرق الهادي محسوم الأذن رباع جانب وقارح جانبه الآخر من الخيل التي تعرف ببني فلان من نتاج بلدة كذا " ثم يسوق الكتاب في دفع الثمن وقبض الفرس والتفرق بعد البيع عن تراض كما وصفت في شراء العبيد والعهدة كما وصفت في شراء العبيد وإن كان اشترى منه بعيرا كتب " اشترى منه بعيرا من النعم التي تعرف ببني فلان أصهب جسيما بازلا عليه علم بني فلان موضع كذا وثيق الخلق أهدل المشفر دقيق الخطم ضخم الهامة.
    " وإن كان له صفة غير هذا بينت صفته ثم تسوق الكتاب كما سقته في العبد والفرس وإنما قلت من النعم التي تعرف ببني فلان ولم أقل من نعم بني فلان احتراسا من تباعة بني فلان واحتياطا على الحاكم وكتاب كل ما بيع من الحيوان ككتاب العبد والفرس والبعير فإذا كان العبد بين رجلين فباع أحدهما نصيبه منه فالبيع جائز والمشتري يقوم مقام البائع في النصف الذي ابتاع منه ولو طلب الذي له نصف العبد الشفعة في العبد لم أر له فيه شفعة فإن قال قائل كيف لا تجعل الشفعة في كل شيء قياسا على الشفعة في الأرضين قيل له لما وجدنا المسلمين يزعمون أنه يجوز لي أن أكون مالكا معك ولا يكون لك إخراجي من ملكي بقيمة ملكي ولا بأكثر ولا بأقل من قيمته ولا لي ذلك عليك وتموت فيرثك ولدك أو غيرهم فلا يكون لي إخراجهم من حقوقهم التي ملكوها عنك بشيء ولا يكون لهم إخراجي بشيء وتهب نصيبك فلا يكون إلى إخراج من وهبت له من نصيبك الذي ملك عنك بشيء إلا برضاه وقالوا ذلك في كل ملك ملكه رجل عن آخر بغير الشراء في كل ما يملك لم يستثنوا أرضا ولا غيره.
    ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة» دلت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دلالة بينة على أن لا شفعة فيما لا يقسم ولا يقسم شيء بذرع وقيمة ويحدد الأصول والبناء على الأرض والشجر عليها فاقتصرنا بالشفعة على الأرض وما له أرض خاصة فكان العبيد والثياب وكل ما جاوز الأرضين وما له أرض من غراس وبناء خارجا من السنة في الشفعة مردودا على الأصل أن من ملك شيئا عن غيره تم له ملكه ولم يكن لغيره أن يخرجه منه إلا برضاه، والله سبحانه وتعالى أعلم.
    قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): الذي أذهب إليه من البيع بالبراءة أن من باع حيوانا بالبراءة برئ من كل عيب إلا عيبا كتمه البائع من المشتري وقد علمه كما قضى عثمان بن عفان - رضي الله عنه - فإن علم البائع عيبا فكتمه فالبيع مردود بالعيب فإن قال لم أعلم وقد باع بالبراءة فالقول قوله مع يمينه ما علم عيبا فكتمه وقد خالفنا في هذا غير واحد فمن أراد الأخذ بقولنا كتب أو يكتب ودفع فلان بن فلان إلى فلان بن فلان العبد الموصوف في هذا الكتاب الذي اشتراه منه وقبضه فلان بعدما تبرأ إليه فلان بن فلان من كل عيب ظاهر وباطن فيه والاحتياط أن لا يستأنف كتاب وثيقة إلا على ما يجيزه جميع الحكام إذا وجد السبيل إليها وقد كان من الحكام من يجيز أن يقول وبرئ إليه فلان من مائة عيب بهذا العبد المشترى وبرأته من مائة عيب فإن زادت رده وإن نقصت فقد أبرأه من أكثر مما وجد فيه فليس له رده بعيب دون المائة.
    ومن الحكام من لا يجيز التبرؤ من عيب كتم ولا علم ولو سمى له عددا فوجد به ذلك العدد أو أقل أبدا إلا بعيب يريه إياه حتى يكون المشتري قد رآه وعرفه ومن أوثق هذا أن يكتب وبرئ فلان إلى فلان من كل عيب ويصفه إما كي وإما أثر جرح وإما نقص من خلق وإما زيادة فيه وإما غير ذلك من العيوب فيصفه بعينه وموضعه ثم يكتب ومن كذا وكذا عيبا وقفه عليها قد رآها فلان وبرأه منها بعد معرفتها.
    الاختلاف في العيب

    (قال الشافعي): - رحمه الله -: وإذا باع رجل رجلا عبدا ولم يتبرأ من عيب فقبضه المشتري ثم ظهر منه على عيب فقال المبتاع للبائع كان هذا العيب عندك. وقال البائع بل حدث عندك، فإن كان العيب مما لا يحدث مثله مثل الأصبع الزائدة وغير ذلك مما يخلق مع الإنسان أو الأثر لا يحدث مثله في مثل هذه المدة التي تبايعا فيها فالعبد مردود على البائع بلا يمين إذا قال رجلان عدلان من أهل الصناعة التي فيها العيب هذا عيب لا يحدث مثله وإن كان قد يحدث مثل ذلك العيب فالشراء تام والمشتري يريد نقضه.
    فالقول قول البائع مع يمينه إلا بأن يأتي المشتري ببينة عليه بأنه كان عنده إما بإقرار من البائع وإما بأن رآه الشاهدان في العبد فيرد بلا يمين ولو تصادقا أن العيب كان بالعبد وادعى البائع التبرؤ من العيب وأنكر ذلك المشتري فالقول قول المشتري مع يمينه ولا يصدق البائع على أنه تبرأ إليه ويكلف البينة فإن هو جاء بها وإلا حلف المشتري ورد عليه وأصل معرفة العيب أن يدعي له رجلان من أهل العلم به فإذا قالا هذا عيب ينقص من ثمن العبد والأمة والمشترى ما كان حيوانا أو غيره شيئا قل أو كثر فهو عيب لصاحبه الخيار في الرد به أو قبضه إن لم يكن قبضه وإجازة البيع ومتى اختار البيع بعد العيب لم يكن له رده وإن ظهر على عيب غير العيب الذي اختار وحبس المبيع بعده كان له رد العبد بالعيب الذي ظهر عليه وإن اشترى رجل عبدا قد دلس فيه بعيب فلم يعلم به حتى حدث عنده به عيب آخر لم يكن له رده بالعيب وقوم العبد صحيحا ومعيبا ثم رد عليه قيمة ما بين الصحة والعيب مثل أن يكون اشترى العبد بخمسين دينارا وقيمته صحيحا مائة ومعيبا بتسعين فيرجع المشتري على البائع بعشر الثمن وهو خمسة دنانير ولا يكون له أن يرجع بعشرة دنانير لأنه لم يبعه إياه بالقيمة وكذلك لو اشترى بمائة وهو
    ثمنه خمسين فقوم فوجد العيب نقصه العشر وذلك خمسة دنانير من قيمته فيرجع عليه بعشرة دنانير لأنها أصل الثمن ولست ألتفت إلى قيمته فيما يتراجعان فيه إنما أنظر إلى قيمته لأعرف كم قدر العيب منها أعشرا أو أقل أو أكثر فآخذ العشر من أصل الثمن لا من القيمة.
    وإن رضي البائع أن يأخذ العبد معيبا لا يرجع على المشتري بقيمة العيب الذي يحدث عنده فليس عليه أن يرد قيمة العيب ويقال إن شئت فتطوع بأخذ العبد معيبا لأن الشراء لك صحيح إلا أن لك فيما دلس لك أن ترد إن شئت وإن شئت فأمسك العبد ولا ترجع في العيب بشيء ولو دلس له بعيب في أمة فأصابها ولم يعلم فإن كانت ثيبا ردها بالعيب إن شاء وليس وطؤها بأكثر من الخدمة والخراج وإن كانت بكرا لم يكن له ردها لأنه قد نقصها ذهاب العذرة ويرجع بما نقصها العيب وذلك أنه حدث بها عيب عنده فهي كالمسألة قبلها ولو كان أعتقها في هذا كله أو أحبلها فهذا فوت فله أن يرجع بقيمة العيب وكذلك لو ماتت عنده فإذا اشترى نصف عبد فأراد أن يكتب شراء كتب " هذا ما اشترى فلان بن فلان من فلان اشترى منه نصف عبد فراني محتلم ضخم الهامة عبل العظام مربوع القامة حسن الجسم حالك السواد يدعى فلانا بكذا وكذا دينارا جيادا مثاقيل أفرادا خلقان وذلك بعدما عرف فلان بن فلان وفلان هذا العبد الذي تبايعا نصفه ورأياه وتبايعا فيه وتفرقا عن موضعهما الذي تبايعا فيه حتى غاب كل واحد منهما عن صاحبه بعد البيع والتراضي منهما جميعا ودفع فلان بن فلان إلى فلان نصف هذا العبد الموصوف في هذا الكتاب وقبضه فلان كما يقبض مثله وذلك أنهما أحضرا هذا العبد المبيع نصفه وسلم له النصف يقوم فيه مقام فلان البائع لا حائل له دون نصفه ودفع إليه فلان الثمن وافيا وبرئ إليه منه ولفلان بن فلان على فلان بن فلان بيع الإسلام وعهدته لا داء ولا غائلة ولا شين ولا عيب ظاهر ولا باطن في العبد الذي ابتاع نصفه فما أدرك فلان بن فلان من درك في نصف هذا العبد الذي اشترى من فلان أو في شيء منه فعلى فلان خلاصه أو يرد إليه الثمن الذي قبض منه وافيا وهو كذا وكذا دينارا مثاقيل جيادا أفرادا خلقان وازنة شهد على إقرار فلان وفلان ومعرفتهما بأسمائهما وأنسابهما وأنهما يوم كتب هذا الكتاب صحيحان لا علة بهما من مرض ولا غيره جائزا الأمر في أموالهما وذلك في شهر كذا من سنة كذا.
    " وهكذا شراء ثلث عبد كفوا وثلث أمة أطوعهم ودابة وغيرها فإذا ظهر على عيب في العبد رده وإن لم يكن اشترى إلا عشره لأن للعشر نصيبا من العيب وهو في العيب مثل العبد لا يختلفان ويختلفان في الاستحقاق
    فلو أن رجلا اشترى عبدا فاستحق منه شيء قل أو كثر كان للمشتري الخيار في أخذ ما يبقى من العبد بما يصيبه من الثمن أو رده والرجوع بالثمن لأنه لم يسلم له العبد كما بيع " قال الربيع " رجع الشافعي بعد وقال إذا اشترى عبدا أو شيئا فاستحق بعضه فالبيع باطل لأن الصفقة جمعت شيئين حلالا وحراما فكان البيع منفسخا ولا يثبت.
    (قال): ولو اشترى نصف عبد من رجل فاستحق على الذي لم يبع نصفه فيه بحاله ففي هذا ما يخالف نصف العبد وفيما كان في مثل معناه وإذا اشترى عبدين في صفقة فأراد أن يكتب شراءهما كتب " هذا ما اشترى فلان بن فلان من فلان بن فلان اشترى منه عبدين أسودين أحدهما نوبي أسود وصيف خماسي حلو جعد رجل معتدل حسن القوام خفيف الجسم متراصف الأسنان مسنون الوجه والآخر فراني غليظ مربوع حالك السواد بعيد ما بين المنكبين معتدل جعد قطط حسن الجسم أفلج الثنايا من أعلى فيه محتلم اشترى فلان بن فلان هذين العبدين الموصوفين في هذا
    الكتاب بكذا وكذا دينارا جيادا مثاقيل أفرادا خلقان وازنة وتبايع فلان بن فلان وفلان بن فلان في العبدين بعد رؤيتهما ومعاينتهما وقبض فلان بن فلان هذين العبدين الموصوفين في هذا الكتاب وقبض فلان بن فلان هذا الثمن وافيا وتفرقا حتى غاب كل واحد منهما عن صاحبه بعد التراضي منهما جميعا بالبيع وتقابضهما ولفلان على فلان بيع الإسلام وعهدته لا داء ولا غائلة ولا عيب ظاهر ولا باطن فما أدرك فلان بن فلان في هذين العبدين أو في أحدهما أو في شيء منهما أو من واحد منهما من درك فعلى فلان خلاصه حتى يسلمه له كما باعه أو يرد إليه الثمن الذي قبض منه وافيا وهو كذا وكذا دينارا ".
    وهكذا إذا اشترى عبدا وأمة أو ثلاثة أعبد أو أكثر موصوف كل واحد من المشترى يصفه كما وصفت ويصف الثمن كما وصفت وهكذا إذا اشترى عبدا ودارا وما جمعته الصفقة يكتب عهدته ويكتب كل شيء منه بصفته فإن اشترى عبدين وأمة فأراد أن يكتب عهدتهم ويجعل لكل واحد منهم ثمنا معلوما كتب " هذا ما اشترى فلان من فلان اشترى منه عبدا من صفته كذا وكذا وعبدا من صفته كذا وكذا وأمة من صفتها كذا كذا اشترى منه هذين العبدين والأمة الموصوفين في هذا الكتاب بمائة دينار وثمن العبد الفارسي من هذه المائة الدينار ثلاثون دينارا وثمن العبد النوبي من هذه المائة عشرون دينارا وثمن الأمة من هذه المائة خمسون دينارا تبايع فلان وفلان هؤلاء الرقيق الثلاثة بعد رؤيتهم ومعرفتهم وتفرقا بعد البيع وقبض فلان جميع ثمنهم وافيا وتفرقا بعد هذا كله عن تراض منهما جميعا به فما أدرك فلان فيما اشترى من فلان أو في واحد منهم فعلى فلان خلاصه حتى يسلمه له أو يرد إليه الثمن وافيا وهو مائة دينار ولفلان على فلان فيما اشترى من فلان بيع الإسلام وعهدته لا شين ولا عيب ولا داء ظاهر ولا باطن شهد على إقرار فلان وفلان بجميع ما في هذا الكتاب بعد معرفتهما معا به وعلى أنهما يوم أقر به صحيحان لا علة بهما من مرض ولا غيره جائزا الأمر شهد فلان وفلان وكتبوا ".
    (قال): وإذا أردت أن تكتب عهدة هؤلاء الرقيق بمعنى أبين من هذا فاكتب " هذا ما اشترى فلان من فلان اشترى منه عبدا نوبيا من صفته كذا بعشرين دينارا وعبدا فارسيا من صفته كذا بعشرين دينارا وأمة مولدة من صفتها كذا بستين دينارا اشترى منه هؤلاء الرقيق الثلاثة كل واحد منهم بما سمى له من الثمن بعد معرفة فلان وفلان بجميع هؤلاء الرقيق ورؤيتهم له قبل البيع وبعده وقبض فلان هؤلاء الرقيق من فلان وقبض فلان جميع الثمن من فلان وتبايعا على ذلك وتفرقا بعد البيع عن تراض منهما جميعا ولفلان فيما اشترى من فلان بيع الإسلام وعهدته لا داء ظاهر ولا باطن فما أدرك فلان في هؤلاء الرقيق أو في واحد منهم من درك من أحد من الناس فعلى فلان خلاصه أو رد ثمن من أدركه فيه الدرك وافيا بما وقع فيه ثمنه وجميع أثمانهم مائة دينار مفرقة على ما في هذا الكتاب شهد على إقرار فلان وفلان ومعرفتهما بأعيانهما وأنسابهما وأنهما يوم كتبا هذا الكتاب صحيحا جائزا الأمر في أموالهما. فلان وفلان.
    وثيقة في المكاتب أملاها الشافعي
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): هذا كتاب كتبه فلان بن فلان في شهر كذا من سنة كذا وهو صحيح لا علة به من مرض ولا غيره جائز الأمر في ماله لمملوكه فلان الفلاني الذي صفته كذا وكذا إنك سألتني أن أكاتبك على كذا وكذا دينارا مثاقيل جيادا تؤديها إلي منجمة في مضي عشر سنين كلما مضت سنة أديت إلي كذا وكذا دينارا وأول نجومك التي تحل لي عليك انسلاخ سنة كذا كل نجم منها
    بعد مضي سنة حتى يكون أداؤك آخرها انسلاخ سنة كذا فإذا أديت جميع ما كاتبتك عليه وهو كذا وكذا فأنت حر لوجه الله تعالى لا سبيل لي ولا لأحد عليك ولي ولأوك وولاء عقبك من بعدك. فإن عجزت عن نجم من هذه النجوم فلي فسخ كتابتك. شهد على إقرار السيد فلان الفلاني المملوك بما في هذا الكتاب.
    وثيقة في المدبر
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): هذا كتاب كتبه فلان ابن فلان في شهر كذا من سنة كذا وهو صحيح لا علة به من مرض ولا غيره جائز الأمر في ماله لمملوكه فلان الفلاني صفته كذا وكذا إني دبرتك فمتى ما مت فأنت حر لوجه الله تعالى لا سبيل لأحد عليك ولي ولاؤك وولاء عقبك من بعدك.
    شهد على إقرار فلان ابن فلان السيد وفلان ابن فلان الفلاني المملوك بما في هذا الكتاب.
    كتاب الأقضية
    (أخبرنا الربيع بن سليمان) قال أخبرنا محمد بن إدريس الشافعي - رحمه الله تعالى -: قال تولى الله السرائر وعاقب عليها ولم يجعل لأحد من خلقه الحكم إلا على العلانية فإذا حكم الحاكم بالظاهر الذي جعل إليه لم يتعاط الباطن الذي تولى الله دونه وإذا حكم والمحكوم له يعلم أن ما حكم له به حق في الظاهر عند الحاكم وباطل في علمه دون الحاكم لم يكن له أن يأخذه وأخذه حرام عليه ولا يحل حاكم شيئا ولا يحرمه إنما الحكم على الظاهر كما وصفنا والحلال والحرام على ما يعلم المحكوم له والمحكوم عليه وتفسيره في كتاب الأقضية وهو كتاب الشاهد واليمين.
    (قال الشافعي): الولد للفراش بالوطء بملك اليمين والنكاح.
    (قال الشافعي) - رحمه الله تعالى -: أخبرنا سفيان بن عيينة عن عبيد الله بن أبي يزيد عن أبيه قال: أرسل عمر إلى رجل من بني زهرة كان ساكنا معنا فذهبنا معه فسأله عن ولاد من ولاد الجاهلية: فقال أما الفراش فلفلان وأما النطفة فلفلان فقال - رضي الله تعالى عنه - صدقت ولكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى بالفراش.
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): إذا اعترف الرجل بوطء وليدته لحق به ولدها إلا أن يدعي أنه قد استبرأها بعد الوطء ثم لم يقربها وتفسيره في كتاب الطلاق.
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا توفي الرجل عن المرأة أو طلقها فانقضت عدتها في الوفاة أو الطلاق ثم تزوجت فولدت عند الزوج الآخر لأقل من ستة أشهر من يوم ملك عقدة نكاحها بساعة فالولد للأول فإن كان ميتا لحق به وإن حيا لحق به إلا أن ينفيه بلعان ولو ادعاه الآخر لم يكن ابنه لأنه لا يمكن أن يكون منه إلا من زنا وولد الزنا لا يلحق وأقل ما يكون له الحمل ستة أشهر تامة فأكثر (فقال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وهكذا نقول إذا اشترك الرجلان في طهر جارية لهما فجاءت بولد فادعياه فأريه القافة فأيهما ألحقاه به لحق وكان لشريكه عليه نصف المهر ونصف قيمة الجارية وكانت أم ولد له بذلك الولد وإن لم يكن قافة أو ألحقته القافة بهما معا لم يكن ابنهما ولا ابن واحد منهما حتى يبلغ أن يخير فيختار أيهما شاء فينتسب إليه فإذا اختاره فليس له أن ينفيه بلعان ولا للولد أن ينتفي عنه ويكون الحكم في الأمة وفي مهرها ما وصفنا من أن يكون على المحكومة له بأنها أم ولد له نصف مهرها
    ونصف قيمتها ونصف قيمة الولد حين سقط فإن مات المولود قبل أن يبلغ فينتسب إلى واحد فميراثه موقوف حتى يصطلحا فيه وإن ماتا أو واحد منهما قبل أن ينتسب المولود إلى أحدهما وقف له من مال كل واحد منهما ميراث ابن تام وإذا انتسب إلى أحدهما أخذ الميراث ورد ما وقف من ميراث الآخر على ورثته.
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وقال بعض الناس ولو ترك ثلثمائة دينار فقسمها ابنان له فيأخذ كل واحد منهما خمسين ومائة ثم يقر أحدهما برجل فيقول هذا أخي وينكره الآخر فالذي أحفظ من قول المدنيين المتقدم أن نسبه لا يلحق به وأنه لا يأخذ من المال قليلا ولا كثيرا وذلك أن الأخ لم يقر له بدين ولا وصية إنما زعم أن له حق ميراث وإذا كان له حق بأن يكون وارثا ورث كما يرث وعقل في الجناية فلما كان هذا لا يثبت عليه لم يثبت له ولا يثبت له ميراث إلا بأن يثبت له نسب وهذا أصح ما فيه عندنا والله تعالى أعلم " قال أبو محمد الربيع " لا يثبت نسبه ولا يأخذ من الميراث شيئا لأن المال فرع النسب وإذا لم يثبت النسب وهو الأصل لم يثبت الفرع الذي هو تبع للأصل.
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وقال مالك وابن أبي ليلى لا يثبت النسب ويأخذ خمسين دينارا من الذي أقر له وذهب إلى أنه أقر بنسبه على نفسه وعلى غيره فلم يأخذ منه إلا ما أقر به على نفسه وأسقطا إقراره على غيره. وقال أبو حنيفة - رحمه الله -: لا يثبت نسبه ويقاسم الذي أقر به ما في يديه نصفين لأنه أقر أنه وإياه في مال أبيه سواء وهذا أبعد عندنا من الصواب والله أعلم. وكلها إذا سمعها السامع رأى له مذهبا.
    (قال الشافعي): - رحمه الله -: لا يقسم صنف من المال مع غيره - لا يقسم عنب مع خله ولا أصل مع أصل غيره وإذا كان شيء من هذه الأصول يحيا بغير ما يحيا به غيره لم يقسم معه لأنها مختلفة الأثمان متباينة فلا يقسم نضح مضموما إلى عثري ولا عثري مضموما إلى بعل ولا بعل مضموما إلى نخل يشرب بنهر مأمون الانقطاع لأن أثمانها متباينة. والبعل الذي أصوله قد بلغت الماء. فاستغنى عن أن يسقى والنضح ما يسقى بالبئر.
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): لا تضعف الغرامة على أحد في شيء إنما العقوبة في الأبدان لا في الأموال وإنما تركنا تضعيف الغرامة من قبل «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى فيما أفسدت ناقة البراء بن عازب أن على أهل الأموال حفظها بالنهار. وما أفسدت المواشي بالليل فهو ضامن على أهلها» فإنما يضمنونه بقيمة لا بقيمتين ولا يقبل قول المدعي لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه».
    أدب القاضي وما يستحب للقاضي
    أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا الشافعي محمد بن إدريس قال أحب أن يقضي القاضي في موضع بارز للناس لا يكون دونه حجاب وأن يكون متوسطا للمصر وأن يكون في غير المسجد لكثرة من يغشاه لغير ما بنيت له المساجد ويكون ذلك في أوفق الأماكن به وأحراها أن لا يسرع ملالته فيه.
    (قال): وإذا كرهت له أن يقضي في المسجد فلأن يقيم الحد في المسجد أو يعزر أكره.
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولا يقضي القاضي وهو غضبان أخبرنا سفيان عن عبد الملك بن عمير عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «لا يقضي القاضي أو لا يحاكم الحاكم بين اثنين وهو غضبان».
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدل على أن لا يقضي الرجل وهو غضبان وكان معقولا في الغضب تغير العقل والفهم فأي حال
    جاءت عليه يعلم هو من نفسه تغير عقله أو فهمه امتنع من القضاء فيها فإن كان إذا اشتكى أو جاع أو اهتم أو حزن أو بطر فرحا تغير لذلك فهمه أو خلقه لم أحب له أن يقضي وإن كان ذلك لا يغير عقله ولا فهمه ولا خلقه قضى فأما النعاس فيغمر القلب شبيها بغمر الغشي فلا يقضي ناعسا ولا مغمور القلب من هم أو وجع يغمر قلبه.
    (قال): وأكره للقاضي الشراء والبيع والنظر في النفقة على أهله وفي ضيعته لأن هذا أشغل لفهمه من كثير من الغضب وجماع ما شغل فكره يكره له وهو في مجلس الحكم أكره له. ولو اشترى أو باع لم أنقض البيع ولا الشراء لأنه ليس بمحرم وإنما كره لئلا يشتغل فهمه.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  10. #270
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,584

    افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله


    كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
    محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
    المجلد السادس
    الحلقة (270)
    صــــــــــ 215 الى صـــــــــــ 220





    وكذلك لو قضى في الحال التي كرهت له أن يقضي فيها لم أرد من حكمه إلا ما كنت رادا من حكمه في أفرغ حالاته وذلك إذا حكم بخلاف الكتاب والسنة وما وصفت مما يرد به الحكم.
    (قال): وإذا اختصم الرجلان إلى القاضي فبان له من أحد الخصمين اللدد نهاه فإن عاد زجره. ولا يبلغ أن يحبسه ولا يضربه إلا أن يكون في ذلك ما يستوجب ضربا أو حبسا ومتى بان له الحق عليه قطع به الحكم عليه.
    الإقرار والاجتهاد والحكم بالظاهر

    أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع منه فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذ منه شيئا فإنما أقطع له قطعة من النار» (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وفي هذا الحديث دلالة على أن الأئمة إنما كلفوا القضاء على الظاهر لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فأخبر - صلى الله عليه وسلم - أن قد يكون هذا في الباطن محرما على من قضي له به وأباح القضاء على الظاهر ودلالة على أن قضاء الإمام لا يحل حراما ولا يحرم حلالا لقوله «فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذه» ودلالة على أن كل حق وجب لي ببينة أو قضاء قاض فأقررت بخلافه أن قولي أولى لقوله فمن قضيت له بشيء في الظاهر فلا يأخذه إذا كان في الباطن ليس له وأن الباطن إذا تبين بإقراره فيما يمكن أن يكون بحال حكم عليه به وهو أن لا يأخذ وإذا لم يأخذه فهو غير آخذ فأبطل إقراره بأن لا حق له فيما قضى له به من الحق ودلالة على أن الحكم على الناس يجيء على نحو ما يسمع منهم مما لفظوا به وإن كان قد يمكن أن يكون نياتهم أو غيبهم غير ذلك لقوله " فمن قضيت له فلا يأخذ " إذ القضاء عليهم إنما هو بما لفظوا به لا بما غاب عنه. وقد وكلهم فيما غاب عنه منهم بنية أو قول إلى أنفسهم ودلالة على أنه لا يحل لحاكم أن يحكم على أحد إلا بما لفظ وأن لا يقضي عليه بشيء مما غيب الله تعالى عنه من أمره من نية أو سبب أو ظن أو تهمة لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - " على نحو ما أسمع منه " وإخبار النبي - صلى الله عليه وسلم - أن من قضيت له فلا يأخذه أن القضاء على ما يسمع منهما وإنه قد يكون في الباطن عليهما غير ما قضى عليهما بما لفظا به قضى بما سمع ووكلهم فيما غاب إلى أنفسهم فمن قضى بتوهم منه على سائله أو بشيء يظن أنه خلق به أو بغير ما سمع من السائلين فخلاف كتاب الله عز وجل وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - قضى لأن الله عز وجل استأثر بعلم الغيب وادعى هذا علمه ولأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى بما سمع وأخبر أن قد يكون غيبهم غير ظاهرهم لقوله «فمن قضيت له بشيء فلا يأخذه» ورسول الله - صلى الله عليه وسلم -
    أولى الناس بعلم هذا لموضعه الذي وضعه الله تعالى به وكرامته التي اختصه الله تعالى بها من النبوة ونزول الوحي عليه فوكلهم في غيبهم إلى أنفسهم وادعى هذا علمه ومثل هذا قضاؤه لعبد بن زمعة بالولد وقوله لسودة «احتجبي منه» عندما رأى شبها بينا فقضى بالظاهر وهو فراش زمعة ودلالة على أنه من أخذ من مال مسلم شيئا فإنما يقطع لنفسه قطعة من النار والفيء مال المسلمين فقياسا على هذا أن من أعطى أحدا منه شيئا لم يكن مستأهلا له ولم يكن حقا له فهو آخذ من مال المسلمين وكلهم أكثر حرمة من واحدهم فإنما أخذ قطعة من النار ومتى ظفر بماله أو بمن يحكم عليه أخذ من ماله بقدر ما أخذ منه مما لم يكن مستأهلا له ولم يكن حقا له فوضع في بيت مال المسلمين.
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): أخبرنا الدراوردي عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث عن بشر بن سعيد عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص عن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول «إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر» قال يزيد فحدث بهذا الحديث أبا بكر بن حزم فقال: هكذا حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة.
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ومعنى الاجتهاد من الحاكم إنما يكون بعد أن لا يكون فيما يرد القضاء في كتاب ولا سنة ولا أمر مجتمع عليه فأما وشيء من ذلك موجود فلا. فإن قيل فمن أين قلت هذا وحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - ظاهره الاجتهاد؟ قيل له أقرب ذلك «قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ بن جبل كيف تقضي؟ قال بكتاب الله عز وجل قال فإن لم يكن؟ قال فبسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال فإن لم يكن قال أجتهد رأيي قال الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يحب رسول الله» فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الاجتهاد بعد أن لا يكون كتاب الله ولا سنة رسوله. ولقول الله عز وجل {وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول} وما لم أعلم فيه مخالفا من أهل العلم ثم ذلك موجود في قوله إذا اجتهد لأن الاجتهاد ليس بعين قائمة وإنما هو شيء يحدثه من قبل نفسه فإذا كان هذا هكذا فكتاب الله والسنة والإجماع أولى من رأي نفسه ومن قال الاجتهاد أولى خالف الكتاب والسنة برأيه ثم هو مثل القبلة التي من شهد مكة في موضع يمكنه رؤية البيت بالمعاينة لم يجز له غير معاينتها ومن غاب عنها توجه إليها باجتهاده فإن قيل فما الحجة في أنه ليس للحاكم أن يجتهد على غير كتاب ولا سنة وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا اجتهد الحاكم " وقال معاذ أجتهد رأيي ورضي بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأبي هو وأمي ولم يقل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا اجتهد على الكتاب والسنة؟ قيل لقول الله عز وجل {وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول} فجعل الناس تبعا لهما ثم لم يهملهم ولقول الله عز وجل {اتبع ما أوحي إليك من ربك} ولقوله {من يطع الرسول فقد أطاع الله} ففرض علينا اتباع رسوله فإذا كان الكتاب والسنة هما الأصلان اللذان افترض الله عز وجل لا مخالف فيهما وهما عينان ثم قال " إذا اجتهد " فالاجتهاد ليس بعين قائمة إنما هو شيء يحدثه من نفسه ولم يؤمر باتباع نفسه إنما أمر باتباع غيره فإحداثه على الأصلين اللذين افترض الله عليه أولى به من إحداثه على غير أصل أمر باتباعه وهو رأي نفسه ولم يؤمر باتباعه فإذا كان الأصل أنه لا يجوز له أن يتبع نفسه وعليه أن يتبع غيره والاجتهاد شيء يحدثه من عند نفسه والاستحسان يدخل على قائله كما يدخل على من اجتهد على غير كتاب ولا سنة ومن قال هذين القولين قال قولا عظيما لأنه وضع نفسه في رأيه واجتهاده واستحسانه على غير كتاب ولا سنة موضعهما في أن يتبع رأيه كما اتبعا. وفي أن رأيه أصل ثالث أمر الناس باتباعه وهذا خلاف كتاب الله عز وجل لأن الله تبارك وتعالى إنما أمر بطاعته وطاعة رسوله وزاد قائل هذا القول رأيا آخر على حياله بغير حجة له في كتاب ولا سنة ولا أمر مجتمع عليه ولا أثر فإذا كانا موجودين فهما الأصلان وإذا لم يكونا موجودين فالقياس عليهما لا على غيرهما. فإن قال قائل: فأين هذا قيل مثل الكعبة من رآها صلى إليها ومن غاب عنها توجه إليها بالدلائل عليها لأنها الأصل فإن صلى غائبا عنها برأي نفسه بغير اجتهاد بالدلائل عليها كان مخطئا وكانت عليه الإعادة، وكذلك الاجتهاد فمن اجتهد على الكتاب والسنة فذلك. ومن اجتهد على غير الكتاب والسنة كان مخطئا. ومثل قول الله تعالى {فجزاء مثل ما قتل من النعم} والمثل للمقتول وقد يكون غائبا فإنما يجتهد على أصل الصيد المقتول فينظر إلى أقرب الأشياء به شبها فيهديه. وفي هذا دليل على أن الله عز وجل لم يبح الاجتهاد إلا على الأصول لأنه عز وجل إنما أمر بمثل ما قتل فأمر بالمثل على الأصل ليس على غير أصل. ومثل أذان ابن أم مكتوم في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان رجلا أعمى لا ينادي حتى يقال له أصبحت أصبحت فلو جاز الاجتهاد على غير أصل لجاز لابن أم مكتوم أن يؤذن بغير إخبار غيره له أن الفجر قد طلع. ولكن لما لم يكن فيه آلة الاجتهاد على الأصل لم يجز اجتهاده حتى يخبره من قد اجتهد على الأصل وفي إخباره على غير اجتهاد على الأصل أن الفجر قد طلع تحريم الأكل الذي هو حلال لي وتحليل الصلاة التي هي حرام علي أن أصليها إلا في وقتها وفي إخبار الحاكم على غير أصل لرجل له أربع نسوة أن واحدة قد حرمت عليه تحريم امرأة كانت له وتحليل الخامسة له فيكون كل واحد من هؤلاء وقد أحل وحرم برأي نفسه ولجاز أن يجتهد الأعمى فيصلي برأيه ولا رأي له ولجاز أن يصلي الأعمى ولا يدري قد أحل وحرم برأي نفسه ولجاز أن يجتهد الأعمى فيصلي برأيه ولا رأي له ولجاز أن يصلي الأعمى ولا يدري أزالت الشمس أم لا؟ برأي نفسه ولجاز أن يصوم رمضان برأي نفسه أن الهلال قد طلع ولجاز إذا كانت دلائل القبلة أن يدع الرجل النظر إليها والاجتهاد عليها ويعمل في ذلك برأي نفسه على غير أصل كما إذا كان الكتاب والسنة موجودين فآمره يترك الدلائل وآمره يجتهد برأيه وهذا خلاف كتاب الله عز وجل لقوله تبارك وتعالى {وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره} ولقوله عز وجل: {حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} ولقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «صوموا لرؤيته» ولصلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد الزوال ولكان إذا يجوز لكل أحد علم كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - أو لم يعلمهما أن يجتهد فيما ليس فيه كتاب ولا سنة برأيه بغير قياس عليهما لأنه إذا جاز له أن يجتهد على غير كتاب ولا سنة فلا يعدو أن يصيب أو يخطئ وليس ذلك منه على الأصول التي أمر باتباعها فيكون إذا اجتهد عليها مؤديا لفرضه فقد أباح لكل من لم يعلم الكتاب والسنة وجهلهما أن يكون رأي نفسه وإن كان أجهل الناس كلهم فيما ليس فيه كتاب ولا سنة مثل رأي من علم الكتاب والسنة لأنه إذا كان أصله أن من علمهما واجتهد على غيرهما جاز له فما معنى من علمهما ومن لم يعلمهما في موضع الاجتهاد إذا كان على غيرهما إلا سواء؟ غير أن الذي علمهما يفضل الذي لم يعلمهما بما نصا فقط فأما بموضع الاجتهاد فقد سوى بينهما فكان قد جعل العالمين والجاهلين في درك علم ما ليس فيه كتاب ولا سنة سواء فكان للجاهلين إذا نزل بهم شيء من جهة القياس بما يستدرك قياسا أن يكون هو فيه والعالم سواء وأن يقتدي برأي نفسه لأنه إذا كان العالم عنده إنما يعمل في ذلك على غير أصل فأكثر حالات الجاهل أن يعمل على غير أصل فاستويا في هذا المعنى ولكان كل من رأى رأيا فاستحسنه جاهلا كان أو عالما جاز له إذا لم يكن في ذلك كتاب ولا سنة وليس كل العلم يوجد فيه كتاب وسنة نصا وكان قد جعل رأي كل أحد من الآدميين الجاهل والعالم
    منهم أصلا يتبع كما تتبع السنة لأنه إذا أجاز الاجتهاد على غير أصل لم يزل ذلك به في نفسه ورآه حقا له وجب عليه أن يأمر الناس باتباع الحق وهذا خلاف القرآن لأن الله عز وجل فرض عليهم فيه اتباعه واتباع رسوله - صلى الله عليه وسلم - وزاد قائل هذا واتباع نفسك فأقام الناس في هذا الموضع مقاما عظيما بغير شيء جعله الله تعالى لهم ولا رسوله - صلى الله عليه وسلم - فإن قيل فقد «أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - سعدا أن يحكم في بني قريظة فحكم برأيه فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وافقت حكم الله عز وجل فيهم» ففي هذا دليل على أنه إنما قال برأيه فوافق الحكم على غير أصل كان عنده من النبي - صلى الله عليه وسلم - «وأن قوما من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج لهم حوت من البحر ميت فأكلوه ثم سألوا عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال هل بقي معكم من لحمه شيء؟» ففي هذا دليل على أنهم إنما أكلوه يومئذ برأي أنفسهم وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يبعث عماله وسراياه ويأمر الناس بطاعتهم ما أطاعوا الله وقد فعل بعضهم شيئا في بعض مغازيهم فكره ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو الرجل الذي لاذ بالشجرة فأحرقوه والذي أمر الرجل أن يلقي نفسه في النار والذي جاء بالهدية وكل هذا فعلوه برأيهم فكره ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والرجل الذي قال أسلمت لله فقتل فكره ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قيل له فما احتججت من هذا يشبه أنه لنا دونك. أما أولا، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لسراياه وأمرائه بطاعة الله عز وجل ورسوله واتباعهما وأمره من أمر عليهم أمراء أن يطيعوهم ما أطاعوا الله فإذا عصوا الله عز وجل فلا طاعة لهم عليهم ففي نفس ما احتججت به أنه إنما أمر الناس بطاعة الله وطاعة أمرائهم إذا كانوا مطيعين لله فإذا عصوا فلا طاعة لهم عليكم وفيه أنه كره لهم كل شيء فعلوه برأي أنفسهم من الحرق والقتل وأباح لهم كل ما عملوه مطيعين فيه لله ولرسوله فلو لم يكن لنا حجة في رد الاجتهاد على غير أصل إلا ما احتججت به أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كره لهم ونهاهم عن كل أمر فعلوه برأي أنفسهم لكان لنا فيه كفاية وإن قيل فقد أجاز رأي سعد في بني قريظة ورأي الذين أكلوا الحوت على غير أصل. قيل أجازه لصوابه كما يجيز رأي كل من رأى ممن يعلم أو لا يعلم إذا كان بحضرته من يعلم خطأه وصوابه فيجيزه من يعلم ذلك منه إذا أصاب الحق بمعنى إجازته له أنه الحق لا بمعنى رأي نفسه منفردا دون علمك لأن رأي ذي الرأي على غير أصل قد يصيب وقد يخطئ ولم يؤمر الناس أن يتبعوا إلا كتاب الله أو سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - الذي قد عصمه الله من الخطأ وبرأه منه فقال تعالى {وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم} فأما من كان رأيه خطأ أو صوابا فلا يؤمر أحد باتباعه ومن قال للرجل يجتهد برأيه فيستحسن على غير أصل فقد أمر باتباع من يمكن منه الخطأ وأقامه مقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي فرض الله اتباعه فإن كان قائل هذا ممن يعقل ما تكلم به فتكلم به بعد معرفة هذا فأرى للإمام أن يمنعه وإن كان غبيا علم هذا حتى يرجع.
    فإن قيل فما معنى قوله له احكم قيل مثل قوله عز وجل {وشاورهم في الأمر} على معنى استطابة أنفس المستشارين أو المستشار منهم والرضا بالصلح على ذلك ووضع الحرب بذلك السبب لا أن برسول الله - صلى الله عليه وسلم - حاجة إلى مشورة أحد والله عز وجل يؤيده بنصره بل لله ورسوله المن والطول على جميع الخلق وبجميع الخلق الحاجة إلى الله عز وجل فيحتمل أن يكون قوله - صلى الله عليه وسلم - له احكم على هذا المعنى وأن يكون قد علم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سنة في مثل هذا فحكم على مثلها أو يحكم فيوفقه الله تعالى ذكره لأمر رسوله فيعرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صواب ذلك فيقره عليه أو يعرف غير ذلك فيعمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في
    ذلك بطاعة الله عز وجل فإن قيل فيحكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قد يخطئ؟ قيل نعم ولا يبرأ أحد من الآدميين من الخطأ إلا الأنبياء صلوات الله تعالى وسلامه عليهم أجمعين كما ولى أمراء ففعل بعضهم بعض ما كره برأيه على معنى الاحتياط منهم للدين فردهم في ذلك إلى طاعة الله عز وجل وأجاز لهم ما عملوا من طاعة الله لأنه - صلى الله عليه وسلم - إنما كان يجوز هذا من سنته لأن الله عز وجل اختصه بوحيه وانتخبه لرسالته فما كان من أمر من أحد أمرائه أقرهم عليه فبطاعة الله عز وجل أقرهم وما كره لهم بأن كانوا فعلوه طلب طاعة الله عز وجل فبطاعة الله كره لهم وليس يعلم مثل هذا من رأى أحد صوابه من خطئه أحد بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيجوز لأحد أن يقول برأيه لأنه لا مبين لرأيه أصواب هو أم خطأ وإنما على الناس أن يتبعوا طاعة الله وطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وهو كتاب الله عز وجل وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - وإذا غبي علمهما على أحد فالدلائل عليهما لأنهما اللذان رضي الله عز وجل ورسوله - صلى الله عليه وسلم - لعباده وأمروا باتباعه - صلى الله عليه وسلم - فإن قيل فقد أكلوا الحوت بغير حضور النبي - صلى الله عليه وسلم - بلا أصل عندهم؟ قيل لموضع الضرورة والحاجة إلى أكله على أنهم ليسوا على يقين من حله. ألا ترى أنهم سألوا عن ذلك أو لا ترى أن أصحاب أبي قتادة في الصيد الذي صاده إذ لم يكن بهم ضرورة إلى أكله أمسكوا إذ لم يكن عندهم أصل حتى سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك؟
    مشاورة القاضي

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): أحب للقاضي أن يشاور ولا يشاور في أمره إلا عالما بكتاب وسنة وآثار وأقاويل الناس وعاقلا يعرف القياس ولا يحرف الكلام ووجوهه ولا يكون هذا في رجل حتى يكون عالما بلسان العرب ولا يشاوره إذا كان هذا مجتمعا فيه حتى يكون مأمونا في دينه لا يقصد إلا قصد الحق عنده ولا يقبل ممن كان هكذا عنده شيئا أشار به عليه على حال حتى يخبره أنه أشار به من خبر يلزم وذلك كتاب أو سنة أو إجماع أو من قياس على أحدهما ولا يقبل منه وإن قال هذا له حتى يعقل منه ما يعقل فيقفه عليه فيعرف منه معرفته ولا يقبله منه وإن عرفه هكذا حتى يسأل هل له وجه يحتمل غير الذي قال؟ فإن لم يكن له وجه يحتمل غير الذي قال أو كانت سنة فلم يختلف في روايتها قبله وإن كان للقرآن وجهان أو كانت سنة رويت مختلفة أو سنة ظاهرها يحتمل وجهين لم يعمل بأحد الوجهين حتى يجد دلالة من كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس على أن الوجه الذي عمل به هو الوجه الذي يلزمه والذي هو أولى به من الوجه الذي تركه وهكذا يعمل في القياس لا يعمل بالقياس أبدا حتى يكون أولى بالكتاب أو السنة أو الإجماع أو أصح في المصدر من الذي ترك ويحرم عليه أن يعمل بغير هذا من قوله استحسنت لأنه إذا أجاز لنفسه استحسنت أجاز لنفسه أن يشرع في الدين وغير جائز له أن يقلد أحدا من أهل دهره وإن كان أبين فضلا في العقل والعلم منه ولا يقضي أبدا إلا بما يعرف وإنما أمرته بالمشورة لأن المشير ينبهه لما يغفل عنه ويدله من الأخبار على ما لعله أن يجهله. فأما أن يقلد مشيرا فلم يجعل الله هذا لأحد بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإذا اجتمع له علماء من أهل زمانه أو افترقوا فسواء ذلك كله لا يقبله إلا تقليدا لغيرهم من كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس يدلونه عليه حتى يعقله كما عقلوه فإن لم يكن في عقله ما إذا عقل القياس عقله وإذا سمع الاختلاف ميزه فلا ينبغي له

    أن يقضي ولا ينبغي لأحد أن يستقضيه وينبغي له أن يتحرى أن يجمع المختلفين لأنه أشد لتقصيه العلم وليكشف بعضهم على بعض، يعيب بعضهم قول بعض حتى يتبين له أصح القولين على التقليد أو القياس.
    حكم القاضي

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا حكم القاضي بحكم ثم رأى الحق في غيره فإن رأى الحق في الحادث بأنه كان خالف في الأول كتابا أو سنة أو إجماعا أو أصح المعنيين فيما احتمل الكتاب أو السنة نقض قضاءه الأول على نفسه وكل ما نقض على نفسه نقضه على من قضى به إذا رفع إليه ولم يقبله ممن كتب به إليه، وإن كان إنما رأى قياسا محتملا أحسن عنده من شيء قضى به من قبل والذي قضى به قبل يحتمل القياس ليس الآخر بأبين حتى يكون الأول خطأ في القياس يستأنف الحكم في القضاء الآخر بالذي رأى آخرا ولم ينقض الأول وما لم ينقضه على نفسه لم ينقضه على أحد حكم به قبله ولا أحب له أن يكون منفذا له وإن كتب به إليه قاض غيره لأنه حينئذ مبتدئ الحكم فيه ولا يبتدئ الحكم بما يرى غيره أصوب منه، وليس على القاضي أن يتعقب حكم من كان قبله فإن تظلم محكوم عليه قبله نظر فيما تظلم فيه فإن وجده قضى عليه بما وصفت في المسألة الأولى من خلاف كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس فهذا خطأ يرده عليه لا يسعه غيره وإن لم يكن خلاف واحد من هؤلاء أو كان يراه باطلا بأن قياسا عنده أرجح منه وهو يحتمل القياس لم يرده لأنه إذا احتمل المعنيين معا فليس يرده من خطأ بين إلى صواب بين كما يرده في خلاف الكتاب أو السنة أو الإجماع من خطأ بين إلى صواب بين
    (قال): وإذا تناقد الخصمان بينتهما وحجتهما عند القاضي ثم مات أو عزل أو ولي غيره لم يحكم حتى يعيدا عليه حجتهما وبينتهما ثم يحكم وينبغي أن يخفف في المسألة عن بينتهما إن كانوا ممن يسأل عنه وهكذا شهوده يعيد تعديلهم ويخفف في المسألة ويوجزها لئلا تطول
    ويحب للقاضي والوالي أن يولي الشراء له والبيع رجلا مأمونا غير مشهور بأنه يبيع له ولا يشتري خوف المحاباة بالزيادة له فيما اشترى منه أو النقص فيما اشترى له فإن هذا من مآكل كثير من الحكام وإن لم يفعل لم أفسد له شراء ولا بيعا إلا أن يستكره أحدا على ذلك إلا بما أفسد به شراء السوقة
    (قال): ولا أحب لحاكم أن يتخلف عن الوليمة إذا دعي لها ولا أحب له أن يجيب وليمة بعض ويترك بعضا إما أن يجيب كلا أو يترك كلا ويعتذر ويسألهم أن يحللوه ويعذروه ويعود المرضى ويشهد الجنائز ويأتي الغائب عند قدومه ومخرجه.
    (قال): وإذا تحاكم إلى القاضي أعجمي لا يعرف لسانه لم يقبل الترجمة عنه إلا بشاهدين عدلين يعرفان ذلك اللسان لا يشكان فيه فإن شكا لم يقبل ذلك عنهما وأقام ذلك مقام الشهادة فيقبل فيه ما يقبل في الشهادة ويرد فيه ما يرد فيها.




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •