عبد الله بن المبارك : قراءة تاريخية معاصرة
د/ جمال الدين فالح الكيلاني





أحد العلماء الجهابذة والثقات بخراسان ([1]) ، وأحد الأئمة الأعلام وحفاظ الإسلام ([2]) ، أبو عبد الرحمن عبد الله بن المبارك بن واضح الحنظلي التميمي مولاهم المروزي ([3]) .
ولد سنة ثمان عشرة ومئة ([4]) ، وقيل سنة تسع عشرة ومئة ([5]) ، وهو من الطبقة الثانية في خراسان ([6]) ، ومن تابعي التابعين ([7]) . كانت أمه خوارزمية وأبوه تركياً ([8]) . وبعد ثلاث وستين سنة من العمر مات بهيت منصرفاً من الجهاد سنة إحدى وثمانين ومئة ([9]) .
منزلته ورحلته العلمية :
كان عبد الله بن المبارك فقيهاً عالماً عابداً زاهداً سخياً شاعراً ([10]). أما خصاله فكانت كثيرة فقد جمع العلم والفقه والأدب والنحو واللغة والشعر والفصاحة والزهد والورع والإنصاف وقيام الليل والعبادة والحج والجهاد والشجاعة والفروسية والشدة في بدنه وترك الكلام فيما لا يعنيه وقلة الخلاف على أصحابه ([11]) .
وبدأ رحلته العلمية وهو ابن عشرين عاماً ، فأكثر من الترحال والتطواف([12]) ، وروى رواية كثيرة ، وصنف كتباً كثيرة في أبواب العلم وصنوفه، حملها عنه قوم وكتبها الناس عنهم ، وقال الشعر في الزهد والحث على الجهاد ، وقدم العراق والحجاز والشام ومصر واليمن ، وسمع علماً كثيراً ([13]) . وكان أول خروجه إلى العراق سنة إحدى وأربعين ومائة ([14]) . وكان رأساً في الذكاء ، رأساً في الشجاعة والجهاد ، رأساً في الكرم ([15]) .
شيوخه و تلامذته :
تتلمذ العلامة الحافظ عبد الله بن المبارك على يد عدد كبير من الشيوخ اذ قال : "حملت العلم عن أربعة آلاف شيخ ، فرويت عن ألف شيخ " ([16]). وقد ذكر المزي شيوخه فاحصاهم بخمس و ثلاثين و مائتين ([17]). فمن شيوخه المشهورين ضمن طبقة التابعين :
موسى بن عقبة (ت،141هـ) ، و حميد الطويل (ت،142هـ) ، و يحيى بن سعيد الأنصاري (ت،143هـ) ، و إسماعيل بن أبي خالد (ت،145هـ) ، و هشام بن عروة (ت،146هـ)([18]) .
أما شيوخه من طبقة أتباع التابعين فمنهم المشهورين :
مسعر بن كدام (ت،155هـ) ، و سفيان بن سعيد الثوري (ت،160هـ) ، شعبة ابن الحجاج (ت،160هـ) ، و حماد بن سلمة (ت،167هـ) ، و حماد بن زيد (ت،179هـ) ، و مالك بن انس (ت،179هـ) ، و سفيان بن عيينة (ت،198هـ)([19]) .
وتتلمذ على يديه العديد من العلماء منهم على سبيل المثال لا الحصر : إسماعيل بن إبان الوراق ، و بقية بن الوليد ، و حماد بن سلمة ، و أبو داود سليمان بن داود الطيالسي ، وأبو الأحوص سلام بن سليم ، و عبد الرحمن بن مهدي ، و عبد الرزاق بن همام ، و فضيل بن عياض ([20]).
توثيقه:
أثنى عليه العديد من العلماء ، فقد قال فيه عبد الرحمن بن مهدي (ت،180هـ) : " كان ابن المبارك نسيج وحده " ([21])، و قال في موضع آخر : "ما رأيت مثل ابن المبارك " ، و قال فيه أبو الوليد الطيالسي (ت،227هـ) :"ما رأينا محدثا اجمع من عبد الله بن المبارك"([22]) . و قال فيه محمد بن سعد (ت،230هـ) : " ثقة مأمون ... حجة كثير الحديث"([23]) . و قال فيه يحيى بن معين (ت،233هـ) : " كان ابن المبارك كيساً متثبتاً ثقة ، و كان عالما"([24]). و قال علي ابن المديني (ت،234هـ) : " عبد الله بن المبارك ثقة "([25]) .

و قال احمد بن عبد الله العجلي (ت،260هـ) : " ابن المبارك خراساني ثقة ثبت في الحديث ، جامعا للعلم"([26]) . و وثقه أيضاً عبيد الله بن عبد الكريم الرازي (ت،264هـ) ، حيث قال فيه : "ثقة"([27]) . و قد اجمع العلماء على قبول جلالته و إمامته و عدله ([28]) .
مصنفاته :
لعبد الله بن المبارك العديد من المصنفات النافعة ، ويقال كانت لديه مكتبة ضخمة ، تحوي آلاف الكتب ، وقد ألف كتباً كثيرة في موضوعات مختلفة من الحديث والقران الكريم والتاريخ([29]) . وقد بلغت مصنفاته تلك أكثر من عشرين ألفاً([30]) . وعدّ ابن النديم من كتبه : البر والصلة ، التفسير ، التاريخ ، السنن في الفقه ، الزهد ([31]) . وعد سزكين كتابي : الجهاد والمسند([32]) .
وبرع ابن المبارك في قول الشعر ، وقد حفظت له المصنفات شعرا كثيرا في الزهد والحث على الجهاد ، ومن شعره في ذلك([33]) :
الصمت أزين بالفتى
والصدق أجمل بالفتى
وعلى الفتى بوقاره
فمن الذي يخفي عليك
رب امرئ متيقن
فأزاله عن رأيه

من منطق في غير حينه
في القول عندي من يمينه
سمة تلوح على جبينه
إذا نظرت إلى قرينه
غلب الشقاء على يقينه
فابتاع دنياه بدينه





([1]) ابن أبي حاتم : تقدمة المعرفة ، 262 .

([2]) المزي : تهذيب الكمال ، 4/258 .

([3]) البلخي : قبول الأخبار ومعرفة الرجال ، 1/379 ؛ الخطيب البغدادي : تاريخ بغداد ، 10/151 ؛ النووي : تهذيب الأسماء ، 1/285 .

([4]) البلخي : قبول الأخبار ومعرفة الرجال ، 1/379 ؛ ابن الجوزي : المنتظم ، 9/58 ؛ الصفدي : الوافي بالوفيات ، 17/225 ؛ ابن كثير : البداية والنهاية ، 10/537 .

([5]) الخطيب البغدادي : تاريخ بغداد ، 10/153 .

([6]) ابن أبي حاتم : تقدمة المعرفة ، 262 .

([7]) النووي : تهذيب الأسماء ، 1/285 .

([8]) الخطيب البغدادي : تاريخ بغداد ، 10/152 ؛ النووي : تهذيب الأسماء ، 1/285 ؛ الذهبي : سير أعلام النبلاء ، 8/381 .

([9]) ابن سعد : الطبقات ، 7/179 ؛ ابن زبر :تاريخ موالد العلماء ووفياتهم ، 174 ؛ المنذر النيسابوري : الأشراف على مذاهب أهل العلم ، 1/72 ؛ النووي : تهذيب الأسماء ، 1/287 .

([10]) الصفدي : الوافي بالوفيات ، 17/225 .

([11]) النووي : تهذيب الأسماء ، 1/285 ؛ الصفدي : الوافي بالوفيات ، 17/225 .

([12]) البلخي : قبول الأخبار ومعرفة الرجال ، 1/379 ؛ الذهبي : سير أعلام النبلاء ، 8/379 .

([13]) ابن سعد : الطبقات ، 7/178 ؛ ابن عساكر : تاريخ دمشق ، 34/281 ؛ النووي : تهذيب الأسماء ، 1/86 ؛ المزي : تهذيب الكمال ، 4/260 .

([14]) الصفدي : الوافي بالوفيات ، 17/225 ؛ المزي : تهذيب الكمال ، 4/260 .

([15]) ابن العماد : شذرات الذهب ، 1/297 .

(6) الذهبي : تذكرة الحفاظ ، 1/276 ؛ سير أعلام النبلاء ، 8/397 .

([17]) تهذيب الكمال ، 4/258.

([18]) المزي : تهذيب الكمال ، 4/258 ؛ الذهبي : سير أعلام النبلاء ، 8/397 ؛ تذكرة الحفاظ ، 1/276.

([19]) المزي : تهذيب الكمال ، 4/258 ؛ الذهبي : تذكرة الحفاظ ، 1/276 ؛ سير أعلام النبلاء ، 8/397.

([20]) المزي : تهذيب الكمال ، 4/259 ،260.

(3) ابن أبي حاتم : تقدمة المعرفة ، 268 ؛ الخطيب البغدادي : تاريخ بغداد ، 10/159؛النووي : تهذيب الأسماء ،1/286.

([22]) إبن عدي : الكامل في ضعفاء الرجال ، 1 / 189 .

([23]) الطبقات ، 7/178؛ ابن عساكر : تاريخ دمشق ، 34/278 ؛ النووي : تهذيب الأسماء ، 1/286 .

([24]) ابن عساكر : تاريخ دمشق ، 34/294 ؛ الصفدي : الوافي بالوفيات ، 17/225 .

([25]) ابن أبي حاتم : تقدمة المعرفة ، 275 ؛ المزي : تهذيب الكمال ، 4/262.

([26]) معرفة الثقات ، 2/54 ؛ الدار قطني : أسماء التابعين ، 1/201 ؛ الخطيب البغدادي : تاريخ بغداد ، 10/154.

([27])ابن أبي حاتم : تقدمة المعرفة ، 265 .

([28]) ابن كثير : البداية و النهاية ، 10/538 .

([29]) سزكين : تاريخ التراث ، 1 / 270 .

([30]) المزي : تهذيب الكمال ، 1 / 261 ؛ الذهبي : سير أعلام النبلاء ، 8 / 391 .

([31]) الفهرست ، 378 .

([32]) تاريخ التراث ، 1 / 270-271 .

([33]) الكيلاني ، جمال الدين فالح : محاظرات في التاريخ الاسلامي ، 170 .