الشيخ: عبد المجيد الريمي
الخطبة الأولى:



الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.. أما بعد:

أيها الأخوة المسلمون!
ذكرنا في خطب سابقة، أن الطريق لإقامة حكم الإسلام هو السعي لإنشاء مجتمع إسلامي يمثل أوامر الله, وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن حالنا الراهن ووضعنا الراهن لا يشهد لنا بالخير، ولا يشهد لنا بأننا على طريق مستقيم، وإنما أقوالنا وأفعالنا تخالف منهج الله تعالى، فنحن ندعي الإسلام, ونجاهر بالتزامنا به، ولكننا ننتقصه بين الحين والآخر، وإليكم أيها الأخوة في الله! صورة مثالية من القرآن العظيم، وأما مجتمعنا فإلى الله المشتكى. لا نريد أن نأخذ مثالاً للمجتمع المسلم من واقعنا، واقع الاختلاف والتناقض, واقع الآراء المتناقضة، والعقائد المتباينة، مجتمع البحار، القوي يأكل الضعيف، مجتمع الظلم والفساد، فساد الأخلاق، فساد الاقتصاد، فساد العقائد, فساد التصورات والأفكار، فساد الوسائل، فساد الغايات, فساد في البر والبحر: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} [الروم:41]، لذا وجب علينا أن نرجع إلى القرآن الكريم, وإلى سيرة السلف الصالح؛ لنعرض صورة من صور المجتمع الإسلامي، أو نماذج وقواعد وأصول تنظم المجتمع الإسلامي, وصار عليها السلف الصالح رضي الله عنهم, فحازوا خير الدنيا والآخرة، ووعدهم الله، وصدق الله وعده؛ لأنهم صدقوه فقال: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَن َّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَ ّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَ ّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور:55].
فحققوا لله ما وعدوه، فحقق الله لهم ما وعدهم: {إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:7].
هذه الصورة من ذلك المجتمع، تستعرضها لنا سورة من سور القرآن المعظم, يحفظها أكثرنا إن لم نقل الكل, إنها سورة من السور المفصل, إنها سورة الحجرات، تلكم السورة العظيمة, التي كادت أن تتضمن قواعد وأصول المجتمع الإسلامي؛ فلهذا نعرض عليكم هذه القواعد والأصول, وأنتم لا شك أنكم تعقلون عن الله مراده، وتعقلون عن الله أقواله، وأنكم لستم راضين عن أنفسكم، ولسنا راضين جميعاً عن أنفسنا، وعن أوضاعنا، وإنما يبقى القرآن الكريم هو المثال, وهو النموذج الذي يجب علينا أن نتحلى بالأمثلة والصور التي يعطيها لنا مما ينبغي أن نكون عليه.
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الحجرات:1]، هذه القاعدة الأولى، وهذا يعطينا صورة؛ أن التشريع الإسلامي في أرقى ما يمكن أن تصل إليه البشرية، من الأصول، والضوابط والتصورات، التي تحكم المجتمع.
إن أي مجتمع بشري فإنه يضع القواعد والأصول الدستورية التي يتحاكم إليها الناس ويرجعون إليها ويسيرون بها حياتهم، ولكن الإسلام وأهل الإسلام ينبغي أن يفخروا، وينبغي أن يرفعوا رؤوسهم، وينبغي أن يحمدوا الله ويشكروه، أن الذي يضع لهم هذه القواعد هو الله وليس البشر، الذي يضع لهم هذه الأصول هو الله.
احترام الشرعية الدستورية:
أول هذه الأصول وأول هذه القواعد: احترام الشرعية الدستورية، كما يعبرون عنها، هذه الشرعية الدستورية معناها لا يقدموا بين يدي الله ورسوله، إن الله هو الحاكم، إن الله هو المشرع، إن الله هو الآمر، إن الله هو الناهي، فلا قول لكم مع قوله، ولا رأي لكم مع رأيه, مع حكمه، ولا تقدم بين يديه، لا بد من احترام هذه الشرعية وتقديسها، وتعظيمها، فإن الخروج عنها يعتبر خروجاً عن حقيقة هذا الدين يعتبر خروجاً عن الإسلام, {لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الحجرات:1]، هذه أول قاعدة.
من له التشريع؟ من له الأمر والنهي؟ الله, ورسوله مبلغ, فلا تقدموا بين يديه، واعرضوا عن هذا المجتمع الديمقراطي الذي يقدم بين يدي الله ورسوله، ويزعم أنه مجتمع مسلم, يقدم أراء البشر, {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا} [الأحزاب:36].
فأول القواعد؛ مصدر التلقي ما هو؟ أهو العقل؟ أهو الشيخ؟ أهو الولي؟ أهو العالم؟ أهو المؤسسات الثقافية؟ أهو الشعب؟ أهو المنظمات الجماهيرية؟ يضعها الإسلام, وتضعها الشريعة الإسلامية، أن الحاكم هو الله تعالى، وأنه لا يجوز لأحد أن يقدم بين يدي الله ورسوله، فالنظام الديمقراطي بخلاف الإسلام، لو يتعب أهل اللحى والعمائم, لو يتعبوا حقباً وأزمنة للتوفيق بين الإسلام والديمقراطية لما حصلوا على طائل ولا وجدوا إلا الخيبة والخسران، النظام الديمقراطي غير النظام الإسلامي.
أول لبنة في هذا المجتمع أن الحاكم هو الله، وأنه يجب على المؤمنين جميعاً في الشرق وفي الغرب، في كل مكان؛ أن لا يقدموا بين يدي الله ورسوله, لا قول حزب ولا شيخ ولا عالم ولا مجتمع ولا شعب، وإنما المقدم في الحقيقة قول الله ورسوله صلى الله عليه وسلم: {لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ} [الحجرات:1]، خافوه، راقبوه، لا تقدموا بين يدي الله ورسوله.
قال المفسرون: لا تقدموا حتى يقول, وإذا علمت ما سبب نزول هذه لآية اتضح لك الأمر, فقد تقول هذا في المسائل الهامة, هذا في النصوص الكلية, كما يقول! أما في بقية الأمور هذه فالأمر فيها سهل، وليس لنا أن نفعل ونقدم ونؤخر. لقد نزلت هذه الآية في شأن أن أبا بكر وعمر؛ اختلفا من يؤمر رسول الله صلى الله عليه وسلم على وفد من وفود العرب جاءوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فطلبوا من الرسول أن يعين لهم أميراً فقال أبو بكر أمر فلاناً، فقال عمر لا أمر فلاناً، فقال أبو بكر لعمر ما أردت إلا خلافي، وقال عمر ما أردت إلا خلافي، أو بهذا المعنى فأنزل الله {لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [الحجرات:1] عمل إداري.
{وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الحجرات:1]، اربطوا بين هذه وبين ما سيأتي من التنبيه على اللجان الانتخابية {لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الحجرات:1]، ولما ارتفعت أصواتهم أرشدهم الله تعالى إلى أدب آخر فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} [الحجرات:2]، أمر خطير, أمر رهيب, مجرد رفع الصوت على الرسول صلى الله عليه وسلم قد يكون مسبب لحبوط الأعمال من حيث لا يشعر. لو أنه يشعر لكان أمراً هيناً, وأمراً سهلاً, من الممكن أنه إذا شعر أن يتوب ويستغفر؛ لكن الأمر أخطر من ذلك, فقد يحبط العمل والإنسان لا يشعر: {لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ}، فكيف بتقديم آرائنا على آرائه! كيف بتقديم حكمنا على حكمه؟ كيف بتقديم قولنا على قوله؟ إنا لله وإنا إليه راجعون.
{لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} [الحجرات:2].
{إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ} [الحجرات:3].
في هذه الآية أمر من الله تعالى باحترام القيادة وطاعتها، وقفل الصوت عندها, وإعطائها ما تستحقه من التعظيم والتوقير والاحترام في طاعة الله تعالى, وهذه القيادة أولها القائد الأعظم رسول الله صلى الله عليه وسلم, فلا يجوز أن يقدم قول أحد غيره عليه, بل يجب أن يقدم قوله صلى الله عليه وسلم على كل قول، وأما من يقودون العمل بعده العلماء من ورثة الأنبياء فإنهم أيضاً لهم الطاعة والاحترام والتقدير، أخذاً من هذا, ولكن مشروط بأن يوافقوا طاعة الله, وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم: {أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} [النساء:59] وهذا يشمل العلماء والأمراء.
{فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء:59].
إذاً أولاً عقيدة, وهي أساس النظام الاجتماعي، والمجتمع الذي تتخلله عقائد فاسدة ومختلفة، فلا تنتظر منه إلا التآمر والتباغض, ولو قال قائل: من الممكن تبادل الوحدة الوطنية، والشعور بالوطنية، فقد اعترفوا هم بأن المسائل الحزبية تخون القضايا الوطنية كما سيأتي! اعترفوا هم بألسنتهم بأن المسألة الحزبية قد تخون القضايا الوطنية, وكلها باطل في باطل، وكلها متاهات، وإنما المبدأ الإسلام, أو العقيدة الإسلامية هي الأصل في توحيد المجتمع، لهذا بدأ الله تعالى بتأسيس المجتمع على أساس عقيدة: {لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [الحجرات:1]، ولا ترفع صوتها فوق صوت الله ورسوله، أين هذا من قولهم: لا صوت يعلو فوق صوت الشعب؟
أين هذا من قولهم: لا صوت يعلو فوق صوت الحزب؟ أين هذا من قولهم: إن السلطة التشريعية والبنود الدستورية هي الشرعية الأعلى، والحاكم الأعلى؟ أين هذا عن الإسلام؟ وأين الإسلام عنهم؟ {لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} [الحجرات:1].
{إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى} [الحجرات:3]، إن التقوى وإن ادعاها المدعون، خاصة أن ليس كل قلب يستطيع أن يحمل التقوى، وليس كل قلب أهلاً للتقوى، إنما القلوب التي تستطيع أن تحمل التقوى هي قلوب من نوعية خاصة، هي القلوب التي قد امتحنت، هي القلوب التي قد اختبرت، هي القلوب التي قد ابتليت، وثبتت، وصبرت، ووقفت، واحتسبت، وجاهدت في الله حق جهاده، ولم تبعه بعرض من الدنيا قليل.
{إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ} اختبر الله {قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى} فوجدها صالحة، ووجدها مصلحة، ووجدها مؤهلة، والشخص الذي يدعي التقوى بدون اختبار وامتحان، فستبقى دعوى, "والدعاوى إن لم يقيموا عليها بينات فأهلها أدعياء"، {إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ} [الحجرات:3].
ثم أيضاً بين الله أدباً إسلامياً من آداب المجتمع الإسلامي، فقال وهو يبني المجتمع الأول: {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاء الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ * وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [الحجرات:4-5].
جاء وفد من الناس لم يتشبعوا بآداب الإسلام؛ وفد من العرب جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وصلوا على عادتهم الجاهلية الأولى, ليس فيها آداب، فطافوا ببيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ينادون, ويرفعون أصواتهم: يا محمد! اخرج إلينا، يا محمد! اخرج إلينا، فيهم أنانية ليش ما يخرج لاستقبالهم! لماذا لا يكون هناك مراسيم للاستقبال؟ لماذا لم يخرج على عادات أهل الجاهلية! الذي قد يفرضون, أما الأدب الإسلامي, والآداب الاجتماعية الإسلامية، فصحيح أنه من الأدب أن يكرم الضيف، ولكن أيضاً هذا الأمر لا يخل بالآداب الأخرى والحقوق الأخرى.
فقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا} [النــور:27-28]، بكل سهولة, وبكل الأمور البسيطة التي تنظم المجتمع، أما هذا المجتمع فيستعجل من هذه القضية، لقد ردني من بابه! لقد طردني من بابه! رفض زيارتي! رفض دخولي عليه! لقد كذا وكذا.
لكن المبدأ القرآني الإسلامي: {وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [النور:28]، فهؤلاء صاروا ينادون، يصيحون: يا محمد! اخرج إلينا, اخرج إلينا, فأزعجوا الرسول صلى الله عليه وسلم، فكره هذه الحال فأنزل الله هذه الآية. وهي أمور كما ترون عظيمة جداً, أن ترتبط الأرض بالسماء, عند كل قضية يأتي الحل من السماء، فيصبح الناس كلهم عبيد لله, ليسوا عبيد لمجلس النواب، قد قرر، قد شرع، قد صوت، وإنما لله يسمعون, له يطيعون. فلما وقعت هذه القضية أنزل الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاء الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} [الحجرات:4]، ليس معنى الآية أنهم مجانين. ولكن المعنى أنهم ما عندهم أدب, فالأدب من تمام العقل، وهذا يدلك على أن الإسلام مع الحكمة، مع الآداب، مع التعقل، مع التأني، مع الحلم، مع طمأنينة النفس والسكينة، مع الحلول عند أي قضية, وعند أي مشكلة، ولا يقبل الانزعاج، ولا الغضب، ولا الانفعال، ولا التصرفات الهوجاء، سواء كان باسم الغضب لله، باسم الغضب للنفس، أو بأي اسم، إنما المطلوب الحكمة والتروي، فإذا كانت الحكمة هناك, فتحت العقل, وثم الأدب، وثم الإسلام.
نعم أحياناً قد يكون الحكمة هو الغضب لله تعالى؛ عندما يكون الغضب هو الحل الوحيد الذي لا سواه, فيقول: {أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} [الحجرات:4]، وهذا يدلك على أن المجتمع الإسلامي من أعقل المجتمعات، لأنه يمتثل آدابه وتعاليمه من الله، وهذه التعاليم تزيد في العقل تزيد في الأدب أكثر {لَا يَعْقِلُونَ} يعني ما عندهم أدب، وكلما كان الإنسان طائشاً ليس عنده أدب، فهو بلا عقل؛ ولهذا فقد جعل الاستئذان عند الدخول بأدب، يدق ثلاثاً فإن إذن له وإلا رجع، ويدق عن يمين أو يسار الباب، ولا يقف صامداً أمام الباب حتى يفتح له.
والاستئذان إنما جعل من أجل البصر,إذ أنه لا يجوز في الإسلام أن ينظر الشخص في هذا الذي يريد الدخول عليه, فينظر هل هو موجود في البيت، أو غير موجود ينظر من خروق الباب، أو ما أشبه ذلك.
وفي الحديث أن رجلاً فعل ذلك فلحقه الرسول صلى الله عليه وسلم بمشقص يريد أن يطعنه, وقال: «ويحك إنما جعل الاستئذان من أجل البصر»؛ فلهذا إنما منع المسلمون من البصر في أن يتصرفون فيه كما يشاءون, خشية أن يؤدي البصر إلى تعلق القلب بالمنظور، وإذا تعلق القلب بالمنظور, بالمرأة مثلاً، فقد يفسد المجتمع بعضه بعضاً، وتفسد الأعراض، وتفسد الأخلاق وتفسد الآداب، الاجتماعية الإسلامية، فهي سلسلة من الآداب تجر بعضها إلى بعض، في معالي الأمور, ومعالي الأخلاق، وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال: «إنما بعثت لأنتم مكارم الأخلاق».
ثم قال الله: {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاء الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ * وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ} [الحجرات:4-5].
لماذا لا يصبروا حتى تخرج؟ ماذا سيقع فيهم؟ ماذا سينقص منهم لو انتظروا حتى تخرج؟ فهو أحسن وأسلم, وهو أبعد عن الإزعاج، وأخذ العلماء من هذه الآية أيضاً؛ الأدب مع العلماء, فقد كان ابن عباس مع جلالته ومكانته، ربما يجلس في الظهيرة في الباب فينتظر العالم حتى يخرج بعد أن تنتهي الظهيرة، وقال أبو عبيد القاسم بن سلام رحمه الله ¬¬وهو من المحدثين المشهورين: "ما دققت باباً على عالم قط وإنما أصبر حتى يخرج", وحمد الناس هذا الأدب, وحمد العلماء هذه المقالة من أبي عبيد, ورأوا أنها موافقة لتعاليم الإسلام, {إن الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاء الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ}.
وفي الطريق إلى بناء المجتمع الإسلامي، وسد الذرائع التي قد تفسد المجتمع الإسلامي، وضع الله تعالى قاعدة عظيمة، ولأن معظم المشاكل، معظم الفتن، معظم الحروب، معظم الأمور المخيفة، تقع بسبب الأخطاء وتناقل الأخبار، فكم من حرب، وكم من فتن، وكم من مشاكل، وكم من قتل، وكم من سفك دم، وكم من أمور عظام! وقعت بسبب خبر قد يكون صادقاً وقد يكون كاذب، فأمر الله تعالى حرصاً على سلامة المجتمع، وحرصاً على أن لا تنتشر فيه الشائعات قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا}، والقرآن أيضاً يصون المجتمع.
حينئذ يشك بعضه من بعض, وتفسد الحياة, ويعلق الحكم بمظنة الكذب, وهو الفاسق الذي لا يتق الله، ولا يخاف الله، فجعل الفاسق؛ هو الذي يكون الكذب عنده أكثر من غيره، والأصل في المجتمع الإسلامي العدالة, والأصل فيه التحري، والأصل فيه الثبت، والأصل فيه أنه لا ينقل خبراً إلا بعد التأكد، فلهذا ربط الحكم بالفاسق، يقول العلماء أن الاسم المشتق يدل على أن الاشتقاق هو علة الحكم، فإذاً الفسق هي علة وسبب الحكم في التثبت، لأن الفاسق ينقل الأخبار ولا يتقي الله في ذلك.
فما رأيكم في الصحفيين أصحاب الكلمة الأمينة، معظمهم إلا من رحم الله يشيعون الأخبار يشيعون الأكاذيب قبل أن يتثبتوا من مصادرها، بقصد مصالح ومنافسات حزبية، وقد يشيعون بعض الأخبار لترويع المجتمع، وهذه لمكسب دني, مكسب حزبي, حتى يحصل على حزبه وعلى مراده، فإذا هو يسكت ويغطي, ولعله ممكن أن يستدل: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا} [النور:19]، لعله قد يستدل بذلك, ويستر الأخطاء, لما حصل على بعض المكاسب الحزبية؛ فالله تعالى يقول: {إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات:6] أي: تثبتوا, {أَن تُصِيبُوا قَوْمًا} [الحجرات:6] تصيبوا قوماً تظلموهم وأنتم جاهلون لحقيقة الأمر، فتصبحوا على ما فعلتم نادمين. ثم ينبههم تعالى على أن فيهم حقيقة عظيمة: {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ} [الحجرات:7].
أيها المؤمن!
إن حكم الله تعالى لا يخضع لأهواء البشر مهما كان ذلك البشر صالح، اليوم تسمع الذين يمجدون الديمقراطية ويمدحونها ويزعمون أنها لا تتعارض مع الإسلام، ويقولون إن المجتمع مسلم, إن الشعب مسلم, إن الأمة مسلمة, وتختار ما قاله الله ورضي الله به وغير ذلك, ولكن الله لا يرضى هذا المبدأ الفاسد, فيقول الصحابة خير أمة للناس: {لَو يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ} [الحجرات:7] لجلبتم على أنفسكم المزيد من العنت والمشقة, خير أمة لو يطيعهم الرسول في آرائهم واجتهاداتهم, لأصاب المجتمع الإسلامي العنت والمشقة.
فما بالك بنا مجتمع إسلامي! نحن نريد تربية على الإسلام, نريد تربية على ما كان الرعيل الأول, ونريد تربية على أصول صحيحة سليمة, وإلى الرجوع إلى كتاب الله وإلى سنة رسوله صلى الله عليه وسل,نريد تربية على منهج أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وذلك المجتمع الطاهر النظيف الزكي الذي رباه الله تعالى بقوله: {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ} [الحجرات:7].. هكذا رأي شعبي رأي جماهيري بدون ضوابط {لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ} [الحجرات:7]، هو الانقياد لحكم الله وشرعه {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء:65]، {وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ} [الحجرات:7].
إن المجتمع مهما كان إما مجتمع كافر مائة بالمائة, أو مجتمع عاص فيه بعض المعاصي, أو يوجد في بعضه؛ فلهذا يبقى الخطر دائماً ينشأ من المجتمعات, وهذا مجتمع الرسول صلى الله عليه وسلم, وقد حدث فيه ما يحدث في أي مجتمع, وإن كان هذا المجتمع أطيب وأنقى وأطهر ما رأت البشرية, لكن هو مجتمع, هو بشر, فقد وجد فيهم الذي كذب في هذه الآية, في هذه السورة, وذكر الله تعالى أمثلة من الاجتهاد الخاطئ, مع سلامة الصدر كاجتهاد أبي بكر وعمر مع السلامة, مع الثقة والعدالة, وهو اجتهاد قد يؤدي إلى مشقة وعنت, مع سلامة القلب والصدر من أبي بكر وعمر قال: {إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات:6]، فقد نزلت في شأن الوليد بن عقبة, هذا رجل يسمى الوليد أرسله الرسول صلى الله عليه وسلم ليأتي بزكاة قوم فجاء إليهم, ورآهم على أهبة الاستعداد قد جمعوا الزكاة, وقد لبسوا آلة الحرب, ومستعدون للذهاب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ليدفعوا له الزكاة, ولا ينتظروا رسوله حتى يأتي, فلما رآهم توهم أنهم سيقتلونه, فرجع وقال: يا رسول رفضوا أن يدفعوا الزكاة! فبينما هو كذلك, إذا هم قد جاءوا, وأنزل الله تعالى هذه الآية, فثبت المسلمون وقد كانوا أمروا بالاستعداد للهجوم عليهم, فقال: {أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات:6].
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم.. أما بعد:
بعدما وضع الله هذه القواعد, كان هناك احتمالات أيضاً؛ لأن البشر هم بشر! احتمال أن يتجاوز الناس هذه الضوابط والقوانين والأصول الروحية, ومن الناس من لا ينفع فيه الآداب والمواعظ والترغيب والترهيب, ولا ينفع فيه إلا الحديد.
قال تعالى: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات:9] بالوعظ والإرشاد والحكم والعدل والقسط, وقال الله تعالى لرسوله: {فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى} [الحجرات:9]، فمن باب أولى إن بغت تلك الطائفتين ولم ينفع فيهم المواعظ اتقوا الله, خافوا الله, راقبوا الله, احترموا الدماء, احترموا كذا, ولا فائدة! النوازع البشرية أقوى من اتقوا الله, ولا حول ولا قوة إلا بالله, لكن الصحابة ذلك الجيل: {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى} [الفتح:26].
إذا قيل لهم اتقوا الله وقفوا عند حدود الله {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي} [الحجرات:9], فاحذروا يا معشر المسلمين! أن تتركوا المسلمين يقتتلون حتى آخر رمق, حتى يقتل بعضهم بعضاً, وإنما يجب عليكم أن تقوموا بما يلزم, فإنهم إخوان لكم, {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:10], المسلمون أخوة, {فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات:10].
أولاً: بالطرق السليمة والوعظ والإرشاد
فعلى جميع المسلمين أن يقاتلوا هذه الفئة الباغية؛ حتى ترجع إلى حكم الله, ويحكم بينها بالحق والعدل, هؤلاء ما ينفع فيهم الوعظ والإرشاد, هؤلاء ينفع فيهم القوة, حتى يرجعوا إلى حكم الله: {فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } [الحجرات:9].
أين هذا عن أوضاع المجتمع اليوم؟!
أي حرب تقوم بين قبيلة فتجد الأحزاب الخبيثة والحكومات العميلة تشعل هذه الحرب وتزيدها؛ لتنهك الأمة وتنهك المجتمع بحروب طاحنة؛ ليستقلوا بمصالحهم ويعيشوا بلا منازع, وليسوا خائفين من أحد؛ لهذا الإسلام أمر بمقاتلة هذه الطائفة الباغية حتى ترجع إلى أمر الله, ويعني إلى حكم الله, {فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ} [الحجرات:9].
الصلح يكون بالعدل والقسط, ليس على حساب الأقوى, ليس على حساب الشيخ الفلاني, ليس من أجل المجاملات والمداهنات, وإنما {بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الحجرات:9], {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الحجرات:10]، إلى أن قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ} [الحجرات:11], بعد أن وضع هذا المجتمع, وصار المجتمع كله على عقيدة واحدة, وعلى منهج واحد, وعلى مبدأ واحد, فأي داع للفخر والناس قد أصبحوا كأسنان المشط: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ} [الحجرات:11] بئس هذه الحالة بعد حالة الإيمان التي بيناها لكم في أول السورة: {وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الحجرات:11].
ثم أشار أيضاً إلى سبب من أسباب تفكك المجتمع واختلافه وقتاله ونزاعه فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا} [الحجرات:12].. الآيات.
ثم أخبر سبحانه أنه بعد هذا المبدأ, وبعد هذا المنهج الرباني, وبعد هذه القواعد الإلهية والأصول الربانية, فلا مكانة, ولا محل للمفاخرات والقواعد البشرية والأصول البشرية الظالمة, كالفخر بالأنساب أو الأحساب أو بالمال, أو حتى يسخر بعضنا من بعض, بأمر بالمناصب أو بغير ذلك فقال: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13].
فأكرمكم عندنا -أي: عند الله- من يحقق هذه الآداب, وهذا الإيمان عندنا من يعرض: {وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الحجرات:11], فليس لكم عندنا ميزان ولا مكانة إلا بحسب ما تعملون بهذا الدين, فلا تصلون إلينا بأنسابكم ولا تصلون إلينا بأموالكم, ولا تصلون إلينا بجمالكم, ولا تصلون إلينا بمراكزكم الاجتماعية, وإنما تصلون إلينا بالتقوى, {لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ} [الحج:37] فهذا هو المجتمع الإسلامي.
أيها الأخوة في الله!
مجتمعنا كما ترون هذا السماء, ونحن كما ترون, فلهذا إذا أخذنا بالإسلام ارتفعنا, وارتفعنا وعلى الأهواء البشرية, اليوم نعيش هذا المجتمع, مجتمع مجلس النواب, مجتمع يقدم قوله على قول الله وقول الرسول, وخالفنا: {لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [الحجرات:1] نرفع أصواتنا, ولعلكم لاحظتم تلكم المرأة في مجلس النواب التي كانت تتشرف بملء فمها, غاضبة ساخطة على هذا المجتمع, وغاضبة على هذه التعاليم, لماذا أغفل مجلس الرئاسة, وأغفل المجتمع أن يختار من العنصر النسائي في اللجنة الانتخابية التي يراد من مجلس النواب أن ينتخبها؟!
غاضبة ترفع صوتها, والله يقول: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [الأحزاب:33].
ويقول عليه الصلاة والسلام: «لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة» وأنا لا أعجب من امرأة تربت على أحضان أحزاب إلحادية, لكن العجب الذي لا ينقضي في المعممين الذين كانوا خلفها وأمامها وعن يمينها وعن شمالها, الذين دخلوا في ذلك المجلس من أجل إقامة حجة الله على الناس, وتبليغ شرع الله على الأرض, لماذا لم يقم واحد منهم ويقول لها: يا امرأة, قال الله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب:33].
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة» لماذا؟ أليس الهدف الأساسي إقامة الحجة؟ لماذا لم يقم؟ أم أننا ديمقراطيون نستحيي أن نعارض الديمقراطية؟! أم أننا نخجل من حكم الله ورسوله؟
لمتابعة الموضوع على الرابط:
http://olamaa-yemen.net/main/article...ticle_no=14980