الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده

: أما بعد
إن الله سبحانه وتعالى حفظ السنة النبوية بحفظ الكتاب العزيز فهيأ رجالا أفذاذ أعلام صانوا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من تحريف الغاليين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين فمن هؤلاء الرجال رجال الحديث أهل البضاعة والصناعة الدين حفظوا الحديث وأصلوا القواعد النقدية التي تبين حقيقة حال الرواة ومروياتهم قال ابن المبارك" الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء" فجل العلماء صرفوا عنايتهم بالأسانيد التي يتعرف من خلالها على صحة الحديث من ضعفه وميزوا بين الرواة من الذي يأخذ عنه ويحتج بروايته ومن لا يأخذ عنه ولا يحتج بروايته, وهؤلاء النقاد لا يصدرون في راوي حكما تعديلا ولا تجريحا إلا بعد ما ينظروا ما قاله غيرهم من أهل الصناعة -صناعة الحديث- وهذه الصناعة لا يتقنها إلا الأفذاذ الجهابذة من الأعلام الدين أبلوا شبابهم وأفنوا أعمارهم في طلب العلم مع مخافة الله وتقوى حتى لا يقولون في أحد ما لا يستحقه.
فهم لا يردون من الدنيا مغنما ولا يصدرون الأحكام من وراء مذاهب ولا عصبيات ولا أحقاد وإنما من وراء هدف سام ألا وهو حفظ هذا الدين بحفظ حديث رسول الله, فقد كان من هؤلاء الأفذاذ الإمام أبو الحسن ابن القطان الفاسي فقد كان حافظا بارعا ناقدا مجددا في هذا الفن بحيث كل من ترجم له يصفه بالحافظ الناقد هذه الشهادات شهد له بها كبار العلماء, فهذا العالم يكاد يكون مجهولا إلا عند القليل من المتخصصين حتى كثيرا من طلاب العلم عندما يسمع بهذا الإسم يظنه الإمام يحيى القطان المتوفي سنة (198ه) وهذا العالم -ابن القطان الفاسي- مهجور مجهول في بلده وقال الدكتور الحسين ايت سعيد"يعرفه المشارقة أكثر من الغاربة". ولعل هذا هو سبب إختياري لهذا العالم لأخصه بالبحث ضمن عنوان " جهود علماء الغرب الإسلامي في الجرح والتعديل " الذي كلفنا به فضيلة الشيخ الدكتور ميمون باريش وبالمناسبة أنا مدين له بالشكر على إتاحة هذه الفرصة للبحث عن علماء بلدنا ولولا هذا البحث ما كنت لأعرف عددا من العلماء الدين برزوا في هذا المجال, وأذكر منهم " القاضي عياض و ابن عبد البر و ابن وضاح والباجي وابن المواق المراكشي و عبد الحق الإشبلي....... وغيرهم من العلماء.
إلا أني قد اخترت ابن القطان لعلو كعبه في هذا الشأن ولتوفري على بعض المصادر والمراجع التي تخصه مثال " بيان الوهم والإيهام " والرد على ابن القطان للذهبي"وهي التي وضعت لي طريق هذا البحث الذي اعتمدت فيه على منهج وصفي مع شيء من البيان لمحاولة إبراز مجهودات وتجديدات عالم مغربي في الجرح والتعديل .
: خطة البحث
1 _ ترجمة مختصرة لابن القطان
أ - اسمه ونسبه ولقبه
ب - أقوال بعض أهل العلم فيه
ج - بعض مؤلفاته
2 _ ابن القطان جهوده وتجديداته في الجرح والتعديل
3 _ خلاصة

1 _ ترجمة مختصرة لابن القطان
:أ - اسمه ونسبه ولقبه
هو علي بن محمد بن عبد الملك, بن يحيى بن محمد بن إبراهيم بن خصلة بن سماحة الحميري الكتامي الأصل, فاسي الدار والولادة (562ه)مراكشي المسكن.(1) وهذا الإسم والنسب لا يكاد يعرفه إلا الخواص من العلماء فذكره في كتب الحديث والتاريخ وما يتداول على الألسنة هو لقب ابن القطان حتى صار علما له لا يعرف إلا به.
ب - أقوال بعض أهل العلم فيه:
علم الجرح والتعديل لا يطيقه إلا الجهابذة من العلماء الأفذاذ مع مخافة الله تعالى وتقوى حتى لا يتعرضوا لأحد بما لا يستحقه فيحاسبون على ذلك, فهؤلاء الرجال لا يردون من على خدمته, ناقدا مميزا صحيحه من سقيمه".(2) وقال ابن مسدي :" كان معروفا بالحفظ والإتقان, ومن أئمة الدنيا مغنما وإنما غايتهم الحفاظ على السنة النبوية وبذلك يحافظون على الدين الذي تكفل الله بحفظه فجعل هؤلاء الرجال أداة لحفظه, فمن هؤلاء الرجال الحافظ العلامة الناقد ابن القطان الفاسي فهذا بعض ما قيل فيه : قال ابن عبد الملك :" وكان ذاكرا للحديث مستبحرا في علومه, بصيرا بطرقه عارفا برجاله, عاكفا هذا الشأن [....] كان شيخ شيوخ أهل العلم في الدولة المومنية".(3)
___________
(1) : سير أعلم النبلاء306/22
(2):الذيل والتكملة 167/8
(3) : سير أعلم النبلاء306/22



وقال الذهبي :"الحافظ العلامة الناقد"(4) وقال بن الأبار :"كان من أبصر الناس بصناعة الحديث وأحفظهم لأسماء رجاله وأشدهم عناية بالرواية".وقال الدكتور فاروق حمادة : "وكانت له اليد الطولى في علوم السنة [...] فكان فارس هذا الميدان".
ج - بعض مؤلفاته :
ابن القطان جعل حياته في سبيل العلم والمعرفة, فقد ترك للمكتبة الإسلامية مؤلفات عديدة نذكر منها بالخصوص ما له علاقة بعلم الجرح التعديل : - بيان الوهم والإيهام - نقع الغلل ونفع العللفي الكلام على أحاديث السنن لأبي داود."لم يتم" - تجريد من ذكره الخطيب في تاريخه من رجال الحديث بحكاية أو شعر. - الرد على محمد بن حزم في كتابه المحلى مما يتعلق بعلم الحديث."لم يتم" هذه المؤلفات التي ذكرنا والتي لم نذكر قد سردها ابن عبد الملك في كتابه الديل والتكملة. - كتاب شيوخ الدراقطني. لقد خصصت هذا المبحث للحديث عن ابن القطان كعالم من الأعلام, لأن الحديث عن الأعلام هو الحديث عن كل شىء لأنهم إذا صلحوا صلح العلم كله وإذا فسدوا فسد العلم كلهو وخاصة في العلوم المتعلقة بحديث رسول اله صلى الله عليه وسلم. فابن القطان فارس مغوار في نقد وصناعة الحديث ومن العلماء الذين يفتخر بهم أهل الغرب الإسلامي وخاصة أهل المغرب.
___________(4) : تذكرة الحفاظ 1407/4




2 _ ابن القطان جهوده وتجديداته في الجرح والتعديل
لقد ظل ابن القطان باحثا مغوارا في طلب العلم بشكل عام حتى برع فيهو لكن هذا الرجل كان له باع كبير في علوم السنة النبوية وخاصة الجرح والتعديل دون تفريط أو تقصير في بقي الفنون. فكان حقا عاكفا على خدمة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ناقدا مميزا صحيحه من سقيمه عرفا برجاله بصيرا بطرقه. تبرز جهود وتجديدات ابن القطان في أمور منها : إنه يتميز باستقلالية نقدية, وتفرده بإحكام ونقده لآراء كثير من العلماء وعدم التسليم لهم إلا بدليل. وأنه يتميز بإنصافه واعتداله والدقة في النقد فهو لا يجرح أحدا بلا سبب موجب, ولا يقبل نقد باقي العلماء من غير تدقيق أو تمحيص. وأن حكمه على الرواة نابع من حنكة وتجربة وخبرة واسعة, وتتبعه لأحوال الرواة ومروياتهم. أنه يتميز بسعة المصادر التي يعتمد عليها وعدم الاكتفاء بمصدر واحد, كما أنه يحرص على تحصيل المعلومات من منابعها الأصلية. وأنه يرى عدم تعاضد الأحاديث وان كل حديث قائم بذاته فلا يتقوى بعضها ببعض. وأنه لا يرى تقسيم الجمهور للحديث الصحيح لذاته ولغيره والحسن لذاته ولغيره, بل الصحيح لذاته وحسن لذاته و والضعيف يبقى ضعيف ولو تعددت مخرجه, والاضطراب عنده إنما يضر في المتون لا في الأسانيد. والمرسل واحد سواء كان مرسل صحابي او تابعي والحديث المرسل عنده ليس بحجة, وصحة الحديث عند تتوقف على ثقة الراوي واتصال السند. وأنه يتشدد في أحاديث الأحكام ويتساهل في غيرها, ويعتمد معاصريه من النقاد. وأنه وثق رجالا وجرح آخرين لا تستفاد أحوالهم إلا من جهته : بحيث كل من أتى بعده لا يقولون إلا ما قال ابن القطان أي وثقه ابن القطان أو ضعفه ابن القطان, ولا يزدون على ذلك إلا أشياء قليلة. وخير مثال على ذلك الحافظ ابن حجر العسقلاني يسلم لابن القطان ما انتقده عليه, وهذا لا يرسخ إلينا إلا أن الرجل يتحلى بالإحاطة في عرض مادته وتتبعها, وكذلك الإمام الذهبي لم يعرف بأحوال بعض الرواة في ميزانه إلا من جهة ابن القطان ولا يزيد على ما قاله ابن القطان فيهم إلا في الضئيل الحقير من التراجم التي تعقبه فيها. وهناك أمثلة أوردها الدكتور الحسين أيت سعيد في تحقيق كتاب بيان الوهم والإيهام.(1) ومن الرجال الذين تكلم فيهم ابن القطان بتعديل أو تجريح أغلبهم خرج لهم البخاري ومسلم وخرج لهم الباقون من الستة أو بعضهم, وصنف خرج له فيما دون الكتب الستة. فقسم منهم أخد أقوال التقدميين ووافقهم, وقسم منهم انتقد من سبقه بتضعيف أو توثيق, وقسم منهم كما قد سبق لا تستفاد أحوالهم إلا من جهته ولا يعرف العلماء هذا الفن فيهم قول ولهذا فكل من ترجم لهؤلاء الرجال من بعد ابن القطان ينقل قوله فيهم تعديلا وتجرحا, ولعل هذا هو القسم من تجديدات ابن القطان ولقد ذكر هذا الأخير هذا الأمر في مقدمة كتاب بيان الوهم والإيهام وزها به على عبد الحق الإشبلي.
______________ (1): بيان الوهم والإيهام 304/1





3 _ خلاصة :
إن ابن القطان من العلماء الجهابذة الأفذاذ الدين أبلوا شبابهم في خدمة حديت رسول الله صلى الله عليه وسلم بتتبع أحوال الرواة ومروياتهم وحرصه الدقيق على التثبت من الحكم قبل إصداره وهذا لا يكون إلا من رجل يخشى الله تعالى ويتقيه,فمجهود هذا العلم الغربي في الجرح والتعديل كثيرة وقد حاولت الإشارة إلى بعضها فالقليل يدل على الكثير في هذه الصناعة -الجرح والتعديل- وهذا كله لا يزيدني إلا توثق من أن الغرب الإسلامي فيه من العلماء ما نفتخر بهم ونتشرف بكوننا من أهل بلدهم. تم بحمد الله