السلام عليكم:
يقول عباس حسن: لا يجوز إضافة اسم الفاعل إلى مرفوعه 'سواء أكان فعله ثلاثيًا أم غير ثلاثي، لازمًا أم متعديًا' إلا إذا أريد منه الثبوت والدوام، وقامت القرينة على هذا؛ فيصبر صفة مشبهة، تجري عليه كل أحكامها، ومنها: أن يحكم عليه باللزوم فلا ينصب المفعول به الأصيل ولو كان فعله متعديًا، وهذا على حسب البيان المشروح فيما سبق3 وفيما يلي:
اسم الفاعل المضاف لفاعله بقصد النص على الثبوت والدوام بقرينة، فيترك الحدوث، وينتقل إلى معنى الصفة المشبهة- ثلاثة أنواع 'وكذا صيغة المبالغة، وهذه لا تصاغ إلا من الثلاثي':
أولها : نوع مأخوذ من الفعل اللازم -الثلاثي وغير الثلاثي- مثل: عالٍ وشامخ... في نحو: هذا عالي القامة، شامخ الأنف 'وفعلهما: علا، شمخ'. ومثل 'تائب' في قول الشاعر:
تباركت؛ إني من عذابك خائفٌ ... وإني إليكم تائب النفس باخعُ1
'والفعل: تاب'، وقول الآخر يمدح:
ضحوك السن إن نطقوا بخير ... وعند الشر مطراق عبوس2
ولا يكاد يوجد خلاف في جواز انتقال هذا النوع من حالة الحدوث إلى معنى الصفة المشبهة.
ثانيها: نوع مأخوذ من فعل متعدٍّ لمفعول به واحد. والراجح في هذا النوع جواز انتقاله إلى معنى الصفة المشبهة، بشرط أن يكون اللبس مأمونًا؛ 'وهو: التباس الإضافة للفاعل بالإضافة للمفعول به'. فإذا لم يؤمَن اللبس لم تجز الإضافة؛ كقولهم: فلان راحم الأبناء، نافع الأعوان، يريدون: أن أبناءه راحمون وأعوانه نافعون. فإذا كان المقامُ مقامَ مدح الأبناء والأعوان جاز؛ لدلالة المقام على أن الإضافة للفاعل؛ كصدورها ممن يرد على قول القائل: 'ليس أبناء فلان بمفطورين على الرحمة، ولا أعوانه بمطبوعين على النفع'، أو من يرد على قول القائل: 'أبناء فلان قساة، وأعوانه ضارون، بسجيتهم...' ففي هذا المثال وأشباهه مما يحذف فيه المفعول به ويؤمن فيه اللبس لقرينة لفظية، أو: معنوية، يجوز في السببي -ككلمة: 'الأبناء' وكلمة: 'الأعوان'- إما الرفع؛ على أنه فاعل للصفة المشبهة 'وهي: راحم. نافع'، وإما النصب على أنه شبيه بالمفعول به، ولا يصلح تمييزًا إن كان معرفة، كما في المثال. وإما الجر، على أنه مضاف إليه. وهذه الأوجه الإعرابية الثلاثة هي التي تجري على معمول الصفة المشبهة الأصيلة1، كالتي في مثل: 'فلان جميل الوجه، حسن الهيئة، حلو الحديث' ومن أمثلة هذا النوع:
ما الراحم القلب ظلامًا وإن ظلما ... ولا الكريم بمناع وإن حرما
وفي هذا النوع من الإضافة إلى المرفوع يكثر حذف المفعول به، الذي كان معمولًا لاسم الفاعل قبل إضافته لفاعله، وقبل أن يصير بهذه الإضافة صفة مشبهة. ويصح ذكر هذا المفعول به في الرأي الراجح -مع إعرابه 'شبيهًا بالمفعول به'، لا مفعول به أصيلًا، مثل: 'فلان راحم الأبناء الناس، ونافع الأعوان أفرادًا كثيرة'. فكلمتا: 'الناس' و'أفرادًا' شبيهتان بالمفعول به. ولا داعي لمنع هذا الشبيه المنصوب من ذكره وظهوره في الجملة، بزعم أن منصوب الصفة المشبهة -إذا كان شبيهًا بالمفعول به- لا يزيد على واحد كما قرره النحاة. وقرارهم حق؛ فمنصوبها الشبيه بالمفعول به لا يزيد على واحد. والذي في المثال السابق -ونظائره- لم يزد على واحد. ولكن المانعين يتوهمون أن الواحد يشمل 'المضاف إليه' بعد الصفة المشبهة؛ لأن هذا 'المضاف إليه' يجوز نصبه على التشبيه بالمفعول به قبل إضافته2؛ فاعتبروه بمنزلة 'الشبيه بالمفعول به'. برغم أنه: 'مضاف إليه' مجرور، وبنوا على هذا عدم صحة المنصوب الآخر معه؛ لئلا يزيد منصوب الصفة المشبهة على واحد إذا كان شبيهًا بالمفعول به.
قال 'الصبان' في هذا الموضع1: لا داعي للأخذ بالوهم السابق، ولا بما يترتب عليه، فالصحيح عنده في هذه الصورة وأشباهها جواز الإضافة إلى المرفوع مع ذكر المنصوب الواحد بعده، والذي يعرب 'شبيهًا بالمفعول به'.
وفي رأيه تيسير، واستبعاد لشرط أن يكون الفعل محذوف المفعول به، كما اشترطه بعضهم.
ثالثها: نوع مأخوذ من فعل متعدٍّ لمفعولين، أو ثلاثة: نحو: 'أنا ظانٌّ رفيقًا قادمًا، ومخبر الأصدقاء السرور شاملًا بقدومه'. ولا يكاد يوجد كبير خلاف في منع انتقال هذا النوع إلى معنى الصفة المشبهة من طريق إضافته لفاعله؛ لأن الوصف ينصب مفعولين أو أكثر كفعله، ومنصوب الصفة المشبهة لا يزيد على واحد على الوجه الذي أوضحناه في النوع السالف.
هذا، ولأكثر النحاة فلسفة خيالية فيما تقدم؛ فهم يقولون: إن إضافة اسم الفاعل إلى مرفوعه تتم على الصور السابقة في ثلاث مراحل مرتبة:
أولها: تحويل الإسناد عن المرفوع إلى ضمير الموصوف.
وثانيها: نصب المرفوع بعد ذلك على التشبيه بالمفعول به.
وثالثها: جره على الإضافة.

ففي مثل: الطبيب رائف القلب، يكون الأصل: الطبيب رائف قلبه؛ -برفع كلمة: قلب'- ثم يتحول الإسناد عن المرفوع السببي، وينتقل إلى الضمير المضاف إليه؛ وهو: 'الهاء' ويستتر هذا الضمير في الوصف: 'رائف'، ويعوض منه 'أن' في رأي الكوفيين4؛ وينصب المرفوع الذي تحول عنه الإسناد؛ لأنه صار بعد تحويل الإسناد عنه أشبه بالفضلة؛بسبب استغناء الوصف عنه بضمير الموصوف؛ فينصب مثلها، ويصير: 'الطبيب رائف القلب'. ثم يجر بالإضافة؛ فرارًا من القبح البادي في إجراء الوصف اللازم أو ما يشبهه مجرى المتعدى. 'والمراد بما يشبهه1: الوصف المتعدي لمفعول واحد، ومفعوله محذوف'. فيصير: 'الطبيب رائف القلب'.
ويقولون في تعليل هذه المراحل الثلاث2 المتخيلة: إنه لا يصح إضافة الوصف لمرفوعه مباشرة؛ لأنه عينه في المعنى؛ فلزم إضافة الشيء إلى نفسه3، ولا يصح حذفه لعدم الاستغناء عنه، فلم يبقَ طريق إلى إضافته لمرفوعه إلا ذلك الطريق الذي وضحنا مراحله. ويستدلون على الإضافة بكثير من الأمثلة المأثورة تؤيد4 رأيهم.
وكل هذا كلام افتراضي؛ لا تعرفه طوائف العرب؛ أصحاب اللغة، ومرجعها الأول الصحيح. فإغفاله خير. ولن يترتب عليه ضرر.
هـ- لا تجيء 'صيغ المبالغة' إلا من مصدر فعل قابل للزيادة، فلا يقال: موات ولا قتال، في شخص مات أو قتل؛ إذ لا تفاوت في الموت والقتل.
و- سيجيء1 أنه كثر في الأساليب الفصيحة المسموعة استعمال صيغة: 'فعال' للدلالة على 'النسب' -بدلًا من يائه- وكثر هذا الحرف؛ فقالوا: حداد لمن حرفته 'الحدادة'، ونجار لمن حرفته 'النجارة'... وكذا: لبَّان، وبقَّال، وعطَّار. ونحوها من كل منسوب إلى صناعة. والأحسن الأخذ بالرأي القائل بقياس هذا في النسب إلى الحرف؛ لأن الكثرة الواردة منه تكفي للقياس عليه.
السؤال: تأملوا المخطوط بالأحمر, من قال به, فالذي أعرفه أنهم قالوا ذلك في إضافة اسم المفعول إلى مرفوعه, أما في اسم الفاعل فمن قاله؟